بين
طه جابر العلواني وزها حديد موعظة وعبرة
د. صباح حمدان الكبيسي
اكاديمي وباحث
قد
مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس
اموات
لي
اليوم وقفة سريعة لكن فيها موعظة وعبرة لعلها تفيدني ابتداء ولكل من يقرأ هذه
الكلمات لعلها تنفع ، كلامي اليوم عن رجل وامرأة كانا علمين وتركا في هذه الدنيا
بصمة من اعمال ومؤلفات وبناء وذكر قد يكون خالدا.
انتقلا
من قريب الى الرفيق الاعلى ، لذلك اردت ان اكتب هذه الكلمات وانظر لحياتهما
وموتهما من عدة زوايا .
هاذان
العلمان هما ؛ الدكتور طه جابر العلواني ، والمعمارية زها حديد .
طه
جابر العلواني من مواليد الفلوجة عام 1935م ،مفكر وفقيه اسلامي عراقي الاصل كان
رئيس المجلس الفقهي بأمريكا ، ورئيس جامعة العلوم الاسلامية والاجتماعية بهدندن
فرجينيا الولايات المتحدة الامريكية في عام 1981 .
شارك
في تأسيس المعهد العالمي للفكر الاسلامي في الولايات المتحدة ، كما كان عضو المجلس
التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة ، وعضو مجمع الفقه الاسلامي
الدولي في جدة ، هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية 1983، وكان رئيس جامعة قرطبة
الاسلامية في الولايات المتحدة .
تقلد
طوال مسيرته العلمية اكثرمن 15 منصب عالي في مجال التربية والتعليم ، له من
المؤلفات 40 مؤلف في شتى علوم الاسلام ، حضر وادار المئات من المؤتمرات
العلمية العالمية والاقليمية من المغرب غربا الى اندونوسيا وماليزيا
واليابان شرقا .
اما
زها حديد فهي معمارية عراقية ولدت في بغداد عام 1950م حصلت على الليسانس في
الرياضيات والدبلوم العالي في العمارة من الجمعية المعمارية في لندن .
درست
في ارقى الجامعات والكليات واقامت مجموعة من المعارض الدولية لاعمالها الفنية التي
تشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية ، انجزت زها حديد العديد من
المشاريع العملاقة اهمها ؛ محطة اطفاء الحريق في المانيا ، متحف الفن الحديث في
مدينة سينسيناتي بأمريكا ، مركز الفنون الحديثة في روما ، جسر الشيخ زايد في
الامارات ، مبنى بي ام دبليو المركزي في المانيا وغيرها الكثير من الاعمال التي
حازت لتصاميمها الفريدة على اعلى جائزتين في العالم جائزة ريبا (الميدالية الذهبية
الملكية للعمارة ) واصبحت اول امرأة تحصل على هذه الجائزة ، وجائزة ( توماس
جيفرسون للهندسة المعمارية ) ، واختيرت زها حديد كرابع اقوى امرأة في العالم
عام 2010 .
لكل
ذلك كان لنا هذه الوقفة ، اريد من قاريء هذه الكلمات ان ينظر معي الى حياة هذين
العلمين وموتهما وما قدما وما اسهما وما تركا خلفهما من تراث وبناء مادي ومعنوي ،
والنظر الى الامر من زوايا مختلفة لعله يجد في كل زاوية منها موعظة وعبرة
كما قال الله تعالى : (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد) .
الزاوية
الاولى: ان الانسان مهما بلغ من العلم والشهرة والسمعة والف وكتب او عمر وبنا فأنه
ميت وانه سائر وذاهب الى الله مهما عمر ومهما بقى وان ذلك لن يؤخر في اجله ولن
يزيد في عمره وانه سيترك كل ذلك خلفه ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة
وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ) سبحان الله فرادى عرايا وكل ما بنيناه وشيدناه من
مجد وسمعة وشرف ومناصب والقاب وجوائز واوسمة وشهادات تقدير كل ذلك تركناه وراء
ظهورنا ، فلننظر ماذا قدمنا لحياتنا عندما سنترك في دنيانا كل شيء .
الزاوية
الثانية:ان الانسان مهما قدم والف وكتب وبنى وشيد وخطط ونفذ سيبقى مرهون
بالنية والاخلاص فأن ماكان لله نفعك بعد موتك ورفع من درجاتك وكان اجره وفضله لك
اما ان لم يكن الله والاخلاص رائداكا في كل ماتعمل وتكتب وتؤلف وتبني فأنما هو
وبال عليك اتعبت نفسك فيما لا مرد له من نفع ولا اجر ولا فضل وانما هي اثقال
واوزار تحملها على ظهرك فأنظر ما انت فاعل فأن الناقد بصير .
الزاوية
الثالثة: ان ميزان الله غير ميزان البشر وان حساب الاخرة ليس كحساب الدنيا فرب
كاسيا في الدنيا عار يوم القيامة ورب مشهور في الدنيا وبين الناس ،
مغمورممقوت مطموس عند الله وعند الملأ الاعلى فأنظر من اي الفريقين انت.
الزاوية
الرابعة: العلواني عمر وبنى في علوم الدين وكتب والف في نصرة الدين
والقران وحضر مئات المؤتمرات والندوات في هذا السبيل ,وزها حديد عمرت
في علوم الدنيا وبنت صروحا في هذه الحياة ونالت اعلى الاوسمة والدرجات وسيبقى
الاثر للاثنين من الف وكتب ودافع ومن عمرت وبنت وخططت وهندست وكلا الاثنان تركا
لنا اثرا وبصمة وهو يقول من خلال ما قدم انا فعلت الذي احسنه فماذا فعلت انت
وماذا تركت وما هو اثرك .
الزاوية
الخامسة: ان الاثنين من بلد واحد لكنهما عاشا اكثر سنوات عمرهما خارج البلد وقدما
ماقدما خارج البلد ولم يجدا من بلدهم الا الصد والجحود وكانت شهرتهما واحتفاء
الناس بهما في غير بلدهم ليقولا لنا بلسان الحال لا بلسان المقال ان العمل والجد
والاجتهاد والفوز والنجاح والشهرة والتوفيق لا تنحصر في بلد او مكان وربما كان
فوزك ونجاحك ورزقك في غير محلك فأخرج وسافر وسر في الارض (تجد مراغما) (ومن يهاجر
في سبيل الله يجد مراغما كثيرا وسعة)
هذا
ما اثاره سمعة وشهرة هذين العلمين وموتهما في خاطري فأردت ان اشارككم ما جال في
خاطري وهي ذكرى لعلها تنفع .
واختم
بأخر كلمات قالها الدكتور طه جابر العلواني في مقال بعنوان (أنا المسلم ) : "
أهاب الموت ، لكنني أؤمن بأنه جسر لابد ان أمشيه ، لأصل الى دار البقاء من
دار الفناء ، وارجو حسن الخاتمة ، واستعيذ بالله من سوئها ، احب الجنة وابغض النار
،احب الأمن وابغض القلق ، واكره الكراهية ، ولست بفاحش ولا بسباب ولا بمهلك
..." .