اشكالية الرموز .. في الفن والخطاب والاسلامي المعاصر


عبد المالك السعدي
كاتب ومدرب


منذ مدة ليست بالقصيرة وانا اتتبع استخدام الرموز (شخصيات، أماكن، احداث... ) في خطابنا الاسلامي المعاصر وتعدى الامر الى الفن الذي يحلوا للبعض ان يسميه ((اسلاميا)) , فوجدته ياخذ منحى يكاد يكون واحدا، حيث اننا دائما ما نستدعي الشخصيات التي اقترنت في ذاكرتنا بالانتصارات في الحروب والفتوحات الاسلامية في زمن (الدول الامبراطورية)، وكذلك الاحداث التي نستدعيها للتعريف  بامتنا وتاريخها هو استدعاء من "نفس النمط" حيث تكون للمعارك والحروب النصيب الاكبر من ذلك اذا ما كان كل الاستدعاء التاريخي هو عبارة عن حروب ومعارك وفتوحات مما يوحي للانسان المتتبع لخطابنا الاسلامي المعاصر وللفنون التي نتجت عنه ان الاسلام هو دين (سيف) وليس "للمنطق العقلي" فيه نصيب وليس للعلم والعلماء دور يذكر وانه اي- الاسلام- انما انتشر بالقوة ولم يقدم للبشرية اي منجز دعم حياتها وساهم في رقي الحضارة الانسانية بشكل عام .
  لذا كان لابد من التوقف عند هذه النقطة ودراسة تاثيراتها في (العقل الجمعي والتربوي) للامة افرادا ومؤسسات ومنتجا تربويا او فقهيا او ايدلوجيا حيث بقيت العقلية (المأزومة) التي ترافق الحروب هي الحاضرة في ذهنية العقل الجمعي للامة  ومثقفيها وكتابها بل اصبحت جزءا من ذاتها مما اثر على منتجها الفكري سوءا على المستوى الفقهي او حتى الايدلوجي حيث بقينا نتشبث (باشكال ) زمانية ومكانية للحكم (الخلافة شكلا)، او الفقه القانوني (مضمونا)،  او الايدلوجيا(تنظيرا)، وبقينا نَحِنُّ الى تلك (الحروب "الفتوحات") والى (السبي والجاريات) و الى الحاكم الذي يحكم باسم (الله) واستنبطنا  فقها مخالفا للمقاصد القرانية (الحرية / العدل/ التنمية ...) وكان الاجدر بنا ان نستخرج او نستنبط  اسلوبا اكثر تفاعلا مع المقاصد في (تحرير الانسان) من اي نوع من انواع العبودية كي يستطيع ذلك الانسان  ان يقوم( بوظيفته) التي خلق من اجلها .
   كانت هذه العقلية المأزومة هي نتيجة طبيعية لذلك الاستدعاء القاصر للرموز وحصرها فقط في جانب (العسكر) وما نتج عنه من اشكال مقيدة بطبيعة زمانها ومكانها سواء على مستوى الحكم او الفكر , ثم نعود اليوم لنناقش لماذا ظهر التطرف في فكرنا المعاصر ونبحث عن اسباب خارجية هي التي كانت سببا في ذلك وننسى او نتناسى هذا الدور السلبي الي يلعبه الاستدعاء الخاطئ للرموز وحصرها في زاوية (العسكر) فقط .
ولذا علينا ان  نعيد قراءة خطابنا والعمل على انتاجه من جديد او على الاقل (تريب اوراقه) وفقا للمقاصد القرانية وان نبتعد بعقليتنا عن (الازمة) التي يخلقها فقه الحروب سواء اكانت في الماضي (تراثا) او الحاضر (فتنة ) كي يكون استنباطنا للفقه المعاصر (حكما وتشريعا وتقنينا) اكثر انسجاما مع معطيات عصرنا , وكذلك يكون منتجنا  الفكري الايدلوجي منتجا يراعي انسانية الانسان باعتباره (بنيان الله) تكريما وهذا بدوره سيؤثر على نمطية التربية وفلسفتها لدى الجيل القادم علّه يتخلص من سبب مهم من اسباب الازمة التي عاشها الجيل الحالي ويتفرغ لحل مشكلات اكثر الحاحا وتاثيرا على مستقبل الامة وافرادها .
وكي يكون مقالنا اكثر واقعية نقترح بعض الخطوات :
1-استدعاء الرموز العلمية في المجالات كافة (فقها الشاطبي انموذجا , طبا الزهراوي, في الفيزياء ابن الهيثم , االفلك مريم الاسطرلابية , في الجغرافية الادريسي ...وغيرهم )
2-تسليط الضوء على المدارس والجامعات والمكتبات والمؤسسات العلمية والثقافية  التي انشئت في تاريخنا الاسلامي (المستنصرية , بيت الحكمة , المدرسة النظامية ..)
3-اعادة انتاج اناشيد وافلام تحكي قصة النهضة العلمية والثقافية التي احدثها المسلمون على امتداد حضارتهم شرقا وغربا مكانا وزمانا.
4-اعادة نشر المخطوطات العلمية (المتعلقة بالعلوم التطبيقة والصرفة  وعلم الاجتماع والتربية ) والتي مازالت حبيسة الرفوف .
5-تركيز خطابنا الاسلامي (منبريا , تأليفا , اكاديميا , بحثيا ) على جانب العلوم الانسانية (علم الاجتماع , علم النفس , فلسفة , علم الادارة , علوم سياسية , قانون , اعلام ..) والانطلاق بها الى افق بعيد عن الازمة التي خلفها الاستدعاء القاصر .
اذا استطعنا ان نتحرك بهذه الطريقة فربما سنجد انفسنا قد  قطعنا شوطا كبيرا في اعادة التوازن لشباب الامة والاعتزاز بهويتهم التي باتوا على شفا فقدانها .


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا