الحركة الإسلامية والجرعات الزائدة


د سعد الكببيسي
أكاديمي وباحث

لقد اتخذت الحركة اﻻسﻻمية قرارات تاريخية ومفصلية في العقود الأخيرة كثمرة لما يمكن ان نسميه التحفيز الهائل
والجرعات الزائدة من اﻻمل بالنصر وتحقيق اﻻهداف

ان مصدر هذه الجرعات من التحفيز أمران

اﻻول
بعض المفاهيم اﻻيمانية والتربوية المطلقة عن قيود الفقه والتي تقول بان الله تعالى ناصر المؤمنين ومجيب الدعاء ومع الصابرين
ورجوع الخﻻفة وانتصار اﻻسﻻم

الثاني
بعض المفاهيم التنموية المطلقة من اي قيود والتفات للظروف من مثل ايقظ العمﻻق الذي في داخلك وﻻ مستحيل في الحياة وﻻ يوجد فشل وانما تجارب وخبرات وغيرها مما انتشر في السنوات العشر اﻻخيرة

اما المصدر اﻻول فيغفل بعضنا افرادا وجماعات ان التحفيز من خﻻل المفاهيم اﻻيمانية والتربوية ﻻ بد ان يضبط بالفقه في الدين واﻻ اصبح مغامرة!!!
ان علينا ان ناخذ بالكتاب كله وﻻ نفصل هذه المفاهيم عن اخواتها من اﻻعداد واﻻخذ باﻻسباب وبذل الوسع ﻻقصى حد

كان ممكنا ان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكة على قريش ولما تحمل ما تحمل في البحث عن مكان جديد واناس جدد

ولما كان يوم بدر ان يبذل الجهد اﻻكبر في اﻻعداد ثم بعده يرفع يده داعيا اللهم ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد في اﻻرض!!!!

ولكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلنها حربا على قريش في مكة متسلحا باﻻيمان ووعد الله بالنصر ولما انتظر الى ان هاحر للمدينة

ان السجدة الخاشعة ودموع الدعاء الحارة هي اللمسة اﻻخيرة للعمل الجاد والدؤوب حيث الدنيا ربطت اسبابها بالعمل وبذل الجهد وكﻻهما العمل والدعاء هما جناحان للعبادة لكنهما صورتان مختلفتان
ولا ينافي ذلك طبعا الدعاء والتوكل قبل وأثناء العمل

ان التحفيز خطر وخطر جدا ما لم يضبط بالفقه في الدين ونعني فيه الفقه بمعناه الشامل السياسي والنفسي واﻻجتماعي واﻻقتصادي لنتعامل مع قوانين الحياة التي وضعها الله تعالى فيها ونفهم الواقع كما هو ﻻ كما نتمناه

ان الله يسخر لنا اﻻسباب وييسرها لكنه ﻻ يخرقها لنا بحال من اﻻحوال واﻻ لما كانت اسبابا وسننا ﻻ تجد لها تبديﻻ وﻻ تحويﻻ
اما الكرامات والتيسيرات فهي استثناء فلا يبنى عليها حكم ولا تقصد بحد ذاتها بل يهبها الله لمن يشاء وقتما يشاء ولا يربط بها العمل والاجتهاد ولا خطواته المفترضة

ان خطورة التحفيز تكون في القفز فوق السنن مثل سنة التدرج وغيرها واستعجال النتائج ليحصل التشكك في دعاءنا وعبادتنا ومنهجنا حال عدم تحقق ما نريد وقد يحصل التسخط عند من ضعف ايمانه وقلت تربيته

اما المصدر الثاني فان خطورة التحفيز في المفاهيم التنموية المطلقة وغير المقيدة والتي طغت ربما على كثير من ابناء الحركة اﻻسﻻمية وغيرهم انه يعتقد انه يمكن القفز فوق الظروف واننا نحن الذين نصنع الظروف والمشكلة فينا نحن ﻻ في الظروف وغيره مما يتكلم به اهل التنمية دون قيود او ضوابط !!!!!

لقد غفلنا ان هناك اوضاعا راسخة ﻻ يمكن تجاهلها او تغييرها بامنية او حلم او تحفيز موهوم

ان هذه المفاهيم تقول لي باستطاعة الصومال مثﻻ ان يصنع طائرة لو اراد !!!!

وان صاحب الجسم البدين باستطاعته ان يفوز في الماراثون اذا وجد الحلم !!!!

وكل هذا صحيح لكن على الصومال ان يكون بلدا ناهضا سياسيا واقتصاديا واخﻻقيا قبل ان يفكر بصنع طائرة

وعلى البدين ان يفوز بسباق الرشاقة قبل ان يفوز في سباق الماراثون

ان التنمية تقول ان الفقير البائس في غابات افريقيا باستطاعته ان يكون استاذا في جامعة هارفارد اﻻمريكية لو توافرت العزيمة متجاهلة انه ربما يكون لم يسمع او ما قال له احد ان هناك بلدا اسمه امريكا أصلا!!!!!

لقد قال لي احد اﻻصدقاء لو كان فﻻن موجودا على قيد الحياة لما اصبح حالنا غير ما نحن عليه اﻻن قلت له وما ادراك؟

 ان الظروف التي اعجزت الحاضرين ستعجزه ايضا لو كان موجودا

يظن البعض ان شخصية كمهاتير او اردوغان لو حكم واحدا من بلداننا العربية فانه سينجح
وهذا من اسوء الظنون
 حيث عوامل الضغط ذاتها واسباب الفشل ذاتها والبيئة ذاتها والتحديات ذاتها!!!!!

ذو القرنين ملك العالم واوتي من كل شيء سببا لكنه يقول فاعينوني بقوة ولو لم يعينوه لما استطاع ان يعمل شيئا

في جرعات التحفيز الزائدة مخاطر عدة ابرزها:

اﻻحباط

العيش في الوهم

الرجوع بعد الفشل لمواقع قد ﻻ يمكن التقدم بعدها

قرارات غير مدروسة

تجاوز السنن والقوانين الربانية

التشكك في صﻻحية المنهج

ان التحفيز ياتي كالطوفان الهادر ودور الفقه ان يوجهه لقنوات التصريف الصحيحة واﻻ اغرق الحرث والنسل

ان تغيير الواقع خاضع لجملة من العوامل الغﻻبة التي تفرض شروطها مهما وجد المخلصون والموهوبون

ان هناك دورات تاريخية لﻻمم والشعوب والدول والجماعات تفعل فعلها صعودا وهبوطا وما علينا اﻻ فهمها والتعامل معها

ليس المطلوب اﻻستسﻻم لهذا الواقع وﻻ التعامل معه برومانسية حالمة وكﻻهما تطرف مذموم

ان قوله سبحانه ﻻ يكلف الله نفسا اﻻ وسعها منهج لﻻفراد والجماعات

اما كيف يعرف الوسع ؟
 فهو ببساطة في:
 معرفة اﻻمكانات وتحديد مواقع التغيير المستطاع من الواقع بعد معرفته ودراسته

ليس المقصد اﻻستسﻻم للواقع واﻻ كان تصرفا مقابﻻ للتطرف في التحفيز حيث ديننا دين الوسطية والتكامل في كل شيء

ليس هدف المقال التقليل من أهمية المفاهيم التربوية والتنموية بل الهدف جعلها في سياقها الصحيح وخشية الافراط او التفريط فيها

اننا ﻻ نستطيع العيش من غير تحفيز وما حسن الظن بالله تعالى والدعاء والتوكل واليقين بوعده والتخطيط والطموح اﻻ تحفيز في اعلى درجاته لكن قبوله بشرطين:
1_ ان ﻻ يعزل عما يﻻزمه من مقومات نجاحه .

2_ان ﻻ يزيد عن حده ويوضع في غير موضعه.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا