فتح المدينة .. وتحديات المرحلة



رضا الحديثي
باحث وكاتب

حينما نتجول في رحاب السيرة المحمدية ، باحثين في ثناياها عن إجابات لتساؤلات كثيرة ، فلابد ان تكون لدينا وقفات طويلة وعميقة لقصة الانتقال من مرحلة الاستضعاف الى مرحلة الدولة ، لان هذه الانتقالة هي المرحلة الاخطر للعبور من فقه مكة بمراحلها المختلفة الى فقه الدولة بمراحله المختلفة .
ويمكن لنا ان نقف معكم من خلال اداث ماقبل الهجرة عند اربعة اركان هامة ، نرى فيها محاور التهيئة الربانية نحو دولة الرسالة :

الركن الاول : القدر الرباني الذي هيأ مجتمع المدينة لمرحلة قادمة ، فقد قدر الله أن يكون " يوم بعاث " قبل الهجرة بخمس سنين ، ليقتل فيه من أكابر يثرب وأشرافهم  من كان سيستكبر ويأنف أن يدخل في الاسلام كما حصل من عبد الله بن أبي ، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام "
 ويشاء الله أن يقود الشباب هذه المرحلة ، فيكون دخول أهل يثرب الاسلام على أيديهم ،وتبدأ بهم مرحلة الدولة القادمة ، فمرحلة التغيير والتجديد مرحلة شبابية بإمتياز  ، ولن يستطيع أن يخوض غمارها كبار السن على فضلهم وصدقهم ، فقوانين التغيير تؤكد ان هؤلاء قد يكونوا من مقاومي التغيير الشرساء لما تعودوه من طريقة في العمل لا يستسيغون الخروج عليها.

الركن الثاني : بيعة إعلان العبودية لله والاستسلام اليه ، وهذا الوصف هو أدقّ  ما يعبر  عن اركان بيعة العقبة الاولى ،  روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏" تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله ، فأمـره إلى الله ؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عـنه" ‏ ، قــال‏:‏ فبايعناه ـ على ذلك‏.‏
الركن الثالث : التربية القرآنية التي أهَّلت الجيل على مدار سنة ليعلن البيعة الثانية ويؤدي حقها ،فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه, وأمره أن يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، فكان مصعب يسمى المقرئ بالمدينة ، وكان منهج مصعب في دعوته وتربيته قرآنياً تختصره كلمته مع أسيد بن حضير ثم نفس الكلمة مع سعد بن معاذ " فقال له مصعب‏:‏ أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره، فقال‏:‏ أنصفت، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام، وتلا عليه القرآن‏ " ، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون .
الركن الرابع : بيعة إعلان النصرة لله ولرسوله ، وهذه المرحلة كانت النتيجة لكل ما سبق ، حيث تأهل الجيل لحماية الدعوة ، روى الإمام أحمد عن جابر  ،قلنا‏:‏ يا رسول الله ، علام نبايعك‏؟‏ قال‏:‏ "على السمع والطاعة في النشاط والكسل‏.‏ وعلى النفقة في العسر واليسر‏.‏ وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏ وعلى أن تقوموا في الله ، لا تأخذكم في الله لومة لائم‏.‏ وعلى أن تنصرونى إذا قدمت إليكم، وتمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة‏" .‏
وقد كان المبايعون على فهم عالٍ بتبعات هذه البيعة فهذا العباس بن عبادة الأنصارى يخاطبهم : " يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل, قالوا: نعم, قال:انكم تبايعونه على حرب الأحمر و الأسود من الناس, فأن كنتم ترون أنكم اذا أنهكت أموالكم مصيبة,وأشرافكم قتلا, أسلمتموه فمن الآن،فهو و الله خزي فى الدنيا و الآخرة ان فعلتم, و ان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهكه الأموال و قتل الأشراف فخذوه, فهو و الله خير فى الدنيا و الآخرة " ، فأجاب الأنصار : نأخذه على مصيبة الأموال و قتل الأشراف, ابسط يدك يا رسول الله لنبايعك فبسط يده فبايعوه.


وهذه الاركان الاربعة بتكاملها هي أقرب الى ان تكون معالم طريق لمرحلة قادمة ، مرحلة تجديد وبناء، ونهضة سيكون لها ما بعدها ، وأحسب ان أقداراً ربانية ساقت الجيل الى مرحلة جديدة ، وأن  في الأمة من اعلن البيعة الأولى ، ومنهم من ينتظر ، والمرحلة الآن مرحلة ( منهاج النبوة ) تربية وفكرا وعملا ، لتكون العقبة الثانية إعلانا حقيقيا يتحمل فيه المصلحون تبعات بيعتهم فتشرق الارض بنور الله ، وتكون دولة الرسالة .

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا