ما أكثر الفقه وأقل الفقهاء!


د. هيثم عبد السلام
باحث وكاتب


  يسود اعتقاد لدى الدارسين والباحثين ان الفقه ما عاد فيه جديد وانه تكرار لاقوال من سبق وترديد لاراء الفقهاء المعروفة وقد بلغت هذه القناعات الى المختصين بهذا الشان فهم يرددون لا جديد تحت الشمس او كل ما يقال  او يكتب هو موجود في بطون الكتب القديمة ، واصبح الوصول اليها ميسورا من خلال التقنية الحديثة ، ولعل من اسباب قبول هذا الراي هو ما يطرحه اساتذة وطلبة الدراسات العليا في هذا الاختصاص فالغالب الاعم تكرار في العرض من دون لمسات عصرية جديدة ، وبعد شديد عن مشاكل الواقع المعاصرة ، أو طرق للمواضيع  الصعبة والشائكة.
وربما للمحيط  الذي نعيش فيه دور كبير في هذا الانحسار فالمواضيع السياسية تشكل هاجسا وخوفا للباحث ، والمواضيع التي تتعلق بعامة الناس والمجتمع تسبب ردة فعل عنيفة ، والكلام عن بعض الاخطاء ربما تثير حفيظة تلك الجهة او الفئة وهكذا ، فهناك كم كبير من الخطوط الحمر تجعل الباحث والكاتب في وضع صعب ، لذلك تجده  محصورا في زاوية ضيقة ما عاد يجد لها مخرجا منها وافضل شيء له هو ان يبتعد ويسلم على نفسه فليجأ الى عرض المواضيع المطروقة والمكررة او التحقيق لمخطوطة حتى  ولو لم تكن لها قيمة علمية ، كما ان المشكلة الاكبر ان الفقه ما عاد يتغلغل في جميع مفاصل الحياة حتى تحرص الناس على متابعته والبحث عن كل ماهو جديد فهو محصور في اطار الدارسين والمهتمين به مع تعلقه ببعض الاحكام التعبدية كالصلاة والصيام والحج ... فهو اقرب مايكون الى روايات تاريخية  عن اقوال الائمة ، ضاعت روح الفقه  ومقاصده وعلله  واستنباطاته في لجة الحياة  المعاصرة .
     وقد اشتهر على ألسن المتقدمين " ان العلوم ثلاثة : علم نضج وما احترق: وهو علم النحو وعلم الاصول ، وعلم لا نضج ولا احترق: وهو علم البيان والتفسير ، وعلم نضج واحترق: وهو علم الفقه والحديث " . واكبر الظن ان هذا الكلام قيل بعد غلق باب الاجتهاد مما جعل علم الفقه من العلوم التي لايرجى فيها الاتيان بجديد بل مجرد حسن العرض وجمال الترتيب.  ففكرة الفقه لم يعد فيه جديد تمتد لقرون خلت .
     ولكننا اليوم ننام ونصحو على علم جديد وفن فريد وقول لا يعرف وجه الحق والباطل منه ، والعلوم توسعت وتشعبت من سياسية واقتصادية وتجارية وادارية ونفسية وقانونية ... كلها ميادين تلقي بعشرات الاراء والنظريات تحتاج الى بيان حكم الشارع فيها ، ولاينهض ببيانها ومعرفة مراميها الا اصحاب الفهم العميق والدقيق " ارباب الفقه " .

     ما اكثر الفقه في زماننا وكلما تتوسع الحياة ويسرع ايقاعها ستزداد حاجة الناس الى الفقه والفقهاء لمعرفة حكم الشارع فيها ، ولكن المشكلة كل المشكلة في الفقهاء ، وقصور اعدادهم مما يجعلهم يدورون في فلك واحد لا يخرجون عنه ويحسبون ان زمان الفقه أفل وانتهى .

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا