( مركزية الكون )



د. سمير العبيدي
اكاديمي وباحث


     تقوم الفلسفة الدينية على فكرة مركزية الإله واستخلاف الإنسان،  فالخالقُ من عَدمٍ، له القدرةُ والإرادةُ المؤثرةُ في كل الموجودات باعتبارها حوادث وعوارض تحتاج إليه في كل آن، الإلهُ هو الذي يقدرُ الأيديولوجية الإنسانية لمسيرة الإنسان نحو الخلود، فالإنسانُ عبدٌ ذليلٌ يسعى لتطبيق أوامر سيده  ليفوز بالسعادتين الدنيا والآخرة .
     بينما نجدُ الفلسفةَ الدنيوية على نقيض الفلسفة الدينية فهي تفصل الإلهَ والسماءَ عن الأرض، بحجة أنَّ الميتافيزيقيا - ما وراء الطبيعة - غير خاضعة للتجربة فلا يمكن الوثوق بمعرفتها، فذهب بعض الفلسفة إلى تأليه الطبيعية وأنها مركز الكون وأنها هي الإله عن طريق الانتخاب الطبيعي، وتنسب الظواهر والكوارث للطبيعة، وما نراه ونتفحصه بواسطة العلوم والأجهزة المتطورة لا نجد شيئاً غير طبيعي وراء هذه الأشياء، وذهب علماء الفيزياء والكيمياء والفلاسفة الطبيعيين إلى الحتمية والعلّية والسببية وأنها مؤثرة بذاتها، وأنَّ الجواهرَ والأجسامَ فيها صفات وطبائع تؤثر بذاتها، والطبيعةُ هي التي نظمت هذا الاتساق الذي نراه بين الأشياء، وذهب سبينوزا إلى أبعد من ذلك فقال بوحدة الوجود وأن الإله هو النظام الكوني الطبيعي الذي نحس به.
     وذهبت طائفة أخرى من الفلاسفة إلى مركزية الإنسان في الكون وأنه السيد الذي سيخضع الكون له، وأن لا مرجعية للإنسان إلا نفسه وأن الإله قد مات والكنائس هي قبور الإله كما يقول نيتشه، وقال كانط بعدم إمكانية المعرفة الإلهية، فَهّب الإنسانُ ليصعد إلى موقع المركزية، بلا دين عاصم ولا قيمة ثابتة، نهض وهو يلعن القديم والتقليدي والكلاسيكي التي اعتبرها قيوداً مانعة من ارتقائه الى سيادة الكون .
     فماذا كانت مخرجات الفلسفة الأوربية بشقيها المنادية بتأليه الطبيعة أو المنادية بتأليه الإنسان: 
الاستعمار  (الاستخراب( وإذلال الشعوب وسرقت خيرات البلاد الأخرى.
الحروب الدموية المدمرة، الحرب العالمية الأولى والثانية وبقية الحروب المتفرقة. 
الديمقراطية المزيفة وهي تشبه بيت المومسات حيث يدخلها الساسة فينالون بها ما يشتهون، فالأحكام منشأها إنساني، والغالبية هي التي تقرر وتشرع، ولتسحق أراء 49%  من المجتمع، الغالبيةُ مخدوعةٌ؛ بواسطة شرذمة قليلة من الساسة يملكون معظم الاقتصاد عن طريق الشركات الكبرى المعدودة على الأصابع، وكذلك يملكون معظم شبكات الإعلام، فأيُّ حرية وأي مساواة وأي عدالة يتحدثون عنها، لقد خرج كلُّ العالم الغربي والعربي والإسلامي ضد حرب العراق واحتلاله، فماذا كانت النتيجة !!إن الديمقراطية المزيفة بساستها يملكون أسلحة الدمار الشامل وهي الإعلام الكاذب، تحت قاعدة: أكذب أكذب حتى يصدقك الناس، قالوا: إنَّ العراقَ يملكُ أسلحة دمار شاملة وهو بلد يهدد أمن العالم :فاحتلوا العراق ونهبوا خيراته ولم يجدوا فيه الأسلحة المدمرة، فماذا كانت النتيجة !! بعد هذه المخرجات المدمرة، فرَّ بعض الفلاسفة أنه لا مركزية للكون، وإلى ما وراء الحداثة التي تنادي بلا إله، وإلى تعدد مصادر القوة في العالم، وتغادر العقلانية إلى اللاعقلانية وتغادر المعايير إلى اللامعايير، فهي تصرح أنَّ لامركزية للكون فكلُّ شيءٍ مكتفي بذاته وحسب، العالمُ عبارةُ عن أجزاءٍ متفرقةٍ لا رابطَ بينها ولا قصة تجمعها: فلا إله علّة وفعّال، ولا إنسان سيد لهذا الكون، علينا الإذعان للواقع على ما هو عليه، تُحركنا فيه المنفعة والمصلحة ليس إلا.
    يقول د.طه عبد الرحمن في روح الحداثة : إرادةُ الإنسان أنْ يسودَ الطبيعةَ فإذا بها هي التي تسودُه وتفعلُ به ما لا يريد، ويتجلى ذلك في بروز أخطارٍ طبيعةٍ مختلفةٍ، منها أمراضٌ غيرُ مسبوقةٍ، وشبح الإشعاع النووي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والانفجار السكاني وتلوث البيئة وانثقاب طبقة الأوزون، أصبح الإنسانُ عاجزاً عن معرفة مآلات إصلاحاته وتقدمه التقني، حتى أنَّ الحداثة الغربية انتجت نظاماً اقتصادياً عالمياً باتت لا تعرف كيف تتحكم في آلياته، فضلاً عن التنبؤ بمصيره.
     وخلاصة الأمر: ما أُريد في الأصل أنْ يكون له سيادةٌ صار عبوديةً، وما أريد أنْ يكون استقلالاً غدا تبعية، وما أريد أنْ يكون شامخاً أضحى شأناً عاماً ....




                                    الباحث الشيخ الدكتور: سمير بن هاشم العبيدي
                                     اختصاص العقيدة والفلسفة والفكر الإسلامي

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا