الدعوة السنية في دولة ولاية الفقيه



احمد عثمان اوغلو
باحث

نصت المادة 12 من الدستور الإيراني العالمي على أنَّ : 
(( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري , وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.
وأما المذاهب الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي و الزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسيمهم المذهبية حسب فقههم ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج الطلاق  و الإرث والوصية) وما يتعلق من دعاوى في المحاكم.
وفي كل منطقة يتمتع أتباع هذه المذاهب بالأكثرية فإن الأحكام المرحلية لتلك المنطقة في حدود صلاحيات مجالس الشورى تكون وفق ذلك المذهب ,هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى)
ومن خلال معاينة النص أعلاه يتبين لنا:
1.اعتبار المذهب الجعفري الاثني عشري هو الإسلام نفسه وإلى الأبد , فعبارة المذهب الجعفري الاثني عشري معطوفة على جملة (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام)
2.لكنه عاد ليعطي صفة (الإسلامية) على المذاهب الأخرى مؤكد على حقوقها.
و تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في زمن غيبة الإمام المهدي تكون بيد الفقيه العادل المتقي العالم بإمور زمانه .. الخ.
فنحن أمام دولة مذهبية قائمة على مفهوم ولاية الفقيه وبنص الدستو والذي انعكس بشكل طبيعي على أوضاع أهل السنة بمختلف قومياتهم وأعراقهم, فأصبحوا مهمشين لا وجود حقيقي لهم في مؤسسات الدولة ,إضافة إلى فرض رقابة صارمة على جميع أنشطتهم الدعوية والثقافية والاجتماعية.
لقد تحرك السنة في ايران للدفاع عن حقوقهم الطبيعية إلا أنهم  اختلفوا حول كيفية مواجهة هذا التهميش والتحييد على مسارات أربعة:
أولا: التعاون مع النظام ومسايرته:
لقد عمل فريق من السنة بهذا الإتجاه لكن  النتائج كانت أن كل الذين اقتربوا من النظام وسايروه سقطوا في نظر جماهير السنة وفقدوا مصداقيتهم وعلى الرغم من بعض الانجازات الهامشية والتي لم تغير من واقع السنة فإنهم أصبحوا أبواق للنظام الذي سوَّق لوجودهم معه ليضفي الشرعية على سياساته وخصوصًا في المحافل الخارجية.

ثانيا: المفاصلة السلمية:
يمكن اعتبار الشيخ احمد مفتي زاده رحمه الله رائد هذا التوجه وان كان نهجه في البداية قائم على أساس الحوار والتعاون فمن المعلوم أنه أسس قبل الثورة ما سمي بمكتب القرآن وهي حركة إسلامية سنية غير أنه وبعد الثورة في عام 1980 أسس مع جهات سنية إيرانية أخرى مجلس شورى السنة والمسمى اختصارًا (شمس).
طالب الشيخ السلطات آنذاك بإيجاد مجلس شورى إسلامي عالمي على أن تكون إيران مركز الخلافة لخلافة إسلامية عالمية ولتحقيق ذلك طلب تعديل مواد أساسية في الدستور تتنافى مع مبدأ المساواة وبعد مفاوضات طويلة جوبه طلبه بالرفض التام وتم زجه مع 200 من رفاقه في السجن حث حوكم عام 1982 بالسجن لمدة خمسة أعوام وعاش ظروفا قاسية في الحبس وبعد انقضاء مدة المحكومية طُلب منه أن يوقع على تعهد بعدم تجديد مطالبه القديمة وعم معارضته النظام غير أنه رفض ذلك فقضى خمسة أعوام أخرى وساءت حالته الصحية وأُصيب بالعمى وبعد تحذير طبيب السجن بسوء حالته الصحية واقترابه من الوفاة أُطلق سراحه ليتوفى في عام 1993.
وسار على هذا النهج الشيخ ناصر سبحاني المراقب العام لإخوان إيران حيث رفض مهادنة النظام أثناء إلقاء القبض عليه حيث كان يرى عدم جواز الرخصة للفروق, وتم إعدام الشيخ عام 1995 في أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وانتهج آخرون هذا النهج غير أنهم جوبهوا بإجراءات قمعية شديدة انتهت بإعدام البعض واغتيال البعض وفرض الرقابة والإقامة الجبرية على آخرين ورافق ذلك غلق المدارس والمؤسسات التعليمية التابعة لهم ومن هؤلاء الشيخ محمد صالح ضيائي من مناطق الجنوب والشيخ محمد ربيعي من كرمنشاه وعلي مظفريان من شيراز وآخرون.
ثالثاً : العمل المسلح:
واختارت تيارات سنية أخرى العمل العسكري ضد أفراد الجيش والدرك وحرس الثورة ورافق ذلك تفجيرات وعمليات اغتيال داخل المدن إضافة إلى احتجاز الرهائن لمقايضتهم بمعتقليهم لدى النظام وتأتي على رأس هذه الحركات حركة جند الله (حركة المقاومة الشعبية) وهي حركة سلفية معارضة تأسست عام 2002 تنشط على الحدود الباكستانية الإيرانية وجل عناصرها من البلوش وتم إعدام زعيمها المؤسس عبد الملك ريفي عام 2010.
وظهرت في منطقة الاحواز (المنظمة الاسلامية السنية الاحوازية) والتي تدعوا إلى العودة للأصول والجذور, تأسست عام 2001 على يد خالد زرقاني واتهمها النظام بممارسة العنف والتخريب في المنطقة.

رابعًا: العمل العلني القانوني:
لقد ارتأت بعض الحركات والشخصيات اعتماد الأسلوب القانوني من خلال عمل دعوي علني وبعلم السلطات وأمام أنظارها وعلى الرغم من عدم وجود موافقة رسمية إلا أن هناك موافقة ضمنية لذلك.
وتأتي جماعة الدعوة والإصلاح المتأثرين بفكر الإخوان والمستقلة تنظيميًا على رأس هذه الجماعات  فهم يعتبرون أنفسهم ملتزمون بالدستور الايراني وينشطون في إطار القوانين ويراعون في عملهم الخطوط الحمراء وحساسية النظام وكل ذلك لاستمرار ودوام عمله التنظيمي.
إن شكل العمل السني الدعوي في ايران ينبغي أن يتجدد وفق دراسة الواقع وأية طفرات ستؤدي إلى نتائج سلبية , فمقومات النظام وتركيبه وسلوكه المحلي والعالمي يفرض المحددات  :
1.نظام الحكم القائم شمولي مذهبي متعصب قائم على أساس ولاية الفقيه.
2.النظام يمتلك الدولة وامكاناتها اضافة إلى دعم شعبي بنسبة معينة وعلى الرغم من قلتها فإنها تكتسب قوة كبيرة إلى جانب سلطات الدولة.
3.إجادة استخدام النظام لملفات خارجية يفرض غض البصر عن أية تجاوزات داخلية.
4.خبرة قمعية في مواجهة أية أخطار تهدد وجوده تتناسب مع حجم هذه الأخطار.
5.عدم وجود معارضة قوية شعبية منظمة تخالفه في الفكر والاعتقاد وتشكل خطرًا عليه.
6.النظام جزء من معسكر دولي يحوي قوى عظمى توافقت مصالحها وهذا يوفر له مظلة البقاء والدوام.
7.النظام الحاكم مركز وقطب كل التيارات والحركات والجماعات الشيعية في العالم السائرة على نهجه وفكره والمسخرة لدعمه أينما ووقتما شاء.
8.غياب المشروع السني العالمي.
9.مرونة عالية في التعامل مع أية تحديات قد تهدد وجوده.
ولكن العمل مطلوب ,فهناك مساحة هائلة من الأهداف والحاجات المهمة التي تنتظر الانجاز والأداء ومن مصلحة النظام إظهار بعض التسامح والرفق في التعامل مع الحركات والجماعات العلنية والتي تعمل وفق القوانين وتراعيها وهذه السعة من الحرية تكفي لهندسة الوضع الثقافي والاجتماعي والتعليمي والاقتصادي لأهل السنة دون مسايرة النظام أو التعامل معه بجدية.
ومن خلال استقراء الساحة الإيرانية نرى تفككا كبيرًا في المجتمع الشيعي الذي فقد في غالبيته ثقته بالنظام وبدأ يتجه نحو العلمانية والإلحاد كردة فعل على سياسات النظام وفشله وهذا يولد فرصة للحركات والجماعات السنية من تقديم البديل من خلال مشاريعها وبرامجها التي ينبغي أن تعبر عن روح الإسلام الأصيل الذي افتقده هؤلاء. 

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا