مستلزمات الريادة القيادية للمرحلة القادمة



د هشام الأنيس
اكاديمي وباحث


عندما تمر على دولة أو جماعة ظروف مصيرية معينة، فإنه يتبادر عند كل من ينظوي تحتها التفكير
في مواصفات الشخصية التي يمكن أن تثبنى عليها الآمال لتحقيق النقلة النوعية علن المستويات كافة ،
والتي يشعر مَنْ حولها بالطمأنينة والثقة على أنها ستحقق ما يتطلع إليه المجموع، فقد تتطلب مرحلة
ما رجل قوة وحزم، أو قد تتطلب ذا حكمة وسعة صدر، وقد تتطلب رجل مال او جاه، والقائمة
متنوعة ، واليوم نحن في حركة مرّت عليها سنوات عجاف احترق فيها زرع، وجفَّ فيها ضرع ،
وتعددت المشارب وتنوعت المسارب، وشهدت فتناً اختلف عليها عاملون، وسئم من الحال رجال
صادقون، المهم أننا باختصار نعاني أزمة آذت وآلمت، مما يحتم على من امتلك حرصا ومحبة
وحماسا لهذه الحركة أن يبادر لينتشل قلوبا ظمأى لرؤية الأمل القادم، ويعيد سمت البذل في زمن
الجدب الذي خلَّفته سنوات الاختلاف، منطلقا من اعتبارات عدّة:
1. أن الله سينصر هذه الدعوة بعزّ عزيز أو بذلِّ ذليل، مما يسوّغ التعجيل بأخذ زمام المبادرة
وحجز مقعد في ركب السابقين، وفي (ذو الجوشن) الذي تأخر عن الالتحاق بالدين عبرة لمَنْ
تأخر.
2. أن ترك الدعوة ليس من شيم الرجال الذي قدّموا في زمن مضى كان الآخرون يجمعون لغير
الآخرة،إنه راعي هذه الدعوة وفلاح بذرها الذي طال انتظاره، وهل سمعتم بربّ بيت ترك ما
عنده لغيره وقد بذل في جمعه دهرا بذل فيه من نفسه وجهده ووقته وماله .
3. أن الدعوات كما الأمم تولد وتنشأ وليس بغريب أن تتعثر وتضعف، إذا تخلى الأصيل عن
مكانه و الناصح عن مقاله، وتسيّدَ الضعيف وتسنم موقعا ليس له بفاهم أو خبير، مما يحرّك
الأصلاء والنجباء أن يعودوا لمواقع المسؤولية الأدبية والأخلاقية تجاه الحركة كجزء من
الالتحام معها والذود عنها وتصحيح ما فسدَ فيها بفعل الظروف القاسية التي مرّت بها.4. أن الإصلاح قد يأتي من خارج الحركة وممن هو مشاهد لها، ولكن بغياب الرجل الميداني
الحر فيها الذي يسارع بالأخذ بهذا الإصلاح يبقى هذا الإصلاح محض تمنيات لا تأخذ من
التنفيذ مساحة ما، وهنا فالحاجة ماسة لهذا الميداني الخبير ذي الرأي والخبرة التي اكتسبها
بفعل التقادم والسبق وملازمة الميدان.
ومن هذه الاعتبارات ننطلق بالحديث عمّا ينبغي أن تكون عليه المجموعة القيادية الرائدة في
المرحلة القادمة لتكون المجموعة هذه تعرف ما الذي ينتظرها من أعمال من جهة، وكي تضحى
الصورة واضحة أمام القواعد العاملة كي تقوّم عمل هذه المجموعة وتحاسبها على وفق هذه
المعايير:
1. وضوح الهدف المبني على رؤية محددة ومنضبطة وهذا الوضوح يتأكد في حق هذه
المجموعة قبل القواعد التي ستنفّذها والمهام والخطط المرتبطة بها، ومعلوم أن زمن
الارتجال والخطط السريعة أو غير الواضحة هو نوع من تضييع الجهود والطاقات
والأوقات، والذي بدوره يسوّغ للعاملين السأم وعدم القناعة بهذه المجموعة ومن ثمة
التلكؤ في الاستماع إليها، والأخطر قد يحدث بالخروج عليها، وهنا ينبغي للمجموعة
العاملة أن تتوقف عن الحركة حالما تجد أن البوصلة غائبة أو أن الأهداف غير واضحة ،
فالمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، والتوقف والتدارك والسؤال أفضل ـ في كل المقاييس
ـ من حركة عشوائية لا هدف لها إلا إشغال العاملين.
2. التوقف كليا عن مرحلة العمل السري والبقاء خلف الكواليس بحجة ما تتعرض له من تهم
أو مقولات حاقدة، أو أوضاع أمنية مربكة، فهذه تراعى جميعها عند النزول إلى ميدان
العمل، ولكن الظهور برموز جيدة وإشعار القواعد بالحضور القيادي في ساحات ومرافق
الحياة يبعث فيهم الطمأنينة والرضا والثقة التي تقطع دابر التقوّلات والجيوب والنقد غير
الشرعي ومن هنا ينبغي لهذه المجموعة أن ترسم خطوط العمل التي ستشغلها وتوزّع
العاملين عليها وتتواجد معهم وتتعرض لمثل ما يتعرّضون له، وهذا هدي رسول الله صلىالله عليه و سلم بين أصحابه الذين قالوا: كنا إذا حمي الوطيس احتمينا برسول الله صلى
الله عليه و سلم.
3. إيلاء أهمية بالغة بالشورى التي تتأسس مع حزمة العبادات الأخرى التي جعلها الله قرينة
لاجتناب الفواحش والاستجابة لله وإقامة الصلاة. كما في سورة الشورى " الآيات
37/38" ومع ضرورة الاستماع للعاملين في الميدان ينبغي لهذه المجموعة أنْ لا تسلّم
زمام قراراتها في كل أمر للقواعد، فهذا دليل ضعف قد تنتقده القواعد مثلما تنتقد الانفراد
في القرارات ، والرسول صلى الله عليه و سلم على تأييد الوحي له عندما نزل إلى شورى
شباب الصحابة في معركة أحد كانت النتائج غير مسرِّة على أقل تقدير مع ما صاحبها من
خسائر، وللأستاذ الراشد في المسار تفصيل في ضبط ممارسة الشورى مراجعته ضرورية
فيه فوائد جد كبيرة.
4. من أجل أن تحقيق حضور لمثل هذه المجموعة، ينبغي للعاملين دفع مَنْ هو أهل للقيادة ،
والضابط الذي لا يختلف فيه اثنان هو الصالح المصلح الذي توفّرت فيه عناصر النجاح
بمستوياته كافة مثل :
 الايمان بالفكرة وفهم الأهداف الموصلة للرؤية المطلوبة وتمثلها في كل حالاته ،
الحماسة لها، فدون ذلك سيكون المتقدم لمثل هذه المهمة أنموذجا معرقلا للعمل
داعية للكسل واللامبالاة.
 اتصافه بوعي متنوع وشامل لمسارات العمل، ويقف من تنوعات العمل على مسافة
واحدة، وقادراً على استيعاب هذا التنوّع وتسخيره لخدمة مسارات العمل الأخرى ،
وحينئذ سيجد العاملون فيه ضالتهم ويستشعرون بوجوده دفء العلاقة الأخوية والثقة
التي سيهبونه إياها عن طيب نفس وقناعة عقل، وإن الخطر قد يلحق العمل إذا سادت
الحركة أحادية في الفهم والميول مما سيحكم عليها بالعرج أو العور إنْ لم نقل التخبطفي مرحلة لاحقة، مع مراعاة أن التركيز في مرحلة ما قد يكون لمسار ما، ولكن هذا
استثناء من القاعدة.
 ضرورة التوقف بين الحين والآخر للاستماع لما يحدث داخل الصفوف بأذن واعية
ومسرورة، وأن تأخذ ما تسمع من نقد أو ملاحظات على أحسن وجه ونية، وهذا مما
يعزز حالة الشفافية في الصفوف فالاستماع الآن سيدفع لغطا وترجيفا مستقبلا ،
والشمس تقتل الجراثيم، وصفنا الإسلامي يفترض أن يكون خير ممثل لحرية الرأي ما
دام قد اتخذَ صاحبُه سلوك الأدب والنصح الجميل.
 نزاهة ونظافة السلوك من التثقيف لأشخاص وتقديمهم للقيادة وفق إقطاعيات
ومؤسسات هو ممارسة غير إسلامية، وسلوك يستهين بعقول العاملين، وعلى المجموعة
الصالحة والمصلحة أن تفكر في مستقبل الأفراد السلوكي قبل أن تفكر في الحصول
على أصواتهم، وعليها أن تدعم ممارسة الأخ لرأيه وحقه في الاختيار، بعيدا عن رغبات
الاستيلاء على العمل وحيازة مواقع الصدارة، وارى أن هذه المجموعة عليها أن تتدرب
على التراجع عن الصدارة لا أن تتزاحم عليه، وإذا صدقت النية ونظفت النفوس فلا
خوف على مستقبل العمل، وبهذا يتحقق التوفيق والسداد أي ببركة الثقة والشعور
بالتقصير الذاتي، وليس بالرأي والعقل فقط.
 الأمانة على العمل وهي تستدعي تعليم العاملين وتوعيتهم أصول العمل وسلوك السير في
الحركة، فعلى المستوى الفكري : تأصيل الفهم الشامل للعمل، وتعريفهم بلوائح السير،
وحقوق وواجبات الأفراد، وكيفية اختيارهم لممثليهم في المراكز القيادية
والمؤسساتية، وتمكين الفكرة وقدسيتها وتقويم الأفراد وفقها، وعلى المستوى
السلوكي: تعريفهم بضوابط نقد القيادات،و التوفيق بين الطاعة الواعية وضرورة النصح
وعدم التستر على الأخطاء، واحترام وإنزال الأفراد منازلهم، وغيرها من أصول السير. القدرة على العطاء والتطور باستمرار،فالقيادة ليست ممارسة وخبرة متراكمة فحسب
بل هي اطلاع ووعي وقراءة، ولا يكفي الوعي والخبرة ما لم يتستند على تقوى وخوف
من الله، وفي التاريخ عبرة فهذا المأمون على ثقافته وعلمه وقدرته على قيادة الدولة
العباسية إلا أنه كان راعيا لفتنة الناس في مسألة خلق القرآن وما تبعها من إيذاء وتعذيب
لعلماء أجلاء منهم احمد بن حنبل رضي الله عنه.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا