ضعف الحياة


رضا الحديثي
باحث


كنت أعمل في مؤسسة ثقافية فقال لي مديري  " قد إخترناك للعمل في مؤسسة إعلامية"     فرحت بالتكليف مادام هذا الجهد لوجه الله تعالى رغم شعور داخلي يصرخ بي  ( انه ليس مكانك ) ، كنت احارب هذا الشعور وأنسبه للشيطان الذي يريد مني ان أقصّر في اداء الواجب وبذل الجهد من اجل نصرة الدين .
وهكذا ... بعد دوامة من الضغط النفسي والصراع بين فطرتي وواجبي والعمل فيما لا اجيد ولا احب ، شكوت لمديري،  فوجد لي فراغاً في مؤسسة إغاثية ، وبين رغبتي في ان اكون إنسانا عاملا لدينه وبين صوت الفطرة الذي يناديني أنْ هذا ليس لك بموضع ، كان لابدّ أن أناقش الامر معه ، وتبين لي بعدها انني مخطئ !!! حيث الداعية ينجح حيثما وضع وانه مثل المطر ، حيثما حلّ نفع ، وإن لم تكن لها فمن لها ، و أن الشيطان يقعد لأبن آدم باطرقه !!!  
وبدأت مشواري الجديد بعزم ونية ، لاكتشف بعد أمد ان ادائي لم يكون اكثر من أداء تقليدي أودّيه طاعةً والتزاماً بالامر ، وأني أدور في حلقة مفرغة، فانتهي من حيث إبتدات ، وابتدأ من حيث أنتهيت .، 
كم كنت ضائعا ، حين أسند الأمر لي ولستُ باهله ، قالوا لي هذا الحديث يتكلم عن الامامة الكبرى ، فسألت عنه ابن حجر العسقلاني فقال لي "وَالْمُرَادُ مِنَ "الْأَمْرِ" جِنْسُ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِ ذَلِك".
كم كنت تائها ، أشعر اني أؤدي ضعف الجهد بلا نتائج وأن مئات الشباب يدورون معي في نفس دائرة التيه ، فما وجدت الجواب الا في كتاب الله "وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ، وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ، وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ،  إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا "
فعلمت بعدها أن مجرّد غياب مرجعية القرآن وسيرة النبي "صلى الله عليه وسلم"  عن سلوكنا الدعوي و أدائنا التربوي ، وعملنا السياسي ، والركون لأجتهاداتنا البشرية ولو " قليلاً " كفيلٌ بأن نذوق " ضعف الحياة " جهداً وتعبا وبذلا .
حينها عدت لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أسأله عن مهمتي في دعوتي ، فوجدته عليه الصلاة والسلام وضع قانونا دعويا لاصحابه " كل ميسّر لما خلق له " ،ووجدته يوزع الادوار بين صحابته وفق منهجية نفسية تعتمد على قدرته لا رغبته فحسب ، فيوم طلب ابو ذر الغفاري أن تسند له مهمّة معينة ، لم يحرج منه النبي عبيه الصلاة والسلام أن يقول له " إنك أمرؤ ضعيف " وماكان سيغيّر الأمرَ دخولُه في دورة تدريبية او أخذه نصيحة أدارية من  خبير ، لكنه صلى الله عليه وسلم أسند القيادة لخالد وعمرو ولمّا يكملوا ستة أشهر من إسلامهم ، واوكلها لأسامة وهو إبن السبعة عشر عاما ، وجعل أبا بكر وعمر من جنوده . 
إنها أمانة ، فلا تجعلوا منّا فئران تجارب ، ولا حجراّ  تسدون به فراغا ، فالمهمة كبيرة ، والدعوة اليوم في حاجة  لكل جهد ولكل طاقة بشرط أن يوسد الامر ويسند لأهله بلا مجاملة لشخص ، أو إستصغار  لعُمْر ٍ، أو محاباةٍ لسبقٍ ، والا بقينا في دائرة " ضِعْفَ الْحَيَاةِ " و وصلنا " وضِعْفَ الْمَمَاتِ " ولم نحز نصرة الله لنا " ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ".

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا