ولا يحيق المكر السيء الا بأهله





د. عبد العزيز الجميلي
اكاديمي وباحث

المكر في لغة العرب يدور حول الاحتيال والخداع كما قال ابن فارس.
وأما في الاصطلاح، قال الراغب مبينا أقسام المكر: "وذلك ضربان: مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال تعالى: {والله خير الماكرين}، ومذموم وهو أن يتحرى به فعلاً قبيحاً، قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، {وإذ يمكر بك الذين كفروا}، وقال في الأمرين: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا}" اهـ.
الحياة في نظر البعض غابة، يأكل فيها القوي الضعيف، ويستعمل صاحب الذكاء ذكائه مكرا بغيره، لكن ليس الأمر كذلك، أن هذا المكر السيء لا يحيق إلا بأهله كما قال تعالى:
{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} سورة فاطر: 43.
وهذه قاعدة قرآنية، ثابتة ولا يمكن أن تتغير بحال من الاحوال.
ووفق القاعدة الأصولية: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فإنه يدخل في هذه الآية كل مكرٍ سيء، يقول العلامة الطاهر بن عاشور: مبيناً علة اطراد وثبات هذه القاعدة ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه):
فإن كان التعريف في (المكر) للجنس كان المراد بأهله كل ماكر. وهذا هو الأنسب بموقع الجملة ومحملها على التذييل ليعم كل مكر وكل ماكر، فيدخل فيه الماكرون بالمسلمين من المشركين، فيكون القصر الذي في الجملة قصرا إدعائيا مبنيا على عدم الاعتداد بالضر القليل الذي يحيق بالممكور به بالنسبة لما أعده الله للماكر في قدره من ملاقاة جزائه على مكره، فيكون ذلك من النواميس التي قدرها القدر لنظام هذا العالم؛ لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض؛ لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضا تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه، فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم والله لا يحب الفساد ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء؛ ولهذا قيل في المثل: «وما ظالم إلا سيبلى بظالم»، قال الشاعر:         
ولكل شيء آفة من جنـسـه   حتى الحديد سطا عليه المبرد
وفي كتاب ابن المبارك في "الزهد" بسنده عن الزهري بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمكر، ولا تُعن ماكراً فإن الله يقول: [ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله]".
وهنا ننقل من تفسير هذه الآية وما بعدها للبغوي
(اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ  وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ  فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ  فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا  وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ  إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) ) فاطر.
 ( استكبارا في الأرض  ) نصب " استكبارا " على البدل من النفور ( ومكر السيئ  ) يعني : العمل القبيح ، أضيف المكر إلى صفته ، قال الكلبي   : هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي  صلى الله عليه وسلم، وقرأ حمزة   : " مكر السيئ " ساكنة الهمزة تخفيفا ، وهي قراءة الأعمش   ( ولا يحيق المكر السيئ  ) أي : لا يحل ولا يحيط المكر السيئ ( إلا بأهله ) فقتلوا يوم بدر  ، وقال ابن عباس   : عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك . والمعنى : وبال مكرهم راجع إليهم ) ( فهل ينظرون )؛ ينتظرون  ( إلا سنة الأولين ) إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه  ) يعني : ليفوت عنه ( من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا  ) من الجرائم ( ما ترك على ظهرها  ) يعني : على ظهر الأرض ، كناية عن غير مذكور، ( من دابة ) كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح   ( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا  ) قال ابن عباس   - رضي الله عنهما - : يريد أهل طاعته وأهل معصيته .انتهى.
والتاريخ حافل في قصص من مكروا السيئات على مستوى الأفراد والأمم والدول، فكانت النتائج أن مكرهم رجع إليهم فدمرهم تدميرا.
والقرآن الكريم ذكر لنا كثيرا من قصصهم...
قوم نوح :غضب الله عليهم وأرسل عليهم الطوفان الهادر والبحر الهائج والمطر المنهمر فتفجرتالأرض عيوناً فغرق قوم نوح .
وعاد قوم هود: أهلكوا بريح صرصر عاتية سبع ليالي وثمانية أيام حسوماً وأصبحوا كأعجاز نخل خاوية .
وأصحاب الرس وأصحاب الأيكة و قوم تبع
وثمود قوم صالح: أرسل الله عليهم الصيحة حتى قطعت قلوبهم .
والنمرود وكيف كان هلاكه
قوم لوط : قُلبت عليهم الأرض فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارةً من نار .
ومدين قوم شعيب : أرسل الله عليهم سحاب العذاب تمطر على رؤوسهم ناراً تلظى .
قارون : خَسَفَ الله به وبدارهِ ومالهِ الأرض .
وفرعون: غرق هو وجنوده في البحر .
هؤلاء الأقوام مكروا بأنبيائهم ورسلهم وكادوا لهم فرد الله اليهم كيدهم وخسروا الدنيا والآخرة، فكانت قصصهم عبرة لأولي الأبصار والعقول، يقول الله تبارك وتعالى:
(( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُوَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِمَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111). )) سورة يوسف.
ولعل من أكبر قصص المكر التي ذكرها الله في القرآن، مكر فرعون الذي قتل أطفال بني اسرائيل خوفا من الطفل الذي سيكون هلاكه بسببه وهو (موسى) فربى موسى في بيته وأمام عينيه، وسعى ليقتل موسى ومن معه وهو يلهث يتوعد ويهدد خلف موسى ، فكان غرقه وموته بسبب موسى .
وأما في العصر الحديث فقد سعى الغرب الصليبي، والشرق الملحد ( الذي كانت تمثله الاتحاد السوفياتي آنذاك) الى الوقوف بوجه الاسلام والقضاء عليه أو الحد من انتشاره، وبعد فشل الحملات الصليبية جميعها، حاولوا تجزئة العالم الاسلامي واحتلاله تحت التسمية الملمعة ( الاستعمار)، ثم حاولوا تدجين الشعوب المغلوبة بعد انهاء الخلافة العثمانية وتقاسم ولاياتها، ومكروا مكر السوء بأهلها، بنشر اضاليلهم الباطلة وثقافاتهم الانحلالية، بقصد دفع الشباب الى الذوبان والتأقلم لكي يتقبلوا الفكر الغربي والشرقي، ومن ثم ينسوا دينهم وعقيدتهم ويتخلوا عن هويتهم الاسلامية، ولم يعلموا ان الله تبارك وتعالى تعهد بحفظ دينه قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر آية:9 ، والدفاع عن عباده المؤمنين الصادقين يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) الحج، آية: 38.
كما انهم لم يعرفوا القاعدة القرآنية الربانية: [ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله]، فتحطم الاتحاد السوفياتي وعلى يد ابنائه، وكذلك جمهورية يوغوسلافيا الشعبية الاتحادية والتي كانت تحت حكم الشيوعيين منذ (29 نوفمبر 1945م)، وتغيرت دول وممالك ولكن دين الاسلام بقى وانتشر في تلك الدول بعد ما كانت هذه البلدان،تعدابسط المظاهر الاسلامية لأي مواطن فيها جريمة ربما قد توصله الى عقوبة الاعدام.
أما ايران الجارة السوء للعرب وللمسلمين فتاريخها حافل في التآمر على العرب والمسلمين منذ تحطم الامبراطورية الفارسية في ايام الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وحتى هذه اللحظة، فقد تحالفت مع المغول ضد الخلافة العباسية وتحالفت مع الصليبين ضد المسلمين وتحالفت مع البرتغاليين والاسبان والهولنديين والانكليز ضد العرب والمسلمين، وآخرها التعاون معأمريكيا في احتلال العراق وافغانستان.
وكانت اشد خصوم الدولة العثمانية المسلمة، ولولا ايران لوصل الاسلام الى كل أوربا والغرب في ايام الخلافة العثمانية، ولكنهم أي الايرانيين الذين اتخذوا حب آل البيت غطاءا زورا وبهتانا، ـ وآل البيت رضوان الله عليهم برئاء من ذلك ـ نسوا ما قاله الله سبحانه وتعالى: [ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله].
وأما امريكا فقد تآمرت على الاسلام والمسلمين وكانت الظهير القوي للكيان الصهيوني، في الوقت الذي تدعي الديمقراطية وتحقيق العدالة الدولية، فسجلها حافل بكل الانتهاكات البشعة لحقوق الانسان لسكان امريكا الأصليين وهم الهنود الحمر ولغيرهم من الشعوب الأخرى واقرأ ان شئت على الغوغل موضوع: (حروب إبادة الهنود الحمر)، (التاريخ الدموي للإمبراطورية الأمريكية ـ لمنير العكش )، لتجد عجبا.
أما نتيجة مكر أمريكا،فان المصائب تنصب عليها من كل حدب وصوب.
وإليك عزيزي القارئ شيئا مما كتبه الدكتور سعود الهاشمي تحت عنوان:
أمريكا ... التي رأيت !
لقطات :
* 100 مليار خسارة في يوم واحد .
* الأمر بإطلاق النار على مجموعات النهب في نيواورليانز .
* امرأة سمراء تقف أمام بيتها الذي سواه الإعصار والفيضان بالأرض ، وتعلق قائلة: الآن نعرف هل تفرق الحكومة بيننا وبين البيض ؟!
* منظمة تصطاد الحرية الفائقة والمصاحبة للحدث وتعلن أن 13 مليون طفلاً في أمريكا يعيشون تحت الفقر !!
* منظر تبثه القنوات لمئات السيارات تصطف أمام محطات الوقود !
إنها نيوأورليانز يا سادتي !!
إنها بلاد موسيقى الجاز التي امتزجت بالهوية الأمريكية فحولت القارة من خلال السود اللذين أطلقوها ، حولوها إلى بلاد ترقص مع أنغام الجاز ذات الإيقاع الإفريقي الصاخب،
لحظات تعد بالساعات ! وتنطمر خلالها هذه المدينة تحت الأرض وتغرق تحت المياه مع كل موسيقاها الصاخبة وكفاحها المرير من أجل الحرية !
واقرأ كامل الموضوع : أمريكا ... التي رأيت ! د سعود الهاشمي.
واقرأ أيضا:  هذا وعد الله  لتركي العبدلي
لترى ما فعل الله بأمريكا بعد أن تجاوزت الخطوط الحمراء وانتهكت كل الحرمات.
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه لله " حدثني العدول من أهل الفقه والخبرة أنهم كانوا يحاربون بني الأصفر " يعني الروم " فتستعصي عليهم الحصون ويصعب عليهم فتحها ، حتى إذا وقع أهل الحصن في السب في الله تعالى أو في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم استبشرنا خيرا بقُرب فتحِ الحصن ، قال : فو الله لا يمرُ يومٌ أو يومان إلا وقد فتحنا الحصن عليهم بإذن الله تعالى "وإن غدا لناظره لقريب .
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف آية 21



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا