مصطلح (الاسلامي) واشكالية الاطلاق


 محمد حميد
كاتب وباحث
   من البديهي أن نميز بين (التراث الإسلامي) وبين ما هو (وحي رباني) من نص قرآني منزل من الله عزوجل أو حديث نبوي صحيح  . فالتراث الإسلامي هو نتاج (إجتهاد إنساني) للمفكرين والمبدعين في مجتمع إسلامي في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية وفيه ما هو موافق لثوابت الإسلام وأصوله (الوحي الرباني) وفيه ما هو مخالف له .
ويبقى (التراث) منتجا إجتماعيا إجتهاديا خالصا يقبل الخطأ والصواب ولفظة (إسلامي) لا يعني أنه يمثل (العقيدة الإسلامية) أو ثوابت الإسلام الشرعية بل هو منتج (لمجتمع إسلامي) بكل مكونات ذلك المجتمع ونشاطاته الفكرية والإبداعية والثقافية والفنية وبغض النظر عن تطابق هذا المنتج أو تناقضه أو إختلافه عن الثوابت الشرعية والوحي الرباني.
والتراث سواء كان تراث مجتمع إسلامي أو تراث مجتمع غير إسلامي هو ناتج تاريخي (مرحلي) متسلسل لذلك المجتمع ويعبر عن المراحل التاريخية التي مر بها وعن مجمل الأوضاع الفكرية والثقافية والسياسية والعقائدية والإقتصادية والفنية التي يمر بها ذلك المجتمع.
 ولكل مرحلة من تلك المراحل لغتها الخاصة التي تتناسب مع تطور المجتمع أو إنحطاطه والمستوى الثقافي والحضاري ومعانات وأهتمامات ذلك المجتمع فالتراث من هذه الناحية إنعكاس للصورة الحضارية للأمة في تلك المرحلة. وضمن (مصطلحاتها) الخاصة التي تعبر عن معاني خاصة بتلك المرحلة منها ما هو (شعبي) يتداوله عامة الناس، ومنها ما هو (نخبوي) ثقافي وفكري وهو بالضرورة متأثر بالأوضاع الفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية لتلك المرحلة .
 و(التراث) يعكس الحس والذوق العام (الشعبي)  لمعاصريه.
 ويقل التأثير الإجتماعي على المنتج (العلمي) التخصصي (التراث العلمي) دون غيره إلا من حيث غزارته وتقدمه ,وطريقة عرضه حيث أنه أمتداد  للأرث العلمي الذي سبقه .
لكن التطور يشمل كل المنتج الحضاري للأمة (التراث) ويظهر بمنحنيين:
 الأول (تطور علمي) وهو إضافة علمية وكمية لما سبقه (تطور في المضمون العلمي) .
 والمنحنى الثاني هو نمو وتطور (شكلي) في طريقة العرض وأساليب الاستدلال واللغة المستخدمة في العرض . وهذا على وجه التحديد المعني في بحثنا هذا تطور اللغة والمقصود هنا (تطور الخطاب) ونشوء المصطلح وتطوره وحساسية التعامل معه. رغم أن كليهما معنيان بالتراث ومكملان لبعضهما من حيث كون التراث إجتهادا إنسانيا ومنتجا إجتماعيا .
     بين الشكل والمضمون  :
   إنطلاقاً من كون التراث منتجا وإجتهادا إنسانيا وليد زمانه وظرفه ومكانه لذا علينا أن ننزع عنه أي قدسية له ونتجه في التعامل مع المضمون والمعنى الحقيقي (الغائي) له لصيق زمانه المتطور أولا ثم نتوجه نحو دراسة (الشكل) ثانياً .
   ولا مسوغ لإقحام لفظة (إسلامي) في كل مصطلح لتمرير قبوله إسلامياً و(تزكيته) وشرعنة أي قضية أو رفضها وإتهامها بأشنع التهم أو لمجرد التزويق الشكلي وهي لا تحتاج إلى ذلك أصلاً !
  وكثيراً ما نسمع (علم إقتصاد إسلامي) (الطب الإسلامي) (علم الفلك والرياضيات الإسلامي) (الصراع السياسي الإسلامي).
  فلا يوجد علم إقتصاد إسلامي ولا غير إسلامي فعلم الإقتصاد علم مجرد من أي عقيدة و بُني على نظريات وقوانين (إستقرائية وتجريبية) علمية متطورة تقبل المراجعة والتغيير حسب المستجدات العصرية تنطبق على كل الأسواق إسلامية كانت أم غير إسلامية كقوانين العرض والطلب والموارد الاقتصادية وعناصر الإنتاج و الاستهلاك وإدارة الإقتصاد والقطاع العام والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية و الإقتصاد الكلي و الإقتصاد الجزئي وتعريف السوق وأنواع الأسواق وقوانين السوق وتعريف الطلب ومنحنى الطلب والصرف والمنافسة والعقود ... وكلها مفاهيم علمية غير متعلقة بعقيدة ما.
   ولكن هناك مذاهب إقتصادية مختلفة كمذهب الإقتصاد الإسلامي والمذهب الشيوعي والمذهب الاشتراكي والمذهب الرأسمالي وكلها تتبنى رؤى مختلفة تتعلق بكيفية توزيع رأس المال وفائض الإنتاج وهي من مكملات علم الإقتصاد التطبيقية . وبخصوص المذهب الاقتصادي الإسلامي على وجه التحديد فيه ما هو (قيمي) ثابت كتحريم الربا وفيه ما هو فكر اقتصادي اجتهادي متطور ضمن الضوابط الشرعية العامة قد يختلف هو الآخر من مكان إلى مكان ومن بيئة إلى أخرى ومن زمان إلى زمان وهو بهذا إجتهادي بحت .
  وكذلك كل العلوم المجردة الأخرى كالرياضيات وعلوم الفلك والفيزياء ... الخ يجتهد فيها العالم المسلم كما يجتهد فيها العالم غير المسلم وكلٌ يستفيد من علم الأخر دون أي حساسية أو قيد. وكلها لا تتعلق بأخلاقية العالم الفردية وللعالم المسلم كما للعالم غير المسلم الاستفادة من النصوص الشرعية التي يمكن أن تخدم  استنتاجاته العلمية ( رغم أن استخدام النص الشرعي له محاذيره الشرعية كما له ايجابياته , كما في حالة استخدام بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة فيما ينسب الى الطب النبوي دون تحقيق من علماء الحديث ’؛ أو خلط اجتهاد بعض علماء المسلمين في بعض المسائل الطبية واعتبار ذلك نص شرعي ملزم .) ؛
  ورغم وجود (سياسة شرعية ) تلزم الولاة الشرعيين المتمكنين باتباعها وقد كتب في ذلك الكثير من الكتب قسم منها تتعلق في سياسة الرعية وقسم منها في العلاقات السياسية للدولة الإسلامية مع الدول غير الإسلامية أو مع الرعاية غير المسلمين وقسم منها في الإحكام السلطانية والعلاقة بين الوالي والقاضي وصلاحيات الوالي ... الخ والمعاهدات والإتفاقيات والبيعات في أوقات السلم والحرب والمنشط والمكره  وفي ذلك تفصيلات شرعية طويلة جداً وهناك كتب السيرة التي وثقت هذه الممارسات والعلاقات وكل هذا يندرج تحت مصطلح (السياسة الشرعية) أو (الفكر السياسي الإسلامي) إلا أن هناك خلطا بينه وبين مصطلح (الصراع السياسي ) المتعارف عليه والذي يجري واقعياً في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وبشتى الأشكال؛ فإذا وجد فيه طرف إسلامي سارعنا إلى وسمه بـ(الصراع السياسي الإسلامي)! . بينما يعني هنا (إدارة الصراع السياسي) وهو أقرب إلى معنى (إدارة المعركة السياسية) وفق الآليات والوسائل التي تحددها الأطراف السياسية المشاركة في هذا الصراع زمانياً ومكانياً ويمكن أن تشمل كل أنواع الصراع المحتملة أو بعض منها (السلمي والمسلح والإقتصادي والإعلامي وما هو قانوني ومشروع وفي بعض الأحيان غير قانوني وغير مشروع...) يحدد كل ذلك طبيعة الأطراف المتصارعة ومكان الصراع  السياسي وزمانه وأخلاقياته (فالصراع السياسي في السويد يختلف عن الصراع السياسي في العراق مثلاً) ويمكن أن يكون (صراعاً سلمياً ديمقراطياً قانونياً نزيهاً) كما هو في اغلب أنواع التنافس السياسي في المجتمعات الأوربية ويمكن أن يتدرج هابطاً ويفقد في كل مرة صفة من تلك الصفات إلى أن يصل إلى أن يكون(نظاماً مسلحاً قمعياً) يقود الدولة ويحدد طبيعة العلاقات السياسية التي يراها وبين النمطين من الصراع السياسي توجد أنماط متعددة وأشكال مختلفة من الصراعات السياسية (ديمقراطيا سلمياً قانونياً ونزيهاً ؛ وديمقراطياً سلمياً قانونياً وغير نزيهاً ؛ ديمقراطيا سلمياً غير قانونياً وغير نزيهاً ؛ ديمقراطياً بأذرع مسلحة "مليشيات أو عصابات" تؤثر على الصراع السياسي ؛...). وكل ذلك لا علاقة له بالفكر السياسي لأي طرف من أطراف الصراع وكل تلك الأنواع وأنواع أخرى من الصراعات السياسية لا يمكن إعطائها أي مظهر (عقائدي) ؛ ولا يمكن إلزامها بقوانين مسبقة للصراع السياسي (عدا النوع الأول منها ـ النظام الديمقراطي القانوني النزيه ) وتحكمها جميعاً الأطراف المتصارعة ولا يستطيع طرف لوحده أن يحكمها (عدا الصنف الأخير منها ـ مليشيات بغطاء ديمقراطي) لذا لا نستطيع أن نصف هذه الأنواع من الصراعات بأنها إسلامية حتى لو شاركت بها أطراف إسلامية بل هو صراع سياسي مجرد إلا إذا كانت جميع الأطراف أو أغلبها (إسلامية) ومتفقة على إختيار مبادئ الصراع وأخلاقياته على أسس إسلامية وملتزمة به . وهذا لا وجود له في الوقت الحاضر .
وهكذا نخلص إلى إننا لا يمكن أن نلصق لفظة (إسلامي) جزافاً مع كل مصطلح ولا ضرورة شرعية لذلك.

  

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا

1 التعليقات:

التعليقات
26 نوفمبر 2015 في 8:19 ص حذف

مقال رائع جدا
تصحيح مفاهيم عند كثير من الناس ليغيروا فكرتهم عن كل ما هو اسلامي .....

رد
avatar