بين المشايخ والدكاترة!!

د. هيثم عبدالسلام
أكاديمي وباحث

  هناك صراع خفي مستتر يظهر في بعض الاحيان على السطح بين المشايخ والدكاترة فيزدري احدهما الاخر، لا اعرف سببه بالضبط وان كانت غشاوات النفوس لا تدع احدا مهما بلغ من علم أو مركز، وهذا الصراع يبدو أن لا مناص منه وبالتاكيد لا يمكن القضاء عليه ، ولكن نطمح ان لا يكون عامل اعاقة وتاخير للدعوة وفرقة للمسلمين.

وأعني هنا بـ"المشايخ" الذين يتولون الامامة والخطابة في المساجد، وأعني بـ"الدكاترة" من يتولون تدريس العلوم الشرعية في الجامعات والكليات الاسلامية.

لم يكن هذا التفريق والشقاق موجودا في السابق بهذا الوضوح ، لان الجميع كان تدريسهم يتم بطريقة واحدة ويتخرجون الى المساجد والتعليم فيها ، اما الان فهناك طبقة جديدة وكبيرة من حملة الشهادات وهم يدرسون في الجامعات والكليات الشرعية بعيدين عن تولي الامر في المساجد ، وفي كل مسجد ومنطقة تجد فيها واحدا او اكثر من هؤلاء وتسمع منهم الهمس والتصريح عن ضعف اداء شيخ الجامع وعدم صحة رايه هنا او هناك ، وتسمع من شيخ الجامع أن الدكتور الفلاني منسوب إلى الشرع برئ منه..الخ
وقد  يصل الامر بينهما الى التنازع والخصومة والقطيعة وعدم الحضور الى المسجد فينطبق عليهم المثل " بينهما ما صنع الحداد ".
وقد يكون بينهما التنافس وهذا لا شك أنه محمود  وندعو الى المزيد منه لانه سيظهر على شكل عطاء علمي وخدمة للاسلام والمسلمين شريطة أن يتجاوز حد الإنصاف والمنافسة الزكية.

 قد يقول قائل ان كثيرا من الشيوخ هم دكاترة ايضا يحملون الالقاب العلمية ، كما ان كثيرا من الدكاترة يتولون الامامة والخطابة في المساجد وبعضهم يسكن في المساجد ، فكيف اذن تفرق وتفصل بينهم .
ان التفريق بينهم يكون يكون على اساس التفكير وطريقة العمل ، فبعض المشايخ بحكم الاختلاط مع المصلين ينزل بفكره من علياء التفكير العلمي الى  عوام المسلمين فيدور حول الوعظ والنصح  والقصص والحكايات التي تروق وتطرب مستمعيه وترضيهم فهم راس ماله وأصل جاهه (إن كان صاحب دنيا)، فيتطبع بهذا النهج ويصبح ماتعلمه وما درسه في وادٍ وما يطرح في الجامع في وادٍ اخر.
اما "الدكاترة" فهم بعيدون عن هموم الجامع ومشاكل المصلين فمنهم الذين يرون انفسهم قد انقطعوا الى محراب العلم يكتبون ويدرسون الى عالم اخر او على سطح الورق لا تلامس افكارهم الناس.

 لذلك تجد الغمز واللمز بين الطرفين ، والحق ان بينهم قسمة غير معلنة:
المشايخ للجوامع.. والدكاترة للمناصب..! 
ولاشك ان بينهم من سار على جادة الوسط فجمع بين المنهجين فاخذ باحسن ما لدى كل طرف من دون ان يميل الى جهة على حساب جهة اخرى ، اي من دون ان يكون تفكيره تقليديا مكررا، او "جامعيا" قد يوصف بـ"الكشخة" و"الاناقة" مع الترفع والاعجاب بالنفس.
كما ان هناك طرفا اخرَ قد فرط بكل الامور فلا ينفع اهل المساجد ولا اهل العلم والمعرفة . 

 ولعل خير دواء وافضله واسرعه لهذا الداء قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت "  فمن لم يكن حجر بناء فلا يكن معول هدم وليعمل مايستطيع ولاينسب الفضل والخير كله له ، فكل قد جعل الله فيه خيرا.


ونخشى ما نخشاه ان تترسخ بينهم  هذه القسمة الضيزى فيكون المشايخ للجوامع والوعظ والقصص مع الخواء الديني، والدكاترة للمناصب وحمل الحقائب الدبلوماسية وربطة العنق مع الخواء العلمي  فنخسر جميعا.

نقمــة "الآبائيــة"




آية صباح فارس
طالبة جامعية

هو بيتٌ خَـرب متهالك تشكو جدرانه أبوابه و تئن زواياه أترابه و ربما عَـج المكان برائحـة النتن
أشياء تشتكي منك اليك و تصر على ان تصم السمع عنها ( ما خفي من الداخل) ! ..
اما من الخارج و امام الناظر فكقصر بلقيس المُزمرد و صرح سليمان الممرد ، لا يلبث صاحبه بتغيير الدِهان و الألوان بين الفَينة و الأخرى هكذا حاله ( لابد للأفعى من الانسلاخ) !!
هذه المادة المحفوظة بين جنبات الرأس من عظيم آلاء المُنعم و لكل نعمة أمد اما تذهب عنك او تذهب عنها و انما الشكر يكون بالعمـل ( اعملو آل داود شُـكرا وقليل من عبادي الشكور)
الأساءة مع القلة اهانة للنعمة .
الدماغ هذا العضو الهائل الذي يزدحم بـ بليارات الخلايا و ملايين التشعبات و الأفرع، استودعنا البديع هذا المخلوق لنقدم القسط و نجازي الاحسان بالاحسان ، هذا المطلوب اقراره
و الواجب عرفانه و العمل لمبتغاه
كما هو معلوم يولد الانسان على الفطرة بنقاء والتي تعد الردم الصُلب لمنع بعض السوادية المجتمعية و كما هو معلوم ايضا ان هذا الانسان نفسه يُقولب البيانات (Input) بلوحة مفاتيح التبديل و التغيير لتحصل البرمجة على وفق ما يُملى عليه و لأنه مجبول على النقص و عدم الكمال قد يكون هو المتهم الأول بعشعشة الفيروسات و عملقتها !!
عندما يحصل التساير و الاندماج المفرط مع الاخرين لدرجة قَبولهم في كل شيء و الاهتمام برضاهم عن أي شيء هنـا تحدث الخطيئة بحق هذا الكائن المؤتمن أنت عليه
وقد يتبع هذا القانون اصحاب الماركة ( أ . د ) والشهادات التي أثقلت جدران الغرف و حامليها قد يكونون مجرد ( مُتطفلي جلسات او اشاعات) الا من رحم الله
الانغماس في التقاليد  و العادات و الابائية و القبيلة و العشيرة وتحصيل رضاهم اصبح كل ذلك واكثر نقمة المجتمع الساعي الى النهضة و التحضر و لاشك انها تضع المطبات أمام المصلحين الرامين الى التحضر و ايقاظ الوعي وستحرم نفسك من معارف و علوم لست غنيآ عنها

فمتى ستقتلع جذور الجاهلية يا خليفة و تكون مشـروع نجاح و فلاح ؟
متى تعلن الانتفاضة على الموروثات المتراكمة التي تعتبر نتاجات عدم فهم و وعي أسوةً بخليل الله ابراهيم ( عليه و على نبينا الصلاة و السلام ) ؟ الذي صدح بثورته أمام أقرب الناس اليه
ردآ على الذين تشدقوا بـ ( بَلْ قَالُوا انَّا وَجَدنَا آبَائَنا على أُمَةٍ وانا عَلى آثارِهِم مُهتَدُون)
يُجيب الثابت الذي فَكر و قَدر و يعلن التبرئة ( و اذْ قَالَ ابرَاهِيمُ لأبيهِ و قَوْمِهِ انني بَراءٌ مما تَعْبُدون ) موقف سيدنا ابراهيم هذا و غيره في الفضل و الفتوة و الشجاعة و الثبات جعل آيات الثناء تنزل كالغيث الذي يغسل قلوب المُتعبين ( ان ابراهيم كان أُمـــة قانتآ لله حنيفا و لم يكُ من المشركين ) أمـة ابراهيم ليست كـ أمة من وجدوا ابائهم عليها ، انما الجزاء من جنس العمل .

