سور الاسلام العظيم


أحمد الساجر
مهندس وكاتب عراقي


الاسلام ليس هو الفقه، والفقه ليس هو الدين، أي ليس هو الاسلام، وليس هو الشريعة. الفقه جهد بشري في إطار الاسلام، وفي إطار الشريعة، وفي إطار استخلاص الاحكام العملية من تلك الشريعة المقدسة.
طبيعة الشريعة الاسلامية تسمح بمرونة كبيرة في الاجتهاد، ولكن عدم التمييز بين الامر الديني المطلق المعبر عنه بالنص الشرعي، وبين الاجتهاد البشري المحدود في إطار ذلك النص، يخرج الفتوى عن غايات الدين السامية، ويوقع المتلقين في مخاطر كبيرة جداً، عندما يقعون تحت سياط التخويف والترهيب إذا ما ناقضوا احكام الفقهاء، بالتالي يناقضوا الاسلام ذاته.
لو قُدر ان تكون هناك إحصائية توثق أعداد الذين يسيئون الى الاسلام، من أبناء الديانات السماوية الاخرى، والذين يتحدثون باسم دياناتهم، وبين الذين يسيئون بتصرفاتهم من أبناء الإسلام نفسه، والذين يتحدثون ايضاً باسم الاسلام، لوجدنا الصنف الاخير أكثر بكثير، بل لا توجد مقارنة بالأعداد أصلاً.
التشدد والتعصب ورفض الاخر، والانغلاق الفكري، وقصور الفهم، والتوقف عن البحث، واستحضار فتاوى قديمة لحل مسائل أو مشاكل حديثة، ومحاولة الباسها لزمان مختلف تماماً. كلها سلوكيات تتفشى في المجتمعات المسلمة، وتستشري في الدول العربية منها.
ولك ان تضع على هامش المقالة، أن المسلمين والمسيحيين واليهود مع باقي الديانات الاخرى، يمثلون الاغلبية الساحقة من البشر، هؤلاء جميعهم يؤمنون بوجود الله جل جلاله، مقابل أقلية ملحدة لا تؤمن بوجود أي إله. فالإيمان بوجود إله هو سلوك فطري، يبعث الطمأنينة في النفس البشرية، والاسلام هو النسخة السماوية الاحدث التي تدعو البشر للإيمان، ولعل هذا هو الذي يبقي الاسلام في دائرة تحدي الرجعية مع أعدائه القدماء-الجديدون.
بالعودة الى موضوعنا، الاسلام ليس دين سلطة، بل دين دعوة لسلطة عادلة، دين مبادئ لا دين مناصب، دين لفتح آفاق التحرر من العبودية واستحلال الدماء ولفظ الاخر، الى الحرية وحرمة الدم وقبول الاخر.
مشكلتنا الازلية هي اننا ما زلنا نحاسب الماضي بأدوات الحاضر ومفاهيمه من جهة، ونشخّص الحاضر بأدوات الماضي ومفاهيمه من جهة اخرى. في حين الاولى هو استحضار أخطاء الماضي وتقييمها بأدوات الحاضر، وتشخيص ومحاسبة قضايا الحاضر بـأدوات الحاضر.
هناك من يقول ان قلاع الإسلام مهددة، وأنها تتعرض للخطر، ويذكر لنا بلدانا بعينها، لم يعد هناك قلاع للإسلام تحميه من بلدان العالم، وإنما يحمي قلاع الإسلام هم المسلمون أنفسهم، كل إنسان مسلم هو قلعة الإسلام الذي يحميها رغم تعرضه لكل أنواع الظلم والتحديات.
سور الصين العظيم ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية وثكنات الجنود وأبراج الإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل يتكون من مستويات مختلفة.
لكن رغم كل هذه الامكانيات والنفقات والجهود التي بذلها الحكام الصينيون لإنهاء بنائه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد. فغزيت الصين واحتلت ثلاث مرات، حيث كان من المفروض احتلالها مستحيلاً، لأنهم نسوا أن يصونوا الانسان، فاهتموا ببناء الحجر قبل البشر، ليصبح سور الصين مجرد أطلال واحجار لمعلم سياحي لا أكثر.
بقي أن نذكر في القسم الأخير من هذه المقالة، بأنه منطقياً لم يعد للإسلام دار بالمفهوم الفقهي القديم، في ظل العلاقات الدولية وارتباط الشعوب ببعضها البعض، خاصة بعد سقوط الخلافة، حيث انتقلت الدار إلى الإنسان المسلم نفسه، والذي أصبح هو حامل الرسالة، وحافظها بين دفتي قلبه وروحه، سور الاسلام العظيم في العصر الذي نعيشه اليوم، هو في الانسان المسلم، فهو قلعة الإسلام وحاضنته، أما حفظ الذكر فمن الله سبحانه وتعالى.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا