هل نحن محاسبون على العمل فقط أم على النتائج كذلك؟


أبو عمرو أحمد غانم العُرَيضيّ
باحث
خلق الله الخلق اختبارا وابتلاء لهم {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، وعلى هذا الأساس تقاس جميع الأعمال التي يقوم بها المسلم، فكلها ابتلاء، ويعقبها حساب بعد ذلك.
لكن هل الابتلاء ثم الحساب على العمل فقط أم على النتائج كذلك؟
الشائع بين الكثيرين أننا غير محاسبين على النتائج، وإنما محاسبون على العمل فقط، والنتائج أمرها بيد الله تعالى.
ومن هذا المنطلق يحاول الكثير من الدعاة والأحزاب والجماعات التنصل من تحمل المسؤولية على أعمالهم، فيعلقون إخفاقها على الظروف، ليهربوا للأمام فتتكرر أخطاؤهم في كل مرة وتتراكم مع الزمن ليتلوه سقوط يصعب بعده النهوض.
     والحقيقة أنه لا بد من التفريق بين أمور عدة؛ فهناك مثلا المحاسبة الدنيوية والمحاسبة الأخروية.
ففي الدنيا يكون الحساب على الأعمال والنتائج معا، وعلى هذا الأساس يكون مقياس نجاح العمل، فالعمل غير المنتج هو عمل فاشل، يستدعي المحاسبة والمساءلة، سواء من طرف جهات عليا أو دنيا.
فالقيادة تحاسِب، وصاحب العمل يراجع العمل والسياسات والمنهج بأهدافه ووسائله، وعامة الناس يحاسِبون وينتقدون.
ولا ينفع هنا عذر في الفشل، لأن الله تعالى ربط النتائج بأسبابها، وجعل الكون كله قائما على هذه العلاقة السببية، فأي تقصير في جانب الأخذ بكامل الأسباب سيعقبه غياب النتائج فالفشل فالمحاسبة، والقاعدة الثابتة أن المسؤولية تتبعها دائما المحاسبة.
     بل إن التقصير في الأخذ الكامل بالأسباب يستلزم المحاسبة أمام الله تعالى كذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بين رجلين، فقال المقضيّ عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكَيْس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل ".
فالله تعالى يحاسب على العجز، أي التقصير في الأخذ بالأسباب الممكنة، ولا يمنع التوكل على الله تعالى والاستعانة به من الأخذ بها كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: " واستعن بالله ولا تعجز "، وهذا بعد أن قال أول الحديث: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ".
     وقد أمر الله تعالى بإتقان العمل " أن يتقنه "، وبالإحسان فيه " كتب الإحسان في كل شيء "، وقلّ أنْ يتقنَ إنسانٌ العملَ ويحسنَ فيه ثم يعقبه الفشل والسقوط ما دام أن الأسباب متوفرة.
      وثمة خلط يقع عند الكثيرين في هذه القضية، فيلجؤون للاستشهاد بقوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}، وأن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة وليس معه أحد؛ فيستشهدون بذلك للتنصل من تحمل المسؤولية على النتائج.
وهنا لا بد من التفريق بين أمرين:
الأول: أن ثمة فرقا بين أمر لم يجعله الله تعالى بيد البشر، وهو القلوب، فالهداية بيده سبحانه وحده، وبين أمور أخرى ربط الله تعالى نتائجها بأسباب متيسرة، وهذه تشمل أغلب أمور الحياة.
والثاني: أنه حتى في مسألة الهداية فإن الله تعالى يحاسب فيها على التقصير، وقد أمرنا الله تعالى بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرنا بالرفق واللين، والتيسير والتبشير وغير ذلك، فأي تقصير في ذلك فإن صاحبه محاسب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من المسلمين منفرين!
فإذا أخذ المرء بجميع الاسباب المتيسرة في الدعوة إلى الله تعالى فإنه عندها فقط يكون قد أخلى نفسه من مسؤولية المحاسبة، لأن الهداية بيد الله تعالى وحده.
     فضياع الأسرة سببه في الغالب تقصير الوالدين، وفساد المجتمع جزء كبير منه بسبب فشل للدعاة والعلماء والجماعات، والفشل السياسي مسؤولية الأحزاب والعامة أحيانا.
     وعلى الجميع أفرادا وهيئات، أحزابا وجماعات، أن يتحملوا المسؤولية الكاملة عن أعمالهم، فكما أنهم يتفاخرون بنجاحاتهم، فعليهم أن يخجلوا من فشلهم، ويعترفوا به من دون لكن ...؛ لعلهم يصححون المسار.
     وهذا في المحاسبة، أما في المساءلة فلن ينجو أحد منها يوم القيامة، وقد سئل سيدنا عيسى عليه السلام عن قومه من بعده، بل قال الله سبحانه: {فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}، فعلى الجميع أن يُعدّوا للسؤال يوم القيامة جوابًا.



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا