اشراط الساعة .... و"نمذجة" الاستدعاء


عبد المالك السعدي
كاتب ومدرب



          يعد الايمان باليوم الاخر ركنا من اركان الايمان في  الاسلام لزخم الآيات التي تناولت موضوع الساعة والايمان بها والبعث والنشور وكذلك للاحاديث الكثيرة والصحيحة التي وضعتها في تلك المرتبة  كحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) ، قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ، قال : " صدقت " ، قال : "فأخبرني عن الإحسان " ، قال) : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : ( (ما المسؤول بأعلم من السائل (، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال(أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان )، ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( (يا عمر ، أتدري من السائل ؟) ، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : ( (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). [رواه مسلم].
   ومن هذا الحديث يظهر لنا الطريقة التي تعاطى بها المسلمون مع الساعة وأشراطها والطريقة الصحيحة التي يجب ان يتعلموها من المصطفى صلى الله عليه وسلم , ففي الحالة الاولى (المسلمون) وهنا لها رمزية في (جبريل) حيث سأل عن موعد الساعة وفي ثنايا هذا السؤال محاكاة للنفس البشرية بانها تسعى لمعرفة (الغيب ) وموعد انتهاء الحياة الدنيا وبالتالي قد تركن الى اليأس والقنوط او انتظارها بطريقة (سلبية ) وهذا ليس" مقصدا قرآنيا" من ايراد زخم الايات المتعلقة بالساعة واليوم الاخر بل قد ركز القرآن (وطريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم) منذ اللحظة الاولى لنزوله على الايمان باليوم الاخر "ايمانا ايجابيا" يدفع الانسان للعمل والبناء وتحقيق مقاصد القرآن من (توحيد وحرية وعادلة ورحمة وتزكية وتنمية وعمران ) في دائرة تكريم الانسان وتحقيق الاستقرار في حياته كي يمارس وظيفته (الخلافة |العبادة) على الوجه الذي امره الله به ويحسن نوعية حياته اثناء تلك الحركة وفقا لمنظومة (الاستخلاف/المقاصد) , ولكننا اذا عدنا الى (تراثنا البعيد والقريب) نجد ان التعاطي مع الساعة واشراطها يتغير طبقا لطبيعة المرحلة التي تعيشها الامة  (افرادا وشعوبا وحكاما وطبيعة حركتها في الحياة  ) فكلما كانت الامة في مرحلة النهضة والتقدم وعقول شبابها وعلمائها نشطة مبدعة ومنتجة نجدها تتعامل مع الساعة واشراطها بطريقة صحيحة (ايجابية ) فتنظر اليها على انها محطة من المحطات التي ستمر بها البشرية وسيحاسب كل فرد على ما قدم واخر وعلى مدى تحققه بالوظيفة المناطة به ولذا يصير الايمان باليوم الاخر (دافعا حركيا ) ومصدر طاقة للأفراد والامة على حد سواء وهو في الحقيقة المقصد من ايراد كل تلك الآيات والاحاديث المتعلقة بالساعة واشراطها وهذا ينعكس بالضرورة على انتاجها الفكري والثقافي والمدني والحضاري فتتألق وتبدع وتقود الامم الاخرى ويكثر فيها العلماء وتتحقق فيها مقاصد القرآن (التوحيد والحرية الرحمة والتزكية والتنمية والعمران ..) .
 اما عندما تمر الامة في مرحة الانكسار والانهزام (الفكري والثقافي والمدني والحضاري ) فنجد انها تغير طبيعة تعاملها مع الساعة واشراطها ليس من باب اختلاف الايمان وقوته، انما من باب (سيكولوجي) صرف حيث تبدأ تتعلق بأشراط  الساعة وقربها  وتتبع ظهورها وتبرر فشلها من خلال وجود بعض التشابه بين سلوكيات بعض من افراد الامة في مكان وزمان معين مع تلك الاشراط وتستدل منها على اننا في نهاية الزمان وتعلل فشلها الحياتي والحضاري بهذه الاشراط فيكثر التأليف في هذا الاتجاه  وتنشر كتب (نهاية الزمان , اشراط الساعة الكبرى والصغرى , عمر امة الاسلام , الفتن والملاحم ....) وما هو من باب نشر العلم (في معظمه) انما هو من باب تبرير الامة لواقعها المتخلف والبحث عن شماعة تعلق عليها فشلها الحضاري سواء اعلم الناس بذلك ام ان العقل الباطن لهم هو الذي يحركهم بهذا الاتجاه السلبي.
 ومنذ عقدين او اكثر من الزمن وجدنا ان هذا الاتجاه في التأليف قد انتشر وظهر له دعاته (نحن لانتهم احدا هنا فكل منهم ماجور على جهده ونيته) وهذا الامر عزز الاتجاه السلبي لدى الامة وافرادها بل دخلت الامة في سبات عميق من خلال انتظار نهاية الاشراط الصغرى لتبدأ مرحلة الاشراط الكبرى والتي تؤصل فيها فكرة الفرد المنقذ (المخلص / المهدي) -وسنفرد مقالا خاصا حوله – وبذلك تركن الى واقعها وتقبل به باعتباره جزء من الايمان بالقضاء والقدر والايمان بالساعة واشراطها وتخالف بذلك المقصد من ايراد كل تلك الآيات والاحاديث التي تدفع الانسان الى العمل والغرس حتى لو كان اخر يوم في الدنيا .
هذا اتجاه، وهناك اتجاه اخر اشد خطورة من هذا وهو ما يستخدمه (بعض الفرق والتنظيمات المتطرفة ) من احاديث متعلقة بأشراط الساعة لتؤكد على صحة نهجها او للتعجيل بظهور (المخلص/ المهدي) في كل من الفكرين (الشيعي)-الذي يزيد الفساد والقتل ليعجل من ظهور مخلصه – و(السني) – الذي يبرر ويؤيد تصرفاته (الهمجية ) وفقا لبعض الاحاديث ذات الدلالات المتنوعة على اشراط والساعة والملاحم التي ستدور بين يديها.
وللخروج من هذا المأزق لابد من العودة الى الفهم الصحيح لتلك الآيات والاحاديث والتعامل معها وفقا لمنظومة المقاصد القرآنية ووضعها في مكانها الصحيح من الفكر الاسلامي المعاصر وذلك يتطلب منا عدة أمور منها :
1-  تنقية هذه الاحاديث مما علق بها من ضعف او وضع .
2-  قبول المتواتر منها فيما يتعلق بمصير الامة وعدم ابرازها على انها احكام لابد من الالتزام بها او انتظار تحققها دون عمل .
3-  دراسة تلك الاحاديث ومقارنتها مع ما وجود من تشابه مع اهل الكتاب للوقوف على تسرب بعض منها الى تراثنا .
4-  التركيز على الفهم الايجابي والحركي والنهضوي لتلك الاحاديث المتواترة .
5-  صب الجهد في التأليف والدعوي على  مجالات معرفة السنن الكونية والتاريخية والاجتماعية والنفسية للاستفادة منها في نهضة الامة بدلا من ضياع الجهد التأليفي والدعوي على الساعة واشراطها .


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا