د.
يوسف حسن محمد السامرائي
أكاديمي
وباحث
المتأمل لأحوال المسلمين اليوم، يجد
أنهم صرعى وفرائس للإحتلال المباشر أو غير المباشر عسكريا أو اقتصاديا او ثقافيا .
وهذه الهزائم نتيجة حتمية لهزيمة
نفسية ؛ تم الإعداد لها منذ عقود طويلة ، وتم تنفيذها والسعي الى الإستفادة منها
من خلال دول وحكومات ومفكرين وصحف ومجلات وخبراء وجيوش من المثقفين المأجورين أو
المخدوعين أو الحاقدين. وسار في ركبهم كثير من العوام الذين يمشون خلف كل ناعق
ويكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع. وهم وقود النار التي تحرق
المصلحين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
هذه الهزيمة النفسية نتيجة لوقوع كثير
من المسلمين في فخي الشهوات والشبهات.
فإثارة الغرائز وإشعال أوارها في
نفوس الشباب مع محاربة الباب الشرعي ومحاولة وضع العراقيل من خلال البنت
وأمها وأبيها والراغب في الزواج.
فالفتى سواء كان غنيا أو فقيرا متعلما
أو لا . شريفا أو وضيعا. كل هؤلاء يبحثون عن فتاة ذات قشر جيد
أعني جميلة بغض النظر عن الدين او الأخلاق.
والفتاة تبحث عن فارس الرومانسية
والأحلام الذي يأتي على فرس أبيض ليهرب بها إلى جزيرة الحب التي لا
توجد إلا في قصائد الشعراء وخيالات المغنين الفجرة. ولا يعرف مكانها حتى الجن
الأزرق.
والأب يريد شابا غنيا فقط متغافلا عما
سواها من صفات الرجولة ، والشهامة ، والإلتزام؛ وعلى أقل تقدير الأخلاق الاجتماعية
التي هي الحد الأدنى من القبول .
وأم الزوج تبحث عن فتاة من أقاربها
لترعاها وتطيعها.
وأم الزوجة تبحث عن رجل مطيع لها لا
يخرج عن طوع أمرها وإشارة بنانها. قادر على شراء ما تريد ابنتها من أسوار من ذهب
وأثاث تركي واجهزة حديثة .
وكلهم لا يعرف حكمة الزواج ولا أركان
بنيانه ولا دستور الحياة الزوجية. ولا كيفية حل المشاكل فضلا عن بناء صرح الحب
وعمارته.
مع كل ما سبق هناك إعلام فاجر عاهر
يشعل غرائز الشباب بأغان وأفلام ومسلسلات توقد براكين الشهوة في أعماق الشباب.
وتجعل اقصى غاية الشاب أن يظفر بجسد محبوبته ولو لليلة واحدة ثم لا يعرجون على ما
بعد تلك الليلة من شقاء وحزن ودمار للبنت وأسرتها . وربما أفضل ما يمكن
للمشاهد أن يشاهده هو الذي ينتهي بزواج الحبيبين ثم ينتهي المسلسل .علما أن
مسلسل الحياة الحقيقية يبدأ بالزواج وينتهي بالأحفاد .
فوقع الشباب في المعاصي وتزينت البنات
في المكان الخطأ والزمان الخطأ للشخص الخطأ.
حتى رأينا بنات يعف القلم عن الوصف .
وشبابا جعلوا رؤوسهم أقرب ما تكون شبها بفرش الأحذية. لا أقول ذلك شتما بل
وصفا.
وهناك شهوة المال التي تجتاح الكبير
والصغير والغني والفقير من حلال أو حرام . حتى اصبح كثير من الناس لا يخجل من أن
يقال عنه لص . بل بعضهم يفتخر بذلك على شاشات التلفزيون.
وهناك شهوة حب الظهور والرئاسة التي
أصبحت سعيرا حتى في قلوب الأراذل والوضيعين والحثالات الذين لا يعرفون كيف يلبسون
الملابس الغالية التي يشترونها من أغلى المحلات وأغلى العلامات التجارية.
أما الشبهات فقد تولى أعداء
الإسلام صناعتها وزرعها وسقيها وحمايتها
.
كما صنعوا القاديانية والبهائية
وغيرهما . وكما يدعمون اليوم كل ناهش للإسلام فيهبونه الجنسية والمال
ويوفرون له الحماية . ولم ننس بعد سليمان رشدي ولا خزعبلاته الشيطانية .
وصنعوا أدوارا مختلفة من الشبهات
والضلالات، وسلموا هذه الادوار- مع احتفاظهم بالإبداع والتجديد المستمر
لأفكار وأشخاص - سلموها لحكام ومفكرين وأدباء ومثقفين وساسة وسار في ركبهم
منافقون لبسوا لباس العلم اشتروا بعلمهم ثمنا قليلا ونبذوا حقيقة دين الله
وراء ظهورهم ورضوا بمال أو منصب . وعادوا باسم الدين المصلحين الصادقين . فهذا
يبيح الربا ، وذاك يبيح الخمر ، وآخر يسبح بحمد السلطان ويقدس له،
وهذا يطعن في الصحاح ، وآخر في الفقه
والفقهاء، وآخر في الصحابة الكرام ، وآخر يثير مسائل في العقيدة ماتت ومات
قائلوها منذ مئات السنين.
فأوحوا إلى الأمة من طرف خفي :
أنت مفككة أنت ضعيفة أنت مهزومة!!
وصدق
كثير من أبنائها ذلك وامتلات قلوبهم يأسا وإحباطا فأصبحوا بين متقاعس
جبان نائم في أحضان الهزيمة، وبين يائس من أن يعيش في ظل الإسلام فقرر أن يموت من
أجل الإسلام. وأكثر هذا الصنف قاده أعداء الإسلام من عاطفته فقتل نفسه
وقتل اخوته . فخسر الدنيا والآخرة فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .
وبقيت قلة واعية أدركت القضية وفهمت
أبعاد الحرب فعملت على ايجاد ثلة من الشباب والرجال الذين لا تغويهم الشهوات ولا
تخدعهم الشبهات. وهنا يحتدم الصراع بين الحق والباطل ، وتنكشف الحقائق ، وتسقط
الأقنعة ، وتظهر المعادن وتظهر للعيان خيوط المؤامرة والأكف التي تتحكم بها. بل
انتقلت أحوال أعداء الإسلام من المؤامرة إلى المواجهة.
وما مصر منا ببعيد !
وللحديث بقية
.