شبهة حديث جئتكم بالذبح


شبهة حديث جئتكم بالذبح
د عبد الستار عبد الجبار
عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي

إن من أكبر مشكلاتنا في هذا العصر سوء الفهم للنصوص الشرعية، والتي يترتب عليها سوء السلوك والتطبيق المشوه للإسلام.
ومشكلة سوء الفهم التي نعاني منها اليوم أخطر من انعدام الفهم، لأن عديم الفهم يُفهَّم وسيءَ الفهم يَتصور نفسه فاهماً، فهو يحتاج إلى إقناع بأن فهمه خطأ، ويحتاج إلى إقناع آخر بالفهم الصحيح، وللأسف الشديد نجد هذا كثيرًا في زماننا.
وقد أعطى سوء الفهم هذا لنصوص الشرع صورة همجية للمسلم جعلته عدوًا للإنسانية والحضارة، بينما نصت الشريعة على كرامة الأنسان بنص قطعي الثبوت والدلالة فقال تعالى }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{ الإسراء70
ومعنى كرمنا: فضلنا، وبنو آدم هم الجنس البشري بمختلف عقائده وأديانه، فهو مفضل بالعقل والعلم والقدرة على النطق والتعبير وباعتدال الخَلق وغير ذلك، والنص يخبر أن الله I قد سخر لهم ما يحملهم في البر من دواب وسائط وفي البحر من سفن ثم ذلل لهم الأرض ورزقهم من الطيبات والملذات، وفضلهم على كثير ممن خلق كالبهائم والوحوش.
و(تفضيلا) توكيد لمكانة هذا الجنس الذي خلقه الله بيده بينما خلق الخلق بكن فكانوا ونفخ فيه من سر روحه وأسجد له ملائكته وجعله خليفته، فالمفضل لا يجوز أن يهدر دمه لأتفه الأسباب.. وهكذا ينظر الإسلام للإنسان كقيمة عليا.
ثم كُلف هذا الإنسان بعمارة الأرض وتشييد الحضارة فقال على لسان نبيه صالح u }يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ{ هود61
ومعنى أنشأكم من الأرض: ابتدأ خلقكم بخلق آدم منها، ثم استعمركم أي جعلكم عماراً تعمروها بالسكن والتشييد فيها (فاستغفروه) من الشرك (ثم توبوا) ارجعوا (إليه) بالطاعة (إن ربي قريب) من خلقه بعلمه (مجيب) لمن سأله، فنحن مأمون بعمارة الأرض مشاركة مع غيرنا من أبناء الجنس المكرم، ولم نؤمر بإبادة الأجناس والأديان.
وقد ورد هذا الحديث في سياق قصة، وقصته وردت من طرق متعددة، من أقواها ما ورد عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص أنه سئل: ما أَكْثَرَ ما رَأَيْتَ قُرَيْشاً أَصَابَتْ من رسول اللَّهِ r فِيمَا كانت تُظْهِرُ من عَدَاوَتِهِ؟ قال (حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْماً في الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالُوا: ما رَأَيْنَا مِثْلَ ما صَبَرْنَا عليه من هذا الرَّجُلِ قَطُّ سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لقد صَبَرْنَا منه على أَمْرٍ عَظِيمٍ، أو كما قالوا. قال: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذا طَلَعَ عليهم رسول اللَّهِ r فَأَقْبَلَ يمشي حتى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ فلما أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ ما يقول، قال: فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى فلما مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فقال: )تَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لقد جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ( فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حتى ما منهم رجلا الا كَأَنَّمَا على رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حتى أن أَشَدَّهُمْ فيه وصاه قبل ذلك ليرفأه بِأَحْسَنِ ما يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حتى انه لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يا أَبَا الْقَاسِمِ انْصَرِفْ رَاشِداً فَوَاللَّهِ ما كُنْتَ جَهُولاً.
قال: فَانْصَرَفَ رسول اللَّهِ r حتى إذا كان الْغَدُ اجْتَمَعُوا في الْحِجْرِ وأنا مَعَهُمْ فقال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ ما بَلَغَ مِنْكُمْ وما بَلَغَكُمْ عنه حتى إذا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ فَبَيْنَمَا هُمْ في ذلك إِذْ طَلَعَ رسول اللَّهِ r فَوَثَبُوا إليه وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ: له أنت الذي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كان يَبْلُغُهُمْ عنه من عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ قال: فيقول رسول اللَّهِ r: نعم أنا الذي أَقُولُ ذلك، قال: فَلَقَدْ رأيت رَجُلاً منهم أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، قال: وَقَامَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ r دُونَهُ يقول وهو يَبْكِى }أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ ربي الله{ ثُمَّ انْصَرَفُوا عنه، فإنَّ ذلك لأَشَدُّ ما رأيت قُرَيْشاً بَلَغَتْ منه قَطُّ)([1])
وقصة اجتماعهم في الغد في الحجر عليه r وأخذهم بمجامع ردائه في الصحيح، وفي سند رواية أحمد محمد بن اسحق وهو مدلس وقد صرح بالسماع فزال إشكاله وبقية رجاله رجال الصحيح([2]).
ومنها: ما ورد عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا أَرَادُوا قَتْلَ رَسُولِ r إِلا يَوْمًا رَأَيْتُهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَعَلَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ جَذَبَهُ حَتَّى وَجَبَ لِرُكْبَتَيْهِ r وَتَصَايَحَ النَّاسُ فَظُنُّوا أَنَّهُ مَقْتُولٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ t يَشْتَدُّ حَتَّى أَخَذَ بِضَبْعَيْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ وَرَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ }أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ{ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنِ النَّبِيِّ r فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ مَرَّ بِهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: )يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِلا بِالذَّبْحِ( وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتَ جَهُولا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r )أَنْتَ مِنْهُمْ(([3])
وفي السيرة الحلبية 1/471، عن عثمان بن عفان t أنهم كانوا ثلاثة نفر: عقبة ابن أبي معيط وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف، وأن رسول الله r قال فيهم )إن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله على أيديكم عاجلا... فوالله لقد ذبحهم الله بأيدينا يوم بدر(.
وتعدد الطرق يعطي الحديث قوة فلا يمكن رده بالضعف الذي في بعض طرقه لأن بعضها يخلو من هذا الضعف، وهي باجتماعها تتقوى.
ولكن المتأمل في الرواية يجد أن الحديث خاص في ناس معينين، فكان مع نفر من سادة قريش وليس من خطاب البلاغ العام لكل الناس فقد خاطب به معشر قريش، وخص الثلاثة المذكورين (عقبة ابن أبي معيط وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف).. وقوله لأبي جهل )أَنْتَ مِنْهُمْ( يدل على هذه الخصوصية، ووجود مسلمين قرشيين غير داخلين في الخطاب يؤكدها.
وهذا يعني أنه لا يجوز تعميمه على كل الأقوام غير المسلمة لأن القصة في واقعة خاصة والسبب خاص واللفظ خاص، ولا يجوز تعميم الخاص، هكذا يقول الفهم السليم.
وحمل الحديث على عموم قريش أو عموم الناس يعارضه الواقع، فهو لم يذبح كل قريشٍ ولا كل الناس، والتعميم يتعارض مع نصوص قرآنية ونبوية منها:
$ قوله تعالى }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{ الأنبياء107 فالعالمين تشتمل على المؤمن والكافر، فهو رحمة لهم ببيان طريق الهداية وأسباب الرحمة لهم، والذبح أبشع صور القتل وهو لا يتناسب مع الرحمة، فكيف يكون الرحمة المهداة للعالمين وهو قد جاءهم بأبشع أنواع القتل؟
والمفسرون يذكرون أنه رحمة للكفار والمؤمنين، ومن رحمة الكافرين أنهم لم يعاقبوا بمثل ما عوقب به الكفار المتقدمون من الطوفان والصيحة وشبه ذلك، وذلك استنباطا من قوله تعالى }وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ الأنفال33 فإذا قلنا إنه جاء بالذبح فكيف نوفق بين الذبح لهم وعدم تعذيب الله لهم ما دام فيهم r؟
$ بل ثبت أنه كان أشدَّ رحمة بقريش من غيرهم فلم يستأصلهم بالذبح بل دعا لهم بالهداية ورجا لهم الصلاح، فعندما أرسل الله I له جِبْرِيلُ u مع مَلَك الْجِبَالِ لِيأْمُرَهُ بِمَا شاء وقال له ملكُ الجبال: إن شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهم الْأَخْشَبَيْنِ (الجبلين المحيطين بمكة) قال النبي r )بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله من أَصْلَابِهِمْ من يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئا(([4]) فلم يرجُ الرحمة لهم فحسب بل لنطفهم التي في أصلاب الرجال، ولو كان جاءهم بالذبح لما رجى لهم ذلك.
$ ومن رحمته بقومه أن يحدثهم عن نبي غيره r كما ورد عن ابن مسعود t )كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى النبي r يَحْكِي نَبِيًّا من الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وَجْهِهِ وَيَقُولُ اللهم اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(([5]) فإذا كان يُعلم أتباعه أن يكونوا هكذا مع أقوامهم وهم يؤذونهم فكيف يكون هو r مع قومه؟ وهل يرضى أن يكون نبي غيره خيره لقومه أكثر من خيره هو r؟ ولو كان أرسل إليهم بالذبح لما قص عليهم خبر هذا النبي الذي آذاه قومه وهو يدعو الله لهم.
$ ولا أدل على رحمته بقومه من يوم فتح مكة الذي أراد أن يسميه بعض الأنصار بيوم الملحمة، فسماه r يوم المرحمة، وبعد فتح مكة وتكسير الأصنام جمعهم أمام الكعبة صفوفًا ينتظرون ماذا سيفعل بهم، وسألهم )يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته }لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ{ يوسف92 اذهبوا فأنتم الطلقاء(([6]) فأي أخ أكرم منه لأهله، ولو كان جاء بالذبح لأمر به في هذا اليوم ولقد كانوا يستحقونه، ولكنه الرحمة المهداة.
$ ووصف النبي r بأنه جاء بالذبح فيه إساءة له ولرسالته، وفيه سوء أدب معه r ووصفٌ للرسالة الخاتمة بما لا يليق، فهو رفض أن يقتل رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عندما قال فيه }لَئِنْ رَجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ منها الْأَذَلَّ{ فَبَلَغَ النبي r فَقَامَ عُمَرُ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذا الْمُنَافِقِ، فقال النبي r )دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ الناس أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ(([7]) فهو هكذا مع رجل ليس من أصحابه ولا من قومه ولا من المؤمنين، وهو هكذا حتى لا يقال وتوجه له تهمة القتل، فما بالك بتبني الذبح منهجًا في التعامل مع الآخر؟
اللهم إنا نعوذ بك من سقامة الفهم.






([1]) مسند أحمد بن حنبل 2/218، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، حديث رقم 7036، وابن حبان، الصحيح 14/525، ذكر بعض أذى المشركين رسول الله r عند دعوته إياهم إلى الإسلام، حديث رقم 6567. ومسند البزار 6/456، حديث عبد الله بن عمرو، حديث رقم 2497. 
([2]) انظر: الهيثمي، مجمع الزوائد، 6/16.
([3]) صحيح ابن حبان 14/529، ذكر جعل المشركين رداء المصطفى r في عنقه عند تبليغه إياهم رسالة ربه I، حديث رقم 6569. ومصنف ابن أبي شيبة 7/331، حديث رقم 36561. مسند أبي يعلى 13/324، حديث رقم 7339.
([4]) رواه البخاري 3/1180، حديث رقم 3059. ومسلم 3/1420، حديث رقم 1795.
([5]) رواه البخاري 3/1282، حديث رقم 3290، ومسلم 3/1417، حديث رقم 1792.
([6]) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق الأرنؤوط 3/407.
([7]) رواه البخاري 4/1861، حديث رقم 4622.

خداع الأمم


خداع الأمم
د. يوسف السامرائي
اكاديمي وباحث
يسعى الإسلام بفكره وشموليته , إلى إيجاد, وتكوين الإنسان الصالح, الذي لا يقترف الأخطاء الشخصية, ولا الاجتماعية, وإن غابت عنه أعين الرقباء,  أو غاب عنها. وهو مايسمى: بمرتبة الإحسان.
فإن وقع منه شيء من التقصير, والزلل, بادر فرجع وغيّر وأصلح.
وعليه أن يكتم ذلك ويستتر . وهذا الشرط لازم لقبول توبته ومحو سيئته.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا كذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
والمعافاة التي يحرم منها المجاهر تحتمل عدم ستر الله تعالى له، أو عدم ستر الناس، حيث إنه يباح ذكر المجاهر بالفسق بما فيه من الفسوق المعلن، وتحتمل عفو الله عنه، ومن المعافاة أيضا السلامة من الحد والتعزير إذا لم يعلم حاله، فقد نقل ابن حجر عن ابن بطال أنه قال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا.
ولكن كما روى أصحاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله حييٌ ستّير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارَ بشئ).
فإن الله سبحانه وتعالى - مع أنه حيي ستير- إلا أنه سبحانه سيفضح أناسا يوم القيامة أمام العالمين.
عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال (إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامه يقال هذه غدرة فلان ابن فلان) رواه البخارى.
 وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن (أي من ربه تعالى) حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
 وقد ذكر ابن حجر أن هذا الحديث يفيد ستر الله تعالى يوم القيامة لأهل الإيمان بدليل أنه استثنى الكفار من الستر وكذا المنافقين في رواية أخرى.
إذن هناك أصناف من الناس سيفضحون لأنهم لطالموا خدعوا الناس واستمرأوا التزييف واستلذذوه واتقنوه. فأضروا وأضلوا وآذوا وقتلوا وشردوا وغيّروا وبدّلوا حتى معالم الإنسان وشوهوا تاريخ البشرية بل نسب قسم منهم ذلك إلى الله - تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فلطالما قتل الحكامُ البشرَ باسم الدين . ودمروا الشعوب والدول كما في الحروب الصليبية ولطالما تشدق حكام الغرب باسم الحرية المزعومة والديموقراطية الزائفة فمزقوا اجساد الأطفال والنساء وافنوا الشباب والشيوخ واغتصبوا النساء وهجروا الشعوب من أوطانها ولم يسمحوا لهم بالعيش في بلدانهم  التي تعيش في رخاء وأمان.
وأسالوا الأرض دما . وملأوها دمارا وخرابا. ولم تسلم منأذاهم حتى الحيوانات.
في الوقت الذي يتحدثون فيه عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحرية ونشر السلام والمحبة .
ومن المضحك أنني رأيت بعينيّ في أيام احتلال العراق الأولى جنودا أمريكان يسيرون راجلة  في الشوارع وأحدهم يحمل من العتاد والذخائر والقنابل ما يكفيي لقتل عشيرة معلقا سلاحه على رقبته واضعا سبابته على الزناد ويحيي الناس بيده اليسرى ولو أنه سمع شيئا مخيفا - أوحتى إن تبادر إلى ذهنه وهْم الخطر-  لقتل في ثوانٍ من حيّاهم قبل قليل . وكذلك فعلوا وكذلك يفعلون.
وكذلك كثير , من حكام عرب  ومسلمين,  صدعوا رؤوس شعوبهم, بمعاني القوة, والوحدة, والانتصارات, والإنجازات , وباعوا الوهم, ومارسوا التخدير , ولم تصحُ شعوبهم إلا على الهزائم والاندحارات والتخلف والجهل وحيونة الشعوب ، واستحمارها.
خشب مسنّدة , أسود على شعوبهم وكلاب صيد لأعدائهم.
لكأني بأحدهم - ولطالما قد صفقت الجماهير لوجهه الصفيق ومازادهم إلا خبالا وفسادا وكان قد اشبعهم خطبا رنانة - لكأني به يوم القيامة عاريا أسود الوجه مغبرا تنصب عند ظهره راية غدره ﻷمته ووطنه .
ويقول الأشهاد له ولأمثاله :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا  أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ  أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) سورة هود 18 - 19
وقد أورد الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: عشر استراتيجيات لخداع الشعوب. – كلها مورست علينا-
وهذه الستراتيجيات ملخصة من كتابه "أسلحة صامتة لحروب هادئة"  الذى اهتم كثيرا بمسألة الإعلام وتأثيراته المرعبة على الشعوب وإدارتها وتحريك إرادتها والسيطرة عليها وابعادها عن قضاياها الجوهرية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
ويكشف نعوم تشومسكي من خلال هذا المقال استراتيجيات التحكم والسيطرة والتوجيه التي تعتمدها الطبقات المسيطرة عبر العالم للتلاعب بالشعوب وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. وكذا التحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على الخيرات والثروات الشعوب.
ملخص الاستراتيجيات العشر:
1/ إستراتيجية الإلهاء:
هي العنصر الأساسي الحاسم لتحقيق السيطرة على المجتمعات؛ وترتكز على تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية بواسطة وابل مستمر من أساليب اللهو والتسلية والأخبار والمعلومات التافهة. إستراتيجية صرف الاهتمام والإلهاء، التي لا غنى عنها لتحقيق أهداف المخطط، ضروريةٌ أيضا لأنها تمكن من إعاقة محاولة الشعوب التركيزَ والانكباب على المعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلوم البيولوجيا العصبية والسيبرانية/ علم القيادة والتحكم في الآلات والكائنات. “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية واجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية جوهرية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير والتمحيص؛ عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.” مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
2/ افتعال الأزمات وتقديم الحلول:
ويسمى هذا الأسلوب أيضا بـ “المشكلة- رد الفعل- الحل”. يقع خلق المشكل، في بداية الأمر، ثم يتم افتعال وضعية يقع التخطيط لها لإثارة رد فعل ما لدى الرأي العام، كي يطالب هذا الأخير، بنفسه، باتخاذ تدابير خُطِّط لها، مسبقا، كي يتقبلها. على سبيل المثال: يقع تهيئة المناخ الملائم لتنامي العنف في المناطق الحضرية أو تنظيم هجمات إرهابية دموية كي يصير المواطن هو الذي يدعو إلى سن قوانين أمنية عامة، ما هَمَّ إن كانت على حساب الحريات الفردية. كما يتم الالتجاء، أيضا، إلى افتعال أزمة اقتصادية لا يمكن تجاوزُها إلا في حالة تقبُّلِ تراجعِ الحقوق الاجتماعية وتفكيكِ الخدمات العامة باعتبارهما شرا لا بد منه.
3/ إستراتيجية التدرج:
لتحقيق تقبل ما لا يمكن القبول به من التدابير، يكفي تطبيقه تدريجيا على شكل “قطرة قطرة”، على مدى عدة سنوات متتالية… تلك هي الطريقة التي تم بواسطتها فرض الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة (النيوليبيرالية) المتغيرة بشكل راديكالي عن سابقتها، طوال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. ونجمت عنها أعداد هائلة من العاطلين عن العمل، عدم استقرار، خصخصة، مرونة، لامركزية، نقل الخدمات من إدارة إلى أخرى، مرتبات لا تضمن دخلا لائقا وغير ذلك من التغييرات العديدة التي كان من شأنها أن تتسبب في ثورة إذا ما تم تطبيقها بعنف ودفعة واحدة.
4/ إستراتيجية التأجيل:
ثمة طريقة أخرى لتمرير قرار لا يحظى بموافقة الشعب وذلك بتقديمه على أساس أنه “موجع ولكنه ضروري”؛ وهكذا يتم الحصول على موافقة الشعب في تلك الفترة من الزمن من أجل تطبيق القرار في وقت لاحق. من الأسهل دائما القبول بتنازلات مستقبلية وتفضيلها على تضحيات أخرى فورية. أولا لأن الجهد الذي سيبذل لن يكون قريبا جدا في الزمن، وثانيا لأن عامة الشعب لها دائما ذلك النزوع للأمل الساذج بأن “كل شيء سيكون أفضل، في الغد” وأنه، وفقا لذلك، بالإمكان تخطي تلك الأزمة وفي المقابل تجنب التضحية المطلوبة. وفي النهاية يتيح ذلك فرصة للشعب كي يعتاد على فكرة التغيير والقبول به باستكانة وخنوع عندما يحين وقته.
5/ مخاطبة أفراد الشعب كما لو أنهم أطفال قُصًّرُ:
تستعمل معظم الإعلانات الدعائية الموجَّهة لعامة الشعب خطابا وحججا وشخصياتٍ ونبرةً صبيانية ضحلة تكاد تكون دائما واهنة، كما لو أن المشاهدَ صبيٌّ صغير في بداية سنيِّ طفولته أو معاقٌ ذهنيا. كلما كان السعي نحو خداع المشاهد أكبرَ، تضاعف اعتمادُ اللهجةِ الطفولية أكثر فأكثر. لماذا؟ “إذا تمَّ التوجه إلى شخص ما كما لو أنه لم يتجاوز بعد الثانية عشرة من عمره، فإنه يتم الإيحاء له بأنه فعلا كذلك؛ وبسبب قابليته للتأثر، من المحتمل، إذن، أن تكون إجابته التلقائية أو ردُّ فعله البائس والفارغ من أيِّ حس نقدي كما لو أنه صادر فعلا عن طفل ذي اثني عشر سنة.” مقتطف من دليل “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
6/ استخدام الجانب العاطفي بدل الدعوة إلى التفكير والتأمل:
استخدام العاطفة هو أسلوب تقليدي لتجاوز التحليل العقلاني وبالتالي تدمير الحس النقدي وتعطيل ملكة التفكير لدى الأفراد. وعلاوة على ذلك، فإن استخدام السجل العاطفي يتيح فتح الباب لولوج اللاوعي أو العقل الباطني كي يُغرس فيه ما يُراد غرسُه من أفكار ورغبات ومخاوف وانفعالات أو سلوكيات…
7/ الحرص على إبقاء عامة الشعب متخبطة في الجهل والغباء:
لتحقيق ذلك، ينبغي العمل على جعل المجتمع غيرَ قادر على فهم التقنيات والأساليب المستخدمة للسيطرة عليه واستعباده. “يجب أن تكون نوعية التعليم المقدمةُ للطبقاتِ الدنيا الأفقرَ، قدر ما يمكن، من حيث جودتُها، بشكل يجعل فجوةَ الجهل فاصلة بين تلك الطبقات الفقيرة والأخرى الراقية التي تعتبر صفوة المجتمع ونسغه. كما أنه ينبغي أن يظل من المستحيل توصُّل الطبقة الفقيرة إلى معرفة أسرار تلك الفجوة. مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
8/ تحفيز المجتمعات على استحسان تخبُّطِها في الرداءة ملء رضائها عن نفسها:
تشجيع العامة على اعتبار الغباء والابتذال والجهل “موضة”.
9/ تحويل مشاعر الرغبة في التمرد إلى إحساس بالذنب:
ينبغي العمل على جعل الفرد يعتقد أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته وسوء حظه، وذلك بسبب قصور تفكيره وضعف قدراته أو جهوده المبذولة. وهكذا، بدلا من أن يتمرد على النظام الاقتصادي، يغمر الفردَ شعورٌ بتدنٍّ ذاتي فينغمس في إحساسه المُمضِّ بالذنب ومن ثَمَّ يصاب بحالة اكتئاب وإحباط من شأنها أن تُثبط الفعل لديه. ودون فعل، لا يمكن أبدا للثورة أن تتحقق!
