إلا تنصروه فقد نصره الله

إلا تنصروه فقد نصره الله



د. عبد العزيز الجميلي
اكاديمي وباحث

في كل زمان وفي كل مكان توجد الصراعات، وتكون مختلفة الأشكال والأحجام والأغراض، فمنها ما يكون بين أهل الحق وبين أهل الباطل، وهذا هو معظم الصراع وأكثره استمرارية،  ومنها ما يكون بين أهل الباطل وبين أهل الباطل،  ومنها ما يكون بين أهل الحق وبين أهل الحق، وهذان النوعان الأخيران من الصراع غالبا ما يكونان من أجل مصالح ومكتسبات، وأما صراع الحق مع الباطل فهو دائم ومستمر، ذلك لأنه يقوم على أساس الفكر والعقيدة، وهاتان القضيتان تنطوي ورائهما كل اسباب الصراع.
فالتاريخ حافل بنماذج الصراع بين الحق والباطل وفي كل مستوياته، والقرآن الكريم يسجل لنا نماذج كثيرة منه وفي كل انواعه وأشكاله ومستوياته، وكيف أن الله تبارك وتعالى يؤيد الحق وأهله وينصرهم على الباطل وأهله ولأن المجال لا يتسع هنا  فسأتناول أربعة نماذج من الصراع بين الحق والباطل:
الأنموذج الأول: نبي الله نوح عليه السلام
لبث في قومه الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله، قال تعالى:
(( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً )) (14 العنكبوت)
واتخذ معهم كل الوسائل والطرق للدعوة قال تعالى:
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9). سورة نوح. 
ومع هذا كله فلم يستجيبوا له ولم  يؤمنوا به، بل سخروا منه وآذوه، ورغم هذا الوقت الطويل من الدعوة والصبر والتحمل بلغ بهم التعنت ان يتواصوا فيما بينهم ويوصوا ابنائهم وأحفادهم بأن لا يؤمنوا به ولا يصدقوا بدعوته بل ان زوجته وابنه لم يؤمنا به، قال تعالى:
((وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37). )) هود 
وهنا ومع هذا الشكل من الصراع يأتي تأييد الله ونصره لنبيه ومن آمن معه، وما آمن معه الا قليل، فينجيهم الله على فلك يصنعها نوح عليه السلام، ويأتي الله بفيضان يغرق الكرة الأرضية ويغمرها كلها حتى الجبال، فمن كان يصدق أو يتخيل أن الكرة الأرضية يعمها الطوفان ولا ينجو منه الا نوح ومن آمن معه، وما آمن معه الا قليل

 الأنموذج الثاني: نبي الله ابراهيم عليه السلام
كان فتى يافعا اختاره الله وتعهده بالرعاية الإلهية، فرأى انحراف قومه في عبادتهم فاعترض عليهم، وعندما اصر على ما عرف من الحق، بدأ الصراع مع قومه الى ان وصل الأمر الى يوقدوا له نارا ليحرقوه بها، ولنا ان نتصور وقوف دولة وملكها بوجه هذا الفتى، فتخلى عنه الناس حتى اقربهم اليه، فَرُمِيَ به في النار التي وصل لهيبها الى عنان السماء، وهنا يأتي مدد الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين، فيأمر الله تعالى النارَ فتتعطل قوانينها في الاحراق بأن تكون بردا وسلاما، فمن كان يصدق أو يتخيل أن النار المضطرمة والتي لم يستطيعوا ان يقتربوا منها لإلقاء الفتى ابراهيم الا عن بُعْدٍ وبواسطة المنجنيق، يتعطل احراقها وتكون عليه بردا وسلاما.
الأنموذج الثالث: نبي الله موسى عليه السلام
طفل يتهدده الموت قبل ولادته وبعد ولادته من قِبَلِ اكبر طاغية في ذلك الزمان، وذلك باستخفاف قومه واستعباد بني اسرائيل، يقول الله تعالى: (( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )). القصص آية 4.
يولد هذا الطفل من القوم المستضعفين، وأمام البحث عن المولود الجديد لكي يقتله ذلك الطاغية المفسد، تحتار امه كيف تخبئه وأين تذهب به؟.. واستخبارات فرعون في كل مكان، ورغم شدة هذا الابتلاء على أم موسى يأتيها إلهام الله تعالى بأن تقوم بفعل في ظاهره من المجازفة ومن المغامرة مالا يتحمله اقوى القلوب من البشر، فما بالك بقلب أم تفعل هذا برضيعها الوليد؟.
يقول الله تعالى: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)). القصص آية 7.
وتستمر العناية الإلهية لموسى ليحفظه الله تعالى من كيد فرعون بصناعة ربانية منقطعة النظير:
              وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نَـمْ فالحوادث كلّهن أمان


يقول الله تعالى:
(( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ ..... (40). )) طه
تضعه أمه في صندوق وتلقيه في البحر ويأخذه البحر وتتقاذفه الأمواج لتلقي بالصندوق أمام قصر فرعون الذي يبحث عن ذكور بني اسرائيل ليقتلهم، فيلقي الله المحبة على الوليد الرضيع، ليحبه كل من يراه من بيت فرعون. 
أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفاً من أن يكون من بني إسرائيل فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه إلى فرعون، قال تعالى:
(( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) القصص آية 9      
ويحيطه الله بعنايته فيحرم عليه المراضع لكي يرده الى أمه كما وعدها وتقر عينها ولا تحزن، وتزداد يقينا بالله تعالى، وأنه اذا اراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون، قال الله تعالى:
(( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ )). القصص آية 12.
وهكذا كانت ارادة الله في ان ينجي موسى من فرعون الذي كان يقتل الأطفال الذكور من بني اسرائيل، وليس هذا فحسب وإنما ليرده الى أمه لترضعه وتأخذ على ارضاعه الأجور والهبات من فرعون عدو بني اسرائيل اللدود ، قال الله تعالى:
(( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47).)) ابراهيم
فيترعرع موسى و يكبر في قصر فرعون. وبعد ان يكلف الله موسى بالرسالة ويأمره بالذهاب الى فرعون ليدعوه الى عبادة الله تعالى، يستغرب فرعون من هذا الذى رباه وليدا في بيته، كيف يتجرأ على مثل هذا الأمر، يقول الله تعالى:

 (( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)) الشعراء، آية: 18  
ومن هنا يبدأ الصراع بين الحق والباطل، قال تعالى:
(( قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)). الشعراء آية: 29
ويستمر الصراع على أشده بين الجانبين، فيستخدم فرعون منطق القوة والغطرسة وهذا هو منطق كل الطغاة والظالمين في كل زمان ومكان، بينما يستخدم موسى منطق الحوار والدليل والبرهان وهذا هو شأن الدعاة الى الله والمصلحين في كل زمان ومكان، وينقل لنا القرآن صورة الصراع، يقول تعالى:
(( قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33). )) الشعراء.
لكن فرعون حاول ان يوظف هذا الانهزام أمام براهين الحق ليوجه رأي الناس الى جانب آخر بعيدا عن الحق الذي مع موسى، يقول الله تعالى:
(( قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35). )) الشعراء .
ويستمر الصراع الى ان يعجز فرعون عن أن يأتي بما يقنع مواطنيه بما عنده من الباطل، فيوجه انظارهم الى ان موسى يريد ان يهدد أمن البلد ولا بد من القضاء عليهم، يقول الله تعالى:
(( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56). )) الشعراء.
وجمع فرعون جيشا جرارا وتبع موسى ومن آمن معه باتجاه البحر فلما وصل اصحاب موسى الى البحر وفرعون يتبعهم، ولا يوجد جسر ولا توجد عندهم سفن ولا قوارب ، واقترب جيش فرعون منهم، هنا يأتي التأييد الإلهي لعباده المؤمنين بعد أن استنفذوا كل الأسباب المادية، فينقل لنا القرآن صورة المعركة وصورة الصبر والثقة بنصر الله تعالى، يقول الله تعالى:
(( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63). )) الشعراء .
فمن كان يصدق أو يتخيل أن قوانين الماء ستتعطل، وأن البحر سينشق عن طريق يابس ، وأن الماء سيتوقف عن انسيابيته  وفق قوانين السوائل، من أجل ان ينجي الله الذين آمنوا ويغرق الظالمين؟.
ونجى الله موسى ومن معه، وأغرق الله فرعون وجنوده ليكونوا عبرة للعالمين.
الأنموذج الرابع: النبي محمد وسلم
لقد تولى الله سبحانه وتعالى رعاية المولود الكريم صلى الله عليه وسلم فهيأ له من يرعاه  فتولت أمه حضانته ورعايته حتى السادسة ثم كفله جده حتى الثامنة ثم رعاه وحماه عمه أبو طالب مدة أربعين سنة، فلما مات عمه أبو طالب قام عمه العباس رضي الله عنه بنصره وتأييده، يقول الله تعالى:
(( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8).)) الضحى
ومن يتتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يحس بأن رعاية الله عز وجل كانت تحفه وتحفظه، وتعلمه وتؤدبه، وتوقره وتأمر العالم كله باحترامه. 
واجتمع لرسول صلى الله عليه وسلم من خلق التواضع والحياء والإيثار وهو في مركز القيادة ما لم يجتمع لأحد فقد كان يعيش زاهدا بزخارف الحياة ولذائذها ويجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يتميز على أحد من الصحابة  في المظهر والملبس، ولقد حافظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأخلاق المثالية حتى في أشد الظروف حين أخرج من بلده وتآمر عليه القوم ليقتلوه يوم الهجرة فقد رد عليهم ما كان عنده من الأمانات.
رغم التاريخ المضيء ورغم هذه الاخلاق التي اتصف بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أمعن المشركون في ايذائه وإيذاء أصحابه رضي الله عنهم، وبالغوا في ذلك الى الحد الذي دفعهم الى أن يجمعوا من كل قبيلة فارسا ليقتلوه ولكي يضيع دمه بين القبائل. وهنا يشتد الصراع بين الحق والباطل وتتجلى الرعاية الربانية للمؤمنين بأوضح صورها، فيخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين من وقفوا يرقبونه ليقتلوه ولم يروه، وليس هذا فحسب، وانما نثر صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم التراب وقد وصف البرعي ذلك:
 و قريشُ إذْ عزمَ الرحيلَ مهاجراً       ملئوا المسالكَ راصداً ومشاجراً 
  فمضى لحاجتهِ ولمْ يرَ حاجراً        و القومُ يقظى والبصائرُ نومُ 
  نثرَ الترابَ على رؤوسِ الحسدِ     و سرى وقدْ وقفوا لهُ بالمرصدِ 
   قولوا لأعمى العينِ مغلولَ اليدِ     أنفُ الشقيِّ ببغضِ أحمدَ مرغمُ
ثم استمرت الرعاية الإلهية في هذه الرحلة وذلك بعدم رؤيتهم له وهو في غار حراء، وغوص رجلي فرس سراقة و مروره بخيمة أم معبَد وبعبد الله بن مسعود وهو يرعى غنم وكيف كان مباركا في هذا المرور.
واستمرت هذه الرعاية في الصراعات التي استمرت معه من قبل المشركين وتأييد الله له في كل غزواته ومعاركه والسيرة حافلة بمعجزاته صلى الله عليه وسلم وإخباره بأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز وبذل ذليل، ولكن لابد من الأخذ بالأسباب وحسن الظن بالله والصبر والتحمل وأن الله ينصر من ينصره، فالله تعالى يعلمنا ان المبادئ العظيمة عندما يحملها أهلها ويتحملوا من أجلها كل الصعاب ويحملوها الى المجتمعات فإن هذا هو أصل الانتصار وروحه ومصدر إلهامه، كما قرر الله تعالى ان النبي صلى الله عليه وسلم رغم انه كان مطاردا ورغم هجرته سرا، فإن نجاحه في إيصال هذه المبادئ الى اناس يؤمنون بها ويدافعون عنها ويبذلون من أجلها كل شيء حتى المهج، قرر ان ذلك هو الانتصار، يقول الله تعالى:
(( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) التوبة آية 40.
من كل ما سبق يتبين لنا ان اصحاب الدعوات الصادقة لم ولن ينهزموا أمام جعجعة الباطل وانتفاشته، لأنهم واثقون وموقنون بأن الله لن يتخلى عنهم، وأن النصر من عند الله
(( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ )). آل عمران آية 190. 
وهذا واضح من الصور التي ذكرناها في النماذج الأربع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي التاريخ قصص مضيئة للثبات الذي كلله الله بنصر أهل الحق على أهل الباطل، فإنه لا يأس مع الإيمان ولا إيمان مع اليأس .




تطور المصطلح الديمقراطية نموذجا


محمد حميد رشيد
كاتب وباحث

تتطور (المصطلحات) كما تتطور الكثير من الأشياء والمفاهيم والعلوم والثقافات ؛ فقد يبدأ (المصطلح) وهو يحمل معناً حرفياً (نصياً) لغوياً محدداً ثم يتطور هذا المعنى ويتحرك بتطور الحياة وتعقدها وبتطور المستجدات الفكرية والحاجة إلى التوسع المفاهيمي وقد يخرج عن الأصل اللغوي إلى معنى إصطلاحي جديد ومتجدد هو الآخر .
  وإذا كان من الظلم أن نجرد المعنى المصطلحي إلى المعنى اللغوي البحت فإن من الظلم الأكبر والتعسف أن نضع المعنى اللغوي المجرد أمام (المصطلح الشرعي )! نحن نظلم الشريعة حينما نضعها أمام (النقيض المصطلحي) حينما نرفض المعنى اللغوي للمصطلح ونظلمها حينما نترك المسألة عائمة من دون أي (مصطلح بديل) واضح وعملي ومتفق عليه وليس مجرد إجتهاد شخصي أو نشاط فكري إنساني مجرد ثم نضفي عليه الشرعية الملزمة . كما إننا نظلم المعنى المصطلحي حينما نجرده إلى المعنى اللغوي البحت الذي قد لا يمت له بصلة عملية .
الديمقراطية نموذجا 
    وعلى سبيل المثال نجد أن لفظة (الديمقراطية) كمصطلح تطور كثيراً من المعنى اللغوي إلى المفهوم المصطلحي ثم تطور في المعنى الإصطلاحي أيضاً .
  فالمعنى اللغوي لل(الديمقراطية) هو حكم الشعب وهي مشتقة من المصطلح الإغريقي δημοκρατία (باللاتينية: dēmokratía) و يعنى "حكم الشعب" لنفسه ، وهو مصطلح قد تمت صياغته من شقين δῆμος ( ديموس ) " الشعب" و κράτος ( كراتوس ) "السلطة" أو " الحكم " في القرن الخامس قبل الميلاد . والمصطلح مناقض ل ἀριστοκρατία (أرستقراطية) وتعنى " حكم نخبة ". بينما يتناقض هذين التعريفين نظرياً ، لكن الاختلاف بينهما قد طمس تاريخياً . فالنظام السياسي في أثينا القديمة ، على سبيل المثال ، منح حق ممارسة الديمقراطية لفئة النخبة من الرجال الأحرار واستُبعد العبيد والنساء من المشاركة السياسية.
  والنقيض المعاصر للديمقراطية هو (الدكتاتورية) أو حكم الأقلية أو حكم الفرد .
 وينصرف قسم (غير قليل) من الإسلامين إلى الأخذ بالمعنى اللغوي المباشر للمصطلح والتركيز عليه (تمت صياغته في القرن الخامس قبل الميلاد) وهو (حكم الشعب) دون المعنى اصطلاحي المتغير والمتطور ويجعله النقيض (لحكم الله) ويستشهدون بالآيات :
آية 57 من سورة الأنعام : قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ .
آية 62 من سورة الأنعام :  ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ .
آية 40 من سورة يوسف :  مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .
آية 67 من سورة يوسف :  وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ .
آية 70 من سورة القصص :  وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
آية 88 من سورة القصص :  وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
آية 12 من سورة غافر :  ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ .
    وبالرغم من إن معنى (الحكم) يختلف من آية إلى أخرى (حسب تفسير الآيات) وبغض النظر عن معنى (حكم الله) عز وجل المعني في الآيات الكريمات وآلياته وتفاصيله فإن (الديمقراطية) قطعاً ليست (نظام حكم) كما يدل عليه المعنى (اللغوي) للمصطلح بل هي وسيلة لإختيار وإقرار نوع نظام الحكم (شكل الحكم) وهنا يتضح الفرق الكبير بين المعنى الإصطلاحي والمعنى اللغوي المباشر !
  الديمقراطية تعيد الحق للشعب (بموجب العقد الإجتماعي) في إختيار نوع الحكم الذي يريده عبر إختيار ممثليه فهو يستطيع إختيار الإسلاميين مثلاً إن أحب أن يكون نوع الحكم إسلامياً أو يختار القوميين إن أحب أن يكون نوع الحكم قومياً ؛وهكذا وكل يتحمل مسؤولية قراره وإختياره حسب قناعته وإيمانه ! (وحسب الإسلاميين هناك مسؤولية شرعية على الناخب عند إختيار ممثليه أشخاصاً أو أحزاباً).
  بل قد نجد في بعض الأحيان أن (الشعب) قد تحول إلى (أداة) من أدواة الممارسة الديمقراطية وليس غاية لها خصوصاً حينما نقيد المفهوم المصطلحي للفظة (الشعب) أو نقيد شروط (الناخب) أو شروط (المُنتخب ـ المرشح ـ) أو شروط وآليات الإنتخاب وهكذا نقيد أو نطلق مفهوم الديمقراطية عبر تقييد المفاهيم الأخرى المقترنة أو المرتبطة بها فهو مصطلح مقيد بمفاهيم ومصطلحات مكملة تعطيه شكله النهائي.  وهكذا نجد أن المعنى (اللغوي) مناقضاً في بعض الأحيان للمعنى (الإصطلاحي) وإن المعنى الإصطلاحي معناً غير مقيد ويحتمل التأويل والفهم المختلف وهو يتطور ويتكامل وينمو بفعل عوامل خارجية متعددة .
   ومع هذا فإن المعنى الإصطلاحي العام  لل(الديمقراطية) المعاصرة هو التداول السلمي للسلطة عبر آليات تمنح الأمة (والأفراد)حرية إختيار (نوع) الحكم الذي يريده أو تغييره (عبر إختيار أو إقالة الحكام). وهذا يعني (مشاركة الأمة) في تولي شؤونها . وتتخذ هذه المشاركة صور مختلفة للديمقراطية منها : [الديمقراطية المباشرة والديمقراطية الغير مباشرة والديمقراطية الشبه المباشرة والديمقراطية الشعبية والديمقراطية الوسطية والديمقراطية الليبرالية ...الخ] . ويعدد (ديفيد هيلد) في كتابه (نماذج الديمقراطية)أنماط ونماذج أخرى للديمقراطيات وكذلك كتاب (الديمقراطية) ل(لاري دياموند ومارك بلتز) ومنها [الديمقراطية الكلاسيكية وديمقراطية الجمهورية الحامية والديمقراطية اللبرالية وهناك الديمقراطية التعددية والتعددية الجديدة والديمقراطية التشاركية...]
  وهكذا نخلص إلى القول أن ليس لمفهوم (الخاص) للديمقراطية (على سبيل المثال) معنى محدد ودقيق بل هو مصطلح متغير ومتطور ومتشعب أما كون الدولة عادلة أو نزيهة أو ناجحة أو فاشلة أو فاضلة فلا تحدد (الديمقراطية) ذلك وإن كانت {(محاولة) لإختيار الأفضل} أو من تراه الأمة الأفضل لحكمها وقد تفشل الأمة في هذا الإختيار فيكون أمامها خيار إقالة الحكومة أو حل البرلمان على سبيل المثال لذا فهي السبيل الأفضل (لحد الآن) في تداول السلطة بالطرق السلمية وعلى رأي تشرشل ((أقل الوسائل سوءًا في الحكم)؟!).


الاجتهاد بين الضرورة والواقع الفقهي


حازم الحسني
كاتب وداعية
 يحكى بأن يونس بن عبداﻷعلى - وهو أحد طلاب اﻹمام الشافعي - اختلف مع أستاذه اﻹمام محمد بن إدريس الشافعي في مسألة أثناء إلقائه درساً في المسجد! فقام يونس مغضبا ، وترك الدرس ، وذهب إلى بيته .!! فلما أقبل الليل ، سمع يونس صوت طرق على باب منزله!
فقال يونس :من بالباب..؟
قال الطارق :
محمد بن ادريس !!
قال يونس : فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي .!!
قال : فلما فتحت الباب ، فوجئت به .!!
فقال اﻹمام الشافعي : يا يونس تجمعنا مئات المسائل ، وتفرقنا مسألة واحدة. ؟!
ومثال آخر الإمام إسماعيل بن يحيى المُزني تلميذ الإمام الشافعي يبدأ مختصره الذي ذكر فيه فقه إمامه الشافعي يقول: "اخْتَصَرْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِلْمِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِه ِوَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيه ِلِنَفْسِهِ"
وكذلك رأينا صاحبي أبي حنيفة أبا يوسف ومحمد بن الحسن يخالفان إمامهما في كثير من آرائه واجتهاداته كما هو معروف لدى المطلعين على الفقه الحنفي.
التنوع المثري فيما بعد كون مدارس فقهية، لكل مدرسة منها خصائصها المميزة لها عن غيرها، ومع ذلك رأينا أئمة هذه المدارس ينهون تلاميذهم عن تقليدهم، ويأمرونهم بالنيل من المعين الأول، وبالتزام ما أدّاه إليهم اجتهادهم!
ولذلك رأينا الأجيال الأولى من تلاميذ هؤلاء الأئمة بعيدين عن التقليد الأعمى والتعصب المقيت، بل وجدنا عكس ذلك تمامًا وإلى غير ذلك من الأمثلة التي يطول الكلام بذكرها، وكلها شاهد صدق ودليل حق على أنّ الطبقات الأول من تلاميذ هؤلاء الأئمة قد امتثلوا أمرهم في عدم التقليد الأعمى، بل نظروا إلى تراث أئمتهم نظرة تأمل وتدقيق فما وافق اجتهادهم قبلوه، وما خالف تركوه، ولم يعد ذلك سوء أدب تجاه إمامهم، بل هو الأدب نفسه حيث كان منهم الامتثال لهم.
ومع تتابع السنوات حاد من حاد عن هذا النهج القويم، وصار اتباع هؤلاء الأئمة غاية لا وسيلة، وأصبح غاية المنى شرح كلام الأئمة وتفسيره وتوضيحه، أما النقد له فغدًا شيئًا مستنكرًا، يُشنع على صاحبه أيما تشنيع!
وبدلًا من أن يُنظر إلى هذا النهج المحدث على أنه انحراف عن المسار الصحيح، إذا بنا نجد تأصيلًا لذلك تحت اسم "إغلاق باب الاجتهاد" فصار هذا الشيء المخالف لما كان عليه الأوائل هو الصراط المستقيم الذي لا يجوز العدول عنه بحال.
لكن الإمام الدمشقي العز بن عبد السلام، وعلى الرغم من أنه قد حمل على المقلدين، وبين خطأ مسلكهم لكنه استثنى من ذلك العامة، فقال: "إن وظيفتهم التقليد لعجزهم عن التوصل إلى معرفة الأحكام بالاجتهاد، بخلاف المجتهد فإنه قادر على النظر المؤدي للحكم".
فليست الدعوة إلى الاجتهاد دعوة إلى الفوضى العلمية وإرخاء العنان لكل من هب ودب، ولكنها دعوة لرد الحق لأصحابه، فالمجتهدون قد سُلب منهم في وقت حقهم الشرعي في الاجتهاد، وآن أوان رده!
ولم تكن هذه الظاهرة، أعني ظاهرة التقليد ممن يملك أدوات الاجتهاد، موجودة في سلف الأمة:
قال ابن عبد البر: "يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّقْلِيدِ: لِمَ قُلْتُ بِهِ وَخَالَفْتَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقَلِّدُوا".
وإنما بدأت هذه الظاهرة في القرن الرابع الهجري، كما نص على ذلك ابن حزم حيث قال: "فكان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة يطلبون حديث النبي صلى الله عليه وسلم والفقه في القرآن ويرحلون في ذلك إلى البلاد فإن وجدوا حديثا عنه صلى الله عليه وسلم عملوا به واعتقدوه ولا يقلد أحد منهم أحدا البتة فلما جاء أهل العصر الرابع تركوا ذلك كله وعولوا على التقليد الذي ابتدعوه ولم يكن قبلهم".
فيا أيها الأحباب اليوم نحن أهل السنة نجد من استحقها ولم يتجرأ عليها ، على الرغم من أن الضرورة الواقعية تقر بالحاجة الملحة الى مجتهد والتي للأسف استغلها بعض المتنطعين بتوجهات خاصة او موقف ذاتي تصدروا المواقف للأمة فكانوا وكأنهم يطبقون حديث المعصوم صلى الله عليه وسلم - حتى لا يبقى على الأرض إلا لكع ابن لكع - جاهلا; فيفتون للناس! -
وهذا الحال قائم للأسف فلو ان تورع  الجميع عن منصب الإمامة العظمى، محل الاجتهاد لكان أمر الناس فوضى لا نظام له ولتعطلت كثير من الواجبات الشرعية المنوطة بالإمام!
وليس الحق في متناول الجميع وليست البصيرة تُشترى او يُتدربُ عليها وإنما هي فطنة بهبة ربانية مع أدوات علمية ومعاينة هموم ومتغيرات المجتمع وتطور حاجاته والتفاعل معها هي من تدعوا إلى أن يتصدر أصحاب الفضيلة ليدبروا أمور الناس  .
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قريب من التنزيل وحاضر زمنه ... يوقف حداً للسرقة وهو نص .. !
ويوقف حكما في زواج الكتابية وهو نص.... !
وكأن اختيار أبي بكر لعمر في خلافته دعوة للاجتهاد وعدم غلق الباب
وهذا رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقبل من صحابي كلمة ليس فيها ما يعين المقلد من اهل الاجتهاد على قبول حجة تورعهم - اجتهد ولا آلو - ويثني عليه ويحمد الله على شجاعته.
أليس فيهم الأسوة الحسنة ومنهم المنهج القويم....؟!
التورع أدى إلى نقيضه، فلئن كان الداعي لهذا التورع الخوف من القول في الدين بجهل، فقد أدى ذلك إلى التقليد الأعمى، وهو عين الجهل!
ولذلك شبه الغزالي حال هؤلاء بحال من" يَقْتُلُ نَفْسَهُ عَطَشًا وَجُوعًا خِيفَةً مِنْ أَنْ يَغَصَّ بِلُقْمَةٍ أَوْ يَشْرَقَ بِشَرْبَةٍ لَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ، وَكَالْمَرِيضِ يَتْرُكُ الْعِلَاجَ رَأْسًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعِلَاجِ،وَ كَمَنْ يَتْرُكُ التِّجَارَةَ وَالْحِرَاثَةَ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ صَاعِقَةٍ فَيَخْتَارُ الْفَقْرَ خَوْفًا مِنْ الْفَقْر"[ المستصفى للغزالي]
ويجب التنبيه إلى أنه لا يزال في هذه الأمة مجتهدون حتى يقبض الله تعالى العلم من الأرض، ولا يصح ادعاء أن الأرض قد خلت من مجتهدين بعد انتهاء القرون الأولى.
قال ابن عرفة المالكي في [ الرد على من ألحَدَ إلى الأرض للسيوطي ] 
" قال شيخنا ابن عبد السلام ،يعني أحد أئمة المالكية: لا يخلو الزمان عن مجتهد إلى زمن انقطاع العلم".
وقال ابن دقيق العيد في [ شرح الإلمام بأحاديث الأحكام ] "
فالأرض- لاتخلو من قائم لله بالحجة والبرهان والأمة الشريفة لابد فيها من سالك إلى الحق على واضح المحجة إلى أن يأتي أمر الله".
وقال السيوطي في رسالته [الرد على من أخلد إلى الأرض] :
ذهبت الحنابلة بأسرهم إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد لقوله - صلى الله عليه وسلم- لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله رواه الشيخان وغيرهما قالوا لأن الاجتهاد فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه اتفاق المسلمين على الباطل".
وقال السيوطي في رسالته [تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد" ص 53 "]: ومن الأحاديث الدالة على استمرار الاجتهاد إلى قيام الساعة، وإلى وجود أشراطها: قوله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الله على رأس كل مائة سنة، من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". 
والظاهر من نص الحديث أن المجدد قد يكون واحدا أو أكثر، لأن لفظ "من يجدد الدين" لا يحدد عددا بعينه، فقد يكون المجدد واحدا أو أكثر، وقد يجدد الدين بجهاد أو دعوة، ولذلك فإن الكثير من العلماء المحققين، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري والحافظ ابن كثير في دلائل النبوة والحافظ ابن الأثير في جامع الأصول قد أشاروا إلى إمكانية حمل الحديث على عمومه من كون المجدد في كل عصر مجموعة من العلماء والقادة المصلحين الربانيين، ينفون عن الإسلام تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وفي ذلك كلام لابن القيم رائع.... في كتابه [ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ]قال رحمه الله: "وَهَذَا مَوْضِعُ مَزَلَّةِ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ،  وَهُوَ مَقَامٌ ضَنْكٌ، وَمُعْتَرَكٌ صَعْبٌ، فَرَّطَ فِيه ِطَائِفَةٌ، فَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَضَيَّعُوا الْحُقُوقَ، وَجَرَّءُوا أَهْلَ الْفُجُورِ عَلَى الْفَسَادِ، وَجَعَلُوا الشَّرِيعَةَ قَاصِرَة ًلَا تَقُومُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، مُحْتَاجَةً إلَى غَيْرِهَا، وَسَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ طُرُقًا صَحِيحَةً مِنْ طُرُقِ مَعْرِفَة ِالْحَقِّ وَالتَّنْفِيذِ لَهُ، وَعَطَّلُوهَا، مَعَ عِلْمِهِمْ وَعِلْمِ غَيْرِهِمْ قَطْعًا أَنَّهَا حَقٌّ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ، ظَنًّا مِنْهُمْ مُنَافَاتِهَا لِقَوَاعِد الشَّرْعِ.
وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهَا لَمْتُنَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ نَافَتْ مَا فَهِمُوهُ مِنْ شَرِيعَتِهِ بِاجْتِهَادِهِمْ ،وَاَلَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ ذَلِكَ: نَوْعُ تَقْصِيرٍ فِي مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ، وَتَقْصِيرٍ فِي مَعْرِفَةِ الْوَاقِعِ، وَتَنْزِيلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا رَأَى وُلَاةُ الْأُمُورِ ذَلِكَ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَسْتَقِيمُ لَهُمْ أَمْرُهُمْ إلَّا بِأَمْرٍ وَرَاءَ مَا فَهِمَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشَّرِيعَةِ، أَحْدَثُوا مِنْ أَوْضَاعِ سِيَاسَاتِهِمْ شَرًّا طَوِيلًا، وَفَسَادًا عَرِيضًا فَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَتَعَذَّرَ اسْتِدْرَاكُهُ، وَعَزَّ عَلَى الْعَالِمِينَ بِحَقَائِق الشَّرْعِ تَخْلِيصُ النُّفُوسِ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتِنْقَاذُهَا مِنْ تِلْكَ الْمَهَالِكِ.
وَأَفْرَطَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى قَابَلَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةَ، فَسَوَّغَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا  يُنَافِي حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ أُتِيَتْ مِنْ تَقْصِيرِهَا فِي مَعْرِفَةِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ".
فهذا النص القيم من ابن القيم يوقفنا على سبب خطير ومصيبة عما بها البلوى في أمتنا ومجتمعنا خصوصاً مما احتضنها من جرأة المتفيقهين على التحكم بمصير هذا المجتمع ووروده الى العلكة والفناء ....
وفي هذا الصدد أنقل من كتاب الإرشاد للإمام الجويني أمام الحرمين رحمه الله يقول في كتابه [الإرشاد الجويني ]
 " من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد، بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث وهذا متفق عليه".
فهذا الشرط المتفق عليه – كما قال الجويني – قد تم تعطيله لمّا تعطل الاجتهاد، وإن كانت الضرورة أجازت التخلي عن هذا الشرط، فإن الخروج من هذه الضرورة يجب السعي إلى تحصيله، وإلا صرنا كمن أباحت له الضرورة أكل الخنزير فاستلذ ذلك، وتكاسل عن طلب الحلال.

وبعد هذه النتائج التي ذكرنا يمكننا القول إن إغلاق باب الاجتهاد مصيبة كبيرة حلّت بالأمة الإسلامية، ولكن منّ الله علينا فأدرك علماء هذا العصر خطورة ذلك، فأبوا هذا الإغلاق، وثاروا عليه، وأطلقوا لأنفسهم العنان للاجتهاد المنضبط، وصارت الاجتهادات تفي بجميع نوازل العصر، وقرارات المجامع الفقهية خير شاهد على ذلك، وصارت كثير من المصارف والمؤسسات تستعين بالعلماء ليصححوا لها معاملاتها وفق الشريعة الإسلامية، فلعل فتح باب الاجتهاد يكون الخطوة الأولى إلى عودة حاكمية الشريعة، كما كان إقفاله هو الخطوة الأولى في تنحية الشريعة ! 

أنواع المؤتمرات العلمية في الجامعات



د . هيثم عبدالسلام
أكاديمي وباحث
     الكل يعرف واقع التعليم العالي في العراق ، وماذا تصفه وتقول فيه المنظمات  والمؤسسات التعليمية الدولية ولاشك انهم عندما يصفون التعليم بالضعف والفشل يقصدون به كل الجوانب من تدريس ومادة الدراسة والنظم الادارية والقيادات التعليمية وطلبة الدراسات العليا واطاريحهم ورسائلهم والندوات والمؤتمرات التي تقوم بها الجامعات العراقية ، وقد تكلم الكثير عن اخفاقات وسلبيات الكثير من هذه الجوانب الا ان المؤتمرات العلمية لم تحظ بهذه الاهتمام ، لذلك احببت ان اقف عندها ، والمؤتمرات كما اراها اليوم تنقسم على :
1- موتمرات الضجيج الاعلامي : وهي المؤتمرات التي تكون مصحوبة بتغطية اعلامية كبيرة لاسماعها من يهمه الامر مع عدم المبالة  بمضمون البحوث وماتطرحه .
2- مؤتمرات خطابية : وهذه تكون عندما تكون عدة شخصيات او مؤسسات تنهض بها فكل رئيس ومسؤول يتولى القاء الكلمات وعندما يتم هؤلاء الكلام ،ينتهي المؤتمر ، اما البحوث فهي لاتهم الا اصحابها .
3- مؤتمرات التعارف : وهي تعقد عندما يتولى القيادين الجدد  احدى المؤسسات فيدعون الى المؤتمر ليتعارف ارباب القيادة مع المؤسسات القريبة من تخصصهم ويتبادل الجميع الهدايا فيما بينهم مع وجبة غداء دسمة  .
4- مؤتمرات المكانة المرموقة : والهدف منها اظهار مكانة هذه المؤسسة واهميتها بدليل عدد المشاركين الكبير في المؤتمر ويبقى اصحابها يتحدثون عن الكثرة الكثيرة من المشاركين وهذة المؤتمرات تكون مصحوبة بالمكافات والسفرات حتى يتم جمع اكبر عدد من المشاركين .
5- مؤتمرات السلطة : وهي التي تعقد لارضاء السلطة واظهار الولاء لها ، والعادة عندما تتحدث السلطة عن العنف ينعقد المؤتمر عن العنف وعندما تتحدث عن التسامح ينعقد المؤتمرعن التسامح وهكذا..
6- مؤتمرات الصدفة : وهي التي تبثق فكرة المؤتمر صدفة من غير سابق تدبير او ترتيب ، كما هو الحال مع اعضاء البرلمان فمثلا ينهض  اعضاء لجنة من لجان البرلمان باعمال سياسية ومجتمعية ليظهروا نشاطهم وجدهم وعملهم فيكون من ضمن الاعمال اقامة مؤتمر يتوافق مع رغبتهم فيتفقوا مع احدى مؤسسات التعليم لاقامته ففكرة المؤتمر كلها جاءت صدفة .
7- مؤتمرات النتائج المحسومة : تنعقد المؤتمرات للبحث حول قضية معينة لدراستها من جميع جوانبها ، وفي مؤتمر النتائج المحسومة تكون القضية واضحة وعلى الباحثين الكتابة حول النتيجة واي طرح مغاير او مخالف فهو مرفوض .
8- مؤتمرات لاسقاط الواجب ولرفع الملامة: تفرض وزارة التعليم العالي بموجب تقييم الاداء الجامعي على كل كلية ان تنهض بمؤتمر واحد في العام الدراسي على اقل تقدير وكل كلية تحرص ولاتزيد على هذا المؤتمر لاسقاط الواجب عليها امام الوزارة والمجتمع .
9- المؤتمرات العلمية الرصينة : وهي التي لها معايير تجعلها تمتاز بالموضوعية والجدية والبعد عن التزلف لاحد وتسعى لحل مشاكل المجتمع وتطرح قضايا تمس هموم الناس مع ايجاد الحلول الممكنة والمقبولة ، وقد عزت مثل هذه المؤتمرات ونحن نسمع بها ولانرها .
   هذه اهم انواع واشكال المؤتمرات ، اما اللجان التي تنهض بها فهي تقوم على العلاقات بمختلف انواعها الحزبية والعشائرية والمناطقية ، فهي تصوغ عنوان المؤتمر وتستقبل البحوث فتقبل من تقبل وترفض من ترفض حسب ماترى ومايرمي اليه المؤتمر ولاتخلو من عدم دقة ومزاجية وعلى كل فالمهم الظهور الاعلامي ولا يهم المضمون ، اما عن البحوث فما بين مسروق او مكرر اوسرد انشاء بارد  خالي من اي فكرة ، وهناك بدعة جديدة ظهرت هو ان يتشارك اثنان في اعداد البحث والحقيقة ان واحدا يكتب والاخر يذكر اسمه لغاية او مكسب ما .   وقد جرت العادة في المؤتمرات ان  يتولى الحديث في مقدمة المؤتمر القائمين على المؤتمر والقريبين منهم بغض النظر عن معرفتهم بالموضوع وادراكهم له .
  ولولا الطعام الدسم الذي يصاحب المؤتمرات لما كانت مزدانة بالحضور الكبير والكثير من هذه المؤتمرات تكون للساعة الاولى فقط فعند افتتاح المؤتمر مع كلمة للقائمين عليه ومن يرغبون به ثم ينتهي التصوير ويذهب المسؤولون فيبقى الباحثون كالايتام على مائدة اللئام يقرؤن بحوثهم للباحثين الحاضرين .

  اما عن بحوث المؤتمر فما عاد هناك رغبة لطبع البحوث لانها لاتحتاج للطبع وليست فيها اضافة علمية للمعرفة ، ثم انك ستجدها في مؤتمر آخر ، لذلك لاتندم على فوات مؤتمر عليك ، ولعل افضل شئ في المؤتمر هو لقضاء الوقت وفرصة جيدة للقاء الاصحاب والاصدقاء الذين لم ترهم منذ زمن مع فرصة لتتبع اخبار بقية الاصدقاء والتعرف على البعض الاخر من الاصدقاء الجدد .  

أركان الإسلام الفردية والجماعية


أبو عمرو أحمد غانم العُرَيضيّ
كاتب وباحث
ahmedkaneem@yahoo.com
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
     هذه الخمسة هي ما أُطلق عليها أركان الإسلام بناء على هذا الحديث، وهنا عادة ما يتساءل الكثيرون: فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وغير ذلك من الفرائض العظيمة، أين هي من هذا الحديث؟ أليست أركانا للإسلام؟ أليست من دعائمه التي يقوم عليها؟ فلماذا لم تذكر في الحديث؟!
     وقد رأيت استشكالا في ذلك حتى عند بعض العلماء مما اضطرهم ليقولوا إن أركان الإسلام ستة، فعد بعضهم الجهاد سادسا، وجعل بعضهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سادس الأركان!
     وسبب وقوع الإشكال هذا هو عدم الفرز في التحقيق بين الواجبات الشخصية والواجبات الجماعية.
فالأركان الخمسة المذكورة في الحديث هي واجبات فردية، تتعلق بإسلام الفرد الشخصي، فبني إسلامُ كل شخص على هذه الخمس، أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله وتحكيم شرعه وغير ذلك فهي واجبات جماعية.
     وبالإمكان أن نقول إن هناك أركانا للإسلام الفردي وهي خمسة، وأركانا لإسلام الأمة والمجتمع، اختصرها الله تعالى في أمر واحد جعله ركنا للأمة فقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
فكما بني إسلام الفرد على خمس، فقد بني إسلام الأمة على هذا الركن العظيم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثير من الواجبات العظيمة في الإسلام مندرجة تحت هذا الركن أو هي ثمرة من ثماره، ومنها: القتال في سبيل الله تعالى، وتحكيم شرعه سبحانه وتحقيق العدل وإقامة الولايات العامة والقضاء والعمل السياسي المنضبط، والإفتاء وتعليم الناس دينهم، وإعداد القوة بجميع أنواعها لتحقيق نهضة الأمة وإعادة مجدها الضائع، وإصلاح المجتمع وتغييره، فكل هذه -وغيرها- أركان للإسلام، لكن بعضها اركان شخصية تتعلق بالفرد، والقسم الآخر أركان جماعية تتعلق بالمجموع.
     وكما  تؤثر الأركان الخمسة على صورة الفرد الإيمانية، كذلك تؤثر الأركان الجماعية على شكل المجتمع وصورته الإيمانية، فقد يوجد أفراد مسلمون لكنهم يعيشون في مجتمع غير إسلامي في صورته ومظاهره، ولا تعارض في توصيف مجتمع ما بأنه مجتمع جاهلي وتوصيف أفراده بأنهم مسلمون، لأن أركان المجتمع الإسلامية غير أركان الأفراد الإسلامية، ولعل عدم التفريق بين الأمرين هو الذي جعل البعض يفهم من وصف سيد قطب -رحمه الله تعالى- للمجتمعات بالجاهلية بأنه يكفر المسلمين! رغم أنه لم يكن يقصد إلى هذا الأمر أبدا.
ثم إن المجتمع يوصف بقدر ما فيه من الخير والشر، فتوصف كثير من مجتمعاتنا بأنها إسلامية وجاهلية؛ إسلامية بقدر ما فيها من مظاهر الإسلام وإقامته لأركانه الجماعية، وجاهلية بقدر فقدانها لذلك، فيكون المجتمع الإسلامي مجتمعا فيه جاهلية، كما يكون المسلم أحيانا امرءا فيه جاهلية.
إن هذا الفرز بين الواجبات الجماعية والفردية من شأنه أن يعطي كل واجب وفرض حقه ومنزلته التي أنزله الله تعالى فيها، فتهتم الامة بأركان المجتمع التي بني عليها إسلامه كما تهتم بأركان الأفراد التي بني عليها إسلامهم، فتسارع إلى تلبية أمر الله تعالى بإقامة هذا الركن المجتمعي العظيم -ركن الأمة- حيث أمرها سبحانه بإقامته فيها فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.


تجديد علم العقيدة (الحاجة والضوابط)