قد يفرض عليك صاحبك مشروبا أنت لا تحبه وتلزم نفسك بشربه انصياعآ له مُكرهآ  نفسك على فعله ، قد يقول أحدهم ان هذا القبول دلالة الحب و الاحترام
أقول : ارفضه بحب و احترام .. سيتقبل صاحبك و ستُقدر نفسك.
كلنا نعرف الطعام- الضب – الذي عُرضَ على رسول الله نبي الحب  ( صلى الله عليه و سلم ) فرفض أكله
وقال : لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ..
فلماذا الحرص على هذه العادات و الاهتمام برضا أهلها ؟!!

((قل ان صلاتي ونسكي و ( محياي ) و مماتي ( لله ) رب العالمين))

لتعلم بعدها ان رضا الناس ليس غاية أصلا
والتقليد الذي يحرضك على وأد ابنتك قد وأد فكرك أولا
و الرسالة –التي فيها من الاحاديث الضعيفة والمنكرة مافيها والتي  تقول لك : انشرها و لك الأجر
( لا تنشرها و لك الاجر(
فاذا أردت يامسكين أن تزور حديقة قصرك المزعوم  فلا تنسى مُبيد الفيروسات و الآفات التي قد تزحلقك الى مستنقع ضحل ، ولابد لك من زيارة لمراجعة محتويات الدماغ و اجراء عمليات الغسيل .
لكنه ليس كـالغسيل الذي يتبادر الى اذهاننا ( تعبئة العقل بأفكار شيطانية وتمرد على السلمية و تغيير المبادئ السليمة ) فيرجع الرجل بغير الوجه الذي ذهب به !!
انه غسيل من نوع خاص يخرج به المرء بأبهى حُـلة و أنصع زينة ( لمن يهمه امر الزينة ) هو باختصار عملية جرد و تطهير و تنقية و كأنك تضع هذا الدماغ في غربال يغربل كل الشوائب و تهزه هزا لتذره قاعا صفصفا ( مستويا-أملسا ) هذه بواكير ( التخلية ) الميمونة و هي وحدها لاتكفي فلابد من اتباع قرينتها ( التحلية ) بها

أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى *** فصادف قلبا خاليا فتمكنا

كل خالٍ و فارغ من قلب او عقل كالوعاء الذي سيمتلأ شئتَ أم أبيت و أنت عليك أن تحدد كيفية و كمية و نوعية مادة التعبئة  فالتدبر و التفكر والقراءة مُطيبات صحية و جديرة بالأخذ و المصاحبة فحُسن التعبئة تنجي من الهبوط الى مدارك الجهل المركب
لتنعم بـبشرى عملية التعبئة تمت بنجاح زوده برصيد سليم صالح للاستعمال .


موقف الشريعة إذا اجتمعت المصالح في السياسة الشرعية


 د.عبد الكريم عمر العاني
أكاديمي وباحث
       إذا اجتمعت مصلحتان أو أكثر، فمن الأولى الجمع بين المصالح قدر الإمكان لتحصيل أكبر قدر من المنافع، فإن تعذر الجمع بينهما عُمِل بالأصلح، والضابط في ذلك كما يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: "تقديم الأصلح فالأصلح ثم درء الأفسد فالأفسد"([1]) ثم يعود فيقول رحمه الله تعالى في موضع آخر: "إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصْلَحَتَانِ وَتَعَذَّرَ جَمْعُهُمَا فَإِنْ عُلِمَ رُجْحَانُ إحْدَاهُمَا قُدِّمَتْ"([2]).
لكن عند تعذر معرفة الراجح من المصلحتين "فقد يجعل الشَّرْعَ الْمَصْلَحَةَ الْمَرْجُوحَةَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الرَّاجِحَةِ أَوْ عِنْدَ مَشَقَّةِ الْوُصُولِ إلَى الرَّاجِحَةِ، بَدَلًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا يُبَدَّلُ الْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالصِّيَامُ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْإِطْعَامُ بِالصِّيَامِ، وَالْعِرْفَانُ بِالِاعْتِقَادِ فِي حَقِّ الْعَوَامّ، وَالْفَاتِحَةُ بِالْأَذْكَارِ، وَجِهَةُ السَّفَرِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ بِالْقِبْلَةِ، وَجِهَةُ الْمُقَاتَلَةِ فِي الْجِهَادِ بِالْقِبْلَةِ([3]).
بمعنى عمل موازنة بين المصالح، وهذه الموازنة أيضاً يمكن إجراؤها في الواجبات إذا اجتمعت، والموازنة بين مصالح المندوبات إذا اجتمعت.

1.    الجمع بين المصلحتين إذا اجتمعتا ومثالها: " تَقْدِيمُ إنْقَاذِ الْغَرْقَى الْمَعْصُومِينَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ، لِأَنَّ إنْقَاذَ الْغَرْقَى الْمَعْصُومِينَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُنْقِذَ الْغَرِيقَ ثُمَّ يَقْضِي الصَّلَاةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا فَاتَهُ مِنْ مَصْلَحَةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا يُقَارِبُ إنْقَاذَ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ الْهَلَاكِ"([4]). لذلك إن تقدم ولي الغريق بدعوى ضد ذلك المصلي، لهُ ذلك _والله تعالى أعلم_، لأن الصلاة تؤول إلى خلف بخلاف الحياة فلا يخلفها إلا الموت([5]).
2.    تعارض مصلحتين والعمل بأصلحهما أو تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وذلك يكون في الموازنة بين الواجبات المتعارضة، وبين المندوبات.

              ‌أ.       الموازنة بين المصالح في الواجبات:

v   تعارض مصلحة خاصة مع مصلحة عامة.
المثال: تعارض مصلحة خاصة وهي الملك والمنفعة ومصلحة عامة وهي حماية النفوس في دفع المشركين؛ وبيانها: المصلحة الأولى عمل العبد لمولاه وهي مصلحة خاصة، ووقوع نفير عام لدفع شر المشركين لحماية النفوس المسلمة، وهي مصلحة عامة، فتدفع المصلحة الخاصة لأجل تحصيل المصلحة العامة،جل ا فمن المعلوم "أن ليس للعبد أن يقاتل بغير إذن مولاه، لان منافعه ملك المولى فلا يجوز له أن يفوتها عليه بالاشتغال بالقتال. وماليته ملك المولى، فلا يجوز له أن يعرضها للتلف بالقتال، إلا أن يجيء حال ضرورة المسلمين إليه. بأن وقع النفير عاما. فحينئذ لا بأس أن يخرج لأن موضع الضرورة مستثنى من لزوم الطاعة شرعا، ولأنه ليس للمولى في مثل هذه الحالة أن يمنعه، بل يفترض عليه دفع شر المشركين بنفسه وبما يقدر عليه من ملكه. فلذلك لا يجب على العبد أن يطيعه إن نهاه عن الخروج"([6]). ونستطيع أن نفرع عليه أن ليس للأجير الخاص في عمل معين إن حصل النفير أن يطيع من استعمله، إذا وقع النفير العام، بأن لا يعفيه ولي الأمر من عقوبة ترك القتال بحجة عدم موافقة من استعمله لذلك العمل، وفي ذلك أيضاً سدٌّ لذريعة اتخاذ بعض المهن فرارا من القتال. ويقاس على ذلك أيضاً أن ليس للوالدين منع ولدهما من الجهاد عند وقوع النفير العام خلافا لجهاد الطلب، لأن الأخير فرض على الكفاية أما النفير العام فهو فرض على العين. ونلاحظ من المثال أيضاً أن هناك ضابطاً في ذلك هو: "موضع الضرورة مستثنى من لزوم الطاعة شرعا"([7]).


v         تقديم الأصلح بين المصلحتين في الواجبات.
         من المعلوم أن الواجب عدم ترك الأمة بلا قائم يقوم بأمرها، فإن كان هناك أكثر من شخص مؤهل للخلافة، يقدم الأصلح، والأصل أنه يقدم للخلافة من هو عدل عالم بالأصول والفروع، وافر العقل والرأي، عالم بشروط الولاية، ذو هيبة في نفوس الناس، حريص على مصالح المسلمين، لأن الولاية أمانة، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ (رضي الله عنه) قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وسلم) أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا"([8])،  "ويقَولَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وسلم) قَالَ إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"([9]).
بمعنى أن اختيار الخليفة إنما يكون لأصلح الموجود، فإن تعذر معرفة الأصلح، نقدم الأمثل فالأمثل، يقول الإمام الجويني([10]) رحمه الله تعالى: "لا خلاف أنه إذا عسر عقد الإمامة للفاضل، واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول، وذلك لصغو الناس، وميل أولي البأس والنجدة إليه، ولو فرض تقديم الفاضل، لاشرأبت الفتن وثارت المحن ولم يجد عددا وتفرقت الأجناد بددا، فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة([11]) تقتضي تقديم المفضول، قُدِم لا محالة إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقديم المفضول ارتباطها وسدادها تعين إيثار ما فيه صلاح الخليفة باتفاق أهل الحقيقة"([12])، بمعنى تقديم الأصلح للخلافة وفي ذلك يقول الجويني أيضا رحمه الله تعالى: "أن الأفضل هو الأصلح فلو فرضنا مستجمعا للشرائط بالغا في الورع الغاية القصوى وقدرنا آخر أكفا منه وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة وإن لم يكن في الورع مثله فالأكفأ أولى بالتقديم"([13]).
ثم يعود الإمام الجويني رحمه الله تعالى في إشارة إلى إن الأصلح في الخلافة إنما يؤخذ من تقدير الظرف وقت الاختيار، فلو قُدِم للخلافة اثنان، الأول فقيه والثاني عسكري عالم بتجنيد الأجناد، وكانت الدولة مستقرة أمنياً، لكن ثارت نعرات وبدع وأهواء وكانت الحاجة لمن يسوس الأمور الدينية فالفقيه أولى بالخلافة، وإن كان العكس فالعسكري أولى بها([14]). وهذا ما يعرف الآن بواجب الوقت.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوى الشجاع، _وان كان فيه فجور_ على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أمينا، كما سئل الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله تعالى) عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، واحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى، فقال: أما الفاجر القوى فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين؛ فيغزى مع القوى الفاجر وقد قال النبي r: "أَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ"([15])، ....وان لم يكن القوي فاجرا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده"([16]).


v   تفاوت رتب المصالح في الفروض.
من المعلوم أنه إذا اجتمع فرض العين مع فرض الكفاية، ولم يمكن الجمع بينهما قدم فرض العين على الكفاية، "لأَنَّ الْمَقْصُودَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ دُونَ ابْتِلَاءِ الْأَعْيَانِ بِتَكْلِيفِهِ، وَالْمَقْصُودُ بِتَكْلِيفِ الْأَعْيَانِ حُصُولُ الْمَصْلَحَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى حِدَتِهِ، لِتَظْهَرَ طَاعَتُهُ أَوْ مَعْصِيَتُهُ، فَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْعَيْنِ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الْقَائِمِينَ بِهِ دُونَ مَنْ كُلِّفَ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ"([17]). "وَلِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَعْتَمِدُ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْأَعْيَانِ يَعْتَمِدُ تَكَرُّرَ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ أَقْوَى فِي اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الَّذِي لَا تُوجَدُ الْمَصْلَحَةُ مَعَهُ إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى مَا لَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ"([18]).
مثال ذلك: ليس للابن الخروج إلى الجهاد إلا بموافقة والديه وذلك لأن "بر الوالدين وترك ما يلحق الضرر والمشقة بهما فرض عليه عينا، والجهاد فرض على الكفاية. _وهذا إذا لم يقع النفير عاما_. فعليه أن يقدم الأقوى. وفى خروجه إلحاق الضرر والمشقة بهما"([19]).
  
v         إذا تفاوتت رتب المصالح في الفروض على الكفاية، قُدِمت المصلحة التي تناسب الوقت، كما يسمى اليوم بواجب الوقت، "فقِتَالُ الدَّفْعِ _مثلاً_ أَفْضَلُ مِنْ قِتَالِ الطَّلَبِ، (لذلك فليس لمن كان بمقدوره دفع شر الأعداء عن بلده الخروج ليقاتل قتال طلب_والله أعلم_)([20]) وَدَفْعُ الصِّوَالِ عَنْ الْأَرْوَاحِ وَالْأَبْضَاعِ أَفْضَلُ مِنْ دَرْئِهِمْ عَنْ الْمَنَافِعِ وَالْأَمْوَالِ (وذلك لأن الحفاظ على النفس والعرض مقدم على الحفاظ على الأموال)([21])، وَكَذَلِكَ تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْمَفَاسِدِ"([22]).
كذلك إذا تزاحم وقت أداء الفروض قُدِم الواجب المضيق على الموسع([23]) "فليس    لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ أَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ. وَكَذَا مِنْ قَضَائِهِ، إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَمِنْهُ حَجُّ الْفَرْضِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ"([24]). ويفرع عنه أن ليس للإمام أن يمنع قومه من أداء فريضة الصوم في شهر رمضان، كما فعل الرئيس التونسي السابق بو رقيبة بحجة أنه يقلل الناتج الوطني لبلاده، على أن يؤدوه في وقت آخر.

‌ب.             الموازنة في المصالح بين المندوبات.
من المعلوم أن المندوبات تتفاوت من حيث العدد والأهمية والمصلحة، لذلك لابد عند تزاحم هذه المندوبات العمل بأكثرها مصلحة وأهمية.
مثال ذلك: تَقْدِيمُ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ عَلَى الرَّوَاتِبِ، وَمِنْهَا تَقْدِيمُ الرَّوَاتِبِ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُبْتَدَآت، وَمِنْهَا تَقْدِيمُ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى سَائِرِ الرَّوَاتِبِ"([25]).
وقد ذكر الإمام القرافي رحمه الله تعالى أمثلة فيها أن المصلحة في المندوب قد تتعدى مصلحة الواجب ومنها: "إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْإِنْظَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ] وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [([26]) فَجَعَلَهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِنْظَارِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَمَنْ أُبْرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْظَارُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ.
مثال آخر: واِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ بِأَلْفِ مَثُوبَةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، وكذا الصلاة في المسجد الحرام والمسجد الأقصى"([27]) .






([1]) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، 1/5.
([2])المرجع السابق، 1/51.
([3])المرجع السابق، 1/52.
([4])المرجع السابق، 1/57.
 ([5])الباحث.
([6]) الشيباني: السير الكبير،1/183.
([7]) المرجع السابق.
([8]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب كراهية الامارة، برقم (1825)، 3/1457.
([9]) أخرجه الأمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة t، كتاب الجماعة والإمامة، باب رفع الأمانة، برقم(6131)، 5/2382.
([10]) وهو إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله الجويني النيسابوري أبو المعالي رحمه الله تعالى الفقه الأصولي، رئيس الشافعية في زمانه، ولد في سنة تسع عسرة وأربعمائة للهجرة، صاحب التأليف المميزة كالبرهان والورقات في أصول الفقه، والغياثي في السياسة الشرعية، والإرشاد في أصول الدين وغيرها، توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وسبعين بعد الأربعمائة للهجرة
ينظر:: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 5/165؛ ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية، 2/255.
([11]) الإيالة تعني السياسة.
ابن منظور: لسان العرب، فصل الهمزة باب اللام، 11/34.
([12]) الجوينيي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي(419-478هـ)، غياث الأمم والتياث الظلم، تح: د. فؤاد عبد المنعم، د. مصطفى حلمي، (ط1، دار الدعوة، الاسكندرية، 1979م)، ص123.
([13]) المرجع السابق، ص 124-125.
([14]) ينظر:: المرجع السابق، ص125.
([15]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة t، كتاب إمام الناس، باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر، برقم (2897)، 3/1114؛ والإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب غلظ قتل الإنسان نفسه، برقم (111)، 1/105.
([16]) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، 28/254.
([17]) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام،1/44.
([18] ) القرافي: الفروق، الفرق التاسع والمائة، 2/331.
([19] ) الشيباني: السير الكبير، 1/193.
([20])الباحث.
([21])الباحث
([22]) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، 1/47.
([23]) الواجب المضيق وهو مايسع الواجب وحده، ولا يتسع لغيره من جنسه، وذلك كشهر رمضان فإنه وقت مضيق إذ لا يسع فيه من الصيام بالنسبة للمكلف الصحيح المقيم إلا الصوم المفروض عليه، ويسمى معياراً، والموسع ويسميه الحنفيه ظرفاً وهو مايزيد عن أداء الواجب فيه، فيسعه ويسع غيره من جنسه، وذلك كأوقات الصلوات.
الكبيسي حمد عبيد، (ت_1527هـ)، أصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي، (ط3، مطابع البيان التجارية، دبي، 1425هـ_2004م)، ص 171.
([24]) الزركشي: المنثور من القواعد، 1/343.
([25]) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، 1/142.
([26]) سورة البقرة، جزء من آية 281.
([27])القرافي: الفروق، الفرق السابع والثمانون،  2/229.

