مما قطعت به تجارب الفحول، وجزمت به الطباع والعقول، أنه ﻻ
ينبغي ان يتصدر للفتوى في متعلقات السياسة والجهاد ثلاثة نماذج من المفتين:
اﻻول:
نموذج (من) أهل الحواشي، الذين ﻻ يعرفون من العلم اﻻ إيرادات عبد الحكيم واعتراضات
السيد الشريف ونكت السعد العلّامة، ووﻻؤهم وبراؤهم وكذا تقييماتهم للاشخاص
والهيئات مبني على مقدار المعرفة بذلك.. والله أعلم بما هنالك..!
الثاني:
نموذج (من) المقاتلين، الذين قضو جُل حياتهم حاملين للسلاح.. منعزلين في الجبال والصحارى
الفساح، مطارَدين بين المدن والقرى.. واخذوا العلم من كتيبات متفرقة.. وفتاوى
"متزحلقة".. فصاروا مراجع لفصائلهم.. لحل معضلاتهم ومسائلهم.. وما
يعرفهم من المزكين أحد..
النموذج الثالث: نموذج (من) الأكاديميين.. من كان اول كتاب قرأ
فيه في الجامعة.. يرد اقوال اﻻئمة اﻻربعة.. وينكر التقليد.. ويبغض التمذهب.. ويفتح
باب العقل على مصراعيه.. ثم أُلحق باسمه همزٌ ودال.. فظن نفسه من الأقطاب والأبدال..
فالنموذج
اﻻول: ﻻ يعرف للشرع روحا.. وﻻ يعترف للمصالح بحجية.. وما يعرفه عن كتب التراث ومناهجها وطرائقها..
اكثر بكثير مما يعرفه عن الله ورسوله والناس وحوائجها
..
والنموذج
الثاني: ﻻ يعرف قيمة الحياة.. اذ لم يشعر مرة باهمية اﻻسرة.. وﻻ جريان مصالح
البشر.. وﻻ يعرف للدائرة الحكومية اهمية.. ولا للمدرسة فائدة.. وﻻ للسوق معنى..
ولو رأى اﻻرض كلها مشتعلة ﻻزداد سعادة.. ولو حُكّم على الدنيا ﻷمر بالإبادة..
والنموذج
الثالث: ﻻيعرف عن الشرع اﻻ جداول وخطوطا "شخبطها" له استاذه على
السبورة.. وليس له من آلة الفتوى شيء.. وﻻ من الكتاب والسنة رصيد.. وﻻ يملك من
تجارب اربعة عشر قرنا من فهم الشريعة اطﻻعا.. وﻻ يعرف ان للموت معنى احيانا في شرع
الله.. وان الدماء تسيل ليعلو صوت الحق.. كيف يعرف ذلك؟ واقصى ما كابده في حياته
قرص "البق"..!
ففتوى اﻻول
خروج عن الواقع.. وعيش في اﻻزمنة الساحقة.. بسطحية تامة.. وعدم مراعاة للعﻻقات
الدولية العامة..
وفتوى
الثاني تهور وخبل.. وتطرف ودماء.. واستهتار بقيمة الحياة التي قدّسها الشرع..
وفتوى
الثالث عبارات خدّاعة.. ومصالح مظنونة.. وهو لجُبنه يرى الجهاد شنارًا ينبغي
نسيانه.. وتراثًا ينبغي عصيانه.. فيكسر قواعد الشرع وثوابت النصوص.. ويكون من
الشرع محلَّ اللصوص.. ويهتك حدود المتغيرات.. ويسعى للميوعة فوق ما يقبله رب اﻻرض
والسماوات..
وفي أصل
وجود النماذج الثﻻثة في اﻻمة حكمة ورحمة.. وفي تكاملهم وتعاونهم صﻻح فتوى
النوازل..
وادعاء
احدهم احتكار الحق متوقع ومألوف.. فقد ابتلينا في فتننا منهم بالالوف..
نسال الله
ان يهيء للامة من يهديها رشدها.. ويعيد اليها عزها ومجدها.. بفهم ثاقب.. وتقوى
كاشفة.. وتجرد للحق.. والهام رباني للصواب..