د.
أنس حميد
كاتب
وباحث
إن
كثيراً من الحقائق والقناعات لا تتأتى عن طريق المعلومات أو كثرة القراءة في كتب
العلم والمعرفة المتنوعة، فهناك قناعات لا يمكن تحصيلها إلا من خلال التجارب وكثرة
التفكر في تجارب الآخرين وما يقع في الأمة من محن وابتلاءات.
فتكون
هذه التجارب والفتن مصدرين آخرين يضافان إلى مصادر المعرفة لدى الناس وخاصةً
المسلمين منهم وعلى الوجه الأخص الإسلاميين المتصدرين للعمل الدعوي وحمل راية
الإسلام فهم أحق الناس بالحكمة من غيرهم وأولى.
ومن
جملة الحقائق التي يمكن استنباطها من تجربة الحركات الإسلامية منذ سقوط الخلافة
العثمانية وإلى تجربة الربيع العربي وما اعقبه من أحداث جسيمة ومؤلمة للأمة وخاصةً
التيار الإسلامي منها هو أن الإسلاميين لا يمكن في مثل الضياع والتيه الذي تعيش به
أمتنا أن يجمعوا بين الدعوة والدولة معا وأن المنافسة على السلطة بين
المتصدرين للدعوة وغيرهم يفقدهم كثيرا من مجالات العمل الدعوي ويفقدهم الكثير من
الاتباع والأنصار والمحبين ويفقدهم التأييد الشعبي ويفتح عليهم أبواب الفتن والمحن،كما
حصل بعد أحداث الربيع العربي للإسلاميين في كثير من الدول.
لذا
لابد أن تعيد الحركة الإسلامية خيارتها وترتب أولوياتها في المرحلة القادمة وتختار
اما خيار الدولة والسلطة والحكم والسعي اليها وتتحمل نتائج هذا الخيار الذي أثبتت
التجارب السابقة فشله لخلل في الأمة أو في التيار الإسلامي نفسة.
أو
تختار الدعوة وتعبيد الناس لله رب العالمين إلى أن يمن الله على جيل التمكين
بالظهور الذي ستصنعة الدعوة الربانية بإذن الله تعالى .
أما
العقد الذي لابد أن تبرمه الحركة الإسلامية بينها وبين الحكام يتلخص في العبارة
التالية : ( لا تنازعونا الدعوة ولا ننازعكم الدولة ) .
لا
على سبيل الخنوع والتبرير للفساد وإنما على سبيل الحفاظ على أمن الدعوة كما فعل
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة حيث تجنب الصدام وحاول عقد اتفاق
بينه وبين المشركين مفاده : (أن خلوا بيني وبين الناس أبلغ دين ربي).
فلو خُلِّي بين الناس والدعوة لعادت الأمة إلى ربها ومجدها ولدخلت الدعوة إلى بيوت وقصور الحكام أنفسهم ولتمكنت الدعوة من الدولة وليس العكس، يعني أسلمة السلطة وتديين السياسة لا تسييس الدين كما يقال.
فلو خُلِّي بين الناس والدعوة لعادت الأمة إلى ربها ومجدها ولدخلت الدعوة إلى بيوت وقصور الحكام أنفسهم ولتمكنت الدعوة من الدولة وليس العكس، يعني أسلمة السلطة وتديين السياسة لا تسييس الدين كما يقال.
إن
سياسة المواجهة و الصراع الدائم والمستمر بين قيادة الدعوة و قيادة الدولة لابد أن
تتغير وفق المصالح والمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية وبما يناسب الوضع الدولي
والإقليمي الآن وكذا بما يناسب الوضع المأساوي الذي تمر به الدعوة في العالم
الإسلامي والعربي على وجه الخصوص.
نعم
قد يكون هذا الكلام فات أوانه في بعض البلدان الإسلامية التي تشهد صراعا مسلحاً مع
الدولة إلا أنه يمكن أن يصار إليه في البلدان المستقرة كي لا تتكرر مأساة الشعب
السوري والليبي والعراقي.
وحتى
هذه الدول الآن لو استطاع الإسلاميون فيها عقد صلح ما مع حكوماتهم يحفظ الحد
الأدنى من حقوقهم الدينية والدنيوية ويحفظ أعراضهم ودماءهم وجب شرعا المصير إليه
فلا ينبغي للقادة الدعوة التعنت والإصرار على مواجهات فاشلة ذهبت بمئات الآلاف من
أرواح المسلمين وشردت الملايين وتسببت بتراجع الدعوة عقودًا من الزمن.
فالأمة
اليوم واهنة الجسم ضعيفة الإيمان مفرقة الشمل لا تقوى على المواجهة،
فلابد لهذا الجسد أن يتعالج ويقف على سوقه من جديد وتذهب منه آثار المرض ويقوى على المواجهة فعندئذ يمكن أن نفكر بالمواجهة اذا تطلب الأمر واقتضت الضرورة لذلك بعد التفكر الطويل واستحضار التجربة الماضية للربيع العربي فالصبر على بعض الظلم من حاكم غشوم خير من فتنة تدوم.
فلابد لهذا الجسد أن يتعالج ويقف على سوقه من جديد وتذهب منه آثار المرض ويقوى على المواجهة فعندئذ يمكن أن نفكر بالمواجهة اذا تطلب الأمر واقتضت الضرورة لذلك بعد التفكر الطويل واستحضار التجربة الماضية للربيع العربي فالصبر على بعض الظلم من حاكم غشوم خير من فتنة تدوم.