بين الاسلام والأسلمة والإسلاموية


د.صباح السامرائي
باحث وأكاديمي
                          
(يريدون اسلمة المجتمع) عبارة قد يستهجنها البعض ويرى لنفسه حقاً ولكن هل المجتمع المسلم هو مجتمع اسلامي أم مسلم؟ ولماذا يرضى الغرب لنا ان نكون مسلمين ويرفض بشدة ان نكون اسلاميين؟ وهل يعني ذلك انهم لا يضيرهم ان يكتب في حقل ديانتك في هوية الاحوال كونك مسلما لكنه يرفض ان تكون مسلما خارج اطار الاسم، وان زدت على ذلك فحسبك العبادات ولا تزيد عليها، ولن نوغل كثيرا في عالم المصطلحات، التي ربما راح البعض يستنطق اللفظة ليخرج منها الاسلاموية وهي نزوع نحو ايهام السامع بان العداء ليس مع الاسلام بقدر مسميات تشبثت باسمه بصلة ما،  ولكن لنقف عند اسلمة المجتمع المسلم وربما هذا ما يريده الاسلاميون على اختلاف مناهجهم معتدلين او متشددين احزابا وجماعات وعلى اقل تقدير هذا منطلقهم وغايتهم بصرف النظر عن الكيفية وسلوك ذلك، والمجتمع بعد ذلك بين رافض ومؤيد وبين من لا يعير للأمر برمته اهتماما، ولاشك ان ملامح المجتمعات تؤخذ بالمحصلة العامة من الراي السائد، فلو ذهبنا غربا الى تونس او المغرب مثلا يدرك الماشي في شوارعها وفي فنادقها ومطاعمها انه يسير في غيبوبة للإسلام فشرب الخمور في الاماكن العامة والاجواء الفرنسية تطغى على الاجواء فحين نعقد المقارنة بين الموجود وبين الحلم الذي يسعى له الاسلاميون نجد محاولة لتغيير الجذور التي نشأ عليها هذا المجتمع الذي اعتاد الرذيلة ولم تعد مثار استهجان؛ لأنه اصبح أمراً معتاداً حتى ان المعترض هو الشاذ، فليس من خطأ يستشعره الناس فحين يأتي الفكر الذي يريد انتشال المجتمع من غربته يصبح مثار قلق لمن بذلوا العقود المتتالية لصنع مجتمع بهذا الشكل، وحتى هذه الدول والانظمة قد تسعى لكثير من نتائج التوجه الاجتماعي للإسلام فهي تدفع بمنع التدخين وترغب بعدم شرب الخمور وتحارب المخدرات في مجتمعاتها كما تحارب السرقة والقتل وكافة الجرائم ، لكنها لاتريد ان يتحقق ذلك من مفهوم الحرام الذي يمليه الاسلام، والامر مرده كشف عورات انظمتهم البالية واخلاقياتهم الهابطة، ومن ثم لن يجد ساسة المال والاعلام والسلطة والنفوذ في ارجاء المعمورة سبيلا لغاياتهم، لذا ومن هذا المنطلق لا نستغرب استعداد فرنسا للتدخل العسكري عام 1992 في حال فوز جبهة الانقاذ؛ لأنها حينئذ تهدم بنيانا عملوا بتشييده لقرون من الزمان .
اقول ما تقدم كي لا نستغرب في خضم ما يدور من احداث ان العالم الغربي ادرك يقينا ان اعادة بوصلة المسلمين الى مسارها الصحيح في ظلال العلم الحديث وتطور العالم فان مقومات سيطرة الاسلام ستكون في اقوى صورها وهم يدركون تماما ان الحق الذي تحمله دعوة الاسلام لم تردع تأثيره كل محاولاتهم فيجدون انفسهم وقد سارع كثير من غير المسلمين للدخول بالاسلام طواعية
وهم في اثناء ذلك كله راحوا بكل الوسائل يوجدوا بدائل مشوهة للاسلام يعرضوها للعالم بان الاسلام هذه حقيقته وبشاعته وتعمل الماكنات الاعلامية ليل نهار من اجل بث السموم اذن فان نجاح جماعة في بلد ما من تطبيق التجربة الاسلامية وبالتالي اسلمة المجتمع في مصطلحهم سيكون كارثة على العالم الصليبي، وهذا اكبر ما يقلق مضاجعهم من التجربة التركية وهو ذاته ما اخافهم من تجربة مرسي وجماعته وسائر التجارب الاسلامية، وهو ذات المنطلق الذي قدم الاسلام السياسي للحكم في العراق باعتباره مثالا للفشل يسوق الى العالم وهم بعد ذلك لا يكترثون من فشل نتائج غزوهم للعراق ففيه تتحقق غايات وغايات بل انهم وبكل وقاحة سيعمدون الى كشف الفظائع والفضائح بين الفينة والفينة للحكومات الدينية الفاشلة وسنبقى بدورنا نردد ما يكشفون بل ننشرها بكل وسائل التواصل ومنطلقنا بيان فشل التجربة المتسترة بالدين لكنها تخدم فكرتهم بتعميم مفهوم فشل التجربة "الاسلامية" 
ان اسلمة المجتمع ليست لبس الحجاب فحسب وليست الامتناع عن شرب الخمور والزنا والاجهار بالمعاصي فهذه شؤون تعبدية قد يظهرها الفرد ويبطن غيرها لكن اسلمة المجتمع يعني اسلمة الدولة بكل مفاصلها الاقتصادية والسياسية والعلمية والفكرية ما يعني بالضرورة انبهار العالم بتجربة كانت مغيبة بترسانة الكذب العالمي والتسلط الذهني وهذا ما يدعونا الى الايمان بان سنة التدافع باقية وان على المسلمين ان يؤسلموا صياغة منطلقاتهم وانما علينا البذل ويبقى التوفيق والنتائج مرهونة بمدى صدق النوايا بعد توفيق الله


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا