مضر أكرم عثمان الدركزلي
كاتب عراقي
تعريفه : الجمال ضد القبح، وهو الحسن والزينة.
يسعى الإسلام ولا
ريب لصياغة عالَم، منظم، متناظر، منسق، وجميل.. لقد جاء ليمنح المجتمعات البشرية
صيغًا من العمل، وأنماطًا من العلاقات، وطرائق من النشاط، ما عرفتها مجتمعات
الجاهلية في يوم من الأيام، ولا ذاقت طعمها، أو استروحت في ظلالها المترعة
بالتكافل، والتكامل، والمحبة، والإبداع .
الجمال سر من أسرار القدرة الإلهية ودليل
عليها، وهو يُدْرَك بالحس والقلب، وليس من السهل تعريفه أو حده بأوصاف أو رسوم أو
عبارات، وهو شعور داخلي قد يترجمه صاحبه في عبارات أو إشارات، وقد يظهر في لغة
الملامح والتقاسيم، والإحساس بالجمال عجيب في كيان الإنسان حيث يحدث توافق بين
الحس البشرى والجمال الخارجي من خلال المُدْرَكات الحسية التي وهبها الله للإنسان
.
وتهدف التربية في أسمى حالاتها إلى تحقيق
النمو المتكامل للمتعلم في مختلف النواحي: الجسمية، والنفسية، والاجتماعية والتي
تُحقق التوافق بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه؛ والوصول إلى هذا الهدف يتطلب
جهداً غير يسير من قبل المؤسسات التربوية والمجتمعية، ولكي يتم ذلك بصورة مرضية
يجب أنْ يتاح للمتعلم ممارسة عدد من الأنشطة والخبرات التي تؤهله لاكتساب
المعلومات والاتجاهات التربوية، والمهارات العملية من حيث كونها جوانب أساسية من
مكونات العملية التعليمية، ويقف تعليم قيم الجمال على رأس اولويات المجتمعات
الناجحة.
وللجمال له جانبان:
حسّي ومعنوي، وقد أخفق الفكر الإنساني تماماً في وضع مقاييس ثابتة لكليهما.
ونجد اليوم
اهمالاً كبيراً في مناهج التربية عموماً لتعلم وتعليم قيم الجمال والتي تساعد في
استحداث ما يشبه المعايير النفسية والوجدانية لتحسس واكتشاف قيم الجمال المادي
والمعنوي، ومن شأن قيم الجمال ايضاً تشكيل عصمة المجتمعات من تقبل القبح بكل
اشكاله أو الانحطاط ويتوهم البعض احياناً كيف يعش بعض الأفراد في الغرب حياة
تعيسةً قد تؤدي بهم الى الانتحار احياناً وعندهم كل هذا الجمال في الطبيعة والنظام
في الحياة، وهنا يكمن الجواب في غياب الإعتقاد بخالق هذا الجمال وهنا الفرق بين
المؤمن وغيره، فالمؤمن يستذوق الجمال معتقداً ان وراء هذا الجمال خالقاً اجمل من
هذه الصنعة التي تسقط على جهازه البصري والسمعي.
وفي المفهوم الإسلامي
للجمال ثلاثة أهداف، الحكمة، والمتعة، والعبادة؛ فالجميل لغيره أيضاً وليس فقط
لنفسه؛ إذ لا قيمة للجمال عند صاحبه إذا لم يره الآخرون، أو إذا كان الجميل في
عالم من العميان.
الجمال شيء يحبه الله، وتحبه الفطرة ويحبه
البشر إذا كان مسموعاً أو مرئياً، أو ملموساً ويعتبر جمال النفوس أسمى وأنقى وأرفع
مراتب الجمال، وربّ العزة تعالى أمر المسلم أن يكون صبره جميلاً: (فَاصْبِرْ
صَبْرًا جَمِيلاً)، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ).
وليس كل الانحرافات التي نراها في عالمنا اليوم
سببها الجهل أو غياب احترام القوانين او غياب العقوبات الرادعة ولكن هناك اسباب
أخرى هو انتشار ثقافة القبح والانتقام وضعف التربية الجمالية مما ساعد في انتشار
قيم جمالية زائفة تريدها العولمة قائمة على الاستئثار وليس الايثار ومن يقف ورائها
ويسير في ركابها.
لا تجد نفساً تربت
على قيم الجمال يستهويها القتل لذاته او أذية مخلوق او حتى الضرر بجمادة من
الجمادات.
لفظة الجمال في القرآن الكريم:
ورد «الجمال» باشتقاقاته في كتاب الله عز وجل في ثـمانية مواضع كالآتي:
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ﴿١٨ يوسف﴾
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴿٨٣ يوسف﴾
وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
﴿٨٥ الحجر﴾
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
﴿٦ النحل﴾
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا
جَمِيلًا ﴿٢٨ الأحزاب﴾
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿٤٩
الأحزاب﴾
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴿٥ المعارج﴾
وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا
جَمِيلًا ﴿١٠ المزمل﴾
تنوعت المعاني لكلمة
"جمال" في آي القرآن الكريم بين جمال حسيٍّ وآخر معنويّ، ولكن لم تحيد
عن تأكيد اهمية صفة الجمال في الشعور والسلوك والشكل.
لفظة الجمال في السنة المطهرة:
ولقد ورد في السنة
المطهرة ذكرٌ للجمال الحسي فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ
يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ
يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ)) [ مسلم ،
الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
واتى لفظة الجمال
بصيغٍ مرادفة منها الزينة والحسن لا يسع المقام لذكرها او سردها الّا ان أي عملٍ
يخلو من قيم الجمال ومعانيه لن يجد قبولاً او انتشار لان النفس تأباهُ ولا تستسيغه
وعليه العودة الى تأسيس نشاطات ترعى الفنون المباحة الساقلة والمقوية لقيم الجمال
ونشرها ليرى الانسان معنى الحياة فيما يفعل في الدعوة الى الله ونشر تعاليمه
السمحة، وكتبت هذه المقالة لأني أجد شحة محتوى مناهج الدعوة لقيم الجمال والعناية
بها والله من وراء القصد.