أبوبكر
محمد الكاتب
تطرح
مشكلة الأقليات مشكلة المستوى الحضاري لأي كيان سياسي أو مجتمعي. فعند ذكر هذه
الكلمة تتوارد جملة أحكام مسبقة أهمها مفهوم الأضعف أو القاصر أو الأمر الذي يوضح
مدى قدرة الأقوى أو المتمتع بعلاقة قوة مع الآخر على جعل كرامة هذا الآخر جزءا من
كرامته الذاتية
وكان هذا الموضوع ولا يزال من المواضيع التي يتجنب الكثير الحديث فيها، لحساسيتها
فغدا من المواضيع المسكوت عنها
حيث تعد مسألة الأقليات والاثنيات والجماعات القومية وحقوقها من أكثر المسائل
حساسية وخطورة، لذلك تحتاج مقاربتها إلى مزيد من الدقة والروية والضبط المنهجي،
ولا سيما اليوم، في ظل العولمة الاقتصادية الرأسمالية ودكتاتورية السوق التي تنتهك
حقوق البشرية وتقذف بها إلى هوامش الحياة، تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان،
وحقوق الأقليات
مشكلة الأقليات والاثنيات والجماعات القومية في دول العالم
مشكلة قد تكون قديمة وقد تكون مستحدثة أو مفتعلة، أو بها قدر من التدخل الاجنبي
وهذا توصيف صحيح بيد انه من المعروف أن النظر إلى القضايا الاجتماعية عموماَ،
والأقليات والاثنيات خصوصاً تختلف على حسب اختلاف المنظور العلمي المستخدم في
دراستها
تختلف تعريفات مصطلح الاقلية بحسب بؤرة
الاهتمام التي ينطلق منها التعريف والسياق الذي يندرج فيه والوظيفة التي يراد له
ان يقوم بها والمشكلات الناجمة
من وجودها ان الاقليات ظاهرة ذات نطاق
عالمي تمتد اثارها لتشمل مجموعة كبيرة من الدول المتقدمة والمتخلفة على حد
سواء وغالبا ما تتصف الاقليات بالتماسك
الداخلي والتماسك الاجتماعي وهي في الواقع الاجتماعي تتكون من مجموعات بشرية متميزة عن الوسط الاجتماعي الواسع الذي
تعيش في اطاره وتتفاعل معه ولكنها تختلف عن الغالبية في اصوله التأريخية او
العرقية او الثقافية او في معتقده برغم
اشتراكها مع الغالبية في هوية الوطن والمصير. وقدرت دراسات للامم المتحدة ان هنالك
انحسارا في مجال تطبيق حقوق الانسان ومنها الاقليات اذ لا تتمتع مجموعات انسانية
كبيرة الا بحرية محدودة للفكر والوجدان والدين والمعتقد ويبلغ عددهم تقريبا طبقا
لأحد التقديرات 2.2 مليار نسمة وفي دراسة
اخرى للامم المتحدة عن نوع اخر من الاقليات هو ما يطلق عليه السكان الاصليون قدرت
ان عددهم يصل الى قرابة 300 مليون نسمة متوزعين بين الولايات الامريكية المتحدة
وشمال اوربا واستراليا ونيوزلندا واسيا.
ان ما يمارس ضد هذه الاقليات من
ممارسات تميزيه على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يؤدي الى ظاهرة عدم
الاستقرار السياسي والى انعدام الشعور لدى الاقلية بهويتهم الواحدة مما يضعف من تماسكها مع ابناء الوطن الواحد.
لقد بدأ ظهور مصطلح الاقلية في مطلع
القرن الماضي دفعت به جملة اسباب منها:
1.
وجود
التقسيمات الجغرافية (الحدود التي وضعها الاستعمار بين دول العالم).
2.
فقدان كيان
العدالة بين المواطنين.
3.
عدم احترام
سلطة الغالبية الحاكمة لمعتقدات ومقدسات الاقلية في ذلك الوطن.
4.
عدم الاعتراف
بثقافة ولغة الاقليات الخاصة بها والعبث
بتراثها والاعتداء على مقر عبادتها.
5.
حرمان
الاقليات من اهم حقوق المواطنة وهي المشاركة الحقيقية في ادارة الشئون السياسية
للبلاد وحرمانها من ملء المناصب العليا في الدولة او الترشيح لرئاستها وغير ذلك
من اسباب التهميش وطمس الهوية وتجاهل الذاتية.
وقد وردت عدة
تعريفات لمصطلح الاقلية اذ عرفتها الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية (الأقلية
جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفـراد المجتمع عرقياً أو قوميـاً أو
دينياً أو لغوياً وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم، يخضعون لبعض
أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية).
اما الموسوعة الأمريكية فعرفت الأقليات على أنها: جماعات لها
وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك
قدراً أقل من القوة والنفوذ وتمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة
في المجتمع. وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني
الدرجة الأولى.
وتعرف الموسوعة البريطانية Encyclopedia
Britannica الأقليات بأنها "جماعات من
الأفراد الذين يتمايزون عرقيا أو دينيا أو لغويا أو قوميا عن بقية الأفراد في
المجتمع الذي يعيشون فيه.
ويعرف الباحث صلاح سعد الاقلية بانها
جماعة من الناس تشكل عدديا اقلية بالمقارنة مع جماعة اخرى تعيش معها في وطن مشترك
تشكل الاغلبية.
وتعرف الموسوعة الفرنسية "لاروس Larousse
" الأقليات بأنها "تلك التي تكون أقل هيمنة من الناحية العددية بحيث لا يكون لها إلا
القليل من الأصوات.
وتعرف موسوعة العصر الجديد New
Age الأقليات بأنها "جماعات من
الأشخاص الذين يتمايزون ثقافيا أو جسمانيا عن الجماعة الأصلية المتوطنة وعادة ما
تشير الأقليات إلى أنها تعامل اجتماعيا وسياسيا بغير مساواة مع الأغلبية.
وفي العرف الدولي تعرف الاقلية على انها رعايا دولة من
الدول تنتمي من حيث الجنس او اللغة او الدين الى غير ما تنتمي اليه اغلبية
رعاياها.
اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة
للأمم المتحدة عرفت الأقليات بأنها: جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة
وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية
السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها.
أما
إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية (أو عرقية)
ودينية ولغوية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة
والأربعين بجلستها العامة في يوم 18 ديسمبر 1992 (القرار رقم 47/135) فقد سكت عن
تعريف كلمة أقلية متجاوزا ذلك في مواده التسع إلى تأكيد أهمية الحفاظ على حقوق
الأقليات ومساواتهم في الحقوق مع الأغلبية. وتجدر الإشارة إلى أن أعمال اللجنة
التحضيرية لهذا الإعلان قد عرضت عليها تعريفا للأقلية -مقدم من الوفد الألماني في
اللجنة- بأنها "جماعة من مواطني الدولة تشكل أقلية عددية لا تحظى بصفة
السيطرة أو الغلبة في الدولة ويتميزون عن بقية أعضاء المجتمع عرقيا أو لغويا أو
دينيا وهم يرمون إلى تحقيق المساواة مع الأغلبية واقعا وقانونا" إلا أن هذا
الاقتراح لم يوافق عليه بسبب عدم حصوله على الأغلبية اللازمة داخل اللجنة
التحضيرية.
وفي
كتاب الملل والنحل والأعراق يستخدم المؤلف مفهوما للأقليات إلى أن المقصود بهذا
المصطلح هو "أية مجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من
المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة".
ويعرفه
عبد الوهاب الكيالي (مجموعة من سكان قطر او اقليم او دولة ما تخالف
الاغلبية في الانتماء العرقي او اللغوي او الديني ، دون ان يعني ذلك بالضرورة
موقفا سياسيا متميزا).
وعرف
الدكتور وائل عزام الاقلية بأنها جماعة
غير مسيطرة من مواطني دولة اقل عدديا من بقية السكان يرتبط افرادها ببعضهم عن طريق
روابط عرقية اودينية او لغوية او ثقافية تميزهم بجلاء عن بقية السكان ويتضامن
افراد هذه الجماعة فيما بينهم للحفاظ على هذه الخصائص وتنميتها وهي في
العرف الدولي مئات من رعايا دولة تنتمي من حيث الجنس او اللغة او الدين الى
غير ما تنتمي رعايها.
وقد
نشرت الأمم المتحدة عام 1991م دراسة للمقرر الخاص فرانسيسكو كابوتورتي
(Fransesco Capatori) تتبع
فيه تطور مفهوم الأقلية منذ عام 1930م. ولقد أورد فيه رأيا
استشاريا لمحكمة العدل الدولية، وجاء فيه ما يلي: «تعرف الجماعة الأقلية بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في قطر ما أو
منطقة، وينتمون إلى أصل، أو دين، أو لغة، أو عادات خاصة، وتوحدهم
هوية قائمة على واحدة أو أكثر من هذه الخصائص. وفي تضامنهم
معا يعملون على المحافظة على تقاليدهم، والتمسك بطريقة عبادتهم، والتأكيد على تعليم ونشأة أولادهم طبقا لروح هذه التقاليد،
مقدمين المساعدة لبعضهم البعض.
وفي
عام 1950م ناقشت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للأمم المتحدة، خلال عدة اجتماعات عقدتها،
العناصر الأساسية المحددة لمعنى اصطلاح "الأقلية"
فقالت: «إن الجماعات التي تعرف عادة بأنها أقلية قد تنتمي إلى أصل عرقي، قد يكون لها تقاليد دينية أو لغوية أو خصائص
معينة تختلف عن خصائص بقية السكان. ومثل هذه الجماعات
ينبغي حمايتها بإجراءات خاصة على المستويين القومي والدولي
حتى يتمكنوا من المحافظة على هذه التقاليد والخصائص ودعمها.
وتأسيسا على
ما تقدم يمكن تعريف الأقليات على النحو الآتي: الأقليات هي جماعات قومية أو لغوية
ثقافية أو دينية أو مذهبية تنتظم في بنى وتشكيلات، وتقوم في داخلها وفيما بينها
وبين الأكثرية علاقات يحددها مستوى تطور المجتمع المعني ودرجة اندماجه القومي
والاجتماعي، وتتحدد العلاقات الداخلية في كل منها بنمط العلاقات الاجتماعية
الاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة في كل مرحلة من مراحل التطور، وهي دائماً
علاقات نبذ وجذب متوازية تحدد على نحو حاسم درجة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
والعنصر الحاسم في وجود الأقلية هو وعيها الذاتي باختلافها وتمايزها، وحرصها على
البقاء والمحافظة على هويتها، وتطلعها على المساواة. ويمكن القول: إن الأقلية لا
تظل كذلك إلا بقدر ما تطلب لنفسها نوعاً من الحقوق الخاصة تعزز انغلاقها على ذاتها
وممانعتها للاندماج.
ومن
هذه التعريفات في اعلاه المتقاربة في تحديدها والمتشابهة في صياغاتها تبرز عناصر
أربعة ينبني عليها مفهوم الأقلية وهي:
·
العنصر الكمي (البعد الديمغرافي).
·
تميز الأقلية لغويا أو دينيا (البعد الثقافي).
·
اختلال ميزان القوى بين الأقلية والأكثرية وما ينتج عنه من
حرمان وإقصاء.. (البعد الاجتماعي).
·
حرص الأقلية على بقاء خصوصيتها (البعد السياسي).
وفي دراسة لاحقة قام بها كابوتورتي آنف الذكر حول تفسير مفهوم
الأقلية، وقد شاركت عدة دول بملاحظاتها وآرائها في هذا
الموضوع. وورد في نهاية هذه الدراسة ما يلي: "التأكيد على
ضرورة إضافة عنصر إلى تعريف الأقلية. ويتمثل هذا العنصر في رغبة الجماعة الأقلية في المحافظة على الاعتبار الذاتي في
تقاليدها وخصائصها"
وتشكل كل اقلية شخصية اجتماعية وثقافية
وإن الحاجة إلى حماية الأقليات تنشأ أساساً من ضعف وضعها حتى في محيط الدولة الديمقراطية.
