*الملافظ سعد .. !!


بقلم  عمر المشهداني
اعلامي
في عام 2005 كنت أقلب التلفاز في إستعراض لأهم البرامج السياسية والإخبارية بحكم طبيعة عملي الصحفية آنذاك, فمررت بـقناة العراقية (على غير عادتي), فإستوقفني برنامج يستضيف أحد المسؤولين آنذاك, وبحضور نحو عشرين شاباً يمثلون الجمهور الواعي المثقف للحديث حول الوحدة الوطنية والتآلف والمحبة بين أبناء الشعب الواحد.
أحد المتحدثين من الجمهور كان شابا أسمر في العشرينات تقريبا, كان يحاول أن يبرز الجوانب الإيجابية بوصف حال الزيارة الكاظمية إلى جامع الإمام موسى الكاظم وكيف إحتوى أهالي الأعظمية الزوار وساعدوهم وحالة التضامن والدعم العابر للفروق المذهبية بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد, فأشار قائلا في معرض كلامه : ((الكل كان يساهم في حماية وخدمة الزائرين, حتى من إخواننا من أبناء العامة)) في إشارة إلى السنة !!
هنا إستوقفتني كثيرا هذه العبارة ولم أتمالك ضحكتي ... الشاب كان يتكلم في إطار المديح والثناء والتلاحم الوطني ..الخ, ولكن سبق اللسان عنده بما تعود عليه من مفردة تربى عليها وهي "أبناء العامة"! , بمعنى أن هناك "أبناء الخواص" و "أبناء العوام" ... درجة أولى ودرجة ثانية .. إلى غير ذلك من طرق التمييز التي قد تتبادر إلى الذهن.
وقبل أن يتحمس أحد القراء للرد أقول لك : نعم كلامك صحيح, هناك من السنة من يعتبر كل شيعي هو "شروكي" مهما بلغت درجته أو وعيه أو ثقافته .. إلخ.
لكن هل توقف أحدنا للتأمل في هذه المفردات وأثرها على الآخر؟ بل وأثرها على أنفسنا أولا وعلى أولادنا؟! هل فكرنا في تداعياته ؟
هناك مصطلح جميل عند الإخوة المصريين يقولون فيه الملافظ سعد (الألفاظ تجلب السعادة), ومما قرأناه في قصص الأدب العربي أن "الأعور" كان يقال له "كريم العين" والأعمى يوصف بـ "البصير" ومن لدغته أفعى يقال له "سليم" تفاؤلاً بالشفاء, كما في قول الأعشى:
ألَمْ تَغتَمِضْ عَيناكَ لَيلَة َ أرْمَدَا  ***  وبت كما بات السّليمَ مسَّهدَا
هناك علم يسمى "البرمجة اللغوية العصبية", أي إنك تبرمج المقابل بلغتك وبكلامك وبالمفردات التي تستعملها, والتي ينبني عليها الكثير التصرفات والأفعال وحتى القناعات على أساس هذه البرمجة, بل حتى في تربية الأطفال عندما يكثر الوالدان من وصف إبنهما بوصف معين (أنت عنيد, ابني عنيد, يعاند, عنود, كثير العناد ... إلخ) فإن الطفل سيتجسد هذه الشخصية وسيسعى لتحقيقها لأنه قد تمت برمجته على ذلك حتى تصبح واحدة من سجاياه.
لنقارن بين الجمل التالية ثم نسأل أنفسنا أليست متشابهة في المعنى؟ وهل لها نفس التأثير في القارئ؟
A. زوار الإمام الكاظم يعتدون بالنهب والحرق على الأوقاف السنية في الأعظمية
B. مخربون يقومون بالإعتداء على مؤسسات دينية في الأعظمية خلال أيام الزيارة الكاظمية

A. لابد من الإنتقام من عشائر صلاح الدين فهم السبب في جريمة سبايكر
B. لابد من الإنتقام من داعش فهم من قام فعلا بجريمة سبايكر

Aالمليشيات الشيعية ترتكب مجزرة في جامع مصعب بن عمير
B. عصابات مجرمة ترتكب مجزرة في جامع مصعب بن عمير

A. أهالي الفلوجة يشنقون الشهيد مصطفى العذاري
B. داعش تقتل الشهيد مصطفى العذاري في الفلوجة

الفقرات التي إقتبستها أعلاه مأخوذة من تعليقات وتصريحات ونشرات أخبار يتداولها الناس, ولك أن تتخيل حجم الإعلام السلبي والتأجيج الذي يصار في داخل النفوس.
كيف للشيعي أن يحترم ويثق ويضع يده بيد من يصفه بأنه "شروكي" أو "رافضي" أو "أبن متعة" ؟!
كيف للسني أن يحترم ويثق ويضع يده بيد من يصفه بـأنه "ناصبي" أو "سني نجس" أو من "أبناء العامة" ؟!
قبل أن ندعوا الناس إلى الوطنية والتعايش والشعارات الرنانة, دعونا نتوقف قليلا عند مفرداتنا التي نستعملها في مواقع التواصل وفي الأحاديث الجانبية والمنتديات والمقاهي, لنراجع منشوراتنا ونضع أنفسنا مكان الآخر. ولنتذكر دائما أن الملافظ سعد.



*معذرة من السادة النحويين أن جمع كلمة "لفظ" هو "ألفاظ" ولم ترد مفردة "الملافظ" إلا في العامية المصرية!, ولكني إقتبستها هنا في إشارة إلى المثل الشعبي المصري.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا