موضع الأخلاق عند العاملين في الإسلام السياسي

محمد صادق امين
اعلامي وكاتب
السياسة (لعبة قذرة) أو هكذا نفهمها نحن الشعوب؛ قذارتها تأتت من ممارسة الساسة كأفراد؛ والأحزاب السياسية كجماعات، فحين يقترب موعد الانتخابات تتحول سلوكيات الأحزاب تحولا جذريا، وتمطر سماء المواطن (المتهالك) شهدا ويتحول الأفق إلى ألوان قوس القزح لكثرة الوعود التي تطلقها الأحزاب سعيا وراء أصوات الناخبين؛ وفي كواليس المطبخ السياسي تنطلق عمليات إعداد الوجبات التي يراعى فيها الميل السياسي للشارع بحيث يتم إنتاج طبخة تغري بشكلها ورائحتها السواد الأعظم من الناس؛ فحين يكون الشارع مستنفرا طائفيا -على سبيل المثال- يعد له الطباخون وجبة المكون الأساسي فيها رمز يستفز المشاعر الطائفية، يضاف إليه شواهد وحوادث تستنفر الحس الطائفي، يرش بقليل من بهار النصوص وملح التاريخ، ويوضع على نار الإعلام المتقدة لينضج المزيج ليكتشف الناخب في النهاية أن طعم الطبخة يختلف بالكلية عن شكلها ورائحتها التي أغرته بوضع ثمنها في صندوق الاقتراع.
فالممارسة السياسية تعتمد على مبدأ ميكافيلي يقوم على أساس (الغاية تبرر الوسيلة) و (أكذب أكذب حتى يصدقك الناس) و (غوغائية الجماهير) و (الانتهازية) وما سوى ذلك من مبادئ تنظر إلى الواقع من ميزان المصالح الفردية والحزبية لا من ميزان الأخلاق والقيم.
من هنا تأتي أهمية مراجعة القيم الأخلاقية في الممارسة السياسية الإسلامية خصوصا في العراق؛ لأن الأحزاب الإسلامية (سنية وشيعية) هي صاحبة الأغلبية في العراق الجديد ما بعد عام 2003 وهي من تشكل قاعدة الحكم في البلد بالمشاركة مع التيارات الأخرى، لذا لايمكن بحال من الأحوال –من وجهة نظري- فصل الممارسة السياسية الإسلامية عن المنظومة القيمية للإسلام التي جاءت وعلى رأس أولوياتها تحقيق مصالح العباد والبلاد بوسائل أخلاقية مشروعة؛ مغيبة المصلحة الفردية والمكاسب الحزبية وراء ستار حديدي من النصوص التي تحذر من الانزلاق في أتون (اللعبة القذرة) لذلك فإن الشخص القائم على مصالح الناس يسمى في الإسلام (مسؤول) أي الذي سيتعرض للمسائلة يوم القيامة أمام الله أولا وأمام الناس في الدنيا ثانيا.
 فهل تمثلت الأحزاب الإسلامية العراقية القيم الإسلامية في ممارستها؟ وهل قدمت على مدى السنوات التي مضت نموذجا يحتذى؟ هل يمكن أن تقدم الأحزاب الإسلامية في العالم العراق كنموذج دعائي أمام جماهيرها لشعار (الإسلام هو الحل)؟.
 أسئلة كبيرة بحاجة إلى صفحات كثيرة إذا ما أريد الإجابة عنها،
مناقشة هذا الموضوع تدفع لذاكرتي صورة لممارسة أحد الأحزاب الإسلامية المشاركة في العملية السياسية العراقية، ومن دون ذكر الأسماء فهو ليس غاية هذا الموضع وإنما الغاية هي إثارة النقاش حول القضية؛ هذا الحزب رشح شخصا (ما) لشغل منصب رفيع في الدولة والحكومة العراقية خلال ولاية نوري المالكي؛ ولما يمض على تعيين هذا الشخص سوى أسابيع فإذا به يعلن عن استقلاله عن حزبه وانضمامه لتكتل سياسي (ما)..!!! فقلت بالعراقي (عجيب أمور غريب قضية) فليس من المعقول أن يختار حزب (ما) شخصا لمنصب سيادي رفيع وهو غير مضمون الولاء، فقلت في نفسي (إن في الأمر مكرا) فأسررت ذلك في نفسي ولم أبده لأحد، ومع قرع طبول الانتخابات فاجئنا المشهد السياسي بإعلان مسؤول كبير جدا في الدولة من نفس الحزب أنه تخلى عن حزبه بعد أن آمن بالوطنية عوضا عن الحزبية والطائفية، ومن مراجعة مجموعة من المسلمات العقلية والمنطقية تأكد لي أن تخلي الرجل عن مرجعيته الأيدلوجية لأسباب وطنية محال عقلا ومنطقا، فتأكدت ظنوني السابقة وقلت إن هذا لمكر مكرتموه لتخرجوا الناس إلى صناديق الاقتراع تسوقونهم بتعدد الشعارات والمسميات والقوائم، ولعمري إن هذا من مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا، ولكأن جمعا من مستشاري هذا الحزب جلس وخطط للانتشار في القوائم ذات الصبغة (الوطنية) التفافا على جمهوره الحانق وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!.
 إن مبدأ الصدق والشفافية وعدم التغرير من أعظم أخلاق الإسلام التي لا انفكاك عنها لا في العبادات ولا في المعاملات، أنا لا أدعوا إلى أن تكون الشخصية السياسية الإسلامية شخصية ساذجة كتلك التي يقدمها عادل إمام في أفلامه، ولكنني أرفض أن تكون الممارسة الإسلامية للسياسة على قواعد (اللعبة القذرة) لأنه من يظن أن الجماهير غوغاء وخداعهم سهل فهو واهم، فما أسرع ما تتكشف الأمور وتنجلي الحقائق وحين سيكتشف الجمهور اللعبة سيحقد على الإسلام لا على من تلاعب به باسم الإسلام، وإذا كانت الأمور في ذمة التاريخ فإن التاريخ لا يرحم، واني لأتخيل بعد مائة عام طالب دكتوراه يجعل بحثه عن هذه الحقبة من عمر العراق فيكتب بعد أن يبحث أن الأحزاب الإسلامية تلاعبت بالجماهير كما فعلت من قبلها الأحزاب القومية والعلمانية.
وأتذكر أنني قلت لمجموعة من الشباب المتحمس للمشروع الإسلامي من الأقران حيث كانت المشاعر جياشة والحماسة آخذه بالهمم إنني أخشى من يوم ألمح معالمه من وراء الحجب يرفع فيه العراقيون شعار(العلمانية هي الحل)، رؤية استلهمت قراءة معطياتها مما كنت أشاهده من ممارسات غير راشدة من قبل الاحزاب الاسلامية على اختلاف مسمياتها؛ وهو ما جعلهم يرمقونني بنظرات ناطقة بلسان الحال لا المقال اسمعها بأذني رأسي تردد من (هذا الملوث فكريا الذي يريدنا ان نصدق المحال!؟) وقد أحياني الله تعالى حتى رايتهم في قائمة تحمل شعار الإسلام هو الحل تتراجع أمام قائمة يقودوها علمانيون من غلاة القومية في انتخابات مجالس المحافظات العراقية.
إن ثمة مشكلة في العقل المسلم تجعله يدور في دائرة مفرغة من الفشل والفراغ والتقوقع وهي مشكلة رفض النقد والمراجعة الذاتية وعدم النظر بالمرآة بالكلية؛ وإن كان ثمة ادعاء بالمراجعة المستمرة إلا أنها تأتي من أصحاب المنهجية الخاطئة أنفسهم، وإن سنن التغيير تؤكد أنه لايمكن تحقيق تغيير مالم يتم تغيير الأشخاص أو تغير قناعاتهم وطرق تفكيرهم.
 ولابد في النهاية لمن يمارس العمل السياسي الإسلامي من الإقران بين الفقه السياسي والأخلاق؛ فالنظر المجرد في النصوص الفقهية دون ربطها بالأخلاق لايحقق النظرية الإسلامية التكاملية التي جاءت لإسعاد البشرية وتحقيق مصالح الناس.


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا