ثمن الاستقامة


د أسامة توفيق التكريتي
سياسي وكاتب

السير على الحسك وفي ارض شوك تجعل السير متعثرا ومؤلما 
ولقد ذقنا ذلك الالم ونحن شباب في خدمة الجيش تدريبا او عقوبة
والذي يجعلك تتحمل ذلك وتمضي بصبر وجلد شعورك ان هذا مفض الى غاية ونهاية
ودون ذلك فان اليأس يذهب بهمة المواصلة والتحمل ويقعد بصاحبه عن السعي والثابرة
لا استغرب اليوم كثرة الأمراض النفسية التي قد تفضي الى الانتحار عندما ينسد الافق وينقطع الرجاء والامل
ولا علاج عند الأطباء لهؤلاء الا بان تصنع للمريض املا يستحثه على مواصلة السير وتحمل الاعباء
واكثر الناس عافية من هذه الأمراض هم اصحاب القضايا الهامة والكبيرة التي تقتضي البذل والتضحية والصبر من اجل بلوغها
وأقدرهم على المضي رغم الآلام والعقبات هم اصحاب المبادئ الذين يحلمون بعالم افضل ويسعون من اجله سواء كان ذلك دنيوي او أخروي 
انهم صناع التأريخ وعظماء الامم
وفي مقدمة هؤلاء الرسل والانبياء واهل التدين الصادق فهمتهم في الجوزاء اذ غايتهم ارضاء رب الارض والسماء ويحلمون بنعيم مقيم
وياتي بعد هؤلاء الكرام ، آخر يجد في نفسه الهمة في ان يصنع للحياة شيئا له قيمة ويحلم ان هذا الذي يريده سيكون له فخرا ولمن بعده ذخرا
ولقد اعجبني محمد اقبال الشاعر الهندي المسلم حين قال:
وكن رجلا ان أتوا بعده                     يقولون مرَّ وهذا الأثر
والإنسان الذي يولد ويمضي دون اثر يتركه او قضية يتذكره الناس بها انسان خامل لايضيف لحياة الناس جديداوقد يكون عبئا عليها
وتراكم اعداد البشر الخاملين في امة من الامم نذير سوء واشارة تخلف ومصدر اذى لسائر البشر
والامة الناهضة يكثر فيها المبدعون والذين يفرضون وجودهم على الحياة والاحياء انهم صناع الحياة ومعادن التغيير 
ونحن لا زلنا نعيش على امجاد تأريخ مضى كنا فيه شيئا ولو لم يكن ذلك التأريخ وتلك الرسالة التي حملها الاجداد لصرنا امة منقرضة مكانها متاحف الامم البائدة من أمثال عاد وثمود واصحاب الأيكة وقوم تُبّع
تلك الرسالة التي جعلت منا خير امة اخرجت للناس والتي أعلن المبعوث بها للناس قائلا (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) مما وضعنا امام مسؤلية ورسالة يحاسب عنها كل مخلوق امام رب الكائنات حساب مرعبا
ذلك ان الله تعالى سيسأله
عن عمره فيم أفناه وعن جسده فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه!!
حساب عسير لمن استيقن بالرسالة وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم
وهو مايجعلنا امة وأفراد ازاء قضية ومسؤولية 
فماذا جرى حتى صرنا في ذيل القافلة وصارت امتنا عبئا على الحياة والأحياء
انه التنصل من المسؤولية والغفلة عن الرسالة ونسيان اليوم الآخر 
ولا سبيل للخروج مما نحن فيه الا بالعودة الصادقة الصحيحة الى ما كان سببا في خيرية امتنا ولقد قالها الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه (لقد كنا اذلّ قوم فأعزنا الله بهذا الدين ومهمانبتغي العزة بغير هذا الدين يذلنا الله )
لقد شرق بنا وغرب اهل المكر والكذب والخديعة والفساد حكاما واحزابا ورموزا وسلكوا بالامة كل سبل الانحراف فضاعت الاجيال ونسيت رسالتها التي بها تنهض وترتقي
وصرنا مضرب المثل في كل سيء وقبيح وغدونا كما وصف النبي المختار عليه افضل الصلاة والسلام كالغنم في الليلة الشامية المطيرة وهو القائل (توشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها قالوا او من قلّة نحن يومئذ يارسول الله قال بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله مهابتكم من صدور اعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يارسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت).
لقد تكشفت الحقائق وتبين للعقلاء ان سبيل الغيّ يفضي بنا الى المهالك وان التدين الزائف المبني على الجهل او الهوى والذي نراه في حكام وأحزاب ورموز يحتاج الى ان يفرز ويدان ليستقيم الامر كما اراد الله تعالى حين قال (وكذلك جعلناكم امة وسطا ) (فاستقم كما امرت).
فانه لامفر من الله الا اليه (وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ).


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا