المشروع الايراني في المنطقة العربية الجذور والامكانات


المشروع الايراني في المنطقة العربية
الجذور والامكانات  
محمد العراقي
كاتب وباحث
 الجذور
ايران ليست دولة حديثة كبعض الدول ولا بالصغير ولا بالفقيرة، ايران تمتد في التاريخ عميقا ففي يوم ما كانت تتشاطر العالم مع الروم ولها حضارة وقوة وسلطان.
ولهذا فحلم وامنيات اعادة ذلك السلطان والمجد والعز والتغني والزهو به غاية الغايات ذلك السلطان الذي سلبه الاسلام منها لا يفارق اذهان حكام ايران منذ العهد الصفوي – وقبل العهد الصفوي- والى اليوم.
ومن أجل ذلك فقد خاضت ايران - ولا تزال - حروباً وصراعات عديدة منها ما كان ضد الدولة العثمانية - الدولة التي كانت تُمثِّل بشكل واخر دولة أهل السنة والجماعة دولة الخلافة الإسلامية -، ولاقت ايران دعما في حروبها ضد الدولة العثمانية من الصليبيين الذين كانوا يبحثون عمن يؤازرهم في التصدي لمشروع الدولة العثمانية في نشر الاسلام السني في ربوع أوربا وكانوا قاب قوسين او ادنى من تحقيق ذلك لولا تدخل الدولة الصفوية التي كانت كالمنقذ للصليبيين؛ فتوقف الزحف العثماني تجاه أوربا او تلكأ.
وقام الصلبييون من خلال الحكومة البريطانية بتزويد الحكومة الصفوية بما تحتاجه لتكوين جيش نظامي وإنشاء مصنع للسلاح في مدينة أصفهان عاصمة الدولة الصفوية في عهد الشاه عباس الأول (حكم من 989 هـ - 1038هـ) واوكلت بريطانيا قيادة ذلك العمل للأخوين (أنتوني شرلي ورابرت شرلي) ووضعت تحت قيادتهم خمسا وعشرين ضابطاً من الجيش البريطاني؛ لتنظيم العلاقات والتعاون بين الدولة الصفوية والدول الأوروبية؛ لمحاربة الدولة العثمانية!
واستمر هذا التعاون بين الدولة الصفوية وما اعقبها من دول ايرانية كالدولة الأفشارية، القاجارية، والبهلوية وبين الغرب الصليبي، وشهد عهد الحكم البهلوي (1926م - 1979م) تعاونا كبيرا؛ فقد اصبحت إيران قاعدة غربية في المنطقة، وأضحت مصدر خطر وتهديد وارهاب للدول المجاورة لها خاصة وللمنطقة عامة.
ولهذا لم تبخل الدول الاستعمارية فأجزلت لإيران العطاء لدورها في مساندة المشروع الغربي في حربه ضد الدول العربية والاسلامية؛ فقد وهبت ايران إمارة الأحواز العربية، واعطت الضوء الاخضر باحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى) و (الصغرى) و (أبو موسى)؛ ولتجعل منها شرطيا في المنطقة يقوم بحماية المصالح والاهداف الغربية.
وهذا مثال؛ فعندما اعلن الكيان الصهيوني عن مشروعه في ارض فلسطين وقيام دولته فيها اعترفت إيران بهذا الكيان الغاصب وسجلت حضورا مبكرا فعدت في أوائل الدول التي قدمت طاقات ورود التهنئة وَمدَّته بالنفط والغاز، وسمحت لليهود الإيرانيين بالهجرة إلى ارض فلسطين؛ لتقديم الخبرات والتطوع في جيش الاحتلال.
ولهذا لم نشهد في ايران ظهور أي حركة احتجاج من الحوزة الدينية الشيعية ولا من المنظومة السياسية الرسمية وغير الرسمية لوجود هذا الكيان الصهيوني اللقيط على أرض فلسطين؛ فكان السكوت هو الموقف الرسمي للحوزة في قم فلا تنديد ولا استنكار ولا مظاهرات ولا فتاوى تستنفر الناس للجهاد ولا دعم مادي ولا معنوي للفلسطينيين.
وايران لا تزال الى اليوم تخوض معاركها لأجل ان تحقق هدفها في بسط النفوذ واعادة المجد الفارسي الضائع وانى لها ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده).
 الامكانات
اولا: جغرافية ايران
تتسم ايران برقعة جغرافية لها اهمية بالغة في العالم الاسلامي والعالمي والجوار العربي خاصة، كما ان رقعة ايران الجغرافية تتسم بالحيوية فهي ارض مفتوحة على البحار، فإيران تشترك في حدودها مع بلدان عدة هي: من الشرق تركمانستان وأفغانستان وباكستان، ومن الغرب العراق، ومن الشمال أرمينيا وأذربيجان وتركيا. كما انها تطل على بحر قزوين من الشمال، وتشترك مع دول الخليج بالخليج العربي من جهة الغرب - وتسميه (الخليج الفارسي) - وقسم كبير من خليج عمان، وتطل على بحر العرب من اقصى الجنوب.
هذه الجغرافية جعلت منها دولة ذات أهمية بالغة في السياسة الدولية، فهي تسيطر على مضيق هرمز ودائمة التهديد بقطعه وغلقه، وهو ما يؤثر على الاقتصاد العالمي فالممر الرئيسي للنفط المصدر من دول الخليج يمر بهذا المضيق.

ثانيا:  السكان واللغة
يبلغ التعداد السكاني للإيرانيين قرابة الثمانين مليون، والشعب الايراني يتكون من قوميات متعددة هي: الفرس والاتراك (الاذريين والتركمان) والأكراد والعرب والبلوش والديلم وهم بالأصل من الفرس والمازندرانيون وهم من الفرس ايضا.
في ايران لغات متعددة الفارسية والتركية والكردية والعربية، الا ان ايران تتخذ من اللغة الفارسية لغة رسمية لها. وتسعى جاهدة لمنع أي لغة اخرى وخاصة العربية، ولهذا سعت منذ اكثر من ثمانين سنة لمنع العرب الاحوازيين من التعلم بلغتهم الام والتحدث بها وفرض الفارسية عليهم بشكل قسري.

ثالثا التركيبة الدينية
اما التركيبة الدينية فايران بلد فتح في عهد الخلفاء الراشدين ودخله الاسلام واعتنقه اهل تلك الديار واصبحوا من أهل السنة والجماعة وظهر منهم كبار الائمة والعلماء، الا ان بقايا الفرس عملوا منذ ذلك اليوم على اعادة الامجاد الفارسية فسعوا لبث الفتن وقامت لهم دول منها الدولة الصفوية التي حولت ايران البلد السني الحنفي الشافعي الى بلد للرفض والتشيع، وتسعى ايران لتشييع أهل السنة بالكامل داخل ايران وعملها قائم على قدم وساق الى يومنا هذا.
الا ان لأهل السنة وجوداً لا يستهان به فهم يشكلون أكثر من عشرين بالمئة، فالترك والكرد والبلوش واغلب العرب من أهل السنة والجماعة، وكذلك هناك سنة من الفرس انفسهم.
كما يوجد يهود ونصارى ومجوس اتباع الديانة المجوسية الزرادشتية وهم اقلية في المجتمع الايراني.
  
رابعا:الشيعة غير الايرانيين:
ولايران عمق في بعض الدول من خلال التواجد الشيعي مثل العراق ولبنان والبحرين واقلية في الكويت والسعودية واليمن وفي افغانستان وباكستان والهند وغيرها من الدول.
وتستخدم ايران هؤلاء كمجندين ومرتزقة لمشروعها الطائفي التوسعي. 

خامسا: الموارد الاقتصادية:
تتمتع ايران بموارد اقتصادية كبرى فاقتصاد إيران هو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط والتاسع والعشرون في العالم بحجم 337.9 مليار دولار لسنة(2010) ويعتمد بصفة أساسية على الصادرات من النفط والغاز الطبيعي حيث شكل نسبة 70% من عائدات الحكومة في عام2008.
ولدى إيران قطاع عام قوي حيث يشكل نسبة 60% من الاقتصاد ويدار بطريقة مباشرة ومخطط مركزياً عن طريق الدولة.
ويتميز الاقتصاد الإيراني بعدد كبير من المؤسسات الدينية، والتي لو جمعت ميزانياتها لشكلت نصف الحكومة المركزية.
كما ان اقتصادها الزراعي قد غزى العراق ومنطقة الخليج وكذلك صناعة السيارات فقد انتشرت منتجاتها في كل من سوريا والعراق، بأرقام كبيرة جدا رغم ضعف المتانة والمواصفات.
يصف الايرانيون اقتصادهم
• الرابع في العالم في انتاج النفط.
• الثاني في العالم في مصادر الغاز.
• نال الدرجة العاشرة في صناعة السياحة والدرجة الخامسة في السياحة البيئية.
• أكبر وأكثر حجم للصناعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
• الدرجة الرابعة حتى العاشرة في العالم في إنتاج الزنك والكوبالت.
• نال الدرجة الأعلى في العالم في مصادر الألمنيوم والمنغنيز والنحاس.
• الدرجة الرابعة في العالم من ناحية تنوع منتجات المحاصيل الزراعية.

سادسا: العمق الحضاري والارث التاريخي:
لا يخفى على احد ان ايران تشكل قبل الاسلام احدى الامبراطوريتين الكبيرتين، امبراطورية الروم وفارس، فهي دولة من الدول الحضارية الكبرى ولها تاريخ تعتز به وتفتخر وتنظر اليه بإعجاب وحسرة وتسعى لإعادته فقد كانت تحكم العراق واليمن وعمان والبحرين، وكانت تحتقر العرب وتزدريهم وتستخدمهم كعبيد.
ومدينة المدائن وطاق كسرى غرب بغداد شاهد على ذلك فمن هذا المكان حكمت العراق وادارة باقي الامبراطورية الفارسية لقرون.
ولايران مواقع تاريخية تصف تعاقب عدد من الحضارات على مر الزمن، ولها ستة عشر موقعاً مصنفا من اليونسكو على أنه إرث تاريخي عالمي على غرار باسرغاد وبرسبوليس وتحتويان على أثار مدن قديمة. فضلا عن مدينتي الري وشوشان التاريخيتين. وتحتوي هذه الأخيرة، على العديد من الأثار كجامع النبي دانيال وزقورة چغازنبيل وقصر داريوس الأول.
       وايران لا تستطيع ان تنسى كل هذا بل هي تسعى لأجل احيائه وتذكر به ابناءها ليل نهار به، فتجد في المناهج الدراسية احتقار وازدراء للعراب ليس له مثيل ومن زار ايران وتعامل مع عامة الناس يدرك طبيعة النظرة الايرانية للمواطن العربي الذي يعتبرونه معتدي عليهم وكاسر لدولتهم.




العراق بين ضغط الأممية التوسعية وأمل العودة إلى الوطن المتصالح


بقلم عمار وجيه
سياسي وباحث

هـبوا ضحايا الاضطهاد....ضحايـا جوع الاضطـرار
بـركــان الـفكـر في اتـّـقاد....هــذا آخر انفــجــار
هـيا نحــو كـل ما مـرْ....ثــوروا حـطـموا الـقـيــود
شـيـدوا الكون جديد حر....كــونوا أنــتـم الـوجود
  بـجـموع قـوية....هبوا لاح الظفر
  غدُ [الأمـمــية]....يوحدُ البــشـر

في ١٨٧٦، في منفاه، كتب "أوجين بوتييه" الشاعر الفرنسي هذه القصيدة التي اخترنا مطلعها، وهي من عمال أمريكا إلى عمال فرنسا، ووصف فيها حياة العمال تحت نير الرأسمالية.
 ومنذ البدايات الأولى للشيوعية كتب ماركس وإنجلز على صفحات البيان الشيوعي العبارة الشهيرة: (العمال لا وطن لهم). وبالرغم من الأنموذج السيء لستالين إبان الحرب العالمية الثانية الذي صدم المعجبين بفكرة الأممية، إلا إنها بدأت تلتحم من جديد في نوفمبر ١٩٥١ حين تم الإعلان عن الدولية الاشتراكية في لندن، وكان فيها أحزاب كثر، منهم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده مام جلال وحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك.
  وبغض النظر عن المعنى الاصطلاحي للأممية ومدى ارتباطه بالشيوعية أو الاشتراكية، فإنه غدا مصطلحاً يستخدم لوصف الحركات والأحزاب التي تتوسع خارج الدائرة القطرية، وفي عالمنا العربي تنسب الأممية أحياناً إلى حركة الإخوان المسلمون، والثورة الإيرانية، وخاصة حين تشنّ عليهم الحملات السلبية وقت الأزمات.
 الإسلام الذي حكم ١٣ قرناً جاء ليترجم عملياً مراد الآية الكريمة (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). وبهذا المعنى لم يكن يهتم بالمركزية في الحكم قدر اهتمامه بالهوية. وبالرغم من تشظي أجزاء من الدولة الإسلامية عشرات المرات، إلا إن الإطار العام بقي إسلامياً حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. كما إن الدعوة الإسلامية بداهةً كانت تتوسع لنشر عقيدة الإسلام وليس لتوسيع الإمبراطورية وإلا لما كانت الدولة العباسية غضت الطرف عن الدولة الأندلسية التي حكمت بشريعة الإسلام واعتمدت ذات المذاهب الأربعة. معنى ذلك أننا اليوم لسنا بحاجة إلى امبراطورية إسلامية عاصمتها القدس أو مكة أو المدينة، وإنما بحاجة إلى إقناع البشرية بالإيمان بالواحد الأحد، وليكن للأمريكان دولتهم وللصين دولتها، المهم أن يسعد الناس بالهداية. لذا فإن مفهوم الأممية اختلف اليوم ولا بد له من تنظير جديد.
 أممية الإسلام الوسطي المعتدل فكرية عقَدية تجمع بين الأبيض والأسود والعربي وغير العربي على أساس التوحيد من غير تكفير للفرق والمذاهب الإسلامية. وتختلف في ذلك عن المشروع الإيراني المصدّر للثورة والذي رفع منذ اليوم الأول ضد المسلمين أنفسهم مقتضى شعار (إن لم تكن معي فأنت ضدي). بمعنى أنه لن يكتب لأي مشروع إسلامي النجاح حتى تكون إيران هي القائد فيه، ولو كانت تريد فعلاً إنجاح المشروع الإسلامي الأكبر لاستماتت في منع تقسيم السودان، ولاصطفت مع المرحوم أربكان في مشروع الدول الإسلامية الثمانية الكبرى M8 ، ولقاتلت كي لا يحصل الانقلاب على مرسي، وهي القادرة على ليّ أذرع الإمارات بسهولة لتمنع مؤامرتها على إخوان مصر. لكنها استفادت من إضعاف قوى الاعتدال الإسلامي لتتمدد من خلال التطرف الإيراني الأممي. وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك نقول إنها لا ترضى حتى بقيادة حوزة النجف.
 بعد المقدمة الطويلة التي لا تخلو من محطات مفيدة، أقول: في يوم عاشوراء لفت انتباهي خطاب أبو مهدي المهندس أحد ابرز قادة الحشد وهو يهدد أمريكا حين قال: (والله بهؤلاء الشباب سنوقف أمريكا وسنوقف كل أذنابها العراقيين الذين يختبئون في المكاتب..).
 وبغض النظر عن كونه صادراً من إرادة مصممة أو قيادة مأزومة، خطر في بالي أن أعرّج على مبدأ الأممية التي تحول أتباعها في الدول الأخرى إلى تبع أو تفشل وتتمزق كما حدث بين العراق وسوريا ومصر. فالسيد المهندس ورفيقه هادي العامري وآخرون، لا يخفون تبعيتهم وطاعتهم للولي الفقيه. وقد ترجمت بوضوح حين حدث التلاحم (الأخوي) مع قاسم سليماني. صورة لا تحتمل التأويل مطلقاً. فالعزيمة المستمدة من المرشد الأعلى لا يمكن مقارنتها بأي حال حتى بمرجعية السيستاني الذي زعم شيعة العراق أنه المرجع العراقي وأرادوه خيمة لكل العراقيين حتى من دون احترام للمرجعية السنية، لكن حجمه تضاءل كثيراً أمام مرجعية خامنائي ذات الشوكة.
 على اي حال، القوم أحرار في مَن يقلّدون، وإلى من يرجعون. فهذا دينهم وذلك مذهبهم. فكما لا يحق لنا أن ننتقد السلفي العراقي في ثقته بالمرحوم الشيخ ابن باز ومتابعته لفتاوى ابن عثيمين، لا يحق لنا أن نُشكل على شيعي سواء اختار الحائري أو البروجردي أو خامنائي.
 لكن المشكلة الكارثية، أن الأممية (التوسعية) تتقاطع بالكامل مع المشروع الوطني. وإلا فكيف نهضم -ونحن جميعاً نقرأ في علوم القيادة مفهوم (توحيد خط السلطة)- أن يكون للعراق أكثر من صانع قرار؟ كيف يكون رئيس الوزراء العبادي، والمرجع الديني الأعلى السيستاني، وحامي المذهب والمكتسبات والامة الشيعية خامنائي؟ كيف يمكن ان يكون القائد العام للقوات المسلحة الرسمية رئيس الوزراء، وقادة الحشد غيره؟ والكل تصنع القرار وتتقاطع مع بعض!
 ولو فرضنا أن العراق خالٍ من السنة (المتبرمين) ومن الكرد (المشاغبين) فهل سيخلو الجو للشيعة ويتمكنون من توحيد خط السلطة؟ قطعاً لا.
 ولو عدنا عقوداً إلى الوراء لوجدنا أن العراق الذي لم يكن يوماً ما أقوى منه في أيام حكم صدام، فإن صدام نفسه لم يتمكن من إقناع ولا إجبار الكرد على الانخراط في مشروع البعث لا باتفاقية آذار سلماً ولا بالكيمياوي قهراً وظلماً.
 العراق منذ العقود الأولى من الملكية كان مرةً حقل تجارب لأممية بثوب القومية  ترغب في جمعه مع سوريا ومصر حتى لو كان الثمن تهميش الكرد والتركمان والدروز، ومرة أخرى ضحية لأممية شيوعية تريد منه أن يحمل المطرقة والمنجل ليقول آمين للينين، وثالثة لأممية (بعثية) تطمع في دمجه مع سوريا وهي فكره دونها خرط القتاد. ففي كل مرة تطرح لافتة "الحدود العراقية السورية" أرضاً وتأتي مجلة ألف باء لتصور وتعلن الفرحة باندماج البعث، ما يلبث الصراخ ان يتعالى من جديد إلى ان منع السفر إلى سوريا التي لم يكتب لنا أن نراها إلا في ٢٠٠٧.
 ولئن كنا نجد للكرد الذين دعوا إلى الالتحام بكرد سوريا وتركيا وإيران، باعتبار أنهم لا يعترفون بحدود سايكس بيكو وأنهم عانوا ما عانوا تحت مظلة "أمة عربية واحدة" فإننا لن نعذر من يدافع عن وحدة التراب العراقي مثل البعث والأحزاب الشيعية الإسلامية ثم يفعلون ما يناقضها. والغريب أن هؤلاء يخونون من يتحدث بالأقاليم مضطراً وهم أول من بادر بالتقسيم بتهميش الكرد والتركمان تارة أو العرب السنة تارة أخرى.
 أتساءل بل وأتحدى أن يخبرني أحد المثقفين بمشروع واحد منذ ثورة قاسم وإلى يومنا هذا من شأنه أن يوحد الشعب تحت مظلة وطنية، بحيث يقنع أغلب الشعب العراقي متجاوزاً العرقية والطائفية.
أخيراً، وليس آخراً، فقد تبين بأن حركات الاعتدال الإسلامي وعلى رأسهم الإخوان الذين اتهموا بالأممية العابرة للحدود والتبعية التنظيمية لغيرهم، هم أكثر الناس ممارسةً لما يفضي إلى وحدة التراب الوطني، ولم يمنعهم تضامنهم مع المسلمين كافة ومع قضاياهم العادلة من ذلك، ولا من احترام كل المكونات داخل البلد الواحد، والقناعة بأن البلد الذي يحكمه دستور متفق عليه، هو بمثابة بيت كبير تعاقد على السكن فيه مجموعة من الناس ووجب عليهم حمايته وحماية مكتسباته.
 ولكم أن تقرأوا نظرية المفكر الدكتور  محمد مختار الشنقيطي في شأن الدولة العقارية إذ يصف كل دولة بمثابة عقار استأجر طابقه الأرضي مسيحي وطابقه الأعلى مسلم ثم تعرض ذلك الدار لمحاولة سرقة، ألا يتفق المسلم والمسيحي على الدفاع عنه ورد الصائل؟ كذلك الوطن الواحد، وحتى لو كان الصائل مسلماً.
 قوى الاعتدال الإسلامي في العراق تطمع في بقاء الكردي العراقي أخاً وشريكاً حقيقياً في الوطن. وتطالب الشيعي العراقي ان يشكر نعمة ربه وهو ينعم بصداقة طويلة الأمد مع اخيه السني والأقليات الأخرى بدلاً من ان يكون تبعاً لدولة ما، فكيف تكون الوطنية بمعناها العملي إن لم تكن كذلك؟
 وليس ادل على ما نقول من أن قيادة حركة الإخوان في مصر، لم تكن على وفاق مع الإخوان العراقيين الذين ترجح لديهم المشاركة السياسية بعد الاحتلال، بل كان المرشد  السابق محمد مهدي عاكف فك الله اسره، يدعو وبإلحاح إلى مقاومة المحتل وكفى. ولو كان إخوان العراق أمميين بمعنى البيعة والطاعة والتبعية لأطاعوا المرشد ورفضوا أي مشروع لا يتفق معه، لكنهم أعلم بشعاب بلدهم.

 العراق اليوم أحوج ما يكون إلى مشروع وطني فيه تجديد وتطوير بحيث يستوعب المدنية ويحفظ الهوية الإسلامية العظيمة السمحة. لا مكان فيه لأي ايديولوجية فيها معنى التبعية خارج الحدود، اللهم إلا فيما يتعلق بالموقف الإسلامي العام من القضايا العادلة. وسيثبت للشيعة العراقيين أن معيشتهم مع سنة العراق أكرم لهم من أن يكونوا مواطنين درجة ثانية أمام ابن طهران الارستقراطي الذي ينظر إلى العراقيين باستعلاء. 

روسيا السمراء


د. أحمد رشدي
أكاديمي وباحث
       يبدو ان قساوة الشتاء و البشرة الناصعة البياض أصبحت في خبر كان في حياة الروس فقد ضمنوا بلا ادنى شك شمسا جميلة وأسمرارا دائما على شواطئ اللاذقية و طرطوس في سوريا و طبعا هذا ثمن القضاء على ارهاب داعش و العصابات المتطرفة الاخرى حسب قول الروس لكن لنفتح ملف روسيا في سوريا و بشكل أدق و اعمق .
تدخلت روسيا عسكريا وبشكل مباشر مرات عديدة خلال القرنين الماضي و الحاضر والامثلة كثيرة لعل اشهرها افغانستان و جورجيا و الشيشان و اخيرا اوكرانيا و هي كلها تشترك بسمة واحدة – الجيرة -  ولكن وللمرة الاولى تطأ اقدام جندي روسي أرض بلاد بعيدة
 وهنا يتبادر الى اذهاننا : لماذا سوريا ؟  هل لأن نظام الاسد بات سقوطه وشيكا ام ان القوات و الدول و المنظمات العسكرية المساندة لنظام الاسد أصبحت غير قادرة على صد هجمات المعارضة السورية أم أن داعش أصبح خطرها يتعاظم وقد يصدر انتحاريين الى موسكو اذا تمكن اكثر ؟
مايعرف عن الروس انهم يمارسون سياسة Coercion  Hard Diplomacy and Soft أو ما يسمى سياسة "الدبلوماسية الصارمة و الاكراه اللين " في تعاملاتهم مع دول العالم الاول و خاصة أوربا و يبدو أن ما حدث في أوكرانيا  دلالة واضحة لما يمكن للروس ان يقولوا ويفعلوا مع الغرب و لنعد الى الملف السوري فليس هذا النوع من السياسة غائبا عن ما يحدث هناك ، فالروس نشروا صواريخ أرض – جو متطورة من نوع "S-300" و S-500" " وكذلك صواريخ أرض – بحر متطورة من نوع "Oniks800-P" بالاضافة الى قوات برية مكونة من 3000 عنصر و عدد من طائرات الهليكوبتر و المدرعات و حاملات الجنود و طرادين وهنا تبدأ الاسئلة : لماذا صواريخ مضادة للطائرات و السفن وداعش و المعارضة قوات برية لا تملك طيرانا ولا بحرا ؟ و لماذا هذا العدد البسيط من القوات البرية الروسية اذا كان الهدف القضاء على داعش وهي متواجدة بعيدا عن شواطئ البحر المتوسط ؟
لنرجع الى سياسة الدبلوماسية الصارمة و الاكراه اللين لنجد جزءا من الاجوبة الصريحة ، فالصواريخ المضادة للطائرات و السفن وضعت لإكراه الناتو وامريكا على التفاهم حول سوريا و اوكرانيا دفعة واحدة ذلك لأنها لن تسمح بطائرة مقاتلة واحدة و لا طراد او فرقاطة عسكرية بالتقرب من السواحل الشرقية للبحر المتوسط دون علمها و ذهبت فكرة تركيا حول"مناطق منع الطيران"   No Fly Zone ادراج الرياح بل أن روسيا الان استطاعت ان تعرقل مسالة استخراج الغاز من البحر المتوسط و فكرة مد انبوب الغاز الى اوربا من الخليج وحتى تصدير النفط السعودي الى البحر المتوسط  .
ولا ننسى أن بوتين يفكر بروسيا القيصرية أكثر منه بروسيا الاتحادية وخاصة مسألة الوصول الى أورشليم - القدس وحمايتها فبالاضافة الى أهمية القدس للكنيسة الارثودوكسية الشرقية فهي كانت و مازالت مثار أهتمام القادة الروس لأنهم يؤمنون بمقولة "من يسيطر على أورشليم يسيطر على العالم كله"  

من هذا كله نكتشف لماذا اللقاءات المتواصلة بين بوتين و أوباما و لماذا الرحلات المكوكية لوزير خارجية المملكة العربية السعودية و لولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولماذا الخلية الاستخبارية الرباعية في العراق و لماذا عنونت صحيفة هآرتس زيارة نتنياهو الى موسكو بأنها " بداية لعهد مابعد أمريكا في الشرق الاوسط" ، ويبقى سؤال واحد هل تستطيع روسيا الصمود في مستنقع الشرق الاوسط طويلا وهي تعاني من مشاكل اقتصادية جمة ؟ أم أن المسألة لا تعدو الجلوس تحت شمس البحر المتوسط لفترة و من ثم الرجوع الى ثلوج موسكو و شتائها القارص ؟

في مفهوم الاقلية


أبوبكر محمد الكاتب
تطرح مشكلة الأقليات مشكلة المستوى الحضاري لأي كيان سياسي أو مجتمعي. فعند ذكر هذه الكلمة تتوارد جملة أحكام مسبقة أهمها مفهوم الأضعف أو القاصر أو الأمر الذي يوضح مدى قدرة الأقوى أو المتمتع بعلاقة قوة مع الآخر على جعل كرامة هذا الآخر جزءا من كرامته الذاتية وكان هذا الموضوع ولا يزال من المواضيع التي يتجنب الكثير الحديث فيها، لحساسيتها فغدا من المواضيع المسكوت عنها حيث تعد مسألة الأقليات والاثنيات والجماعات القومية وحقوقها من أكثر المسائل حساسية وخطورة، لذلك تحتاج مقاربتها إلى مزيد من الدقة والروية والضبط المنهجي، ولا سيما اليوم، في ظل العولمة الاقتصادية الرأسمالية ودكتاتورية السوق التي تنتهك حقوق البشرية وتقذف بها إلى هوامش الحياة، تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات
مشكلة الأقليات والاثنيات والجماعات القومية  في دول العالم مشكلة قد تكون قديمة وقد تكون مستحدثة أو مفتعلة، أو بها قدر من التدخل الاجنبي وهذا توصيف صحيح بيد انه من المعروف أن النظر إلى القضايا الاجتماعية عموماَ، والأقليات والاثنيات خصوصاً تختلف على حسب اختلاف المنظور العلمي المستخدم في دراستها

تختلف تعريفات مصطلح الاقلية بحسب بؤرة الاهتمام التي ينطلق منها التعريف والسياق الذي يندرج فيه والوظيفة التي يراد له ان يقوم بها  والمشكلات الناجمة من وجودها ان الاقليات ظاهرة ذات  نطاق عالمي تمتد اثارها لتشمل مجموعة كبيرة من الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء  وغالبا ما تتصف الاقليات بالتماسك الداخلي والتماسك الاجتماعي وهي في الواقع الاجتماعي  تتكون من مجموعات  بشرية متميزة عن الوسط الاجتماعي الواسع الذي تعيش في اطاره وتتفاعل معه ولكنها تختلف عن الغالبية في اصوله التأريخية او العرقية او الثقافية او في معتقده  برغم اشتراكها مع الغالبية في هوية الوطن والمصير. وقدرت دراسات للامم المتحدة ان هنالك انحسارا في مجال تطبيق حقوق الانسان ومنها الاقليات اذ لا تتمتع مجموعات انسانية كبيرة الا بحرية محدودة للفكر والوجدان والدين والمعتقد ويبلغ عددهم تقريبا طبقا لأحد التقديرات 2.2 مليار نسمة  وفي دراسة اخرى للامم المتحدة عن نوع اخر من الاقليات هو ما يطلق عليه السكان الاصليون قدرت ان عددهم يصل الى قرابة 300 مليون نسمة متوزعين بين الولايات الامريكية المتحدة وشمال اوربا واستراليا ونيوزلندا واسيا.
ان ما يمارس ضد هذه الاقليات من ممارسات تميزيه على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يؤدي الى ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والى انعدام الشعور لدى الاقلية بهويتهم الواحدة  مما يضعف من تماسكها مع ابناء الوطن الواحد.
لقد بدأ ظهور مصطلح الاقلية في مطلع القرن الماضي دفعت به جملة اسباب  منها:
1.  وجود التقسيمات الجغرافية (الحدود التي وضعها الاستعمار بين دول العالم).
2.  فقدان كيان العدالة بين المواطنين.
3.  عدم احترام سلطة الغالبية الحاكمة لمعتقدات ومقدسات الاقلية في ذلك الوطن.
4.  عدم الاعتراف بثقافة ولغة الاقليات الخاصة بها  والعبث بتراثها والاعتداء على مقر عبادتها.
5.  حرمان الاقليات من اهم حقوق المواطنة وهي المشاركة الحقيقية في ادارة الشئون السياسية للبلاد وحرمانها من ملء  المناصب  العليا في الدولة او الترشيح لرئاستها وغير ذلك من اسباب التهميش وطمس الهوية وتجاهل الذاتية.

وقد وردت عدة تعريفات لمصطلح الاقلية اذ عرفتها  الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية (الأقلية جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفـراد المجتمع عرقياً أو قوميـاً أو دينياً أو لغوياً وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم، يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية).
اما الموسوعة الأمريكية فعرفت الأقليات على أنها: جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدراً أقل من القوة والنفوذ وتمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع. وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى.
وتعرف الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica  الأقليات بأنها "جماعات من الأفراد الذين يتمايزون عرقيا أو دينيا أو لغويا أو قوميا عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه.
ويعرف الباحث صلاح سعد الاقلية بانها جماعة من الناس تشكل عدديا اقلية بالمقارنة مع جماعة اخرى تعيش معها في وطن مشترك تشكل الاغلبية.
وتعرف الموسوعة الفرنسية "لاروس Larousse  " الأقليات بأنها "تلك التي تكون أقل هيمنة  من الناحية العددية بحيث لا يكون لها إلا القليل من الأصوات. 
وتعرف موسوعة العصر الجديد New Age  الأقليات بأنها "جماعات من الأشخاص الذين يتمايزون ثقافيا أو جسمانيا عن الجماعة الأصلية المتوطنة وعادة ما تشير الأقليات إلى أنها تعامل اجتماعيا وسياسيا بغير مساواة مع الأغلبية.
وفي العرف الدولي تعرف الاقلية على انها رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث الجنس او اللغة او الدين الى غير ما تنتمي اليه اغلبية رعاياها.
اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عرفت الأقليات بأنها: جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها.
أما إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية (أو عرقية) ودينية ولغوية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والأربعين بجلستها العامة في يوم 18 ديسمبر 1992 (القرار رقم 47/135) فقد سكت عن تعريف كلمة أقلية متجاوزا ذلك في مواده التسع إلى تأكيد أهمية الحفاظ على حقوق الأقليات ومساواتهم في الحقوق مع الأغلبية. وتجدر الإشارة إلى أن أعمال اللجنة التحضيرية لهذا الإعلان قد عرضت عليها تعريفا للأقلية -مقدم من الوفد الألماني في اللجنة- بأنها "جماعة من مواطني الدولة تشكل أقلية عددية لا تحظى بصفة السيطرة أو الغلبة في الدولة ويتميزون عن بقية أعضاء المجتمع عرقيا أو لغويا أو دينيا وهم يرمون إلى تحقيق المساواة مع الأغلبية واقعا وقانونا" إلا أن هذا الاقتراح لم يوافق عليه بسبب عدم حصوله على الأغلبية اللازمة داخل اللجنة التحضيرية.
وفي كتاب الملل والنحل والأعراق يستخدم المؤلف مفهوما للأقليات إلى أن المقصود بهذا المصطلح هو "أية مجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة".
ويعرفه عبد الوهاب الكيالي (مجموعة من سكان قطر او اقليم او دولة ما تخالف الاغلبية في الانتماء العرقي او اللغوي او الديني ، دون ان يعني ذلك بالضرورة موقفا سياسيا متميزا).
وعرف الدكتور وائل عزام الاقلية بأنها  جماعة غير مسيطرة من مواطني دولة اقل عدديا من بقية السكان يرتبط افرادها ببعضهم عن طريق روابط عرقية اودينية او لغوية او ثقافية تميزهم بجلاء عن بقية السكان ويتضامن افراد هذه الجماعة فيما بينهم للحفاظ على هذه الخصائص وتنميتها وهي في العرف الدولي مئات من رعايا دولة تنتمي من حيث الجنس او اللغة او الدين الى غير ما تنتمي رعايها.
وقد نشرت الأمم المتحدة عام 1991م دراسة للمقرر الخاص فرانسيسكو كابوتورتي (Fransesco Capatori)  تتبع فيه تطور مفهوم الأقلية منذ عام 1930م. ولقد أورد فيه رأيا استشاريا لمحكمة العدل الدولية، وجاء فيه ما يلي: «تعرف الجماعة الأقلية بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في قطر ما أو منطقة، وينتمون إلى أصل، أو دين، أو لغة، أو عادات خاصة، وتوحدهم هوية قائمة على واحدة أو أكثر من هذه الخصائص. وفي تضامنهم معا يعملون على المحافظة على تقاليدهم، والتمسك بطريقة عبادتهم، والتأكيد على تعليم ونشأة أولادهم طبقا لروح هذه التقاليد، مقدمين المساعدة لبعضهم البعض.
وفي عام 1950م ناقشت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للأمم المتحدة، خلال عدة اجتماعات عقدتها، العناصر الأساسية المحددة لمعنى اصطلاح "الأقلية" فقالت: «إن الجماعات التي تعرف عادة بأنها أقلية قد تنتمي إلى أصل عرقي، قد يكون لها تقاليد دينية أو لغوية أو خصائص معينة تختلف عن خصائص بقية السكان. ومثل هذه الجماعات ينبغي حمايتها بإجراءات خاصة على المستويين القومي والدولي حتى يتمكنوا من المحافظة على هذه التقاليد والخصائص ودعمها.

