استراتيجية التغيير السريع والتغيير البطيء في المرحلة القادمة


د. أنس حميد
كاتب وباحث


قد تختلف وجهات النظر بين الدعاة والمصلحين في استراتيجية العمل الدعوي في المرحلة القادمة في العراق وكيفية إحداث صحوة إسلامية جديدة كالتي حدثت في مطلع الثمانينيات إلى عام 2003 أي بعد الاحتلال  الأمريكي للعراق بالرغم مما أعقب ذلك من تراجع في العمل الإسلامي الدعوي والتربوي بشكل عام.
فنحن اليوم دخلنا فيما يشبه التيه الذي دخله بنو إسرائيل، فمن البديهي أن يتلمّس الجميع سبل الخلاص والخروج من هذا التيه المظلم.
ومن الطبيعي أن تختلف بينهم  التوجهات والرؤى وتختلف أيضاً الاستراتيجيات المتبعة في ذلك.
فنحن أمام خيارين استراتيجيين في العمل الدعوي قد لا يكون هناك ثالث لهما.
أولاً  : استراتيجية التغيير السريع.
ونعني بها العمل الجماهيري والانتشار الواسع في المجتمع من خلال المنظمات والروابط والنقابات  الجماهيرية و الشبابية والطلابية و العشائرية ، فضلا عن العمل المسجدي والدعوة الجوالة، يضاف إليها الدعوة   عبر وسائل الإعلام المختلفة من الانترنيت والفضائيات والاذاعات والنشرات والمجلات الدعوية وغيرها (وهو ما يسمى بالدعوة العامة) المبني على الفكرة الإسلامية  البسيطة غير المركبة والتي تهدف إلى صناعة مزاج عام متدين ولو بأبسط صور التدين.
ولهذه الاستراتيجية ايجابيات وسلبيات .
فمن أهم هذه الإيجابيات السرعة في نشر الفكرة الإسلامية عن طريق الحملات الدعوية المكثفة والرسائل المركزة التي توصلها تلك الحملات الدعوية  فهي تركز على تغيير القناعات العقلية أكثر من التركيز على الأعمال القلبية والتدين العميق التي تبنى عليه استراتيجية التغير البطيء.
ومن أهم  سلبيات هذه الاستراتيجية أن هذا التيار الشعبي العام المتدين لا يمكن التعويل عليه في المشاريع الكبرى وقد لا يناصرك عند  حلول الأزمات والفتن ، وهذا الشيء لا يكون سلبيا إلا عند الجماعات الإسلامية التي تفكر بعقلية التنظيم وحشد الأنصار إلى مشروعها الذي تهدف إلى تمكينه في الأرض والذي يقتضي بالضرورة الدخول في صراعات وخلافات مع حكومات الدول التي تعمل بها أو بين الجماعات والأحزاب السياسية الأخرى التي تخالفها في المنهج والتوجه.
 فإذا تجاوزنا فكرة التنظيم والتمكين لمشروع التنظيم -على الأقل في المرحلة القادمة- فإن هذا الأمر لا يعد سلبية من السلبيات في العمل الجماهري العام.

ثانياً : استراتيجية التغيير البطيء.
وترتكز هذه الاستراتيجية على فكرة اختيار الرواحل وبناء الركائز المؤثرة ثم بثها في المجتمع .
والسمة البارزة في هذه الاستراتيجية هي سمة النفس الطويل في التربية  والتنظيم وإعداد الرواحل.
فمن ايجابيات هذه الاستراتيجية ما يمكن تأسيسه من البناء الصلب والتدين العميق وصناعة الشخصية الإسلامية الصحيحة والتي يمكن الاعتماد عليها في المشاريع الكبرى والتي  تقف معك وتناصرك عند  حلول الفتن والمحن .
أما سلبياتها فهي تكمن في المدة الطويلة التي تستغرقها -فترة إعداد وبناء تلك الرواحل- فضلا عن قلة أعدادهم  بطبيعة الحال، فقد لا تخرج من ألف شخص راحلة واحدة تعمل معك ، خاصة في زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن والشهوات و قل فيه المؤمنون ، حيث ضعف الإيمان كثيراً في قلوب الناس  وكثر فيهم الظالم لنفسه والمقتصد وعز السابق بالخيرات.
 وهنا يأتي السؤال:
 بأي الاستراتيجيتين نعمل وأيهما يلائم المرحلة القادمة  ؟؟.
فأظن ولا أجزم أنَّ تَبَنِّي استراتيجية التغيير البطيء هي الملائمة على الأقل في  العشر سنوات القادمة وذلك بسب الوضع الاستثنائي غير المستقر في العراق عموماً وفي  محافظاتنا السنية على وجه الخصوص، فالعمل الجماهيري والانتشار الواسع في المجتمع يحتاج إلى استقرار وظروف آمنة للدعاة والدعوة معا على العكس من العمل التربوي وبناء الركائز فهو مبني على التخفي والعمل السري الهادئ.
إضافة إلى ذلك فإن العمل باستراتيجية الانتشار الجماهيري الواسع من خلال المنظمات والروابط والنقابات الجماهيرية يحتاج إلى أعداد كبيرة من العاملين والدعاة وهذا ما نفقده نحن اليوم فقد استهلكت الدعوة أكثر العاملين في فترة ما بعد الإحتلال الأمريكي ولم يبق إلا النزر القليل منهم على ضعف فيهم.
وهذا الذي ذكرناه لا يعني ترك العمل الجماهيري بالكلية وإنما يعني أن نركز ثلاثة أرباع طاقاتنا وامكانياتنا على التربية والإعداد والباقي يصرف للدعوة العامة.
ولعله إذا اجتهدنا وأجدنا العمل بهذه الاستراتيجية واستطعنا بناء بضعة آلاف من الرواحل في العشر سنوات  القادمة يمكن لنا عندئذ العمل  باستراتيجية الانتشار الجماهيري  الواسع في المجتمع مع المحافظة على العمل باستراتيجية إعداد الرواحل .

فكل مرحلة لها ظروفها التي تفرض علينا طبيعة ونوع العمل الذي نتبناه بما يلائم تلك المرحلة.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا