أبو عمرو
أحمد غانم العُرَيضيّ
كاتب
وباحث
ahmedkaneem@yahoo.com
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا
إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم
رمضان".
هذه الخمسة هي ما أُطلق عليها أركان الإسلام بناء على هذا الحديث، وهنا
عادة ما يتساءل الكثيرون: فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل
الله وغير ذلك من الفرائض العظيمة، أين هي من هذا الحديث؟ أليست أركانا للإسلام؟
أليست من دعائمه التي يقوم عليها؟ فلماذا لم تذكر في الحديث؟!
وقد رأيت استشكالا في ذلك حتى عند بعض العلماء مما اضطرهم ليقولوا إن أركان
الإسلام ستة، فعد بعضهم الجهاد سادسا، وجعل بعضهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سادس الأركان!
وسبب وقوع الإشكال هذا هو عدم الفرز في التحقيق بين الواجبات الشخصية
والواجبات الجماعية.
فالأركان الخمسة المذكورة في الحديث هي
واجبات فردية، تتعلق بإسلام الفرد الشخصي، فبني إسلامُ كل شخص على هذه الخمس، أما
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله وتحكيم
شرعه وغير ذلك فهي واجبات جماعية.
وبالإمكان أن نقول إن هناك أركانا للإسلام الفردي وهي خمسة، وأركانا لإسلام
الأمة والمجتمع، اختصرها الله تعالى في أمر واحد جعله ركنا للأمة فقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ}
فكما بني
إسلام الفرد على خمس، فقد بني إسلام الأمة على هذا الركن العظيم، وهو الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثير من الواجبات العظيمة في الإسلام مندرجة تحت هذا
الركن أو هي ثمرة من ثماره، ومنها: القتال في سبيل الله تعالى، وتحكيم شرعه سبحانه
وتحقيق العدل وإقامة الولايات العامة والقضاء والعمل السياسي المنضبط، والإفتاء
وتعليم الناس دينهم، وإعداد القوة بجميع أنواعها لتحقيق نهضة الأمة وإعادة مجدها
الضائع، وإصلاح المجتمع وتغييره، فكل هذه -وغيرها- أركان للإسلام، لكن بعضها اركان
شخصية تتعلق بالفرد، والقسم الآخر أركان جماعية تتعلق بالمجموع.
وكما
تؤثر الأركان الخمسة على صورة الفرد الإيمانية، كذلك تؤثر الأركان الجماعية
على شكل المجتمع وصورته الإيمانية، فقد يوجد أفراد مسلمون لكنهم يعيشون في مجتمع
غير إسلامي في صورته ومظاهره، ولا تعارض في توصيف مجتمع ما بأنه مجتمع جاهلي
وتوصيف أفراده بأنهم مسلمون، لأن أركان المجتمع الإسلامية غير أركان الأفراد
الإسلامية، ولعل عدم التفريق بين الأمرين هو الذي جعل البعض يفهم من وصف سيد قطب
-رحمه الله تعالى- للمجتمعات بالجاهلية بأنه يكفر المسلمين! رغم أنه لم يكن يقصد
إلى هذا الأمر أبدا.
ثم إن المجتمع
يوصف بقدر ما فيه من الخير والشر، فتوصف كثير من مجتمعاتنا بأنها إسلامية وجاهلية؛
إسلامية بقدر ما فيها من مظاهر الإسلام وإقامته لأركانه الجماعية، وجاهلية بقدر
فقدانها لذلك، فيكون المجتمع الإسلامي مجتمعا فيه جاهلية، كما يكون المسلم أحيانا
امرءا فيه جاهلية.
إن هذا الفرز
بين الواجبات الجماعية والفردية من شأنه أن يعطي كل واجب وفرض حقه ومنزلته التي
أنزله الله تعالى فيها، فتهتم الامة بأركان المجتمع التي بني عليها إسلامه كما
تهتم بأركان الأفراد التي بني عليها إسلامهم، فتسارع إلى تلبية أمر الله تعالى
بإقامة هذا الركن المجتمعي العظيم -ركن الأمة- حيث
أمرها سبحانه بإقامته فيها فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.