كلمة العدد
في عالم شديد التعقيد والتداخل، وفي موج متلاطم من المسارات والإتجاهات
والسياسيات والأفكار والقرارات، تعترينا الظلمة الحالكة، وتضيع البوصلة، ويتلاشى
النظر الصائب، ويتجه كل ذلك إما إلى إفراط أو تفريط.
إفراط يتمثل في حدة الراي وجلد الذات والإنفعال غير المبرر، وتفريط يتمثل في
الإستسلام للواقع المزري ولضبابية الرؤية، وردة الفعل غير الناضجة.
ومن هذا التوصيف تأتي مجلة رؤية، لتسدد النظر، وتضبط البوصلة، وتحلل المركب ،
وتركب المبعثر، لتخرج لنا عسلا صافيا من جودة الراي والبصيرة النافذة والمسار
المرشد، وجديد الفكر والرؤى.
تحاول هذه المجلة بيان آخر ما أنتجه العقل المفكر، وما أفتى به الفقيه ونطق به
الشرعي، وما التقطه السياسي من تجربة، وما أثمرت عنه مسيرة الداعية، وما يعلمنا اياه
المربي من فنون التكوين والبناء.
نتحدث في الجميع هنا في الفكر والشريعة والسياسة والدعوة والتربية.
نحن هنا ليس لنا إلا الكلمة الصادقة والنصح الحنون والبيان الشرعي.
نحن هنا ليس عندنا خطوط حمراء في الرأي والفكر والطرح فهو ملتقى لتلاقح الأفكار
وتسديد الرؤى وتجديد المسار للمفكرين والعلماء والساسة والدعاة والمربين، فرب
كلمة أحيت أمة.
فعلى بركة الله نمضي....
رئيس التحرير
تغيير منظومة التفكير القيادي (بين اصالة القيم وحداثة النظم)
د.امجد الجنابي
أكاديمي واعلامي
منذ مدة وانا افكر في الحدود الفاصلة بين القائد والمدير، ومدى ارتباطهما وانفصالهما في مساحات معلومة، ثم ماذا يعني كل منهما في ظل قيام المؤسسات الكبرى بمهامها على اتم وجه دون ان تتعلق بمدير بذاته او قائد بعينه!
لنتفق اولا على مجموعة معايير تكون هي الحاكمة لما سياتي فيما بعد:
اولا: يبدأ القائد بدوره ويبدع في آراءه حين يعجز نظام المؤسسة على تجاوز ازمة ما نتيجة عدم وجود ما ينظم عملها في امر طاريء مستحدث.
ثانيا: المساحة الاوسع هي لما هو مكتوب ومقنن في النظام وليس ما يراه القائد او يهواه.
ثالثا: لكل مؤسسة نظامها الداخلي وقوانينها الصارمة والتي يتساوى امامها الموظف الصغير وراس الهرم من دون تفريط بالواجبات ولا افراط في الحقوق.
رابعا: الاصل في القيادة انها جماعية ممثلة بمجلس ادارة يعرف كل عضو فيه مهامه بدقة وصلاحياته وحدود القرار فيه.
خامسا: يمارس القائد دورا اداريا في اغلب الاوقات الا في حالات نادرة وليس العكس.
مما تقدم يتبين لنا ان هناك مفاهيم خاطئة كثيرة يجب ان تصحح داخل منظومة المؤسسة ، ولتسير الامور بشكل انسيابي وصحيح يجب مراعاة كل ذلك، او على الاقل تحرير المصطلحات والاتفاق على صلاحيات (القائد والمدير ) ووضع نظام مؤسسي حاكم لهما.
من الناحية الشرعية لدينا نصوص عظيمة تؤسس لمجموعة من القيم والتي تنفع كمرجعية ومظلة كبيرة لما ذكر آنفا وليست بديلا عنه ولربما يحلو للبعض ان ياتي بهذه النصوص ويتركها عامة دون بناء عليها ولا تفريع منها ويترك لنفسه مساحة اجتهاد كبيرة يتحرك فيها بغير ضابط ولا قانون حاكم ثم يستشهد بهذه النصوص العامة !!
لنتامل في النصوص ماذا نجد ؟
يذكر الحافظ النووي رحمه الله في باب النهي عن سؤال الإمارة ما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إنك امرؤ ضعيف وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين على مال يتيم)؛ وهذه أربع جمل بين الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي ذر فيها ما بين، فأما الأولى: فقد قال له:(إنك امرؤ ضعيف)، وهذا القول إذا كان مصارحة أمام الإنسان فلا شك أنه ثقيل على النفس وأنه قد يؤثر فيك أن يقال لك إنك امرؤ ضعيف لكن الأمانة تقتضي هذا ، وهو أن يصرح للإنسان بوصفه الذي هو عليه إن قويا فقوى وإن ضعيفا فضعيف، ولا حرج على الإنسان إذا قال لشخص مثلا إن فيك كذا وكذا من باب النصيحة لا من باب السب والتعيير فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: إنك امرؤ ضعيف.
اما الثانية: فقوله : (وإني أحب لك ما أحبه لنفسي)، وهذا من حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام لما كانت الجملة الأولى فيها شيء من الجرح قال وإني أحب لك ما أحب لنفسي يعني لم أقل لك ذلك إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي .
والثالثة: (فلا تأمرن على اثنين):ويعني بها لا تكن أميرا على اثنين وما زاد فهو من باب أولى والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يكون أميرا لأنه ضعيف والإمارة تحتاج إلى إنسان قوي أمين؛ قوي بحيث تكون له سلطة وكلمة حادة وإذا قال فعل لا يكون ضعيفا أمام الناس لأن الناس إذا استضعفوا الشخص لم يبق له حرمة عندهم وتجرأ عليه لكع بن لكع وصار الإنسان ليس بشيء لكن إذا كان قويا حادا في ذات الله لا يتجاوز حدود الله عز وجل ولا يقصر عن السلطة التي جعلها الله له فهذا هو الأمير حقيقة.
والرابعة : (لا تولين مال يتيم)، واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتولى على مال اليتيم لأن مال اليتيم يحتاج إلى عناية ويحتاج إلى رعاية، قال تعالى: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا))، وأبو ذر ضعيف لا يستطيع أن يرعى هذا المال حق رعايته فلهذا قال ولا تولين مال يتيم يعني لا تكن وليا عليه دعه لغيرك ففي هذا دليل على أنه يشترط للإمارة أن يكون الإنسان قويا وأن يكون أمينا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال إنها أمانة فإذا كان قويا أمينا فهذه هي الصفات التي يستحق بها أن يكون أميرا فإن كان قويا غير أمين أو أمينا غير قوي أو ضعيفا غير أمين فهذه الأحوال الثلاثة لا ينبغي أن يكون صاحبها أميرا.
ولكن يجب أن نعلم أن الأشياء تتقيد بقدر الحاجة فإذا لم نجد إلا أميرا ضعيفا أو أميرا غير أمين وكان لا يوجد في الساحة أحد تنطبق عليه الأوصاف كاملة فإنه يولى الأمثل فالأمثل ولا تترك الأمور بلا إمارة لأن الناس محتاجون إلى أمير ومحتاجون إلى قاض ومحتاجون إلى من يتولى أمورهم فإن أمكن وجود من تتم فيه الشروط فهذا هو الواجب وإن لم يوجد فإنه يولى الأمثل فالأمثل لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وتختلف الأنظار فيما إذا كان لدينا رجلان أحدهما أمين غير قوي والثاني قوي غير أمين كل منهما معيب من وجه لكن في باب الإمارة يفضل القوي وإن كان فيه ضعف في الأمانة لأن القوي ربما يكون أمينا لكن الضعيف الذي طبيعته الضعف فإن الطبع لا يتغير ولا يتحول غالبا فإذا كان أمامنا رجلان أحدهما ضعيف ولكنه أمين والثاني قوي لكنه ضعيف في الأمانة فإننا نؤمر القوي لأن هذا أنفع للناس فالناس يحتاجون إلى سلطة وإلى قوة وإذا لم تكن قوة ولا سيما مع ضعف الدين ضاعت الأمور
من هنا كان لزاما علينا ان نبحث ونتدارس ونوسع مداركنا حول القيادة والادارة، وان نكون على دراية كاملة بخطورة هذا الموقع واهميته ولو كان رعاية طفل يتيم!
وفي شرح النووي هنا عدة اشارات مهمة ومثابات واضحة منها قضية (المال) والامانة فيه، ومنها (القوة) في اتخاذ القرار وربما في الالتزام بالنظام (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:
" فها هو ذا أول موقف ليحيى هو موقف انتدابه ليحمل الأمانة الكبرى. «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» .. والكتاب هو التوراة كتاب بني إسرائيل من بعد موسى، وعليه كان يقوم أنبياؤهم يعلمون به ويحكمون. وقد ورث يحيى أباه زكريا، ونودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم، لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة..
وبعد النداء يكشف السياق عما زود به يحيى لينهض بالتبعة الكبرى:
«وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً، وَكانَ تَقِيًّا» ..
فهذه هي المؤهلات التي زوده الله بها وأعده وأعانه على احتمال ما كلفه إياه عند ما ناداه..
آتاه الحكمة صبيا. فكان فذا في زاده، كما كان فذا في اسمه وفي ميلاده. فالحكمة تأتي متأخرة. ولكن يحيى قد زود بها صبيا.
وآتاه الحنان هبة لدنية لا يتكلفه ولا يتعلمه إنما هو مطبوع عليه ومطبوع به. والحنان صفة ضرورية للنبي المكلف رعاية القلوب والنفوس، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق.
وآتاه الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس، فيطهرها ويزكيها.
«وَكانَ تَقِيًّا» موصولا بالله، متحرجا معه، مراقبا له، يخشاه ويستشعر رقابته عليه في سره ونجواه.
ذلك هو الزاد الذي آتاه الله يحيى في صباه، ليخلف أباه كما توجه إلى ربه وناداه نداء خفيا. فاستجاب له ربه ووهب له غلاما زكيا.."
ويأتي الامام النووي بباب سماه (باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم) ، ويستشهد له بقوله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين{ .
ثم باحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله ) رواه البخاري..وايضا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسى لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ) رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم.
ينبغي على جميع المؤسسات التي تريد النجاح في عملها ان تتسلح بامرين مهمين:
اولا: مرجعية قيمية تفعل الرقابة الذاتية وتدفع العاملين الى المضي في تطوير مؤهلاتهم والابداع في عملهم مهما كان مركزهم الذي يشغلونه.
ثانيا: نظام مفصل لكل المؤسسة من هرمها الى قاعدتها، وفيه تتوزع الواجبات والمسؤوليات بطريقة مهنية محترفة مسنودة بنظم للمكافآت والتدريب والتحفيز .
ان الجمع بين اصالة القيم كمرجعية وحداثة النظم كفيل بتجاوز معظم الازمات التي عصفت بكثير من المؤسسات والجماعات وهي وصية لكل المتصدرين للمشهد ان يراجعوا ويستدركوا ويضعوا الامور في نصابها الصحيح.
(اضطراب التشخيص)
د أحمد النعيمي
أستاذ جامعي
لا يزال سؤال المستقبل يدور في اذهان جميع المراقبين للحركة الاسلامية على الرغم من
كثرة المتكلمين فيه؛ للإجابة عن سر الاضطراب الذي حصل في اذهان ابناء الحركة في
تشخيص موطن الخلل الذي ادى الى تراجعها بعد ان تصدرت واجهة البلدان التي حدث
فيها الربيع العربي بمدة قياسية جعل المراقبين يتهمونها بالارتجال والضعف، مما جعل
خصومها يرون ان الربيع العربي كشف حجم الاسلام السياسي الحقيقي وضعف دوره ،
وان كل الشعارات التي كان يرفعها قبل الثورات ما هي الا شعارات انتخابية حالها
كحال الشعارات التي يتداولها اي مرشح يبتغي الوصول الى السلطة، ثم يتخلى عنها
سواء كان عن قصد او انه اصغر مما يقول.. وبعيدا عما يقوله خصومها ويشخصونه
فيها، لا بد من النظر داخل عقول ابناء الحركة ومفكريها وجس نبضهم النقدي
والتشخيصي للوقوف على مدى تعاطيهم امام مشكلة التشخيص.
فلقد رأى البعض، ممن تكلم في المسار التصحيحي، ان تفسير ما جرى للحركة لا
يمكن ان يفسر الا في اطار الضعف الاداري، والشيخوخة التي اصابت القيادة التي باتت
تكتفي -في زمن تغير فيه المتغير- بما وعوه من جيل الخمسينيات والستينيات، مما
جعل البناء الحركي يترهل لدرجة الانفكاك، و ان الحل يكمن في صياغة مشروع اداري
حضاري يقوم على ردم الهوة بين الزمانين. -وفسر فريق اخر ان السبب هو سبب عملي
بحت، وليس للفكر علاقة فيما جرى، وان دعوى تجديد الفكر ما هو الا ضرب لقوة
الحركة، فالقائمون على الحركة اعتمدوا -في تطبيق الفكر- على ايثار جانب الرخصةفي موطن العزيمة، وسلوك اطول الطرق في سبيل تحقيق الاهداف، واغفال السنن
الكونية في التعامل مع الازمات
وذهب البعض الى تفسير اكثر تعقيدا وقسوة، من خلال طرحه صورة ضبابية متعلقة بغاية
الحركة المنشودة ودورها في الحياة، فالشمولية التي تتسم بها الحركة -وكانت تراها
عنصر قوة وجذب- اصبحت من اهم العقبات الفكرية والعملية التي ادت الى ترهل
الهيكل التنظيمي، والاجهاد الفردي من الجانب العملي، والى التصادم بين المشروعين
من الجانب الفكري، بسبب انعدام النضج التكاملي بين المشاريع؛ لغياب البوصلة
الموجهة لجميع المشاريع التي تنتهي بجهود الجميع نحو تحقيق غاية واحدة غير
واضحة المعالم، وان التكامل بين المؤسسات هو سر النجاح، والترياق الذي يقوي
مناعة الحركة من الاختلاف الداخلي.
ان هذا الانقسام الحاد في تشخيص الخلل الذي ينبغي توحيد الجهود له، هو سبب
توقف الحركة الاصلاح الداخلي وهو ما غاب عن من وقع على عاتقه تشخيص الخلل ،
فالتصادم لم يقتصر على المشاريع العملية، بل تعدى الى الجانب الفكري التشخيصي.
ان من المقرر في علم الاجتماع ان الخلاف الذي يحصل في وجهات النظر التشخيصية
بين طبقات مختلفة في مستوى الوعي والادراك امر طبيعي؛ بسبب اختلاف تصورها
للحقائق.
ان غياب الآليات الحقيقية في تقييم موضع الخلل المرحلي، وتنشيط موطن الكسل ،
واستيعاب المرحلة بكل ما تحمله في طياتها من مخاطر الصراع، ورصد مواطن القوة ،
قد يسبب ازمة داخلية هي الاخطر على كينونتها منذ نشأتها. فلا يعقل ان يشخص
الخلل السياسي ويعزى الى الضعف التربوي او الاداري او الاغاثي، وان كان التداخل
بين العناصر المذكورة مكملا للمسار السياسي وداعما له، فما قيمة الانضباط التربويفي غياب ادوات تنفيذ الرؤية السياسية التي تحتاج الى ذكاء وفطنة ومهارة استغلال
الفرص والواقعية في الطرح ومراقبة الاحداث والتنبؤ بالمستقبل وضم النظير الى نظيره في
التعامل مع الخصوم في اطارها السياسي؟؟! -وفي النهاية إذا ما بقي الامر مرهون بحسن
النية والتعامل بردود الافعال في ايجاد مواطن الخلل قد تصل حالة الاحباط الى قطاع
كبير من الذين بنوا امالهم على حسم سريع وشامل يعيد اليهم الثقة في حركتهم كحركة
شمولية تعالج مفاصل الحياة وما تعتريها من مشاكل باكثر واقعية وبخيارات تواكب
الحدث وتعالجه.
مستلزمات الريادة القيادية للمرحلة القادمة
د هشام الأنيس
اكاديمي وباحث
عندما تمر على دولة أو جماعة ظروف مصيرية معينة، فإنه يتبادر عند كل من ينظوي تحتها التفكير
في مواصفات الشخصية التي يمكن أن تثبنى عليها الآمال لتحقيق النقلة النوعية علن المستويات كافة ،
والتي يشعر مَنْ حولها بالطمأنينة والثقة على أنها ستحقق ما يتطلع إليه المجموع، فقد تتطلب مرحلة
ما رجل قوة وحزم، أو قد تتطلب ذا حكمة وسعة صدر، وقد تتطلب رجل مال او جاه، والقائمة
متنوعة ، واليوم نحن في حركة مرّت عليها سنوات عجاف احترق فيها زرع، وجفَّ فيها ضرع ،
وتعددت المشارب وتنوعت المسارب، وشهدت فتناً اختلف عليها عاملون، وسئم من الحال رجال
صادقون، المهم أننا باختصار نعاني أزمة آذت وآلمت، مما يحتم على من امتلك حرصا ومحبة
وحماسا لهذه الحركة أن يبادر لينتشل قلوبا ظمأى لرؤية الأمل القادم، ويعيد سمت البذل في زمن
الجدب الذي خلَّفته سنوات الاختلاف، منطلقا من اعتبارات عدّة:
1. أن الله سينصر هذه الدعوة بعزّ عزيز أو بذلِّ ذليل، مما يسوّغ التعجيل بأخذ زمام المبادرة
وحجز مقعد في ركب السابقين، وفي (ذو الجوشن) الذي تأخر عن الالتحاق بالدين عبرة لمَنْ
تأخر.
2. أن ترك الدعوة ليس من شيم الرجال الذي قدّموا في زمن مضى كان الآخرون يجمعون لغير
الآخرة،إنه راعي هذه الدعوة وفلاح بذرها الذي طال انتظاره، وهل سمعتم بربّ بيت ترك ما
عنده لغيره وقد بذل في جمعه دهرا بذل فيه من نفسه وجهده ووقته وماله .
3. أن الدعوات كما الأمم تولد وتنشأ وليس بغريب أن تتعثر وتضعف، إذا تخلى الأصيل عن
مكانه و الناصح عن مقاله، وتسيّدَ الضعيف وتسنم موقعا ليس له بفاهم أو خبير، مما يحرّك
الأصلاء والنجباء أن يعودوا لمواقع المسؤولية الأدبية والأخلاقية تجاه الحركة كجزء من
الالتحام معها والذود عنها وتصحيح ما فسدَ فيها بفعل الظروف القاسية التي مرّت بها.4. أن الإصلاح قد يأتي من خارج الحركة وممن هو مشاهد لها، ولكن بغياب الرجل الميداني
الحر فيها الذي يسارع بالأخذ بهذا الإصلاح يبقى هذا الإصلاح محض تمنيات لا تأخذ من
التنفيذ مساحة ما، وهنا فالحاجة ماسة لهذا الميداني الخبير ذي الرأي والخبرة التي اكتسبها
بفعل التقادم والسبق وملازمة الميدان.
ومن هذه الاعتبارات ننطلق بالحديث عمّا ينبغي أن تكون عليه المجموعة القيادية الرائدة في
المرحلة القادمة لتكون المجموعة هذه تعرف ما الذي ينتظرها من أعمال من جهة، وكي تضحى
الصورة واضحة أمام القواعد العاملة كي تقوّم عمل هذه المجموعة وتحاسبها على وفق هذه
المعايير:
1. وضوح الهدف المبني على رؤية محددة ومنضبطة وهذا الوضوح يتأكد في حق هذه
المجموعة قبل القواعد التي ستنفّذها والمهام والخطط المرتبطة بها، ومعلوم أن زمن
الارتجال والخطط السريعة أو غير الواضحة هو نوع من تضييع الجهود والطاقات
والأوقات، والذي بدوره يسوّغ للعاملين السأم وعدم القناعة بهذه المجموعة ومن ثمة
التلكؤ في الاستماع إليها، والأخطر قد يحدث بالخروج عليها، وهنا ينبغي للمجموعة
العاملة أن تتوقف عن الحركة حالما تجد أن البوصلة غائبة أو أن الأهداف غير واضحة ،
فالمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، والتوقف والتدارك والسؤال أفضل ـ في كل المقاييس
ـ من حركة عشوائية لا هدف لها إلا إشغال العاملين.
2. التوقف كليا عن مرحلة العمل السري والبقاء خلف الكواليس بحجة ما تتعرض له من تهم
أو مقولات حاقدة، أو أوضاع أمنية مربكة، فهذه تراعى جميعها عند النزول إلى ميدان
العمل، ولكن الظهور برموز جيدة وإشعار القواعد بالحضور القيادي في ساحات ومرافق
الحياة يبعث فيهم الطمأنينة والرضا والثقة التي تقطع دابر التقوّلات والجيوب والنقد غير
الشرعي ومن هنا ينبغي لهذه المجموعة أن ترسم خطوط العمل التي ستشغلها وتوزّع
العاملين عليها وتتواجد معهم وتتعرض لمثل ما يتعرّضون له، وهذا هدي رسول الله صلىالله عليه و سلم بين أصحابه الذين قالوا: كنا إذا حمي الوطيس احتمينا برسول الله صلى
الله عليه و سلم.
3. إيلاء أهمية بالغة بالشورى التي تتأسس مع حزمة العبادات الأخرى التي جعلها الله قرينة
لاجتناب الفواحش والاستجابة لله وإقامة الصلاة. كما في سورة الشورى " الآيات
37/38" ومع ضرورة الاستماع للعاملين في الميدان ينبغي لهذه المجموعة أنْ لا تسلّم
زمام قراراتها في كل أمر للقواعد، فهذا دليل ضعف قد تنتقده القواعد مثلما تنتقد الانفراد
في القرارات ، والرسول صلى الله عليه و سلم على تأييد الوحي له عندما نزل إلى شورى
شباب الصحابة في معركة أحد كانت النتائج غير مسرِّة على أقل تقدير مع ما صاحبها من
خسائر، وللأستاذ الراشد في المسار تفصيل في ضبط ممارسة الشورى مراجعته ضرورية
فيه فوائد جد كبيرة.
4. من أجل أن تحقيق حضور لمثل هذه المجموعة، ينبغي للعاملين دفع مَنْ هو أهل للقيادة ،
والضابط الذي لا يختلف فيه اثنان هو الصالح المصلح الذي توفّرت فيه عناصر النجاح
بمستوياته كافة مثل :
الايمان بالفكرة وفهم الأهداف الموصلة للرؤية المطلوبة وتمثلها في كل حالاته ،
الحماسة لها، فدون ذلك سيكون المتقدم لمثل هذه المهمة أنموذجا معرقلا للعمل
داعية للكسل واللامبالاة.
اتصافه بوعي متنوع وشامل لمسارات العمل، ويقف من تنوعات العمل على مسافة
واحدة، وقادراً على استيعاب هذا التنوّع وتسخيره لخدمة مسارات العمل الأخرى ،
وحينئذ سيجد العاملون فيه ضالتهم ويستشعرون بوجوده دفء العلاقة الأخوية والثقة
التي سيهبونه إياها عن طيب نفس وقناعة عقل، وإن الخطر قد يلحق العمل إذا سادت
الحركة أحادية في الفهم والميول مما سيحكم عليها بالعرج أو العور إنْ لم نقل التخبطفي مرحلة لاحقة، مع مراعاة أن التركيز في مرحلة ما قد يكون لمسار ما، ولكن هذا
استثناء من القاعدة.
ضرورة التوقف بين الحين والآخر للاستماع لما يحدث داخل الصفوف بأذن واعية
ومسرورة، وأن تأخذ ما تسمع من نقد أو ملاحظات على أحسن وجه ونية، وهذا مما
يعزز حالة الشفافية في الصفوف فالاستماع الآن سيدفع لغطا وترجيفا مستقبلا ،
والشمس تقتل الجراثيم، وصفنا الإسلامي يفترض أن يكون خير ممثل لحرية الرأي ما
دام قد اتخذَ صاحبُه سلوك الأدب والنصح الجميل.
نزاهة ونظافة السلوك من التثقيف لأشخاص وتقديمهم للقيادة وفق إقطاعيات
ومؤسسات هو ممارسة غير إسلامية، وسلوك يستهين بعقول العاملين، وعلى المجموعة
الصالحة والمصلحة أن تفكر في مستقبل الأفراد السلوكي قبل أن تفكر في الحصول
على أصواتهم، وعليها أن تدعم ممارسة الأخ لرأيه وحقه في الاختيار، بعيدا عن رغبات
الاستيلاء على العمل وحيازة مواقع الصدارة، وارى أن هذه المجموعة عليها أن تتدرب
على التراجع عن الصدارة لا أن تتزاحم عليه، وإذا صدقت النية ونظفت النفوس فلا
خوف على مستقبل العمل، وبهذا يتحقق التوفيق والسداد أي ببركة الثقة والشعور
بالتقصير الذاتي، وليس بالرأي والعقل فقط.
الأمانة على العمل وهي تستدعي تعليم العاملين وتوعيتهم أصول العمل وسلوك السير في
الحركة، فعلى المستوى الفكري : تأصيل الفهم الشامل للعمل، وتعريفهم بلوائح السير،
وحقوق وواجبات الأفراد، وكيفية اختيارهم لممثليهم في المراكز القيادية
والمؤسساتية، وتمكين الفكرة وقدسيتها وتقويم الأفراد وفقها، وعلى المستوى
السلوكي: تعريفهم بضوابط نقد القيادات،و التوفيق بين الطاعة الواعية وضرورة النصح
وعدم التستر على الأخطاء، واحترام وإنزال الأفراد منازلهم، وغيرها من أصول السير. القدرة على العطاء والتطور باستمرار،فالقيادة ليست ممارسة وخبرة متراكمة فحسب
بل هي اطلاع ووعي وقراءة، ولا يكفي الوعي والخبرة ما لم يتستند على تقوى وخوف
من الله، وفي التاريخ عبرة فهذا المأمون على ثقافته وعلمه وقدرته على قيادة الدولة
العباسية إلا أنه كان راعيا لفتنة الناس في مسألة خلق القرآن وما تبعها من إيذاء وتعذيب
لعلماء أجلاء منهم احمد بن حنبل رضي الله عنه.
اهل السنه والجماعة ... وفنون حسن التموضع
مسلم العز الدين
ليس من الضروري ان يعني القرب من الحدث وضوح الحدث لدى ناظره ... وعلى
العكس من ذلك ايضا لا يعني الابتعاد عن الحدث وضوحه للناظر ... ان وضوح
الحدث لا يتعلق بالقرب والبعد بقدر ما يتعلق بالوقوف في النقطه الصحيحة والمكان
المناسب الذي لايريك الصورة بعيدة لا تبدو تفاصيلها ، او قريبة بحيث تغرق في
التفاصيل ويضيع عليك المعنى الكلي الصورة ... المكان الصحيح يوضح لك التفاصيل
ويظهر لك الاطار الكلي للصورة .. بهذا تستطيع الحكم بانك قد أحسنت التموضع
واخترت مكانك بعناية وظفرت بالمعلومات الجزءية والكليه للحدث والتي بدورها
ستسعفك بمعرفة كافية لتدرك الخيار الصحيح بين الخيارات العديده لاتخاذ قرار صحيح
... هذا في المواقف الاعتيادية .. واهل السنة بصورة عامة وبالعقليه الجمعية التي
تديرهم لم يوفقوا كثيرا في مسألة حسن التموضع من الاحداث التي مرت بهم ...
إن عملية حسن التموضع مع الاحداث بحاجة الى دراسة الجوانب السلبية والايجابيه
للحدث ودراسة الفرص التي يوجدها الحدث والتحديات التي سيخلقها .. ومن ثم
التحرك بناء على هذه التحليلات واتخاذ قرارات صائبة تصب في مصلحة المجموع
وهذه الآلية للاسف الشديد لم اهل السنة والجماعة في استثمارها والعمل بموجبها على
الرغم من معرفة الكثير من القيادات لها ... واختاروا العمل بمبدأ ( العفوية) والذي ادى
الى سوء اختيار الموضع من الحدث .. ومن ثمّ عدم وضوح الرؤية ثم القرار الخاطئ ..
هذا فيما يخص الصورة العادية ذات البعدين او الحدث العادي .. اما الصورة ذات
الابعاد الثلاث والاحداث المركبة فلا يكفي فيها حسن التموضع من حيث القرب والبعد
... بل ان حسن التموضع يحتاج مسالة البعد والقرب والزاوية التي تقف فيها فربماتحتاج لتدرك الصورة بكل تفاصيلها الانتقال الى عدة مواضع ربما تصل إلى عشر
مواضع وربما اكثر كل هذا لتدرك تفاصيل الصورة المركبة اوذات الابعاد المتعددة في
من النقطه أ تشير الى معنى ومن النقطه ب تشير الى معنى اخر وهكذا تحتاج الى معرفة
كل النقاط ودراسة كل المعاني حتى تتوصل الى المعنى النهائي للصورة ومنها الى الفهم
الصحيح والدقيق ... والاحداث من هذا الشكل لا يكفي فيها دراسة المزايا والسلبيات
والفرص والتحديات ... بل انها تحتاج الى دراسة السيناريوهات ... فالحدث المركب
يؤدي الى عدة سيناريوهات وكل سيناريو سيؤدي الى نتيجة معينه تختلف عن نتيجة
السيناريو الاخر والاخر .. ولذلك في الاحداث المركبة نحتاج الى حصر السيناريوهات
وتحليل هذه السيناريوهات جميعا ( مزايا وسلبيات وفرص وتحديات ) وتوقع النتائج
لكل سيناريو ومن ثم اتخاذ قرار دقيق لكل سيناريو وبالتالي تتكون لديك حزمة قرارات
جاهزة لكل سيناريو فأي سيناريو سيتطور ويظهر على الساحة سيكون قرارك له جاهزا
... نحن ايها الاخوة بحاجة الى العمل بهذه الطريقة ... وهذه الطريقه فاشلة ان لم
نستطع تحديد الموضع الامثل للنظر الى كل حدث .. حست التموضع فن يحتاجه
الجميع بصورة عامة ... وبصورة خاصة تحتاجه الاطراف التي دائما تكون العنصر
الضعيف في معادلات الاحداث ليخرجوا باقل الخسائر واكثر المكتسبات التي
يستطيعون الحصول عليها ..
الحركات الإسلامية في مواجهة سنة التغيير
محمد صادق امين
اعلامي وكاتب
أصبحت الأزمات والخلافات في صفوف حركات الإسلام السياسي، من الأمور الظاهرة
والبارزة في السنوات الأخيرة، وقد ارتقت هذه الازمات في بعض الاقاليم إلى مستوى
صراع الاجيال بسبب عدم المراجعة والمعالجة للازمات المتراكمة داخل الصف
الحركي.
وتلقي هذه الأزمات أضواء كاشفة على واقع الحركات في العالم الإسلامي؛ الذي لا
يزال منذ قرن من الزمان يرزأ تحت وطأة التخلف والجهل والذيلية والقمع، حتى غدت
شعوبه رمزا للتخلف والفقر والجوع والرجعية في العالم المتحضر! هذا الواقع لم يأت
من السماء ولا من مؤامرات الأعداء، ولا بسبب الحكام الطغاة الذين نصّبهم المستعمر-
كما في بعض القراءات-! بل جاء نتيجة حتمية لتواطؤ جمعي للأمة (في شخصيتها
العامة) على التخلي عن سنن النهوض والرقي والدليل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}،
لذلك هوت هذه الشعوب إلى أسفل نقطة في المنحنى البياني الذي يرسم خط سير
الحضارة الإنسانية، فالأمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تصنع! حتى غدا عدد
الـ(مولات) ينافس عدد المدارس والكليات! هذا على الصعيد المادي.
أما على صعيد القيم الروحية فقد انتهكت الحرمات واحتلت المقدسات ووقفت
شعوب المليار ونصف تتفرج على الانتهاكات بحق المسجد الأقصى المبارك، وتدل
كل الشواهد التاريخية على أن المسجد الأقصى هو المقياس الذي يقاس به واقع البشريةعلى امتداد تاريخها؛ فحين يقوى أهل الخير والعدل والحق تسيطر عليه الفئة الظاهرة
على الحق، وحين تتخلى هذه الفئة عن سنن الله ومنهجه الكوني والتشريعي تدور عليهم
الدائرة؛ ويظهر الباطل مجلجلا مسيطرا فارضا إرادته على الأرض ومن عليها، وعلى
سبيل المثال لا الحصر قال الله تعالى على لسان سيدنا موسى (عليه السلام) { ادْخُلُوا
الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} وحين
خافوا وتخلفوا عن الأمر بسبب خوفهم من العماليق الذين يسيطرون على القدس كانت
النتيجة: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ} وتحديد سنين التيه بالأربعين جاء بهدف تغيير جيل الهزيمة بجيل النصر فهي
فترة زمنية كافية لاستبدال الأجيال البشرية.
حتمية التغيير
الرابط بين هذه المقدمة وحديثي عن التغيير هو أنني اقرأ واقع شعوب الأمة الإسلامية
اليوم قراءة تربط شكليا وموضوعيا بين هذا الواقع وسني التيه الأربعين لأتباع سيدنا
موسى عليه السلام، فأجد أننا لازلنا نعيش مرحلة التيه؛ وأتلمس نهاية هذه المرحلة
بحركات التغيير التي بدأت أصواتها تتعالى هنا وهناك.
وبما أن الحركات الإسلامية هي أكثر قطعات الشعوب المسلمة واقعية وحركية وحيوية؛
وهذا ليس كلامي بل هو كلام مركز بحثي أمريكي تابع للكونغرس حيث وصف احد
تقاريره حركة الإخوان المسلمين بأنها "حركة المعارضة المصرية الوحيدة المنظمة
بشكل جاد" طبعا ما يقال عن الإخوان ينطبق على غالبية الحركات الإسلامية في العالم
الإسلامي كونها الحركة الأم التي قادت أول صحوة إسلامية حركية في العالم الإسلامي
منذ سقوط الخلافة، ومن رحمها خرجت كل الحركات؛ منها المرتبط تنظيما ومنها
المرتبط فكريا ومنها المرتبط من ناحية الانتماء المدرسي العام، لذلك نجد أن أول بوادرحراك التغيير في الأمة بدأت من داخل الحركات الإسلامية، والتي ما هي إلا تجارب
بشرية يقودها رجال يخطئون ويصيبون، هذه الحركات تشكلت خلال مرحلة ما أسميه
(سني التيه) لذلك أصاب هذه الحركات كل السلبيات والمثالب التي أصابت أجيال التيه
المتعاقبة في الأمة المسلمة، على سبيل المثال لا الحصر؛ (الشمولية والاستبداد
والدكتاتورية والاستئثار بالسلطة والتفرد بالقرار والفساد والمحسوبية وإهدار المال
العام....الخ) كل هذه من السمات التي تطبع شعوب مرحلة (التيه) وإليها ينسب سبب
التخلف، وبما أن الحركات الإسلامية جزء من هذا الواقع وليست كائنا محلقا فوقه ؛
كما يصور فقه سيد قطب رحمه الله، فقد أصابت الحركات الإسلامية حظها من هذه
السمات العامة،، وكما برزت في الدول الإسلامية ظاهرة اختطاف الدولة من فرد
ومجموعة أفراد، ظهرت كذلك في الحركات الإسلامية ظاهرة اختطاف الحركات من
فرد أو مجموعة أفراد، لذلك سجلت هذه الحركات الإخفاقات تلو الإخفاقات سياسيا
وفكريا وتنظيميا، وليس ثمة عيب في الإخفاق؛ فالعمل البشري يتراوح بين النجاح
والفشل والصواب والخطأ تبعا لطبيعة التركيبة البشرية،إلا أن الإشكال يكمن في القدرة
على المراجعة ونقد الذات وإجراء التغيير تبعا لمستجدات الحوادث، وبما أن الاستبداد
الذي يعم المجتمع يسيطر على هذه الحركات فقد توقفت عجلة المراجعة والتصحيح ؛
ومن ثمة التغيير وبدأت الحركات الإسلامية تراوح مكانها مراوحة تتوافق مع مراوحة
الحراك المجتمعي المحيط بها والناتج عن نفس الظروف الموضوعية للمحيط، وإن
كانت الحركات الإسلامية متقدمة على المجتمع بخطوة واحدة، إذ ثمة حراك
ومراجعات مستمرة داخل الحركات وان كانت شكلية يقوم بها نفس الأشخاص
المتسببين بالسياسات الخاطئة، وهو ما أهل هذه الحركات لتكون الرائدة التي تنبثق
منها حركات التغيير الداخلي.لا يفهم من كلامي هذا على الإطلاق أنني أغمط الحركات الإسلامية حقها، وأقلل من
دورها في وضع الشعوب المسلمة على طريق الخروج من مأزق التخلف والذيلية، فهذه
الحركات قادت الشعوب في مرحلة (الصحوة) التي انتشر أثرها في كل مكان وشمل
كل قطاعات الحياة، إلا أنها لم تتمكن من ترشيد وتوظيف (الصحوة) باتجاه التغيير
المجتمعي الشامل لأنها أصيبت ببعض ما في المجتمع من مثالب وعيوب، فظلت تراوح
في مكانها مكتفية بما حققت من انجازات دون خطة أو رؤية للانتقال إلى مرحلة ما
بعد (الصحوة) والسبب يكمن في وجود قيادات قد لا تتناغم مع حركة التغيير أو غير
قادرة على التعاطي مع المستجدات بسبب محدودية الكفاءة و تواضعها أحياناً.
التعطش للتغيير
اندثار جيل (التيه) جيل (الهزيمة) إلى جانب تأثيرات العولمة وعصر التكنولوجيا
والمعلوماتية أظهرت جيلا جديدا متعطشا للتغيير في البلاد الإسلامية، غير قادر على
الوقوف موقف المتفرج على حال الجمود والمراوحة في الأمة بشكل عام، وبما أن
الحركات الإسلامية هي أكثر قطعات المجتمع نضجا وحيوية كما أسلفت فقد انطلقت
منها شرارة المطالبة بالتغيير وهو ما انعكس على شكل خلافات تنظيمية نسمع بها هنا
وهناك، منها ما يخرج للعلن ومنها ما يدار في السر ، ومنها ما حسم أمره وحقق التغيير
الشامل.
وهنا استشهد بواقعة نشرتها شبكة إسلام أون لاين تحت عنوان (مؤتمر فتح الله كولن
يجذب مجانين الإصلاح) وهو المؤتمر الدولي الذي عقد في القاهرة للفترة من 19-
21 تشرين الأول عام 2009 بجامعة الدول العربية حيث شهد المؤتمر إقبالا غير
مسبوق لاكتشاف هذه الحركة التي كانت تعد في ذلك الوقت نموذجا لمساندة التغيير
داخل الحركات الاسلامية بسبب مساندتها لحركة التغيير التي قادها جيل رجب طيباردوغان في تركيا، حيث شهد المؤتمر اقبالا منقطع النظير من الاجيال الشابة "تجلَّى
ذلك في تدفق ما يزيد على 500 سؤال من المتشوقين لاستكشاف الحركة إلى منصة
إدارة الجلسة، وهو الرقم الذي قالت الدكتورة باكينام الشرقاوي، نائبة مدير برنامج
حوار الحضارات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه يكاد يكون غير
مسبوق في تاريخ المؤتمرات التي شهدتها من قبل، وفسرته بأنه تعبير عن عطش
الشعوب المسلمة لمثل هذا النموذج الحي للإصلاح والذي أثمر شبابا ورجال أعمال
ومعلمين ومثقفين يطبقونه في أكثر من 100 دولة" نقلا عما قيل في حينه عن هذا
المؤتمر مع التحفظ على بعض الافكار والمتغيرات التي طرأت لاحقا.
استشهد بهذه الواقعة للدلالة على ان التغيير داخل الحركة الإسلامية أصبح أمرا ضروريا
ملحا في المرحلة الانتقالية من مرحلة (الصحوة) إلى مرحلة (التغيير) التي يقبل عليها
المجتمع، وما لم يحصل التغيير فإن الحركات الإسلامية ستتخلف عن الحراك
المجتمعي، وستحصل انقلابات داخل الحركة بدل التغيير الطبيعي كما حصل في تركيا.
الدعوة للتغيير باتت تتردد في كل وقت ومن أكثر عقلاء الجماعات الإسلامية، واذكر
هنا ما قاله الاستاذ محمد مهدي عاكف فك الله اسره المرشد السابق لجماعة الإخوان
في حوار جمعه بالكاتب والمفكر الإسلامي كمال الهلباوي على قناة الحوار يوم الجمعة
الموافق 23/10/2009 حيث قال: "أدعو الشباب الغاضب الذي يعبر عن غضبه عبر
الانترنت بسبب الأوضاع السائدة إلى التوجه للانتخابات القادمة داخل الجماعة
وإحداث التغيير الذي يطمح إليه من خلال صناديق الاقتراع".
التغيير قادم والعاقل هو من توافق مع السنن؛ والمغامر من صادمها لأنه يصادم سنن الله
في خلقه وكونه..وهي غالبة لامحالة.لذلك؛ على الحركات الإسلامية ان تدرس آليات تحرك المياة الساكنة داخلها، وتخرج
خلافاتها من السر الى العلن، ثم يلتقي حكماؤها على آليات تتوافق مع ما وصل اليه
البشر من نظريات في فنون إدارة الحياة، والمؤسسات، بدل الاستناد الى النصوص التي
يمكن ان تؤول وتكيف حسب تصورات الافراد او مجاميع منهم.
( مركزية الكون )
د. سمير العبيدي
اكاديمي وباحث
تقوم الفلسفة الدينية على فكرة مركزية الإله واستخلاف الإنسان، فالخالقُ من عَدمٍ، له القدرةُ والإرادةُ المؤثرةُ في كل الموجودات باعتبارها حوادث وعوارض تحتاج إليه في كل آن، الإلهُ هو الذي يقدرُ الأيديولوجية الإنسانية لمسيرة الإنسان نحو الخلود، فالإنسانُ عبدٌ ذليلٌ يسعى لتطبيق أوامر سيده ليفوز بالسعادتين الدنيا والآخرة .
بينما نجدُ الفلسفةَ الدنيوية على نقيض الفلسفة الدينية فهي تفصل الإلهَ والسماءَ عن الأرض، بحجة أنَّ الميتافيزيقيا - ما وراء الطبيعة - غير خاضعة للتجربة فلا يمكن الوثوق بمعرفتها، فذهب بعض الفلسفة إلى تأليه الطبيعية وأنها مركز الكون وأنها هي الإله عن طريق الانتخاب الطبيعي، وتنسب الظواهر والكوارث للطبيعة، وما نراه ونتفحصه بواسطة العلوم والأجهزة المتطورة لا نجد شيئاً غير طبيعي وراء هذه الأشياء، وذهب علماء الفيزياء والكيمياء والفلاسفة الطبيعيين إلى الحتمية والعلّية والسببية وأنها مؤثرة بذاتها، وأنَّ الجواهرَ والأجسامَ فيها صفات وطبائع تؤثر بذاتها، والطبيعةُ هي التي نظمت هذا الاتساق الذي نراه بين الأشياء، وذهب سبينوزا إلى أبعد من ذلك فقال بوحدة الوجود وأن الإله هو النظام الكوني الطبيعي الذي نحس به.
وذهبت طائفة أخرى من الفلاسفة إلى مركزية الإنسان في الكون وأنه السيد الذي سيخضع الكون له، وأن لا مرجعية للإنسان إلا نفسه وأن الإله قد مات والكنائس هي قبور الإله كما يقول نيتشه، وقال كانط بعدم إمكانية المعرفة الإلهية، فَهّب الإنسانُ ليصعد إلى موقع المركزية، بلا دين عاصم ولا قيمة ثابتة، نهض وهو يلعن القديم والتقليدي والكلاسيكي التي اعتبرها قيوداً مانعة من ارتقائه الى سيادة الكون .
فماذا كانت مخرجات الفلسفة الأوربية بشقيها المنادية بتأليه الطبيعة أو المنادية بتأليه الإنسان:
الاستعمار (الاستخراب( وإذلال الشعوب وسرقت خيرات البلاد الأخرى.
الحروب الدموية المدمرة، الحرب العالمية الأولى والثانية وبقية الحروب المتفرقة.
الديمقراطية المزيفة وهي تشبه بيت المومسات حيث يدخلها الساسة فينالون بها ما يشتهون، فالأحكام منشأها إنساني، والغالبية هي التي تقرر وتشرع، ولتسحق أراء 49% من المجتمع، الغالبيةُ مخدوعةٌ؛ بواسطة شرذمة قليلة من الساسة يملكون معظم الاقتصاد عن طريق الشركات الكبرى المعدودة على الأصابع، وكذلك يملكون معظم شبكات الإعلام، فأيُّ حرية وأي مساواة وأي عدالة يتحدثون عنها، لقد خرج كلُّ العالم الغربي والعربي والإسلامي ضد حرب العراق واحتلاله، فماذا كانت النتيجة !!إن الديمقراطية المزيفة بساستها يملكون أسلحة الدمار الشامل وهي الإعلام الكاذب، تحت قاعدة: أكذب أكذب حتى يصدقك الناس، قالوا: إنَّ العراقَ يملكُ أسلحة دمار شاملة وهو بلد يهدد أمن العالم :فاحتلوا العراق ونهبوا خيراته ولم يجدوا فيه الأسلحة المدمرة، فماذا كانت النتيجة !! بعد هذه المخرجات المدمرة، فرَّ بعض الفلاسفة أنه لا مركزية للكون، وإلى ما وراء الحداثة التي تنادي بلا إله، وإلى تعدد مصادر القوة في العالم، وتغادر العقلانية إلى اللاعقلانية وتغادر المعايير إلى اللامعايير، فهي تصرح أنَّ لامركزية للكون فكلُّ شيءٍ مكتفي بذاته وحسب، العالمُ عبارةُ عن أجزاءٍ متفرقةٍ لا رابطَ بينها ولا قصة تجمعها: فلا إله علّة وفعّال، ولا إنسان سيد لهذا الكون، علينا الإذعان للواقع على ما هو عليه، تُحركنا فيه المنفعة والمصلحة ليس إلا.
يقول د.طه عبد الرحمن في روح الحداثة : إرادةُ الإنسان أنْ يسودَ الطبيعةَ فإذا بها هي التي تسودُه وتفعلُ به ما لا يريد، ويتجلى ذلك في بروز أخطارٍ طبيعةٍ مختلفةٍ، منها أمراضٌ غيرُ مسبوقةٍ، وشبح الإشعاع النووي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والانفجار السكاني وتلوث البيئة وانثقاب طبقة الأوزون، أصبح الإنسانُ عاجزاً عن معرفة مآلات إصلاحاته وتقدمه التقني، حتى أنَّ الحداثة الغربية انتجت نظاماً اقتصادياً عالمياً باتت لا تعرف كيف تتحكم في آلياته، فضلاً عن التنبؤ بمصيره.
وخلاصة الأمر: ما أُريد في الأصل أنْ يكون له سيادةٌ صار عبوديةً، وما أريد أنْ يكون استقلالاً غدا تبعية، وما أريد أنْ يكون شامخاً أضحى شأناً عاماً ....
الباحث الشيخ الدكتور: سمير بن هاشم العبيدي
اختصاص العقيدة والفلسفة والفكر الإسلامي
هجرة الوطن بين المصالح والمفاسد
أ.م.د صلاح الدين محمد قاسم النعيمي
باحث في السياسة الشرعية
تصدر موضوع الهجرة الجماعية الى دول الغرب نشرات الأخبار في جميع القنوات
الفضائية، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك والتوتير ونحوهما
بالتعليقات الإيجابية والسلبية، والكل يدلو بدلوه، بين مؤيد ومشجع لها، وبين رافض
ومحذر من عواقبها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك اختلافا شاسعا في
مسألة الهجرة لديار الغرب.
وللوقوف على هذا المسألة أقول:
لم يتعرض فقهاء الإسلام إلى بحث هذه المسألة بتفاصيلها ـ إلا ابن حزم في كتابه
المحلى ـ ولعل السبب في ذلك أن المسلمين في ذلك الزمان ما كانوا يتصورون أن يأتي
عليهم زمان يهاجرون من بلادهم، بعد ما عاشوا تحت ظل الدولة الإسلامية أعزاء أقوياء
مكرمين، وفضلا عن ذلك فإن سلطان الدولة كان واسعا وكبيرا، وكانوا إذا حصل لهم
خوف أو ضيق أو تهديد في مدينة ما هجروها إلى مدينة أخرى داخل سلطان الدولة
الإسلامية, ولم يكونوا يفكروا بالهجرة الى بلاد الغرب.
تعريف اللجوء الإنساني أو الهجرةهو تغيير محل إقامة أفراد أو مجموعات من الأشخاص مهما كانت الأسباب والوجهة
أسباب هجرة الوطن
لا يخفى على أحد أن أسباب هجرة المواطنين من بلادهم الى ديار الغرب كثيرة ،
ويمكننا أن نجملها في سببين، هما:
1ـ عوامل جاذبة, مثل مستقبل اقتصادي أفضل في مكان الهجرة (أسباب مادية)،
أو لتحصيل العلم النافع، أو الدعوة لدين الله، أو للتمتع بحقوق الإنسان حسب
اعتقاد المهاجر، أو محبة لأجواء وطقس غير الموجود في بلادهم، أو فقدان
الأمل في العيش الرغيد...الخ
2 ـ عوامل دافعة, كالهروب من اضطهاد سياسي أو اجتماعي أو ديني أو
عرقي، أو لكثرة الكوارث الطبيعية أو الحروب القذرة التي لا تفرق بين
مدني وعسكري، أو أسباب خاصة متنوعة كالعلاج من الامراض
المستعصية ( التطبب من داء عضال) ونحو ذلك.
هجرة الوطن بين المصالح المستجلبة والمفاسد المستدرأة
من المعلوم لكل مسلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان لطلب الدنيا والاشتغال
بها، أو بالتعبير القرآني لم يخلقنا عبثاً، بدليل قوله تعالى
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ } (سورة المؤمنون 115)
بل خلقنا لنعبده وحده ولنقيم شرعه كما قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } سورة الذاريات: الآية 56.
وعليه فالمسلم مطالب على وجه الفرض بعبادة ربه، وهذا يتطلب منه إيجاد بيئة يستطيع
فيها أن يقيم شعائر الله بأمن من غير خوف على حياته أو حريته, فإن فقد من ذلك شيئاً
وجب عليه أن يهاجر إلى موضع آمن يتمكن فيه من الحفاظ على حياته وحريته وعبادة
ربه بحرية وأمان , يقول رسول الله (اتق الله حيثما كنت.. )أحمد برقم (21392) من
أجل ذلك فلا بد للمسلم من الهجرة إلى بلد آمن مستقر من البلاد الإسلامية أو غير
الإسلامية.
أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت هذه القضية من القضايا المعاصرة المهمة التي
لا بد من بحثها وبيان حكمها في الشريعة الإسلامية, و لاسيما أننا نعيش مآسيها من
غرق ونهب وقتل ونصب واحتيال على المهاجرين يوميا.
ومعلوم أن للإسلام حكمه في كل حدث, ولا غرابة أن يكون له حكمه في الهجرة
إلى البلاد غير الإسلامية.
ويدور موضوع الهجرة من الوطن بين المصالح والمفاسد, إلا أن هذه المصلحة كما
انها إيجابية (منفعة مستجلبة) يجب أن تجلب، فإنها قد تكون سلبية (مفسدة مستدرأة)
يجب أن تدرأ, ولذا فإني أتناولها من الجانبين:
أولاً: المصالح المستجلبة
من خلال ما سأذكره من أدلة على جواز الهجرة الى بلاد الغرب سيتبين لنا المصالح
الايجابية:
1 ــ مفهوم الأرض في الإسلامهو أن كل أرض لله, وليست لأحد, وأينما وجد المسلم أرضاً يمكنه أن يعبد الله
فيها بحرية فهي أرضه.
وعليه نفهم قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ
جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً } (.سورة النساء (97)
ودلالة الآية: إن المسلم إذا وجد أذىً وظلماً فعليه أن يهاجر إلى دولة أخرى ليظهر
دينه, فإن أرض الله واسعة لا تحدها الحدود السياسية ولا الجغرافية, فالأرض في
الإسلام هي التي يستطيع المسلم أن يعبد الله فيها بحرية واطمئنان.
وهذا متوفر في أغلب دول الغرب ولكن بنسب متفاوتة.
2 ــ هجرة الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ الى الحبشة مرتين
(( فعنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: (لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ
, وَأُوذِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفُتِنُوا , وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ
مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ، " وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَسْتَطِيعُ
دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنَعَةٍ (حماية) مِنْ
قَوْمِهِ وَمِنْ عَمِّهِ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مِمَّا يَنَالُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ , فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ
, حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ)) السيرة لابن هشام: 1/280-
286 فعاش المسلمون في كنف ملك الحبشة النجاشي وتحت حكمه وسلطانه وهو
نصراني - قبل أن يسلم - ولم يضرهم ذلك.وهذا يدل على جواز الهجرة في الوقت الحاضر إلى البلاد غير الإسلامية لا سيما أن
بعض هذه البلاد فيها من الحرية الدينية التي يستطيع المسلم أن يمارس شعائره بأمان
ما ليس في بلاده.
3- دخول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في جوار المطعم رغم كفره.
وخلاصة ذلك: قام المطعم على راحلته فنادى: يا معشر قريش: إني قد أجرت محمداً
فلا يهجه أحد منكم, وانتهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الركن فاستلمه
وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته, ومطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى
دخل بيته, وقال بعض رجال قريش لمطعم: قد أجرنا من أجرت.
وهذا يعني أنه يجوز الهجرة إلى البلاد غير الإسلامية إذا وجد المسلم فيها أماناً
ومنعةً من الظلم والفتنة وتمكن من المحافظة على نفسه ودينه.
4 ـ تكريم الإنسان
من القواعد الكلية في الإسلام احترام إنسانية الإنسان وكرامته مهما كان جنسه أو لونه ,
فلم يقبل الإسلام للإنسان أن يعيش ضعيفاً ذليلاً مظلوماً مهما كانت توجهات ذلك
الإنسان واعتقاداته.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} سورة الإسراء: الآية 70.
والغرب معروف بذلك، فهم يحترمون إنسانية الإنسان، ومن سافر لبلادهم يؤيد
ذلك على عمومه.
ثانيا: المفاسد المستدرأةوبالمقابل فان المهجرين قد يتعرضون في بلاد الغرب الى مفاسد كثيرة, وهذه المفاسد
يجب الحذر منها وتحصين المهاجرين من الوقوع فيها، ومنها:
1- احتمال تعرض المهجرين للتنصير
مخاطر تعرض المهجّرين للتنصير متوقعة، فالجيل الأول قد يثبت على دينه، أما الجيل
الثاني فسيذوب بما لا يقل عن 70% في الغالب، ثم الجيلُ الثالث فسيذوب ويضيع من
غير دعوة لتنصيره، وبهذه الطريقة تنصر مئات الأطفال العرب والمسلمين وخصوصاً
أولئك الذين لا يتمتع آباؤهم بوعي ديني وسياسي كافيين يقيهم السقوط في هذه
المحاولات التنصيرية.
2- هجرة العقول:
ويشير هذا المفهوم إلى انتقال أصحاب الكفاءات والمهارات العالية من الاطباء
والمهندسين والطيارين ونحوهم إلى بلد آخر, وبذلك يخسر البلد المنْشِئُ لهم من
خدماتهم وخبراتهم.
3 ــ فقد الأرواح والأموال
ومن يتابع نشرات الأخبار سيرى ذلك واضحا في ارتفاع عدد القتلى من المهاجرين
في البحر، وكذلك في البر، وقد يتعرض بعضهم للسرقة والنصب والاحتيال وقد حدث
الكثير من ذلك.
4 ــ فقدان التوعية الدينية
قد تستمر الهجرة لسنوات خصوصا بعد التسهيلات الغربية لهم، وهذا سيؤدي الى
ارتفاع اعدادهم، سيبلغون مئات الآف ان لم يكونوا أكثر، وسيفقدون التوعية الدينية التيكانوا ينهلون منها في بيوتاتهم ومدارسهم ومساجدهم وحتى من أصدقائهم فمن
سيعلمهم الحجاب الشرعي والطعام الحلال والحرام وأن لحم الخنزير حرام وكذا
الوضوء والصلاة وباقي تعاليم الإسلام ؟
5 ـ اعتياد المنكرات
فالذي يعيش في الغرب فانه بمرور الزمن سيألف المنكرات رضي أم أبى وسيصبح له
شرب الخمر أو الزنا أو الشذوذ من الحريات الشخصية، وهذا بدوره سيؤثر سلبا على
أولاده ان لم يرجع الى بلاده.
الضوابط الشرعية للهجرة
فمع ما تقدم من المفاسد وغيرها فان الهجرة قد بدأت، ولا اظن انها ستنتهي قريبا لذا
لابد لنا من أن نكون واقعيين وننبه المهجّرين الى أن يلزموا الضوابط الشرعية للهجرة الى
بلاد الغرب، وأهمها الآتي:
1- أن يكون ظرفه قاهرا، وأن يتيقن من وقوع الظلم عليه في دار الإسلام, ولا مدينة
آمنة داخل بلده، فإن لم يحد فبلد عربي أو اسلامي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإن
عجز عن ذلك فلا باس أن ينوي الهجر ة الى الدول الغربية شريطة أن يكون فيها آمناً
هو وأهله وأمواله..
2- أن لا يعين الكفار على المسلمين بأي أسلوب من أساليب الإعانة, كأن يُفشي لهم
أسرار المسلمين, أو أن يقاتل معهم ضد المسلمين, لأن
هذا يُعَدُّ خيانة كبرى في الإسلام
3- أن ينوي الرجوع إلى بلده فوراً بعد أن تزول الأسباب التي من أجلها تركه.4- أن يكون سفيراً للإسلام في تلك البلاد بخلقه وعمله وإخلاصه, وليحرص على أن
يكون مع مجموعة من المسلمين الملتزمين، يذكّرونه إن نسيَ أو غفل.
بعد هذا العرض لهذه المسألة, فإنه يمكننا القول أن طلب الهجرة إلى البلاد غير
الإسلامية لإنقاذ حياة أشخاص أو حرياتهم جائز شرعاً, إذا توافرت فيه شروطه,
والله تعالى أعلم بالصواب
لقطات من العمل السياسي الإسلامي المعاصر في العراق
د عمار وجيه
سياسي وباحث
جذور الإسلام باقية
المكر الغربي المتواصل في مدى قرن أو أكثر أعيته الحيلة أن يغير الهوية الإسلامية لشعوبنا التي أثبتت قدرتها على النهضة والتجدد. وفي العراق ذي القوميات والطوائف، ومع إطلالة عقد الثمانينات من القرن الماضي وانطلاق الحرب، أُذن للصحوة الإسلامية أن تولد من جديد. وبعد أن كان ابن بغداد المتأثر بالعلمانية يخجل أن يحيي زملاءه في العمل إلا ب(صباح الخير)، بدأ الناس شيئاً فشيئاً ونتيجة لآثار الحرب التي تلجئهم إلى الله، يراجعون أفكارهم ويعودون إلى الصلاة بل ويحيون بتحية الإسلام التي أضحت في التسعينات تحيةً مألوفة حتى لدى المتبرجات من النساء.
في النصف الأول من القرن العشرين وبالرغم من حملات التشويه المحمومة، لم تنسلخ الشعوب من دينها تماماً، بل حافظت على جذوره الممتدة في الأعماق والتي كان لها سيقان نحيلة غذت المساجد والمآذن والمنابر والمحاكم الشرعية الممتدة منذ أيام أبي حنيفة النعمان.
بل إن التظاهرات التي كانت تخرج لنصرة القضية الفلسطينية لم تكن سوى من بقايا الخير الذي غرسه الإسلام. ذلك الخير الذي قبر الشيوعية في مهدها، ولم يمهل مظاهر المجاهرة بالكبائر كثيراً حتى تلاشت تلقائياً بعد حرب إيران نتيجة للموت بالجملة الذي أعاد بعض العراقيين كما أسلفنا إلى التفكير بالآخرة من جديد.
في الأربعينات وما بعدها نشطت ظاهرة محاربة البدع بجهود سلفية وإخوانية وأخرى علمية مستقلة، وبدا الأثر بعد عقود واضحاً حين نشأ جيل من الشباب مثقف إسلامياً يعتزّ بأن يردد: (قال الله وقال رسوله)، وينبذ السحر والشعوذة والدعارة المنسوبة زوراً إلى التصوف تحت عناوين شتى.
وحين نراجع محاولات منظري البعث أمثال ميشيل عفلق في ركوب موجة التدين بمناورة سمجة اختزلت الإسلام عن عمد بالمفهوم الثوري المنتفض على الأوضاع الفاسدة، وليس الخلق المنبثق من الإيمان بالخالق وتوحيده، نجد أنه أخفق وفشل فشلاً ذريعاً.
حيث جاء في مقال عفلق (نظرتنا إلى الدين): (ان الإسلام عند ظهوره هو حركة ثورية، ثائرة على أشياء كانت موجودة: معتقدات وتقاليد.. ومصالح.. وبالتالي هل يفكرون بأنه لا يَفهم الإسلام حق الفهم الا الثوريون؟. وهذا شيء طبيعي لان حالة الثورة هي حالة واحدة لا تتجزأ، وهي حالة خالدة لا تتبدل، فالثورة قبل ألف سنة وقبل ألفي سنة وقبل خمسة آلاف سنة، والآن وبعد ألوف السنين: الثورة واحدة، لها نفس الشروط النفسية، ولها نفس الشروط الموضوعية أيضا إلى حد كبير).
الطريف أنه لم يكن لفكره رصيد حتى في سلوك البعثيين أنفسهم، ولا أوجد أرضية في المجتمع ولا الجيل الناشيء. بل إن الصحوة الإسلامية التي ولدت في العراق فيما بعد اعتمدت بالكلية على الفكر الإسلامي البعيد كل البعد عن فكر البعث العفلقي.
جذور الفكر والممارسة السياسية
حتى بداية الخمسينات من القرن العشرين، لا يمكن القول بوجود حزب سياسي إسلامي، ربما نتيجة للمد القومي المزهو والذي طغا على حساب التوجه الإسلامي إذ كان في وضع دفاعي بعد سقوط الدولة العثمانية.
دعوة الإخوان ولدت في مصر عام ١٩٢٨ لكنها لم تؤسس لها فرعاً في العراق بشكل رسمي إلا في عام ١٩٥١ على يد الشيخ الصواف رحمه الله، وكانت قبل ذلك بأعوام مقتصرة على مجموعة من تلاميذ الدكتور المصري حسين كمال الدين الذي درّس الهندسة في العراق.
قبل ذلك الوقت، وكما أسلفنا، كادت الممارسات السياسية تقتصر على المواقف المناهضة للإنكليز والكيان الصهيوني، وفي الغالب كان يقودها العلماء ويعبرون عنها بتظاهرات وبيانات وحضور مؤتمرات خارج العراق. ولعل خير شاهد على تلك الفترة مواقف العلامة أمجد الزهاوي المؤسس لرابطة العالم الإسلامي في مكة ورئيس مؤتمر العالم الإسلامي، حيث كان كثير الاهتمام بقضايا المسلمين وسافر إلى مختلف أقطار الدول الإسلامية مثيرا للهمم وشارحاً للمصيبة وجامعا للتبرعات ومحذرا من العاقبة الوخيمة المترتبة على تقصير الحكومات والمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية بقضية فلسطين.
في نهاية الخمسينات وبداية الستينات بان أثر حركة الإخوان المسلمون إذ أسست الحزب الإسلامي العراقي أيام حكم عبدالكريم قاسم، واشتغل الحزب لعام واحد ثم تم تجميده من قبل الحركة، ليعود العمل السياسي بعد ذلك إلى نفس النمط السابق مع فارق الاستجابة للتوترات التي نشأت بعد التحول الملكي إلى الجمهوري. ولا شك فقد رافق ذلك توقف في النشاط الحزبي الإعلامي والعلاقاتي وجمود في الفكر السياسي بسبب غياب الممارسة الفعلية.
حزب التحرير أسسه القاضي المقدسي تقي الدين النبهاني رحمه الله في ١٩٥٣ ثم تأسس له فرع في العراق في بداية الستينات. لكن ذلك الحزب اقتصر على نشر مجموعة من الأفكار المتعلقة بإعادة الخلافة الإسلامية، وأغلبها لم تكن مستقاة من إجماع أو اتفاق فقهاء العصر. بالعموم لم يكن حزب التحرير مهتماً بالعمل التربوي ولا التعبوي بقدر اهتمامه بالتنظير والتعبير عن مواقفه ببيانات وتصريحات، لذا فإن رصيده في العراق اليوم يكاد يقترب من العدم. ولا ننسى أنه اتخذ موقف المقاطعة لكل ما هو موجود في الساحة السياسية، سيما أنه لا يجيز العمل السياسي تحت مظلة النظام الديمقراطي.
يمكن القول أن العمل السياسي الإسلامي المعارض مر في مرحلة سبات مذ سيطر حزب البعث في ١٩٦٨ والذي حكم بالحديد والنار وحظر الأحزاب جميعاً وتآمر على حلفائه الشيوعيين وأعدم معظم معارضيه. فلم يتبقّ للإسلاميين سوى المواقف المنبرية والخطب والمحاضرات وأحاديث المجالس والكتيبات هنا وهناك، وكانت معظمها تعارض النظام ومغامراته بلغة خجولة، لأن من كان يتصدى له في الغالب لا ينجو، وما الشهيد الشيخ عبدالعزيز البدري عنا ببعيد. إذ اعتقل وعذّب حتى فاضت روحه الطاهرة على خلفية خطبه النارية التي كان ينال فيها من عفلق وحزبه.
هذه المدة الطويلة تخللتها حملات اعتقال لأبناء الحركة الإسلامية، منها ما حصل للإخوة في شهربان في ١٩٨١ وأعدم قيادي من قيادييهم، ثم بعد ذلك بقليل اعتقل خمسة شباب مثقفين أغلبهم من منطقة الأعظمية بسبب جمعهم التبرعات للمجاهدين الأفغان فأعدموا جميعاً، ثم جرت أوسع حملة في ١٩٨٧ لعدد تجاوز التسعين من أبناء الحركة، ثم حملة أوسع في ١٩٩٤ لكنها كانت أشد وطأة، ثم اعتقال قادة الإخوان في ١٩٩٦ ومنهم فضيلة الدكتور محسن عبدالحميد. ولم ينجُ السلفيون من الاعتقال في أكثر من مرة ولكن بأعداد أقل.
وفي الحقيقة أن تلك الاعتقالات والإعدامات هي التي أضفت على التكتلات الإسلامية القائمة يومئذٍ طابعاً سياسياً في الوقت الذي كان النشاط التربوي والدعوي لها أبرز من النشاط السياسي.
وفي الحقيقة فإن العمل السياسي السني تراجع في السبعينات وما بعدها بعد أن أمر الدكتور عبدالكريم زيدان في ١٩٧١ بحلّ تنظيم الإخوان تجنباً لدخول صراع دموي مع النظام البعثي القمعي، وأيضاً نتيجة لاعتقال القيادات الشبابية في ١٩٨٧ والذين كان يتوقع منهم أن يطوروا التنظيم والعمل السياسي. يضاف إلى ذلك عدم وجود دولة تدعم المعارضة الإسلامية السنية كما هو الحال في إيران التي دعمت الأحزاب الشيعية.
مرحلة القمع ١٩٦٨-٢٠٠٣ خلت بالكامل من التعددية السياسية ولم يكن فيها انتخابات حزبية ولا نقابية ولا مسيرات ولا تظاهرات ولا جرائد ولا مجلات معارضة فضلاً عن وجود بيئة مغلقة بشكل شبه تام نتيجة محدودية السفر بسبب الحرب ثم الحصار وعدم توفر الفضائيات ولا الانترنيت، كلها عوامل أدت إلى ظهور أساليب جديدة في التوعية أشبه بمبدأ (لا تلعن الظلام بل أوقد شمعة). فكان الاهتمام بالتربية والبناء العقدي والروحي والشرعي بديلاً عن الممارسة السياسية وخاصة في سنوات الحصار الأثنتي عشرة.
الخصوصية الشيعية
الواقع الشيعي مختلف تماماً، وبالرغم من أن الوعي السياسي السني كان أسبق منه بعقد أو عقدين إلا إن الإسلاميين السنة في الثمانينات تراجعوا سياسياً مقارنة بالشيعة كما أسلفنا.
حزب الدعوة الإسلامية الذي يعدّ نفسه من أوائل الأحزاب الشيعية الإسلامية، لم يظهر له نشاط فعلي إلا في أواخر السبعينات، وكان نشاطاً تعبوياً مشوباً بعمل مسلح، ومن الطبيعي أن يجابه بالقوة من قبل النظام، فأعدم العشرات واعتقل وهجر المئات منهم، ولا ننسى أن لإيران دوراً سلبياً إذ استدرجتهم إلى تلك المقتلة لمصلحتها القومية وليس حباً فيهم.
ترنح حزب الدعوة في فكره كثيراً، فبينما كان يتوقع أنه سيؤسس لفكر إسلامي شيعي معتدل بعد أن تأثر بفكر الإخوان، سرعان ما تغير المزاج وانقلب باتجاه التطرف نتيجة لأسباب ثلاثة رئيسية: أولها رفض المرجعية الشيعية تذويب المذهب القائم على العصمة والإمامية وقراءة التاريخ بشكل مغاير بالكامل عما يراه أهل السنة والجماعة، وظهور ثورة الخميني التي شجعتهم على الاصطفاف معها، والعنف الذي جوبه به حزب الدعوة من قبل صدام بالذات. كلها عوامل أسهمت في تحويل مسار حزب الدعوة من أن يكون معارضاً للشيوعية والعلمانية في بدايته إلى أن يكون مناكفاً للسنة عموماً والحكومة التي حسبت عليهم زوراً.
وبالرغم من الأذى الذي لحقه، فقد كانت فرصة له لمراجعة البرامج والخطط، وتمكن من ركوب الموجة بعد الاحتلال ليقفز قفزة هائلة في النفوذ السلطوي والمادي مستفيداً من تاريخه النضالي.
وللأسف فقد كان من المفترض التأسيس لمشتركات إسلامية بين الفئتين تركز الجهود على البناء الثقافي المعتدل وردم الفجوات، إلا إنها سرعان ما تفككت بعد اندلاع الحروب ذات الخلفية الطائفية، وتحولت جميع الأحزاب الشيعية إلى أحزاب طائفية ليمسي صديق الأمس العدو رقم واحد اليوم لأنهم يعدّونه اليوم المنافس الحقيقي باعتبار أنه يدافع عن الثوابت الإسلامية بوعي ودراية، وأعني بذلك الحركة الإسلامية (السنية) والمؤسسات السياسية المؤيدة والصديقة.
ولولا احتفاظ الحركة الإسلامية السنية وبالذات الإخوانية بثوابتها العقدية والفكرية الوسطية لانزلقت فيما انزلق به المتشددون من الطرفين من تكفير واستباحة للدماء، لكن الله سلّم، وظهرت الصورة واضحة بين من أصرّ على الاحتفاظ بالقيم والثوابت حتى لو كانت على حساب المكاسب وبين من حاكى في سلوكه السياسي ممارسات الشيوعيين والأنظمة المستبدة حتى لم يبقِ من مسمى الإسلام إلا العنوان فقط.
أما المجلس الأعلى وهو الائتلاف الذي ولد في إيران عام ١٩٨٢ فلم يكن بحاجة إلى تغيير أدبياته فهو شيعي الولادة والعقيدة بكل وضوح.
في حين أن التيار الصدري لا يمكن اعتباره حزباً سياسياً بهذا المعنى بل تيار شيعي عراقي يدعي أنه يمثل الطبقة المحرومة، وانتقل إلى عالم السلطة والمغانم دون المرور بمرحلة الفكر السياسي، فكان مثالاً على جمع كل المتناقضات الفكرية والسلوكية في طبق واحد.
واقع كردستان
الوضع في كردستان أكثر تعقيداً، فبعد أن كانت الحركة الإسلامية الكردية جزءً من الحركة العراقية التي تقاد من بغداد، حتمت ظروف الانفصال في ١٩٩١ تأسيس حركة إسلامية كردية تبلورت فيما بعد إلى حزبين رئيسيين وثالث ثانوي وهم كل من الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية.
الكرد كانوا يتململون من الأوضاع الأمنية السيئة والتي تفاقمت في أواخر الثمانينات حتى انتهت بعمليات ما يسمى بالأنفال وقصف حلبجة بالكيمياوي، فلم تجد الحركة الإسلامية بداً من الانكفاء على قضيتها القومية باعتبار أنه لا نجاح لعمل سياسي من دون ملاذ آمن وحكومة تمثل شعبها الكردي، ولا سيما أن جميع الأحزاب الكردية تدعم قيام الدولة الكردية.
بقيت الأحزاب الإسلامية الكردية تحمل فكراً متأثراً بالإخوان والسلفيين المعتدلين، مع وجود نزعة صوفية واضحة لدى الشعب الكردي تتمثل بتوقير الزعماء سيما ذوي الخلفية الدينية والعشائرية.
التمايز المجتمعي
في عام ١٩٩١ تحديداً، وبعد أن اتضحت مسارات الشيعة والكرد وهي ضرورة إسقاط النظام، لم يكن ثمة حركة سياسية سنية تمتلك تنظيماً سوى حركة الإخوان المسلمون والحزب الإسلامي العراقي الذي كان امتداداً سياسياً لها وأعاد تشكيله في لندن.
للأسف، يمكن القول أن بوصلة الحزب في الخارج لم تتمكن من التطابق مع بوصلة الحركة في الداخل، ويعود ذلك لأسباب أهمها ضعف التواصل بسبب الضغط الأمني وبدائية وسائل الاتصال، فلا يوجد سوى الهواتف أو الرسائل البريدية وكلتاهما وسائل مخترقة، واختلاف الساحات، فساحة المعارضة في الخارج سياسية بامتياز وتعمل بحرية، بينما ساحة الداخل تربوية وتعمل بحذر شديد.
مضت سنوات الحصار، ولا شك أنها كانت كفيلة بتعميق الهوة السياسية بين الداخل والخارج. فالخارج كما ذكرنا يتفهم العمل السياسي بحسب ما يرى ويباشر مع بقية الأحزاب المعارضة ولكن بوتيرة بطيئة جداً. والداخل يمارس العمل التربوي والتعبوي بوتيرة أسرع من دون أن يرافق ذلك برامج توعوية فكرية أو سياسية فيما عدا بعض المحاضرات النخبوية التي كان يقوم بها فضيلة الدكتور محسن عبدالحميد والدكتور عماد الدين خليل وكتب الأستاذ الراشد والتي كانت ذات طابع فكري وفلسفي وتعبوي ليس له اتصال مباشر بإعداد الأجيال لمباشرة العمل السياسي المفترض الشروع به بعد زوال النظام.
بعد الاحتلال
في نيسان ٢٠٠٣ أي بعد الاحتلال مباشرة، كان أغلب الرصيد الذي اعتمدت عليه قيادات الحركة الإسلامية والحزب الإسلامي وبعض السلفيين الذين التحقوا بالسياسة عند تشكيل جبهة التوافق في تشرين٢٠٠٥ ، هو ما تلقته تلك النخب من العلوم الشرعية والكتب الدعوية والتربوية. وهو رصيد تأصيلي جيد، لكنه لا يؤهل القيادات الحزبية ولا الرموز البرلمانية والحكومية لفهم طبيعة العمل السياسي المعاصر. ولم يكن ثمة فرصة لتأهيل تلك القيادات إلا من خلال المعهدين الأمريكيين الجمهوري IRI والديمقراطي NDI ، وربما دورات خجولة أخرى من دول قريبة أو مجاورة.
ومع تطور الأحداث وتعقيدها كانت النخب السياسية بحاجة إلى إجابات شرعية وفكرية وسياسية لتساؤلات كثيرة، منها طريقة التحرر من الاحتلالين العسكري والسياسي، المسؤولية الإسلامية في ظل وجود أحزاب شيعية وكردية متصارعة على السلطة وسائر المكاسب، التعامل مع الطائفية والعنف والعنف المضاد، التعامل مع الديمقراطية الغربية المستوردة، نظام الحكم في ظل وجود التأثير الخارجي،...الخ من عشرات العناوين المهمة. وأزعم أن الحوارات التي جرت داخل ساحات الحركة الإسلامية والحزب الإسلامي كانت الأكثر والأعمق مقارنة بالساحات الأخرى إن وجدت. وفي الحقيقة لم أجد أكثر نضجاً من آراء الدكتور محسن عبدالحميد الذي كان يتبنى الفقه المقاصدي ويفكر دوماً بالمآلات. وهو الذي كان يقول: (لو كان الشيعة والكرد معنا يداًواحدة لما ترددت في مقاومة المحتل، لكني أخشى أن نضحي بالسنة ليستفيد غيرهم من العراقيين كما حصل في ثورتي ليبيا والجزائر) وقد حصل.
ولا ننسى أن نذكر بأن فصائل المقاومة بالرغم من تشكيلها للمجلس السياسي وعائدية فصائل أخرى لهيئة علماء المسلمين، فإنها لم تكن تهتم كثيراً بالفكر السياسي مقارنة بالتعبئة الروحية والعسكرية، باعتبار أنه ملف مؤجل بحسب آراء كثير منهم. في حين أنه كان بإمكان بعضهم التفرغ للتأليف والنشر والتسويق عبر الفضائيات سيما أن أغلب قادتهم في دول الجوار وفي وضع أكثر أمناً وأقل انشغالاً من السياسيين في الداخل.
التركمان
أخرت الحديث عن التركمان باعتبار أن ملفهم الإسلامي السياسي برز بعد الاحتلال. إسلاموية التركمان ضاعت بين التحديات القومية والطائفية والاعتزاز بالانتماء في ظل العصر الذهبي لتركيا تلك الدولة التي لم تصطف معهم كما كانوا يحلمون.
كان تركمان كركوك يخشون الذوبان في كردستان كما ذاب تركمان أربيل، فتجمعوا لتشكيل جبهة متوقعين مدداً تركياً لغالبية تركمانية سنية. لكن جرت الأقدار أن تكون إيران أكثر التزاماً لحلفائها الشيعة بالتمويل والتسليح، حتى أضحى حزب العدالة التركماني الذي من المفترض أن يمثل التوجه الإسلامي الوسطي حزباً ضعيفاً مقارنة بغيره.
ومما يؤسف له أن التوجه الإسلامي الشيعي لدى التركمان اقترن بشكل أو آخر بالحالة الطائفية الموالية لإيران بالرغم من عدم وجود تحديات بينهموبين التركمان السنة، بل أوجدت لهم إيران عدواً آخر وهو القاعدة ثم داعش لتوجد مبرراً لتسليحهم وهيمنتهم العسكرية على جنوب كركوك.
وعلى ذلك فلا بد أن تنهض كركوك من جديد بواجهات مجتمعية إسلامية تعيد التوازن لتلك المحافظة العريقة المعروفة بثقافتها العالية وتدينها الحميد.
رجال النظام السابق
شهدت التسعينات تقارباً بين الإسلاميين وبين بعض رجال الدولة المتدينين ممن أرهقتهم الحروب والمغامرات وتولدت لديهم قناعة بالعودة الجادة إلى الدين، ولأن الدولة أرخت قبضتها بعد التسعينات، فقد كانت المساجد ميداناً رحباً للتقارب والتسامح.
مضت سنوات الحصار من دون أن يصل التفاهم ذروته باعتبار أن سقف الحوار المسموح به في المساجد وقتئذ هو ما يتعلق بالدين والشريعة.
الذي حصل بعد الاحتلال أن هؤلاء المؤلفة قلوبهم فوجئوا بدخول بعض الإسلاميين إلى العملية السياسية ظناً من بعضهم أنه انسياق وراء أجندة الاحتلال، كما أشاع البعثيون، وليست تحملاً للمسؤولية لإنقاذ أهل السنة من تهميش واقع لا محالة.
وفي نفس الوقت وقع خطأ من أبناء الحركة الإسلامية إذ لم يولوا رجال الدولة أولئك العناية الكافية في التوعية ربما بسبب الانشغال بهموم معالجة آثار الاحتلال وانفتاح جبهات وخطوط عمل لا حصر لها.
انقسم رجال الدولة السابقة إلى أقسام، منهم من التحق بالعملية السياسية ضمن صفوف الحزب الإسلامي أو التوافق أو العراقية، أو التحق بمنظمات مجتمع مدني، ومنهم من التحق بصفوف المقاومة المعتدلة أو المتشددة، ومنهم من شمله الاجتثاث.
ودارت الأيام بين شد وجذب، حتى أصبح الكل أكثر توازناً في النظرة إلى بعض، ولكن للأسف بعد أن دفعنا ثمناً باهضاً من التضحيات لم يستثنِ أحداً، وآخرها احتلال داعش لمحافظاتنا، وما تزال السجون تغصّ بالألاف من كرام الناس.
وماذا بعد؟
كم كان الكثير يتمنى أن يكون العمل السياسي إسلامياً بحق في بلد نسبة المسلمين فيه أكثر من ٩٨٪ . لكن الجهل المركب والاستبداد الطويل وأطماع الدول مزقت العراقيين وأوجدت حالة معقدة ومتراجعة من الطائفية والعرقية هبطت بمستوى التفكير من المعرفة إلى الجهالة، ومن الاعتدال إلى التطرف، وخسر الجميع بلا استثناء.
التغيير، وكي لا يكون حالماً، ينبغي أن يبدأ من بيضة القبان، العرب السنة، الذين يشتركون مع الكرد والتركمان بالسنية، ومع الشيعة بالعروبة، ولا يعانون من مشكل داخلي خصوصاً بعد أن فطموا من عقدة الزعيم الأوحد وأيقنوا أن الحل بعد صدام ليس بظهور زعيم جديد، سيما أنهم شهدوا فشل علاوي والمطلك، وتهميش الهاشمي والعيساوي وغيرهما. فلم يعد ثمة حل سوى الاصطفاف حول راية الإسلام النقية المعتدلة مبتدئين بسنة العراق ثم يلتحق بهم من يرغب بالعودة إلى الصف المسلم الضامن لوحدة العراق ما دام الكل يدعي ذلك. وهذا الخيار قد يبدأ بإقليم مهما كان متواضعاً ثم تعمم التجربة بعد النجاح بإذن الله.
السقوط الحر للعراق و أزمة الاقتصاد العراقي
عامر العبادي
باحث
يمر العراق اليوم باختبار متعدد المسالك، و أحد هذه الاختبارات تضععه في منطف قد
يحوّل العراق من دولة إلى مؤسسة خربة تتهاوى كل يوم، و لعل أخطر ما تواججهه هذه
الدولة هو ملف الاقتصاد.
هناك تحد مالي كبير ولا يمكن للنخبة السياسية في البلد ان تكون مدركة لحجمه
بالدرجة الكافية، او على الاقل هم لا يعتقدون بأن التحدي، حسب التسلسل الزمني، قد
اصبح امامنا، ونحن على بُعد اسابيع واشهر معدودة من لحظة الصدمة المالية. يقول
محمد علاوي وزير سابق ، ولديه مصداقية في ذلك، اننا على بُعد شهرين من ازمة
الرواتب والمخصصات، وعلى بُعد اربعة اشهر من ازمة الدينار، إن استمرت النمطية
الحالية بالتعامل مع الملف المالي من دون تغيرات جذرية في استراتيجية إدارة المال
العراقي. ماهي السيناريوهات المتوقعة
1- قد يخسر الدينار العراقي ثُلث قيمته.
2- او قد لا تستطيع الدولة دفع إلا الراتب الإسمي من دون المخصصات.
اقرأ واطالع برامج متعددة للإصلاحات من خلال التلفاز كل يوم يظهر من ينتقد ويحذر
ولا توجد خطوات عملية . او قد تكون فضفاضة وتفتقد للتفصيل والآليات. . ولكن ما
يجمع ما بين كل هذه البرامج المختلفة هو عدم الاستشعار بقرب لحظة الصدمة. ومما
يزيد الطين بله ان التوجهات العالمية اتجاه شفافية العراق مخزية وهناك تحقيقات نسمع
بها هنا وهناك قد تساهم هذه وغيرها في سحق الثقة الدولية في الادارات المالية العراقيةويعرض سمعة العراق المالية الى المزيد من الانحدار. اذن لابد من مخرج ..... السؤال
هل بالامكان تغيير الحكومة ؟؟ الجواب.. الوقت لا يتسع هل بالامكان تطعيم الحكومة
الحالية بخبراء اقتصاد لتجاوز الازمة ؟؟ الجواب ليس سهلا . لان النتائج في احسن
احوالها يتحمل جلها الشعب وامام هذا الحال فان العملية السياسية ستبدأ جذورها تتقطع
لان هناك سخط شعبي سيرافق الاصلاحات المالية التي باتت مصيرية، لأنها ستكون
مؤلمة وموجعة بالنسبة للناس فمن يستطيع مسك العصى من الوسط بحيث يحافظ على
العملية السياسية ورضى الجمهور الغاضب وتحت رجليه نار الانهيار الاقتصادي هنا
سيبرز دور كبير
1-للمرجعية التي بات دورها يتراجع شعبيا
2- وللقوة والقمع التي تصطدم بالضغط الدولي المعاكس مع احتمال زيادة الغليان
الجماهيري
3-السيطرة التامة على وسائل الاعلام من اجل توجيه الناس لمزيد من التعاون من اجل
عبور الازمة ...وهذا مستحيل في ظل وجود فضائيات معارضة ومتطرفة.
في النهاية كيف ينتهي البلد من الانهيار والذوبان المالي؟ الجواب ممكن انهيار كامل
للدولة العراقية ...اقول هذا مالا ترضاه قوات التحالف وهي تعمل على خطة تحرير
العراق من داعش التي هي جاءت به من اجل هذه المرحلة ولكنها تعمل على ان تنهار
الدولة في نفس الوقت ولكن في وقت مناسب بمعنى يجب ان يتزامن سقوط الدولة مع
خروج داعش وبالتالي يصبح هناك فراغ كبير للسياسة العراقية وقبول جماهيري واسع
لكل القرارات الغربية التي حررتهم من داعش ومن فاسدي الحكومة الحالية وهنا تاتي
مرحلة التقسيم التي يصفق لها الشعب كله خاصة وان السنة صفقوا للتقسيم من قبل سنة
وظل الشيعة فقط من يريد الوحدة والان نحن نعيش مرحلة تصيير الشيعة للقبول .. هذاهو السقوط الحر للعراق حيث لاقوة تمنعه ....فقط التسلسل الزمني ...الذي يمسك به
البيت الابيض
خطة ٣--٣--٣
د.أحمد رشدي الدركزلي
مدير مؤسسة بيت الخبرة العراقية
لقد كان الشرق الاوسط و مازال في دائرة الضوء ، ربما بسبب أزماته المستمرة أو لانه مكان محبب للعبة السياسية الدولية ونتاجاتها و التي يسيل لها لعاب مفكري و مخططي السياسات في العالم المتحضر . بعد إحتلال العراق في عام ٢٠٠٣ بدأنا نسمع و بشكل مضطرد ماسمي انذاك ب " الفوضى الخلاقة" وكيف أن الولايات المتحدة الامريكية ستنشر الفوضى في كل الشرق الاوسط لتتلقف المتغيرات الكثيرة التي تخرج منها مما يساعدها في تشكيل "الشرق الاوسط الجديد" و الكل أعتبر أمريكا السيد الاول في العالم و يجب الاستسلام و الخضوع لنظريتها .
و حدث المستحيل ، فضربات المقاومة العراقية طيلة ال٩ سنوات من الاحتلال جعلت العالم يرى جندي المارينز الامريكي الشهير بشرا يموت برصاصة عادية و تفجر دبابته وناقلته بقنابل أصبحت تصنع يدويا في معامل صغيرة في أحدى سراديب بيوت بغداد القديمة بل في كل مدن المثلث السني او مثلث الموت كما سمي في وقتها .
ومن خلال درس العراق تعلمت دول العالم حتى من هي حليفة للولايات المتحدة الامريكية أن تقول "لا ...لأمريكا" او على الاقل تجادلها في فرضياتها و نظريتها بل و تعمل على تحوير الياتها بما يناسب مصالح تلك الدول و ليست امريكا اولا و ثانيا و ثالثا ومن ثم مصلحة الحليف او القريب لها، ومن هنا بدأ أحساس الولايات المتحدة أن نظرية الفوضى الخلاقة أصبحت تاتي بمتغيرات كثيرة صغيرة كانت أم كبيرة و التي يفوق قدرتها فقامت دول المنطقة (عدا الدول العربية) باستغلال تلك المتغيرات بشكل بشع مرة و مرن مرة أخرى وأقصد هنا جمهورية إيران الاسلامية و تركيا .
ولأن الولايات المتحدة قوة العالم الاولى لن تسمح بتسلط قوة دونها لذا لجئت بعد ظهور أزمات الربيع العربي الى خطة جديدة ممكن ان نطلق عليها "٣-٣-٣" و فكرتها ان يكون لديك ٣ محاور تدير من خلالها الازمة في منطقة ما كالشرق الاوسط ، ففي العراق هناك داعش و الحشد و حكومة العبادي و في كردستان العراق هناك داعش و الحكومة الكردية برئاسة البرزاني و الاتحاد الوطني الكردستاني وفي سوريا هناك النظام و المعارضة و داعش و في مصر هناك النظام و داعش في سيناء والمعارضة المتمثلة بالاخوان المسلمين و الحال نفسه في ليبيا بل انتقلت العدوى الى افغانستان فهنالك الان طالبان و داعش و الحكومة الافغانية . واستهوت الخطة الجميع فهي تدر مالا وسلاحا و طريقة جديدة لبسط النفوذ و السيطرة في المنطقة .
الغريب ان الدول العربية بقيادة العربية السعودية لم تتنبه للخطة الجديدة الا قريبا فالتحالف العربي في اليمن بقيادتها أدخل ما اسماه المقاومة الشعبية كلاعب بجوار النظام وضد مليشيا الحوثيين مما أدهش ايران من جهة و أسعد تركيا من جهة اخرى كون الاخيرة تدير أزمة سوريا بأستخدام هذه الخطة بل قامت بتطوريها من خلال محاولة القضاء على العدو القديم الجديد "حزب العمال الكردستاني".
لكن يبقى السؤال المطروح لدول التحالف العربي : أي الثلاثيات التي يجب أن يكون لها الاولوية في إدارة ملفاتها ؟ وكيف يمكن تحديد هذه الاولوية ؟ هل بإعتماد الجغرافية أو التأريخ أو هيمنة ثلاثية على أخواتها الاخريات ؟ بأعتقادي الاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها سيحدد رؤية لمشروع عربي واعد في المنطقة وقد تكون ثلاثية العراق هي البداية الصحيحة كما كانت البداية في ٢٠٠٣ لدخول المنطقة نفقا مظلما أوله الفوضى و أخره عذابات التقسيم .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)