شباب الامة بين الواقع والطموح


د.ادريس العيساوي
اكاديمي وباحث
      مما لا يخفى على احد ان الشباب عماد الامة ونهضتها، وقلبها النابض ، وروحها السارية ، وايديها العاملة ،  وديمومتها الباقية ، قامت على اكتافهم كل ثورات التحرر ، والاصلاح ، والتغيير ، والتجديد في القديم ، والحاضر ، في الشرق والغرب ...فما من حضارة ازدهرت او امة ارتفعت ، وعلت الا وكانوا روادها وصناعها ، وسببا في رقيها وتطورها وازدهارها...
      لذا ادرك النبي صلى الله عليه وسلم ما لشريحة الشباب من دور مهم ، وفاعل في صناعة الاحداث ، وقيادة المجتمعات ، واحداث التحولات فاهتم بهم تربية ، وتوجيها ، واعدادا منذ اللحظات الاولى للدعوة الاسلامية ، وأوكل اليهم اصعب المهام، واخطرها حراجة في تاريخ الدعوات،حيث اختار مصعب بن عمير (رضي لله عنه) وهو شاب  ليرسله الى يثرب يدعوهم الى الاسلام ،وكانت يومها بيئة معقدة غاية في التعقيد : فيها قبائل متناحرة من اوس وخزرج غارت فيهم القبلية الى الاعماق، وفيها يهود اصحاب كتاب ؛ فاستطاع مصعب تغيير موازين الفهم والتفكير في النظرة الى الغيب والشهادة ، والدنيا والاخرة في هذا المجتمع المركب في اشكالاته في بضع شهور ، والمتتبع للسيرة النبوية  يجدها مليئه بالنماذج الشبابية  الذين قامت على كاهلهم اعباء الامانة وتكاليفها،فقد أولاهم النبي صلى الله عليه وسلم العناية ، والرعاية معنويا وماديا. ووظفهم احسن توظيف بما يتناسب ، وقدراتهم حتى صنع منهم قادة عظاما ملؤا الدنيا بعدلهم وحلمهم ، وعلمهم ،
ورصعوا صفحات التاريخ بانجازاتهم وابتكاراتهم ، وتضحياتهم ، وطوفوا  الخافقين شرقا وغربا ، ففتح الله بهم قلوبا غلفا ، وأذانا صما ، وعيونا عميا، واستمر اهتمام الامة بالشباب جيلا بعد جيل تنهل من عطائهم ،  وتفخر بانجازاتهم الى زمن ليس ببعيد...
     الا ان  الاهتمام بهذه الفئة ضعف بعد مرحلة الاحتلال الحسي والمعنوي  في القرن الماضي بسبب: 
1. غياب الخلافة الاسلامية ، الام الحاضنة لابنائها مما جعل الشباب يفقد مركزية التحريك، ودافعية العمل، ووحدة الشعور ، وروح الابداع.
2.  عمليات التغريب الفكري ، والاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي التي مورست على طيلة الفترة الماضية والى يومنا هذا مما اثر سلبا على تصورات ، وسلوكيات  شباب الامة.
3. الحكام الذين خلفهم الاحتلال على مقدرات الامة، وشعوبها ، حيث لم يقيموا وزنا للشباب ، وطموحاتهم ، وتطلعاتهم في التحرر، والرقي والتقدم.
4. الفرقة ، والخلاف بين ابناء الامة ، والانشغال بالامور الجانبية التي استنزفت طاقات الشباب وامكاناتهم في قضايا جدلية اضرت بالامة ،وقتلت فيها روح الالفة والمودة.
5.  ادعياء العلم الذين ساعدوا من حيث لا يشعرون في اقصاء الشباب المتدين من مسرح الحياة العلمية بدعوى التنسك والزهد.