وفي
منتصف التسعينات جرى تطور جديد على هذا المفهوم مع التأكيد
على العناصر السابقة التي تحدد معناه، وقد انعكس ذلك على بعض المواثيق والمعاهدات الدولية، منها "إعلان فينا"
لحماية الأقليات القومية في الدول الأوروبية، والذي صدر عام
1993م، وقد جاء فيه ما يلي:
«إن الأقليات
القومية هي المجموعات التي صارت أقليات
داخل حدود الدولة نتيجة أحداث تاريخية وقعت ضد إرادتها. وأن العلاقة بين مثل هذه
الأقلية والدول علاقة مستديمة وأفرادها من مواطني هذه الدولة.(1)
وفي
18 تشرين الثاني من عام 1994 صدر عن المبادرة الأوروبية المركزية بتورينو قانون حماية حقوق الأقليات، وجاء في المادة
الأولى منه التالي:
«إن اصطلاح الأقلية
القومية يعني جماعة تقل عددا عن بقية سكان الدولة ، ويكون أعضاؤها من مواطنيها، ولهم خصائص إثنية، أو دينية، أو لغوية،
مختلفة عن تلك الخاصة ببقية السكان، كما أن لديهم الرغبة في
المحافظة على تقاليدهم الثقافية والدينية(2)، وفي 21 تشرين أول 1994م
صدر في موسكو تعريف مشابه عن رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد
السوفياتي السابق حيث عرف الأشخاص المنتمين إلى أقليات بأنهم الأشخاص الكائنين
بشكل دائم في إقليم أي في دولة من الدول الموقعة على العهد ويحملون
جنسيتها، ولكن لهم من الخصائص العرقية، أو اللغوية، أو الثقافية أوالدينية، ما
يجعلهم مميزين عن بقية سكان الدولة. وإلى جانب هذا التعريف أضيفت عبارة مفادها: لا يجوز تفسير اصطلاح الأقلية بشكل
يحض على أو يجيز اتخاذ أي إجراء يرمي إلى حرمان أي شخص من
إقامته الدائمة أو من وضعه كمواطن. وقد أضاف المقرر الخاص
للأمم المتحدة كابوتوتي «إن عدم الاستجابة إلى شكاوى
الأقليات فيما يتعلق بوضعهم المتدني يمثل خرقاً للحقوق المدنية والسياسية.
والاقليات هي اما اقليات عرقية او
دينية او مذهبية او لغوية اذ مازالت معظم دول منطقة الشرق الاوسط ودول العالم
الثالث والدول المتقدمة تعاني من مشكلة الاقليات والملاحظ ان الازمة في دول العالم
الثالث والدول المتقدمة على حد سواء ،في ان
تتجاهل عمدا القضايا الانسانية الناجمة عن حل مشكلة الاقليات بل وتنكر وجود
هذه الاقليات اصلا بزعم ان هذه الاقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الاغلبية في
الوطن زاعمين ايضا ان الدستور ينص ويقرر مساواة جميع المواطنين امام القانون علما ان التقدم الحضاري لايقاس بوجود التشريعات
والقوانين وانما بمقدار العمل بهذه القوانين واحترامها فتكون القوانين مرآة صادقة
للمجتمع وصدى لما يحدث في الواقع.
وعلى ضوء ذلك لابد ان يكون للاقلية
تعريف مقبول عالميا لان حماية الاقليات من التمييز والاضطهاد تقتضي تعريف من تشمله
هذه الحماية ولكن الجهود التي بذلت لتعريفه على نحو مرض للجميع قد باءت بالفشل
ولكن نستطيع ان نقول ان الاقلية مجموعة قومية او اثنية او دينية او لغوية تختلف عن
المجموعات الاخرى الموجودة داخل دولة ذات سيادة.
وهنالك معايير تشمل مجتمعة جميع
الاقليات وهي :
1.
العدد: فمن
الواضح ان الاقليات يجب ان تقل عددا عن بقية السكان الذين يمثلون الاغلبية.
2.
الهيمنة : لابد ان تكون الاقلية في وضع غيرمهيمن يبرر
توفير الحماية لها.
3.
الهُويِة: اختلاف الاقلية في الهُوية الاثنية او
القومية وفي الثقافة او اللغة او الدين
ويتم
تصنيف الاقليات على وفق معايير متعددة
منها العنصرية او الاثنية او القومية او الدين او اللغة.