وتأسيسا على ما تقدم يمكن تعريف الأقليات على النحو الآتي: الأقليات هي جماعات قومية أو لغوية ثقافية أو دينية أو مذهبية تنتظم في بنى وتشكيلات، وتقوم في داخلها وفيما بينها وبين الأكثرية علاقات يحددها مستوى تطور المجتمع المعني ودرجة اندماجه القومي والاجتماعي، وتتحدد العلاقات الداخلية في كل منها بنمط العلاقات الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة في كل مرحلة من مراحل التطور، وهي دائماً علاقات نبذ وجذب متوازية تحدد على نحو حاسم درجة الاستقرار الاجتماعي والسياسي. والعنصر الحاسم في وجود الأقلية هو وعيها الذاتي باختلافها وتمايزها، وحرصها على البقاء والمحافظة على هويتها، وتطلعها على المساواة. ويمكن القول: إن الأقلية لا تظل كذلك إلا بقدر ما تطلب لنفسها نوعاً من الحقوق الخاصة تعزز انغلاقها على ذاتها وممانعتها للاندماج.
ومن هذه التعريفات في اعلاه المتقاربة في تحديدها والمتشابهة في صياغاتها تبرز عناصر أربعة ينبني عليها مفهوم الأقلية وهي:
·       العنصر الكمي (البعد الديمغرافي).
·       تميز الأقلية لغويا أو دينيا (البعد الثقافي).
·       اختلال ميزان القوى بين الأقلية والأكثرية وما ينتج عنه من حرمان وإقصاء.. (البعد الاجتماعي).
·       حرص الأقلية على بقاء خصوصيتها (البعد السياسي).
وفي دراسة لاحقة قام بها كابوتورتي آنف الذكر حول تفسير مفهوم الأقلية، وقد شاركت عدة دول بملاحظاتها وآرائها في هذا الموضوع. وورد في نهاية هذه الدراسة ما يلي: "التأكيد على ضرورة إضافة عنصر إلى تعريف الأقلية. ويتمثل هذا العنصر في رغبة الجماعة الأقلية في المحافظة على الاعتبار الذاتي في تقاليدها وخصائصها"
وتشكل كل اقلية شخصية اجتماعية وثقافية وإن الحاجة إلى حماية الأقليات تنشأ أساساً من ضعف وضعها حتى في محيط الدولة الديمقراطية.

وفي منتصف التسعينات جرى تطور جديد على هذا المفهوم مع التأكيد على العناصر السابقة التي تحدد معناه، وقد انعكس ذلك على بعض المواثيق والمعاهدات الدولية، منها "إعلان فينا" لحماية الأقليات القومية في الدول الأوروبية، والذي صدر عام 1993م، وقد جاء فيه ما يلي:
«إن الأقليات القومية هي المجموعات التي صارت أقليات داخل حدود الدولة نتيجة أحداث تاريخية وقعت ضد إرادتها. وأن العلاقة بين مثل هذه الأقلية والدول علاقة مستديمة وأفرادها من مواطني هذه الدولة.(1)

وفي 18 تشرين الثاني من عام 1994 صدر عن المبادرة الأوروبية المركزية بتورينو قانون حماية حقوق الأقليات، وجاء في المادة الأولى منه التالي:
«إن اصطلاح الأقلية القومية يعني جماعة تقل عددا عن بقية سكان الدولة ، ويكون أعضاؤها من مواطنيها، ولهم خصائص إثنية، أو دينية، أو لغوية، مختلفة عن تلك الخاصة ببقية السكان، كما أن لديهم الرغبة في المحافظة على تقاليدهم الثقافية والدينية(2)، وفي 21 تشرين أول 1994م صدر في موسكو تعريف مشابه عن رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق حيث عرف الأشخاص المنتمين إلى أقليات بأنهم الأشخاص الكائنين بشكل دائم في إقليم أي في دولة من الدول الموقعة على العهد ويحملون جنسيتها، ولكن لهم من الخصائص العرقية، أو اللغوية، أو الثقافية أوالدينية، ما يجعلهم مميزين عن بقية سكان الدولة. وإلى جانب هذا التعريف أضيفت عبارة مفادها: لا يجوز تفسير اصطلاح الأقلية بشكل يحض على أو يجيز اتخاذ أي إجراء يرمي إلى حرمان أي شخص من إقامته الدائمة أو من وضعه كمواطن. وقد أضاف المقرر الخاص للأمم المتحدة كابوتوتي «إن عدم الاستجابة إلى شكاوى الأقليات فيما يتعلق بوضعهم المتدني يمثل خرقاً للحقوق المدنية والسياسية.
والاقليات هي اما اقليات عرقية او دينية او مذهبية او لغوية اذ مازالت معظم دول منطقة الشرق الاوسط ودول العالم الثالث والدول المتقدمة تعاني من مشكلة الاقليات والملاحظ ان الازمة في دول العالم الثالث والدول المتقدمة على حد سواء ،في ان  تتجاهل عمدا القضايا الانسانية الناجمة عن حل مشكلة الاقليات بل وتنكر وجود هذه الاقليات اصلا بزعم ان هذه الاقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الاغلبية في الوطن زاعمين ايضا ان الدستور ينص ويقرر مساواة جميع المواطنين امام القانون  علما ان التقدم الحضاري لايقاس بوجود التشريعات والقوانين وانما بمقدار العمل بهذه القوانين واحترامها فتكون القوانين مرآة صادقة للمجتمع وصدى لما يحدث في الواقع.


وعلى ضوء ذلك لابد ان يكون للاقلية تعريف مقبول عالميا لان حماية الاقليات من التمييز والاضطهاد تقتضي تعريف من تشمله هذه الحماية ولكن الجهود التي بذلت لتعريفه على نحو مرض للجميع قد باءت بالفشل ولكن نستطيع ان نقول ان الاقلية مجموعة قومية او اثنية او دينية او لغوية تختلف عن المجموعات الاخرى الموجودة داخل دولة ذات سيادة.

وهنالك معايير تشمل مجتمعة جميع الاقليات وهي :
1.            العدد: فمن الواضح ان الاقليات يجب ان تقل عددا عن بقية السكان الذين يمثلون الاغلبية.
2.            الهيمنة  : لابد ان تكون الاقلية في وضع غيرمهيمن يبرر توفير الحماية لها.
3.             الهُويِة: اختلاف الاقلية في الهُوية الاثنية او القومية وفي الثقافة او اللغة او الدين
ويتم تصنيف  الاقليات على وفق معايير متعددة منها العنصرية او الاثنية او القومية او الدين او اللغة.