6.هجرة اصحاب العقول ، بسبب المضايقات الامنية ، وحالة عدم الاستقرار.
7. ضعف دور الجامعات العربية ، والاسلامية في تخريح الشباب الكفؤ والمتوازن.
8. غياب مراكز الابحاث والدراسات المستقلة ، التي تحتضن ابداعات الشباب ، وافكارهم ...هذه الاسباب وغيرها دفعت شباب الامة الى  ترك  مسرح التنافس العلمي في مختلف المجالات ، اضافة الى فقدان الاعتزاز بهوية الامة وحضارتها ،وتقاليدها ، ورموزها ، وظهور جيل من الشباب بين الافراط ،  والتفريط بسبب حالة الهوان والضعف التي اعترت جسد الامة الذي انهكته (حالة اللاوعي) ،وفقدان المناعة تجاه الافكار الوافدة الى مجتمعاتنا....
    فواقع شبابنا اليوم غير مرض البتة ،  وبعيد كل البعد عن طموحات وتطلعات الامة في ارتقاء سلم الحضارة، ومنصة الصدارة ،  في جميع الاختصاصات ،  وعلى كافة الاصعدة ، والمستويات ، فالناظر الى مستوى الشباب الجامعي الذي يفترض ان يجسد الحالة المثالية للمجتمع يصاب بالصدمة لهزالة اهدافهم ، وغريب اطوارهم...
    ومع هذا الواقع المرير نتلمس الامل من خلال وجود ثلة مباركة من شباب الامة قفزت على المناطقية الضيقة ، وكسرت حالة الركود ، وتجاوزت الحدود ،وبثت الروح من جديد بقبلة حياة انفاسها من عبق الماضي لينهضوا بالامة من خلال بداية خط الشروع ، ليعيدوا لها عزها المفقود....فاذا  اردنا لشباب الامة ان يصل الى مستوى الطموح الذي يليق بحضارتنا ،  لابد من التركيز في تربيتهم ، واعدادهم على المنهجية الاتية:
١. غرس العقيدة الصافية النقية في نفوسهم ، واحياء الجوانب الايمانية التي تجعلهم يصمدون امام فتن الحياة ،ومغرياتها، ومحنها ، وابتلاءاتها اضافة الى ان العقيدة تدفعهم لتحقيق مبدأ الاستخلاف في الارض، والمتأمل في دعوة النبي  صلى الله عليه وسلم في مكة يجدها قد اعطت الاولوية لهذا الجانب. 
٢. تربيتهم على الاعتدال ، والتوازن في الامور الدينية ، والدنيوية ، بعيدا عن الغلو والتنطع، والتطرف.
٣. تربيتهم على الحوار ،والنقاش ، والاقنناع ، لان شباب اليوم يحتاج بسبب الانفتاح ، وكثرة الشبه الى المحاججة العقلية ، والدليل الحسي ، وتقريب الصورة ،  استعارة المثال ، وضرب القصة ،والتذكير بالمسلمات.
٤. التركيز على اكتشاف الطاقات الشبابية مبكرا في جميع الاختصاصات، والعمل على تنميتها ، واستثمارها.
٥.  بث فيهم روح المنافسة ،  والعطاء من خلال التشجيع ، والثناء على المتفوقين، والمتميزين.
٦. العمل على ازالة الحواجز بين المربين والشباب من اجل الوقوف عن قرب
على همومهم ومشاكلهم .
  بهذه المنهجية ، وغيرها نستطيع ان نرفع من تطلعات شباب الامة ، والخروج من الواقع المظلم السوداوي الذي خيم على الامة بجميع فئاتها ،ومختلف تشكيلاتها لنصل بها الى مصاف الامم المتقدمة ، بسواعد ، وعقول ابنائها.