أدلة إثبات وجود الله تعالى وضرورة التجديد


د. عبد الوهاب أحمد حسن
أكاديمي وباحث

تُعد قضية وجود الله تعالى أهم قضية شغلت الأفكار عبر القرون الماضية السالفة، وفي عصر يظهر من يشكك بوجود الإله، ومن ينكر هذه القضية.
وقد عني علماء الإسلام بهذه القضية عناية كبيرة وأقاموا الحجج والبراهين لإثباتها والاستدلال عليها.
وقد كانت تلك الأدلة والبراهين تناسب العصور الأولى والقرون التي مضت، والذي يقرأ الآن أساليب الأقدمين (رضي الله عنهم) يجدهم قد وفّوا وأدوا ما عليهم من إقامة الحجة وتبيين الحق للناس في زمانهم، ولكن أصبحت أساليب القدامى صعبة الفهم، معقدة العبارة، بعيدة عن شبهات العصر الحاضر، بل أصبح الكثير من طلاب العلوم الشرعية يصعب عليهم فهم العبارات في كتب الكلام لتعقيدها، إضافة إلى أن أدلة القدامى لإثبات وجود الله تعالى أصبحت لا تناسب شبهات الحاضر، ولا أفكار المعاصرين، نعم قد تكون الأفكار الإلحادية هي نفسُها، لكن أصبحت الأدلة الآن أبسط وأسهل مما كانت عليه سابقاً.  
والذي يعنينا في هذا البحث المختصر ذكر أهم أدلة أهل الكلام على وجود الله سبحانه في كتب العقيدة، ثم ذكر أسلوب بعض المعاصرين في التدليل على وجود الرب تعالى، وذكر بعض أدلة المعاصرين.
أهم الأدلة على وجود الله تعالى في كتب القدماء:
الدليل الأول: دليل الحدوث.
وقد بنى المتقدمون الاستدلال على وجود الله سبحانه بحدوث العالم، ودليل حدوثه: أن العالم حادث، وكل حادث له محدِث، فالعالم له محدث([1]).
ثم استدلوا على حدوث العالم بتغيره فقالوا: العالم متغير، وكل متغير فهو حادث، فالعالم حادث([2]).
ويستند علماء الكلام في هذا الدليل على نظرية الحدوث، وهي: أن العالم متغير من حال إلى حال وهو– العالم- مركب من جواهر وأعراض، أو أعيان وأعراض.
قال الباقلاني: ((الجوهر: الذي له حيز. والحيز هو المكان أو ما يقدر تقدير المكان عن أنه يوجه فيه غيره.
والعرض: هو الذي يعرض في الجوهر، ولا يصح بقاؤه وقتين، يدل على ذلك قولهم: عرض لفلان عارض من مرض، وصداع إذا قرب زواله، ولم يعتقد دوامه. ومنه قوله عز وجل: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ))([3]).
ونلاحظ غرابة هذه الطريقة في الاستدلال عن كثير من أفهام المعاصرين، سواء كانت هذه الغرابة في الفكرة أو في الألفاظ والمصطلحات المستخدمة، ولهذا يجد مدرسوا مادة العقيدة وعلم الكلام صعوبة في تبسيط هذه المعاني وتذليلها للطلاب والدارسين.
والدليل على أن كل حادث لابد له من محدث يحدثه، قول الإمام الماتريدي: ((وَأَيْضًا أَن كل عين مُحْتَاج إِلَى آخر بِهِ يقوم وَيبقى من الأغذية وَغَيرهَا مِمَّا لَا يحْتَمل أَن يبلغ علمه مَا بِهِ بَقَاؤُهُ أَو كَيفَ يسْتَخْرج ذَلِك ويكتسب، فَثَبت أَنه بعليم حَكِيم لَا بِنَفسِهِ وَبِاللَّهِ النجَاة والعصمة.
وَأَيْضًا: أَنه لَو كَانَ بِنَفسِهِ لَكَانَ يبْقى بِهِ وَيكون على حد وَاحِد، فَلَمَّا لم يملك دلّ على أَنه كَانَ بِغَيْرِهِ، وَأَيْضًا لَا يَخْلُو كَونه بِنَفسِهِ من أَن كَانَ بعد الْوُجُود، فَيبْطل كَونه بِهِ لما كَانَ مَوْجُودا بِغَيْرِهِ، أَو قبله، وَمَا هُوَ قبله كَيفَ يُوجد نَفسه؟ مَعَ مَا لَو كَانَ بِهِ قبل الْوُجُود لتوهم أَن لايوجد، فَيكون عديماً فَاعِلاً، وَذَلِكَ محَال. وَيشْهد لما ذكرنَا: أَمر الْبناء وَالْكِتَابَة والسفن أَنه لَا يجوز كَونهَا إِلَّا بفاعل مَوْجُود فَمثله مَا نَحن فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق))([4]).
ومعنى كلامه– رحمه الله- أن كل موجود يحتاج إلى موجِد يوجده، ولا بد أن يكون هذا الموجِد متقدماً في وجوده على الموجَد، ولا يُعقل أن يوجد الشيئُ نفسه، لانه كان عدما قبل وجودها، وهذا القول يعنى: أن ننسب إلى المعدوم إرادة وقدرة، وهذا محال.
وتكون النتيجة عندئذ: الرجحان بدون مرجح، وهو محال، يقول الدكتور قحطان الدوري: ((فلو حدث حادث بلا محدِث، للزِمَ أن يترجح وجوده على عدمه بلا مرجِح، وهو مستحيل بالبداهة))([5]).



الدليل الثاني: دليل الخلق والاختراع
ويسمى: دليل العناية والاختراع، وملخص هذا الدليل: أن الله تعالى خلق الخلق وفق عناية خاصة ونظام محكم، وتوازن دقيق، وقد أبدع تعالى هذا الكون من غير سابق صنع مماثل فهو سبحانه المخترع لهذا الكون والمنشئ له وحده.
إنّ دليل الغائية والعناية من الأدلة القوية في إثبات وجود الخالق عز وجل. فالكون كما لاحظه أصحاب الدليل لم يخلقه الله تعالى مصادفة واتفاقاً، إن الله تعالى أودع الكون سننه التي يسير عليها، وجميع المخلوقات تسير وفق نظام متكامل لا مجال فيه للفوضى أو الاضطراب، ولا مجال فيه للعبث أو الاتفاق فالإتقان الكامل، والعناية الشاملة لكل الموجودات تشهدان أن لهذا الكون خالقا ومدبراً حكيماً، نَظَّم الكون وربط بين أجزائه المختلفة بحيث يكمل بعضها بعضا. وقَدَّر الخالق عز وجل كل شيء في هذا الكون تقديرا([6]).
فهذه المخلوقات لابد لها من موجِد، أخرجها من عدَم، وأمدها من عُدم، وآثار هذا الخالق تدل عليه.
وربما يكون هذا الدليل من أوضح الأدلة التي استخدمها المتكلمون، وأبسطها في زماننا هذا، وأقدرها على مجاراة العصر الحديث.
وقد أكّد القرآن الكريم هذا المعنى وكرّره في ثنايا آياته، منها قوله تعالى: ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴿٦﴾ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴿٧﴾ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴿٨﴾ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴿٩﴾ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴿١٠﴾ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴿١١﴾ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴿١٢﴾ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴿١٣﴾ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ﴿١٤﴾ لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴿١٥﴾ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)([7])
وقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴿٦١﴾وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)([8]).
ويرى ابن تيمية ان أدلة وجود الله تعالى منحصرة في دليلي العناية والاختراع، فقال: ((فقد بان من هذا أن الأدلة على وجود الصانع تعالى منحصرة في هذين الجنسين: دلالة العناية ودلالة الاختراع، وأن هاتين الطريقتين هما بأعيانهما طريقة الخواص؛ وأعني بالخواص العلماء، وإنما الاختلاف بين المعرفتين في التفصيل، أعني: أن الجمهور يقتصرون في معرفة العناية والاختراع على ما هو مدرك بالمعرفة الأولى المبنية على علم الحس، وأما العلماء فيزيدون إلى ما يذكرون من هذه الأشياء بالحس ما يدركون بالبرهان أعني من العناية والاختراع))([9]).
الدليل الثالث: دليل الوجوب
وهذا الدليل يقوم على افتراض كون موجد العالم واجباً أو ممكناً أو مستحيلاً، لأن كل أمر لابد أن يتصف بواحد من هذه الثلاث، وتسمى هذه: أقسام الحكم العقلي، وهو: الذي تكون وسيلة إثباته العقل، كإثبات أن الواحد أقل من الأثنين.
فموجد العالم لا يمكن أن يكون مستحيلاً، لأن المستحل هو ما لا يتصور وجوده مطلقاً، كتقدم وجود الولد على الوالد، فلا يتصور وجود المستحيل، بالتالي لا يمكن أن يكون موجد العالم مستحيلاً.
ولا يمكن أن يكون موجد العالم ممكناً، لأن الممكن لا يوجد إلا إذا وُجد سبب وجوده، ولأن وجود الممكن يتوقف على مرجح قائم قبله ليرجح وجوده، وهذا السبب المتقدم إما أن يكون ممكنا أو مستحلاً، فنقول فيه كما قلنا فيما قبله، فلزم أن لا يكون موجد العالم ممكناً.
ولمّا ثبت أن موجد العالم ليس مستحيلاً ولا ممكناً، وجب أن يكون موجد العالم واجب الوجود، وهو الله تعالى، الذي لا يتصور في العقل عدمه([10]).
وبعد ذكر هذه النماذج لأدلة وجود الله تعالى، سأذكر مثالاً معاصراً على إقامة الدليل على وجود الله سبحانه.

التجديد في أدلة وجود الله تعالى:
ومن رواد هذا المنهج الشيخ الدكتور عبد المجيد الزنداني، الذي عرض العقيدة في الله تعالى عرضاً أبهر المسلمين قبل غيرهم، والمؤمنين قبل الملحدين، ذلك أنه اعتمد على أدلة سهلة ومشاهدة بطريقة يفهما أهل هذا العصر فيقول: ((ونعرف وجود الله بطريقين:
أولاً: عن طريق الأدلة المشاهدة في المخلوقات:
وتقوم هذه الأدلة على أسس عقلية لا يخالفنا فيها أحد، مهما كان دينه أو جنسه أو علمه أو مكانته وهذه هي الأسس:
العدم لا يفعل شيئاً:
فمن المستحيل أن يوجد فعل بدون فاعل، ومن المستحيل أن يفعل العدم شيئاً لأنه لا وجود للعدم.
الفعل مرآة لبعض قدرة فاعله وبعض صفاته:
إن بين الفعل والفاعل علاقة قوية، فالفاعل هو المقدمة، والفعل هو النتيجة ولا يكون شيء في الفعل ليس للفاعل قدرة على فعله. فمثلاً: إذا نظرنا إلى مصباح كهربي عرفنا: أن لدى صانع ذلك المصباح زجاجاً، وأن الصانع يقدر على تشكيل ذلك المصباح في الشكل الذي تراه (شكل كرة)، وأن لدى الصانع أسلاكاً من (التنجستن) ذلك لأنه من المستحيل وجود المصباح بزجاجة وأسلاك (التنجستن) التي فيه دون أن يكون له قدرة على تشكيل الزجاج والتنجستن في الشكل الذي تراه في المصباح.
وإذا تأملت جيداً إلى المصباح وتفكرت: ستجد الإحكام في الصنع يحدث عقلك أن صانع المصباح حكيم، وسترى التصميم الكهربائي يشهد لك أن الصانع خبير بالكهرباء.
وإذا شاهدنا سيارة متحركة، تسير في الطرقات المعبدة، وتتحرك عند اللزوم، وتتوقف في المكان المعلوم، وتدور في المكان المعد للدوران عرفنا: أن سائق السيارة عاقل مفكر، وأن له إرادة حكيمة أحكمت توجيه السيارة، وأنه على علم بطريقة قيادة السيارة، وأنه موجود. فلولا وجوده ما تحركت السيارة تلك الحركات المنظمة الدقيقة.
·      هناك علاقة محكمة بين المصنوع والصانع، والفعل والفاعل.
·      لا يكون شيء في المصنوع أو الفعل إذا كان الصانع أو الفاعل لا يملك قدرة أو صفة تمكنه من فعل ذلك الشيء في مصنوعه أو فعله.
·      كل شيء في المصنوع أو الفعل يدل على قدرة أو صفة الصانع أو الفاعل.
·      المصنوع أو الفعل مرآة لبعض قدرة الفاعل وبعض صفاته.
إذن: إذا تفكرنا في أي مصنوع أو فعل عرفنا منه بعض صفات صانعه أو فاعله وبعض قدرته.
وكذلك: إذا تفكرنا في المخلوقات عرفنا منها بعض صفات الخالق وبعض قدرته سبحانه.
وهكذا عرفنا بعضاً من قدرة الصانع والسائق وصفاتهما من الآثار المشاهدة لأفعالهما أمامنا، وبهذا كان الفعل مرآة لقدرة فاعله وبعض صفاته.
فاقد الشيء لا يعطيه:
فنحن إذا شاهدنا مقتولاً في الشارع فإن أحداً منا لا يدعو إلى إلقاء القبض على حجرة بجواز القتيل بتهمة القتل، لأنها لا تملك القدرة على الفعل، كما أن الواحد منا لا يزعم بأن حيواناً لا يعقل قد أطلق قمراً صناعياً يدور حول الأرض؛ لأن الحيوان لا يملك القدرة على إطلاق ذلك القمر. وهكذا يحكم العقل حكماً جازماً بأن ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل. وفاقد الشيء لا يعطيه.
تطبيق الأسس العقلية:
1.  فإذا طبقنا الأساس الأول: (العدم لا يخلق شيئاً) وشاهدنا ملايين الملايين من الأحداث تحدث كل يوم في هذا الكون الفسيح جزمت عقولنا بأن لكل فعل منها فاعلاً لأن العدم لا يخلق شيئاً.
( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور:35، 36].
2.  وإذا طبقنا الأساس الثاني: الفعل مرآة لبعض قدرة فاعلة وبعض صفاته وجدنا أن هذه الأفعال والأحداث:
·      محكمة في نظامها تشهد أنها من صنع حكيم.
·      موجهة في سيرها تشهد أنها من صنع مريد.
·      عظيمة في تكوينها تشهد أنها من صنع عظيم.
·      متناسقة في أعمالها مترابطة في خلقها تشهد أنها من صنع الواحد الأحد.
·      خاضعة لنظام موحد تشهد أنها من صنع حاكم مهيمن.
فتجزم كل العقول بأن خالق هذه المخلوقات: حكيم، عليم، خبير.. الخ.
الوجود:
(أ) وإذا شاهدنا هذا الملكوت البديع وجدناه دائماً في سيره، مستمراً في نظامه، فيشهد ذلك لكل صاحب عقل، أن حاكمه المهيمن على سيره، المسيطر على نظامه الثابت المتنوع لا شك موجود دائم.
قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )[الزخرف: 87].
قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت:61] .
قال تعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[المؤمنون: 84].
قال تعالى: (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [المؤمنون:88].
قال تعالى: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقولونَ اللَّـهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقونَ) [يونس: 31].
(ب) إن الصفات السابقة، التي عرفنا أنها صفات لخالق الكون (حكيم، عليم، خبير، مريد، عظيم، واحد، أحد، حاكم، مهيمن)، إن هذه الصفات لا تكون صفات لمعدوم إنما هي صفات لا شك للخالق الموجود الدائم.
3.  وإذا طبقنا الأساس الثالث: فاقد الشيء لا يعطيه نجد أنه:
((لا يوجد بين هذه المخلوقات من يتصف بأنه: الحكيم، العليم، الخبير، المريد، العظيم، الواحد، الأحد، الحاكم، المهيمن، الموجود، الدائم.
إذن: خالق الكون هو غير الكون المخلوق. هو: الحكيم، الخبير، المريد، العظيم، الواحد، الأحد، الحاكم، المهيمن، الخالق، الموجود، الدائم.
قال تعالى: (هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [الحشر:24].
وهكذا نجد أن الطريق الأول لمعرفة الله هو التفكر في مخلوقاته. فكلما ازداد الإنسان علماً بمخلوقات الله وأسرار خلقها ازداد إيماناً. لذلك حث الإسلام إلى التفكر وحض على العلم المفيد وأشار خاصة إلى العلوم الكونية التي تبحث في أسرار خلق الله))([11]).
وبهذا الطرح السهل والعرض المبسط وجدنا العديد من مفكري الغرب والشرق يتسابقون إلى الإسلام، وجدنا الكثير من الشباب المفتون بالفكر الغربي يعود إلى دينه ويفخر بعقيدته التي تتحدث بلغة العلم والنظريات والتحدي العلمي والمعرفي.
دليل التحدي في الخلق:
ومن أوضح أدلة وجود الله تعالى هو الخلق، فهل من خالق غير الله؟ هذا السؤال الذي كرره القرآن الكريم مراراً، يأتي العلامة الزنداني ليجدد طرحه بأسلوب علمي، فيقول: ((إذا تأملنا في شتى أرجاء الكون لا نجد إلا مخلوقات عاجزة لا علم لها ولا إرادة ولا خبرة ولا دوام ولا هداية، فعرفنا أنها مخلوقات محتاجة إلى خالق حكيم عليم خبير يختلف عنها في الذات والصفات، تحتاج إليه جميع المخلوقات، وهو الغني الصمد الذي لا يحتاج لأحد هو الله سبحانه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴿٧٣﴾ مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)([12]). وقال تعالى: (وَالَّذينَ يَدعونَ مِن دونِ اللَّـهِ لا يَخلُقونَ شَيئًا وَهُم يُخلَقونَ)([13])))([14]).
وليس ذلك فحسب، بل تحدى الله تعالى كل الناس بهذا المخلوق الحقير– الذباب- بأنهم لن يخلقوا ذباباً، ومع ذلك: لو سلبهم الذباب شيئاً لا يستطيعون استرجاعه منه بعد أخذه، فهل بعد هذا التحدي من دليل على ضعف البشر وعجزهم؟! فهاهم البشر لا يستطيعون خلق ذبابة وسيبقى هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة.
ثم يأتي العلم الحديث ليثبت أن الذباب إذا اراد أن يلتقط شيئاً فإنه أولاً يصب عليه من لعابه فيتحول إلى مادة أخرى تماماً، فإذا أراد إنسان استرجاع ما أخذ الذباب لا يستطيع لأنه قد استحال إلى مادة أخرى.
فكيف بما هو أكبر وأعظم شأناً؟
يقول الزنداني: ((نعم: والبشر يعجزون عن استرداد أي شيء يأخذه الذباب، لأنه بمجرد أخذه يصب عليه من لعابه، فيحوله من فوره شيئاً آخر لا تنفع استعادته.
إن الحياة التي وهبت، وتوهب على الدوام في الكائنات الحية، لا تكون إلا من الحي الدائم سبحانه))([15]).





([1]) ينظر: المواقف للإيجي لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي الشافعي (ت756هـ)، ومعه: شرح المواقف، للسيد الشريف علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت 816هـ)، ط/1 بمطبعة السعادة بمصر سنة 1907م، 8/2، والمسامرة شرح المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة لابن الهمام الحنفي تأليف كمال الدين محمد بن محمد بن ابي بكر بن علي بن أبي شريف (ت905هـ)، ط/1 دار الكتب- بيروت، 1423هـ- 2002م، ص 17.
([2]) ينظر: شرح جوهرة التوحيد، المسمى: تحفة المريد على جوهرة التوحيد، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد الجيزاويالباجوري الشافعي، (ت1276هـ)، تحقيق: د. علي جمعة محمد الشافعي، ط/1، دار السلام للطباعة والنشر، القاهرة، سنة 1422هـ= 2002م، ص104.
([3]) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني البصري، (ت 403هـ) تحقيق محمد زاهد الكوثري المتوفى 1371هـ = 1952م، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الشركة الدولية للطباعة القاهرة، ط/4، 1421هـ، 2001م، ص30.
([4]) التوحيد محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (المتوفى: 333هـ) المحقق: د. فتح الله خليف، دار الجامعات المصرية– الإسكندرية، ص 18.
([5]) العقيدة الإسلامية ومذاهبها، تأليف الأستاذ الدكتور قحطان عبد الرحمن الدوري، ط/ الثانية، سنة 1432هـ- 2011م، عن: كتاب– ناشرون، بيروت– لبنان، ص281.
([6]) دراسات في التصوف والفلسفة الإسلامية، تأليف: الدكتور صالح الرقب- الدكتور محمود الشوبكي، قسم العقيدة- كلية أصول الدين- الجامعة الإسلامية- غزة، ط/1، 1427هـ- 2006م، ص260.
([7]) النبأ: ٦- ١٥.
([8]) الفرقان: ٦١–٦٢.
([9]) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف- المدينة المنورة، ط/1، سنة: 1426هـ، 2/193.
([10]) ينظر: شرح المواقف للسيد الجرجاني: 8/4، شرح العقيدة النسفية لشيخنا الدكتور عبد الملك عبد الرحمن السعدي، طبع مكتبة دار الأنبار– بغداد/ العراق، ط/1، 1408هـ= 1988م، ص49.
([11]) كتاب توحيد الخالق للدكتور عبد المجيد عزيز الزنداني، دار ابن كثير- دمشق، ط/1، 1/25.
([12]) الحج: 73، 74.
([13]) النحل:20.
([14]) كتاب توحيد الخالق، للدكتور عبد المجيد الزنداني 1/326.
([15]) كتاب الإيمان للشيخ عبد الحميد الزنداني، من إصدارات جامعة الإيمان، في صنعاء، سنة 2013، ص13. 

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا

2 التعليقات

التعليقات
9 فبراير 2016 في 12:58 م حذف

فتح الله لكم من خزائن علمه
لكن في بداية طرحكم الرائع عرضتم مطلب لم تخرجوا به على وجه الدقة.... يا حبذا لو يلحق بمقال آخر هكذا المقال الرائع ليتبين المقصد.....

رد
avatar
9 فبراير 2016 في 12:59 م حذف

فتح الله لكم من خزائن علمه
لكن في بداية طرحكم الرائع عرضتم مطلب لم تخرجوا به على وجه الدقة.... يا حبذا لو يلحق بمقال آخر هكذا المقال الرائع ليتبين المقصد.....

رد
avatar