أسعد سليمان
رئيس مركز بغداد للدراسات والاستشارات والاعلام
منذ اكثر من عام والاصوات المحذرة تتعالى عن كارثة المهاجرين الى اوربا , وازدادت هذه الاصوات خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة حتى صمت الاذان وشغلت صفحات وسائل الاعلام ومن ثم دخلنا في معمعة جديدة هي التحليل والتنظير.
قرأنا الكثير من التحليلات عن اسباب هذه المشكلة ودوافع المهاجرين وعما لاقوه في بلدانهم او في طريق هجرتهم , وقرأنا الكثير عن اسباب الاهتمام الاعلامي الكبير بها مع السكوت عن اسبابها.
قرأنا عن الفوارق بين تعامل الحكومات العربية والاسلامية وتعامل الغربيين حكومات وشعوبا,
قرأنا عن الفرق بين تعامل الغربيين انفسهم وتخوف البعض منهم من هذا المد الاسلامي الجديد
وقرأنا عن اراء علماء المسلمين في ذلك بين محرم ومجيز ,
قرأنا عن المبشرين بالفتح الاسلامي لاوربا من غير حروب وقرأنا عن ضياع شباب المسلمين في مجاهيل الغرب الفاسق الفاجر,
لكننا لم نجد الا القليل في هذه الكتابات عما مطلوب منا كمسلمين اتجاه هذه الالوف المهاجرة من ارضها الباحثة عن الحرية او رفاهية العيش او حتى تغيير نمط الحياة.
والحقيقة ان كل هذه المعلومات السابقة لها اهمية للعاملين في الساحة الاسلامية عموما والاوربية خصوصا للوصول الى منهجية التعامل مع ما يحصل والاستفادة منها في السيطرة على هذه الظاهرة وعدم تكرارها بهذه الصورة الماساوية وتجنب سلبياتها واستخدام الايجابي منها في خدمة العمل الاسلامي وخصوصا في اوربا ولكن السلبية هو في التركيز عليها وترك ما يترتب عليها من عمل وهو المنهج الطبيعي لمن يريد ان يصنع المستقبل .
وارى بداية ان الكلام عن التفاصيل الماضية قد بذل فيه اكثر مما يستحق من جهود وكتابات وتغطية اعلامية, وان التركز على جهود التعامل مع الواقع الحاصل هو الاولى والاجدى عمليا خصوصا وان الذي حصل في الغالب ليس لنا دور كبير في صناعته او ايجاده ولهذا فكثرة التحليل لن تنفعنا ونحن لسنا صناع احداث في بلداننا ولا اصحاب تاثير في سير دولها.
فما حصل نتيجة طبيعية لما زرعته دول التسلط والطغيان في ارضنا واحتضان حكام سوء لهذا الزرع وكان حصاده ملايين القتلى بين قتيل بالرصاص او بالغرق او التعذيب وملايين المهجرين في ديارهم او ديار الغرب.
اعود مرة اخرى الى ما اريد من هذه السطور وهو : ما هو المطلوب من الاسلاميين الان وقد حصل ما حصل واصبح الالاف من شباب المسلمين واطفالهم في ديار الغرب , والتي تختلف في كثير من قيمها الحياتية عن مجتمعاتنا الاسلامية او الشرقية .
بداية اريد ان احدد عدداً من المؤشرات العامة عن المهاجرين كي نستطيع تحديد الية التعامل معهم:
ان هؤلاء المهاجرين في غالبهم شباب بين 15-40 وهو عمر تفجر الطاقات سواء الجسدية او الفكرية وفي الغالب تتسم هذه الشريحة بعدم الاستقرار والثورة على رتابة الحياة التي عاشوها في بلدانهم وميلهم للتغير والتحرر.
ان اغلب المهاجرين هم من ثلاث دول سوريا , العراق , افغانستان وان نسبة الكرد بين هؤلاء ايضا ليست قليلة علما ان نسبة لا باس بها منهم شيعة عراقيون وسوريون وافغان وايرانيون.
ان اغلب هؤلاء المهاجرين غير ملتزمين دينيا وهم يعبرون عن طبيعة تركيبة مجتمعاتهم الحقيقية وعلى هذا فان موضوع الالتزام الديني في اوربا قد يكون اخر اهتماماتهم.
ان هؤلاء الشباب في الغالب لديهم موقف سلبي من الاحزاب والجماعات الاسلامية والتدين بصورة عامة بسبب تاثير الاعلام العلماني التوجه وكذلك بسبب سوء الاوضاع في بلدانهم والتي كان الاسلاميون جزءا رئيسيا في صناعتها وبالتالي هم يحملونهم مسؤلية ما وصل اليه الحال.
الاستقرار المعاشي والمادي والمتعة هما الهم الاكبر لاغلب هؤلاء المهاجرين.
من بين المهاجرين بعض الاسلاميين الذين كانو يعملون في بلدانهم ضمن تنظيمات وجماعات اسلامية اضطرتهم الظروف وعدم وجود من يحتضنهم بعد الذي جرى في بلدانهم وتقصير جماعاتهم في هجرتهم الى الغرب.
هذه بعض السمات العامة للمهاجرين الجدد احببت ذكرها كي تكون معينا في العمل معهم في المرحلة اللاحقة ولاختيار الاسلوب الامثل في التعامل معهم
وعلى هذا استطيع ان احدد مجموعة من النقاط التي قد تكون ذات فائدة للاستفادة منها في الجانب العملي وخصوصا للعاملين في اوربا لنخرج عن طريقة التحليل والقراءات العائمة لهذا الحدث
وقد يكون اول قاعدة يجب ان نعمل عليها وتكون امام جميع العاملين في الساحة والذين يتواصلون مع هؤلاء اللاجئين هو كسر الصورة النمطية في تفكيرهم عن الاسلام والاسلاميين والتي زرعها الاعلام المعادي من قسوة وشدة وتعصب وان تكون حقيقة الاسلام وانسانيته وتسامحه هي الصورة الاكبر التي يجب ان تترسخ في عقولهم وبهذا قد تتحول هذه الكتلة الكبيرة الى ميدان للدعوة والنشاط ومخزنا ضخما للعمل الاسلامي الدعوي مستقبلا.
قد تكون اشد الساعات حراجة للمهاجرين هي الايام الاولى لهم في مخيمات اللجوء او الطرق التي يسيرون فيها واظن ان البداية الاولى للعمل هو اشعار اللاجي ان له مشتركات مع إخوانه المهاجرين في اوربا و هم مستعدون لتقديم العون له والحضور لمساعدته ومواساته في مصيبته واظهار صورة الاسلام السمحة في التعامل معهم , وبامكان الجمعيات الاغاثية الاسلامية الاستفادة من الامكانات الحكومية في ذلك او المشاركة مع منظمات المجتمع المدني الاوربية وخصوصا انهم الاقدر على التواصل مع اللاجئين بسبب اللغة والثقافة وبدل ان يكال المديح للجمعيات لخيرية التبشيرية او المدنية يكون الاسلاميون هم شامة المجتمع الغربي امام هؤلاء المهاجرين.
اما ما الذي يقدموه فهو كثير بداية من الترجمة لمن يحتاج والدلالة ومساعدة المرضى الى تقديم المساعدات العينية واظن ان المسلمين في اوربا هم الاقدر على تقدير الأهم فالمهم.
والحقيقة انه مع كثرة متابعتي لاخبار واوضاع اللاجئين الا أني لم أجد تغطية حقيقية لما تقوم به هذه الجمعيات إلا اخبارا متناثرة هنا وهناك وبالتالي اصبح كل الفضل ينسب لغيرهم مع انهم قد يكونون شركاء فيه او صناعاً له.
اما الامر الثاني العاجل والواجب التعامل معه فهو الايتام والمفقودين من اطفال اللاجئين والذين في الغالب سيوكلون الى ملاجيء ايتام او منظمات تبشيرية لاعالتهم او تبنيهم من قبل عوائل اوربية نصرانية او لا دينية .
واظن ان المجامع الفقهية مطالبة باخذ موقف في هذا الامر, وخصوصا في موضوع التبني ونسبة الاولاد للاباء الجدد او العوائل المتبنية, و خصوصا اذا صح الخبر الذي يقول ان الدول الاوربية تطالب بنسبة الاولاد المتبنين الى العوائل الجديدة في الوثائق الرسمية وما يشكله ذلك من حرج شرعي عند البعض , وبالنتيجة احجامهم عن التبني وبالتالي ضياع اطفال المسلمين .
وقد يتبع ذلك عمليا التثقيف بالقوانين والنظم الاوربية التي قد تحرم الوالدين من حضانة الاولاد مثل استخدام القسوة او عدم الاهتمام والتي تكون نتائجها قرارات التفريق بين الاولاد والوالد وبالتالي ضياع الجيل الجديد من اطفال المسلمين.
ان وجود شباب كانت لهم معرفة أو اتصال بعمل الجماعات الاسلامية يعني بالنتيجة ضياعهم في لجة المجتمع الاوربي ولهذا فمن اولويات هذه الجماعات استمرار التواصل معهم و ربطهم بالمراكز الاسلامية والجمعيات العاملة في اوربا خصوصا مع ما قد تولده الغربة من حالات تطرف كرد فعل على اختلاف البيئة وامكانية احتضان هذه النماذج من الجماعات الشاذة المتشددة.
من ناحية ثانية من الممكن الاستفادة من هذه الطاقات الشابة في كثير من اعمال هذه المؤسسات الاسلامية سواء في موضوع اللاجئين او في تنشيط اعمالها الدعوية والاغاثية الاخرى
إن الموقف العام لكثير من المهاجرين تجاه كل ما هو اسلامي بسبب الخلفية التي يحملونها من بلدانهم يجعل الخطاب الموجه لهم له خصوصية تختلف عن الخطاب الدعوي العادي , ويجب ان يتميز بجرعات انسانية كبيرة مع البعد عن اي خطاب ديني تقليدي والا فانه سيولد نفرة وجفوة قد تمنع من التواصل معهم مستقبلا.
من الملاحظات القديمة عن المهاجرين هو انفلات العلاقات الاسرية بعد الاستقرار وكثرة الطلاق واستقلال المراة , وبالنتيجة ضياع هذه الاسر وخصوصا ان القوانين الغربية تعطي الحقوق في الحضانة والاشراف على الاطفال ولهذا فان الاهتمام بالعلاقة مع العنصر النسوي يجب ان تكون اكبر بكثير من تلك الموجهة نحو الرجال لانهن بالنتيجة هن المحافظات على كيان الاسرة والتزامها, وهذا يتطلب التخطيط والعمل على تجنيد عدد كبير من العاملات في هذا المجال وتدريبهم في دورات خاصة للتعامل والدعوة والعمل على استمرار التواصل مع الذين تتم مساعدتهم في مراحل لجوئهم الاولى.
تكوين قاعدة معلومات خاصة باللاجئين والاستفادة من الاحصاءات الحكومية واضافة معلومات خاصة بهذه الجمعيات والاستفادة منها من جميع المؤسسات الدعوية والاغاثية.
من الواضح ان هناك بلدانا بعينها اصبحت هي المراكز الاكبر للاجئين (المانيا , السويد , النمسا , فلندا) وهذا يعني ان تعمل المنظمات والجمعيات والمؤسسات الاسلامية الى اعادة ترتيب اوضاعها وتوزيع نشاطها وتركيز اعمالها في هذه الدول وان يتم توجيه الدعم المادي والمعنوي لها.
على الرغم من الحصار الشديد على عمل الجمعيات الخيرية الاسلامية في الدول العربية وخصوصا الخليجية منها الا أن موضوع اللاجئين قد يكون من الامور التي يمكن الاستفادة منه ,والعمل بصورة رسمية في الدعم الاغاثي للاجئين المسلمين في اوربا خصوصا مع التغطية الاعلامية لهذا الحدث وذلك من خلال التعامل مع المؤسسات الاوربية , وقد تكون هذه احد الوسائل لتحسين صورة هذه الجمعيات سواء في بلدانها او في المجتمع الاوربي من خلال ما تقدمه من خدمة مجتمعية , هذا بالاضافة الى استخدام الهالة الاعلامية لموضوع اللاجئين والدعم الدولي لهم في الحركة والجمع المالي واعادة الظهور امام الجمهور من جديد والخروج من الحصار المفروض عليها
قد تكون النسبة العددية للمهاجرين الى عدد السكان في اوربا محدودة وبسيطة ولكن بحساب النسبة العمرية لهم الى اقرانهم الاوربيين فهي نسبة لا باس بها , فاذا اضفنا اليها الاندفاع الذي يحمله اللاجئ للعمل واثبات الوجود فانني اتوقع ان يكون يكون تاثير هذه المجموعة في السنوات العشرين القادمة كبيرا في المجتمع الاوربي اذا احسن احتضانها وتنظيمها , وعلى هذا فان الاهتمام بهذه الموجة من المهاجرين والعمل على صناعة لوبي متماسك من الاهمية بمكان , والتخطيط لهذا الامر وتنفيذه يجب ان يبدا منذ الان.
الاولوية في العمل الاسلامي في المرحلة المقبلة هو الحفاظ على الترابط بين المسلمين بغض النظر عن مقدار الالتزام الديني , وهذا الامرمطلوب في هذه المرحلة خصوصا مع وجود الشباب وجوعهم للامتلاء من المتع التي حرموا منها , وبالتالي عدم التزامهم الشرعي والذي سينتهي بعد فترة زمنية لن تطول ومن ثم سيبحثون عمن يحفظ لهم اخلاقهم وعوائلهم , ولهذا قد يكون انشاء الروابط المحلية القطرية لكل بلد او مدينة من الاهمية بمكان للحفاظ على هذه الروابط الثقافية مع العمل على ان لا تخرج هذه الروابط في توجهاتها النهائية عن الاهداف التي رسمت لها.
العمل على اعداد الكفاءات والقيادات الميدانية وتهيئتها لادارة العمل مستقبلا سواء في ارض المهجر او لاعادتها الى الوطن يجب ان يكون من اهم المحاور التي يعمل عليها اسلاميو المهجر, واظن ان التجربة التركية في هذا المجال تستحق الدراسة والاقتداء.
ان من اكبر المطبات التي يقع فيها العاملون في هذه المرحلة هو التوجه نحو التنظير والنقاش والابتعاد عن العمل والتنفيذ خصوصا مع كثرة الاختلاف وتعقد الاوضاع في البلدان الاسلامية وتداخل الاراء والافكار وبالتالي فالدخول في هذا الامر يعني دخولا في متاهة لا تنتهي الا بهلاك اصحابها.
وقد تكون هذه الملاحظات مجرد خطوط عامة للعمل في موضوع اللاجئين وخروجا عن الطرح التقليدي في الكلام بالموضوع , وهي وان لم تقدم الكثير الا انها محاولة لتحريك الراكد في هذا الامر وطريقة التعامل معه
اسعد سليمان.