د. عبد الوهاب أحمد حسن
 أكاديمي وباحث

إن الحديث عن التجديد في علوم الشريعة ومن أهمها علم العقيدة أمر يحتاج إلى رؤية ثاقبة وجرأة في الطرح، وقدرة على التحليل والنقد في آنٍ واحد.
ولا أزعم هنا بأني أمتلك كل هذه الخصال، فلست قادراً ولا مؤهلاً لذلك؛ وهذا في الوقت نفسه لا يعني عدم المحاولة وبذل الجهد في سبيل الوصول إلى الغاية والمقصود، وهو مراجعة بعض ما تحتويه كتب العقائد القديمة، ومحاولة عرضها عرضا يناسب عصرنا الذي يحتاج منا أن نفكر بأسلوبه  المعاصر.
إن من أهم ما امتاز به أسلافنا هو المراجعة والتدقيق والتجديد للعلوم التي اختصوا بتصنيفها، فتارة يختصرون المطوّل، وتارة ينظمون المنثور، وتارة يشرحون المتون، وتارة يضيفون الحواشي...
لقد تصدى علماء الأمة من سلفها لدعاوى المبطلين وشبهات المشككين بهذا الدين، فدحضوا حججهم، وردوا كيدهم وفنّدوا شبههم، وقاموا بالأمر حق القيام، فحمى الله تعالى بهم دينه، وردَّ بهم أعدائه، فأثبتوا الحجة وأبانوا المحجة، وردّوا على الشبه التي أثيرت في عصرهم بما يناسب تلك الأفهام في تلك الأيام.
ونحن اليوم نواجه غزواّ جديداً وشبهاَ حديثة، وأفكاراّ معاصرة، ولكي نتمكن من تقديم عقيدتنا الإسلامية الأصيلة بثوبها الجديد لتواكب هذه التيارات الهدامة المعاصرة علينا تغيير بعض أنماط عرضنا لعقيدتنا التي هي في ذاتها لا تقبل التبديل ولا النسخ.
 وعنواني هذا: (تجديد علم العقيدة) لا أريد به هدم القديم؛ بل توظيف القديم في خدمة الدين في عصرنا الحديث.
والتجديد الذي أعنيه لا يقصد به تناول أسس العقيدة والاجتهاد فيها؛ لأن أصول العقائد لا تتبدل ولا يطرأ عليها التغيير، فهي أصول ثابتة، إنما المراد صياغة القديم بثوبٍ جديد يناسب مدارك وأفهام المعاصرين.
وكل ذلك مبني على الإفادة من تراث علمائنا في إثبات العقائد والتدليل عليها، ودحض الشبه وإبطالها.
أولا: تعريف التجديد
1_ التجديد لغة:
الجديد ما يقابل القديم، ويطلق التجديد ويراد به: إعادة القديم إلى ما كان عليه.
قال ابن منظور: ((تجدّد الشيء يعني صار جديداً، وجدّده أي صيّره جديداً. والجديد نقيض البالي. فيقال "بلى بيت فلان ثم أجدّ بيتاً من شعر" أي أعاد بناءه. ويقال "جدّد الوضوء" أي أعاده، "وجدّد العهد" أي كرّره وأكده))([1]).
ومن معانيه التحديث، قال الفيومي: ((وجدد فلان الأمرَ وأجدّه واستجدّه إذا أحدثه))([2]).
ولقد استعمل مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي أخذاً من الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سننه عن أبي هريرة t عن رسول الله r: «إِنَّ الله يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَة عَلَى رَأْسِ كُلِ مَائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدّدُ لَهَا دِينَهَا»([3]).
2_ التجديد اصطلاحاً:
والمعنى الاصطلاحي لا يبتعد عن اللغوي كثيراً، فيحمل معنى التكرار، والإعادة والتحديث.
قال العظيم آبادي: ((وإنما كان التجديد على رأس كل مائة سنة لانخرام العلماء فيه غالباً، واندراس السنن وظهور البدع، فيحتاج حينئذ إلى تجديد الدين، فيأتي الله تعالى من الخلق بعوض من السلف إما واحداً أو متعدداً)) انتهى. وقال القاري في المرقاة: ((أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم ويعز أهله ويقمع البدعة ويكسر أهلها)). انتهى.
فظهر أن المجدد لا يكون إلا من كان عالماً بالعلوم الدينية، ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها، ونصر صاحبها، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها، وكسر أهلها باللسان أو تصنيف الكتب والتدريس أو غير ذلك، ومن لا يكون كذلك لا يكون مجدداً البتة وإن كان عالماً بالعلوم مشهوراً بين الناس، مرجعاً لهم)([4]).
يقول الدكتور بسطامي محمد سعيد: ((والمراد بتجديد الدين: إحياء معالمه العلمية والعملية التي أبانتها نصوص الكتاب والسنة وفهم السلف))([5]).
ويقول الدكتور بسطامي:
((ومما سبق يتبيّن أن التجديد في أصل معناه اللغوي وفي استعماله النبوي يدل على الإحياء والبعث والإعادة، وأن هذا المعنى يكوّن في الذهن، كما بين بسطامي محمد سعيد، تصوراً تجتمع فيه معان ثلاثة يستلزم كل واحد منها الآخر:
الأول: أن الشيء المجدّد قد كان في أول الأمر موجوداً وقائماً، للناس به عهد.
الثاني: أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديماً.
الثالث: أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى))([6]).
وبناءً على هذا المفهوم اللغوي بنى بعض العلماء المعاصرين تعريفهم لمفهوم التجديد. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: ((إن التجديد لشيء ما، هو محاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر بحيث يبدو مع قدمه كأنه جديد. وذلك بتقوية ما وهِيَ منه، وترميم ما بلى، ورتق ما انفتق، حتى يعود أقرب ما يكون إلى صورته الأولى))([7]).
ويقول جمال سلطان: ((إن التجديد في مجال الفكر، أو مجال الأشياء على السواء، هو أن تعيد الفكرة أو الشيء الذي بلى أو قدم إلى حاله الأولى))([8]).
لكن الجدير بالملاحظة أن مصطلح التجديد في الساحة الفكرية الإسلامية قد شابه بعض الغموض، وعدم الضبط، لاكتسابه من خلال التداول العام معنى الإلغاء والتجاوز.
وإذا بحثنا عن الأسباب التي حمّلت مصطلح التجديد هذا المعنى، بل وجعلته المعنى المتبادر إلى الذهن عند إطلاقه عند بعض الباحثين، نجدها تنحصر في عنصرين:
1.      عدم اشتهار مصطلح التجديد في تراثنا الإسلامي.
2.      بروز مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي الحديث في مرحلة بدأت تتسرّب فيها المنهجية العلمانية إلى حياتنا الفكرية والمعرفية والقيمية والفنية، فشاع استعماله الحديث عند بعض مفكري الإسلام الذين يقتربون في نسقهم الفكري من القيم والمناهج الغربية.
فأصبح بعضهم يتوجس من هذا المصطلح خيفة، لأن التيار العلماني استطاع تأميمه وتعبئته بمضامين جعلته رمزاً لتجاوز الشريعة([9]).

ثانيا: تعريف العقيدة لغة واصطلاحاً
1_ تعريف العقيدة لغة:
أصل كلمة العقيدة من العقد والشّدّ, قال الجوهري: ((عقدت الحبل والبيع والعهد، فانعقد. وعقد الرُّب([10]) وغيره، أي غلظ، فهو عقيد. وأعقدته أنا وعقدته تعقيدا))([11]).
قال ابن فارس: ((العين والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شَدٍّ وشِدّةِ وُثوق، وإليه ترجعُ فروعُ البابِ كلها))([12]).



وقال الزبيدي: ((الذي صرح به أئمة الاشتقاق أن أصل العقد نقيض الحل..، ثم استعمل في أنواع العقود من البيوعات وغيرها، ثم استعمل في التصميم والاعتقاد الجازم))([13]).
والخلاصة: أن العقيدة هي ما انعقد عليه القلب، وصدّق به واطمأن اليه وأصبح يقيناً عنده لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك.
2_ تعريف العقيدة الإسلامية اصطلاحاً:
إن مصطلح عقيدة إسلامية لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، ورغم ذلك شاع استخدامه، ولاسيما في العصور المتاخرة للدلالة على الأبحاث المتعلقة بمسائل الإيمان، ولا مشاحة في الاصطلاح ما لم يؤد إلى مفسدة، وقد عرف أهل العلم هذا المصطلح بعدة تعريفات منها:
ما ذكره الآيجي بقوله هو: ((علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام))([14]).
وعرفت: بأنها الحكم الجازم المطابق للواقع الحق([15]).
ويمكننا عموما تعريف العقيدة الاسلامية: بأنها جملة من الأصول والحقائق الإيمانية التي جاء بها الشرع ودعا الإنسان الى التصديق والاعتقاد بها، والجزم بصحتها سواء كان منشأ تلك الأصول السمع أم العقل أم الفطرة أم هذه جميعاً، إيمانا لا يرقى إليه شك ولا تزعزعه الشبهات.
ثالثا: معنى تجديد العقيدة:
بعد تعريف كلٍ من لفظي التجديد والعقيدة، أخلص إلى معنى هذا اللفظ المركب: تجديد العقيدة فأقول:
هو إحياء الإيمان في النفوس، واليقين في القلوب، والعودة بهما إلى ما كان عليه الصحابة والتابعون، عن طريق الأدلة العلمية وتجديد طرق الاستدلال على الإيمان بالله تعالى لتجمع بين الثبات والمرونة من غير أن تمس أركان الإيمان وثوابته.
رابعا: لماذا التجديد؟
وقبل الخوض في مسائل العقائد أود إيضاح أمر مهم وهو: لماذا التجديد؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول:
-      التجديد ضرورة، لأن هذا الدين خالد، ومن عوامل خلوده ومتطلبات خلوده: التجديد.
-      التجديد ضرورة؛ لأن النصوص محدودة والوقائع والحوادث غير متناهية، فلزم أن يتجدد الفهم لهذا النصوص التي تقبل التجدد، وأعني بها هنا: غير القطعية، والتي يمكن لأهل العلم الاجتهاد فيها بالفهم والتأويل.
يقول الشاطبي: ((فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج الى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضاً اتباع للهوى، وهو معنى تعطيل التكليف لزوماً، وهو مؤدٍ إلى تكليف ما لا يطاق، فإذن لا بد من الاجتهاد في كل زمان، لأن الوقائع لا تختص بزمان دون زمان))([16]).
-      والتجديد ضرورة لأن تقادم الزمن وبعد الناس عن عصر الوحي يؤدي إلى تغير المفاهيم، ووقوع الإنحراف في الفهم والتطبيق.
-      والتجديد ضرورة، لأن الصراع مع الباطل مستمر، وأساليب أعداء الدين متنوعة متجددة، فكان لابد من تجديد وسائل أهل العلم لتضارع وسائل أعدائهم وتوازيها.
-      والتجديد ضرورة ليبقى هذا الدين صالحاً لكل زمان، وكي لا يوصف بالجمود والتخلف، فيستوعب كل المستجدات، وبمرونته يحتوي كل المتغيرات، فهو الدين الخالد، والشريعة الباقية.
خامسا: ضوابط التجديد:
ليس التجديد في الدين هو التبديل، ولا التلاعب بالثوابت، وحتى لا يفهم بعض الناس الدعوة إلى التجديد أنها تنَّكّر لكل قديم، أو تنصل عن ثوابت الدين، أرى أن تكون هناك ضوابط وشروط للتجديد الذي ننشده، وهي باختصار كالآتي:
1-   لا يكون التجديد في قضايا العقيدة التي لا مجال للعقل فيها.
2-   لا يكون التجديد في الحقائق الإيمانية والأخبار الغيبية، فأركان الإيمان الستة، وأن الدين المرضي عند الله سبحانه هو الإسلام، والإيمان بالغيبيات واليوم الآخر، والجنة والنار، كلها أمور غيبية لا نقاش فيها.
3-   لا خلاف في الأصول والكليات ومقاصد الشريعة([17]).
4-   لا يكون التجديد في الأخلاق والفضائل العامة، فهي ثابتة لا يطرأ عليها النسخ ولا التغيير.
5-   لا يكون التجديد في القطعيات كالحدود والمقدرات من الأحكام، كعدد الجلدات، وأنصبة الزكاة، وأحكام الميراث التي وردت النصوص بها.
6-   ومما يشترط للذي يتصدى للتجديد في العقيدة، أن يكون عالماً معروفاً بصفاء العقيدة، وسلامة الدين، والصلاح، فلا تُقبل دعوى التجديد ممن عُرف بالفسق والانحراف في الفكر، والابتداع في الدين مما يخالف فيه جمهور المسلمين.
7-   أن يكون التجديد مما يحتاج إليه المسلمون من أهل زمانه، ويعُم نفعه، ولا يقبل ممن يقدمه إرضاء لجهة ما، داخليةٍ، أو خارجيةٍ.
وفيما عدا ذلك فكل ما لم يكن قطعياً، ولا معلوماً من الدين بالضرورة، فهو محل اجتهاد ونظر.
هذا فيما أرى والله أعلم، فما كان فيه من صواب فبتوفيق الله تعالى، وما كان فيه من خطأ وخلل فمن نفسي، والله ورسوله منه براء.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.




([1]) لسان العرب، لابن منظور اسماعيل بن حماد، 3/111، والصحاح للجوهري، (مصر: دار الكتاب العربي، 1990م)، 1/451، وينظر أيضاً: مختار الصحاح، الرازي محمد بن أبي بكر، ص95.
([2]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ)، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، 2010م، ص92.
([3]) ينظر: صحيح سنن أبي داود، مكتب التربية العربي لدول الخليج- الرياض، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، برقم 4270 ورمز له الشيخ ناصر الدين الألباني بالصحة، ط1، 1989م، 3/809، حديث رقم3606، وينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم 599، وصحيح الجامع الصغير (بيروت: المكتب الإسلامي، 1986م) حديث رقم 1874.
([4]) عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي: 11/391- 392.
([5]) مفهوم تجديد الدين، بسطامي محمد سعيد، (الكويت: دار الدعوة، ط1، 1984م) ص3.
([6]) المصدر نفسه، ص14-15.
([7]) تجديد الدين في ضوء السنة"، للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، مجلة مركز بحوث السنة والسيرة (جامعة قطر: العدد2، 1987م) ص29.
([8]) تجديد الفكر الإسلامي، جمال سلطان، (الرياض: دار الوطن، ط1، 1412هـ) ص13.
([9]) يظهر هذا السبب في كتاب الغارة على التراث الإسلامي لجمال سلطان في فصل "دعوى التجديد وخطرها على التراث"، ص76-86.
([10]) الرٌب، بضم الراء هو: "الطلاء الخاثر، والجمع الربوب والرِبابُ. ومنه سِقاءٌ مَرْبوبٌ، إذا رَبَبْتَهُ، أي جعلت فيه الرُبَّ وأصلحته به. "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري ت393هـ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين– لبنان، ط/4، 1407هـ- 1987م، 1/131 باب ربب.
([11]) المصدر نفسه: (3/157).
([12]) معجم مقاييس اللغة تأليف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (ت395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ - 1979م، 4/86، باب عقد.
([13]) تاج العروس من جواهر القاموس، السيد أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الحنفي (1205هـ)، 2/426 مادة عقد.
([14]) المواقف في علم الكلام تأليف: عضد الدين القاضي عبد الرحمن بن أحمد الآيجي ت 756هـ، طبع عالم الكتب– بيروت، ص: 7.
([15]) ينظر: شرح جمع الجوامع من حاشية البناني، عبد الرحمن بن جاد الله البناني المغربي (ت1198هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت/ لبنان، ط1/ 2011م، 1/110.
([16]) الموافقات في أصول الشريعة، لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي (ت 790هـ)، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة، ط/1، 1975م: 4/104.
([17]) ينظر: التجديد في الفكر الإسلامي، للدكتور عدنان محمد أسامة، ط1/ 1424هـ، دار ابن الجوزي- الدمام/ السعودية، ص 27.