د. أنس حميد
باحث وأكاديمي
القرآن
كتاب هداية ونور، يضبط بوصلةَ تحرُّك صاحبه والأمة المتخلقة به في سيرها إلى الله
تعالى، بخط مستقيم وبحركة متوازنة بين الأخذ بالأسباب والترقي في الإيمان، دون أن
يطغى جانب على جانب، مع الأخذ بالاعتبار أن التوازن لا يعني التساوي هنا،
فالمساواة بين المعنوي والمادي لا وحدة قياس لها، وإنما تدرك بالعقل ويطمئن لها
القلب السليم. فنحقق في أنفسنا من التقوى ما استطعنا (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ونأخذ من الأسباب ما استطعنا أيضا (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
والله تعالى يعرف قدر استطاعة كل واحد منا في تحقيق هذا التوازن بين الإيمان والأسباب فإذا تحقق هذا على الحقيقة في الأمة وعلم الله منها أنها بذلت الوسع في الجانبين وأنه لا يمكن لها أن تحقق أكثر من مما اخذت حقيقة فإن وعد الله متحقق لا محالة بالصورة التي يريدها هو وليس بالصورة التي نتمناها نحن فقد تكون صورة النصر بموت جميع المؤمنين في يوم واحد بعد أن آمنوا جميعاً في يوم واحد وهي صورة أصحاب الأخدود التي خلدها الله في كتابه .
أسلمت القرية كلها على يد غلام أكرمه الله بشهادة خذلت الملك الطاغية وآمن الناس بالله جميعاً، حدث هذا كله في يوم واحد وفي لحظة واحدة واكرمهم الله جميعا بكرامة الشهادة وختم بها أعمالهم في الدنيا وجعلهم جميعاً من أهل الجنة و هذه هي غاية الغايات ومنتهى الأماني.
ولو اخرهم الله إلى أيام بعد إسلامهم لعل بعضهم يحدث ذنبا أو يرتد عن دينه تحت العذاب .
ولعل لو أعطاهم الملك وتطاول بهم العمر لغيروا وبدلوا.
فانظروا في مصائب المؤمنين لعلها صورة نصر خفيت علينا.
فالقرآن هو يصنع فيك وفي الأمة التوازن ومن أخل بالتوازن لم يفهم القرآن كما ينبغي.