《
الحركات الاسلامية وأزمة الوحدة》
د.أحمد هاشم
أكاديمي وباحث
ما
من قضية أرقت الجمهور فضلا عن النخب -قديما وحديثا- كقضية الخلاف بين الجماعات
الإسلامية؛ التي تنطلق في تصوراتها من منطلقات ثابتة ومعصومة تدعو الى وحدة الرأي
والموقف لاسيما في زمن الأزمات والمواجهة.
إن
قضية الوحدة والاجتماع تحت مظلة واحدة أمر محكم أثبته الشرع والعقل والتجربة؛
كإحدى أهم نقاط القوة التي تمثل الإكسير الناجع في معالجة المشاكل الخارجية وتحصين
الصف الداخلي، فالأحداث الراهنة فرضت على جماهير الحركات الإسلامية سؤالا في غاية
الخطورة مفاده (إذا كانت جميع الحركات تستند في تحديد رؤاها وأهدافها إلى مصدر
واحد فما تفسير اختلافها الذي يتطور في بعض المراحل الى التكفير واستباحة الدم)؟؟.
إن
الجواب عن هذا السؤال الجوهري بحاجة الى جهود مؤسسية وعقول رصينة ترصد التطورات
التاريخية التي مرت بها تلك الحركات، والنظام البنيوي لها، إلا أن ذلك لا يمنع من
تشخيص بعض الأسباب التي ظهرت للعلن، وبدأ يدركها العامة والنخب على حد سواء.
ومن
أهم تلك الأسباب:
-حظوظ
النفس: ان الاعتراف بالخطأ والتقصير سواء كان ذلك الخطأ في الافكار او الاساليب من
أهم عوامل القوة التي تردم الهوة بين الحركات، فشخصنة النقد التي تورث التعصب
للرأي الموروث عن رواد الفكر، وغلق أبواب النقد أمام المخالفين أدى الى الانغلاق
وعدم قبول الآخرين، وبات الدفاع عن الأشخاص يأخذ حيزا أكبر من الأفكار ذاتها،
فالقائد أو الشيخ يرى أنه من الصعوبة بل من المستحيل الاعتراف ان ما ربى عليه
أتباعه وأفنى أغلب عمره في المدافعة عنه يتخلله خطأ أو تعديل، وأصبح الثبات على
تلك الأفكار مسألة شخصية لا تقبل النقاش، أو أنه يخشى أن يوسم من قبل أتباعه
بالمتساقط على الطريق!!!.
-نسبية
المشاريع: إن لكل حركة مشروعها الذي تنظر له وتعمل على إيصاله الى أبعد مستوى
للجماهير، وترى فيه المنقذ لهم من حيرتهم واضطرابهم، ومن نافلة القول أن هذه
الجماهير تعاني من مشاكل كثيرة ومختلفة، فما تراه حركة من الحركات أساس الداء،
وجوهر الضياع لدى الجماهير تراه حركة اخرى غير ذلك، حتى غدت المشاريع متصادمة كل
يرى ان له الأفضلية في مشروعه، ولو نظرت حركة من الحركات بعين الشمولية لرأت ان
باقي المشاريع مكملة لمشروعها متممة لها في الاصلاح.
-إضطراب
الأولويات: إن أولويات الحركات غالبا ما تنصب على تشخيص ما يلم بأغلبية المجتمع،
من خلال الموازنة بين الآفات التي تفتك به، وتعتبر بعد التشخيص كأولوية تندرج في
قائمة الحركة، الا أنها تكتسب هذه الصفة في إطار المشروع المتبنى من قبلها،
فالحركة الصوفية التي تبنت مشروع التربية الروحية ومكابدة آفات النفس تختلف
أولوياتها عن الحركة السلفية التي تبنت مشروع تصحيح المفاهيم العقدية، وقل مثل ذلك
عن التبليغيين والجهاديين.
-التفسيرات
المغلوطة للنصوص: إن وحدة المصدر لا تكفي في رسم منهج مستقيم إذا كانت قواعد تفسير
تلك النصوص يشوبها الخلل وقصور في الفهم، وهذا ما أدى الى تعدد الآراء والاتجاهات
في التعامل مع النصوص المعصومة، كل حسب قواعده التي ابتناها وحرص على أن لا تصادم
أفكاره ومبادئه، وبالتالي أدى الى إفراز تفسيرات تناقض ما تبنته حركة أخرى، علما
ان الاختلاف في فهم النصوص كان ينبغي ان يوضع في جانب الرحمة الذي خصت به الأمة،
كأمارة على مرونة هذا الدين، الا انها أنتجت نتائج عكسية بسبب عدم تبني سياسة
الاستيعاب والحوار العلمي؛ للوصل الى الحق أو قريب منه.
-جهل
الواقع وعدم استيعاب أحداثه: ان فهم الواقع وما فيه من مجريات مستحدثة أمر اساسي
وضروري لكل حركة إصلاحية، فلا يتصور تبني أفكار إصلاحية مع انعدام أسبابها، الا ان
بعض الحركات الإسلامية وقعت فيما لا يتصور، فبدأت تلزم الناس بأفكار اما انها ماتت
بموت رجالها، او بأفكار تستلزم مقدمات كثيرة لنشرها بين العوام وإلا أصبحت مهلكة
لمتبنيها، كقضية الجهاد التي أصبحت من القضايا المفرقة بين الحركات الإسلامية التي
يفترض ان تدرك ان اجتماعها شرط من شروطه، بل تعدى الأمر الى أقسى من ذلك بتنزيل
ايات الجهاد والولاء والبراء على المخالفين ومحاسبتهم بها، فزاد الأمر بعدا، وكبرت
الفجوة بينهم، وارتسمت رسائل الوعيد بينهم بالدم.
إن
مشروع المراجعة ومواجهة الأفكار أمر ضروري لا مناص منه، في إطار مشروع كبير يوحد
الأمة، بعيدا عن هالة القداسة المحيطة بتلك الأفكار، وما لم تعي الحركات الإسلامية
أنه كلما طال الزمان على هذا الخلاف كلما كانت الأحداث التي تريد مسخ الامة من
هويتها أقرب الى اقتلاعهم، وعندئذ لن يلام عدوهم على عدوانه بقدر لومهم على
اختلافهم.