10/ معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون، هم أنفسُهم، ذواتهم:
لقد حفر التقدم العلمي السريع، على مدى الخمسين سنة الماضية، فجوةً متنامية بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخبُ الحاكمة. بواسطة علم الأحياء وعلم الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، تمكَّن “النظام” من معرفة متقدمة للكائن البشري، جسديا ونفسيا على حدٍّ سواء. توصل “النظام العالمي الجديد” إلى معرفة الشخص العادي بشكل أفضل مما يعرف، هو نفسُه، ذاتَه. وهذا يعني أن النظام، في أغلب الحالات، هو الذي يملك أكبرَ قدرٍ من السيطرة والسلطة على الأفراد أنفسهم.
وهكذا نعلم كيف مارس هذا الخداع قادة الغرب والشرق وساستهم مع أن دموعهم التماسيحية انطلت على كثير من المغفلين والحمقى والبسطاء بالتعاون مع ثلة من الاعلاميين والكتّاب والمستثقفين المنتفعين المأجورين الفجرة الذين زيفوا وهرجوا وكذبوا . ونسوا أن الرايات تنتظرهم يوم تبلى السرائر وينكشف المخفي في الضمائر . ولكم أن تتخيلوا الزعماء الكذبة ورايات الغدر ترفرف فوق رؤوسهم يوم القيامة .



كلمة العدد السادس



كلمة العدد
وقل رب زدني علما.....

سيظل هذه الدعاء القرآني هو الوقود المحرك لنا..
فالاستزادة في الحياة في أمور شتى عبء على النفوس وحمل ثقيل على القلوب حيث الكفاية محمودة في جل ما يراد من هذه الحياة الا في العلم الذي يعطيك في كل خطوة مصباحا جديدا تواصل بنوره الطريق وتختصر الزمن وتتجنب العثرات وترى المستقبل ممكنا قريبا لا ينقص الوصول اليه إلا بذل الجهدلا والأخذ بالأسباب
ونحن في رؤية نتمثل الآية ونتأول القرآن ونبقى ساعين في العلم وبالعلم وللعلم.....


رئيس التحرير

بين طه جابر العلواني وزها حديد موعظة وعبرة


بين طه جابر العلواني وزها حديد موعظة وعبرة
د. صباح حمدان الكبيسي
اكاديمي وباحث

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم      وعاش قوم وهم في الناس اموات
لي  اليوم وقفة سريعة لكن فيها موعظة وعبرة لعلها تفيدني ابتداء ولكل من يقرأ هذه الكلمات لعلها تنفع ، كلامي اليوم عن رجل وامرأة كانا علمين وتركا في هذه الدنيا بصمة من اعمال ومؤلفات وبناء وذكر قد يكون خالدا.
انتقلا من قريب الى الرفيق الاعلى ، لذلك اردت ان اكتب هذه الكلمات وانظر لحياتهما وموتهما من عدة زوايا .
هاذان العلمان هما ؛ الدكتور طه جابر العلواني ، والمعمارية زها حديد .
طه جابر العلواني من مواليد الفلوجة عام 1935م ،مفكر وفقيه اسلامي عراقي الاصل كان رئيس المجلس الفقهي بأمريكا ، ورئيس جامعة العلوم الاسلامية والاجتماعية بهدندن فرجينيا الولايات المتحدة الامريكية في عام 1981 .
شارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الاسلامي في الولايات المتحدة ، كما كان عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة ،  وعضو مجمع الفقه الاسلامي الدولي في جدة ، هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية 1983، وكان رئيس جامعة قرطبة الاسلامية في الولايات المتحدة .
تقلد طوال مسيرته العلمية اكثرمن 15 منصب عالي في مجال التربية والتعليم ، له من المؤلفات 40 مؤلف في شتى علوم الاسلام ، حضر وادار المئات من المؤتمرات العلمية  العالمية والاقليمية من المغرب غربا الى اندونوسيا وماليزيا واليابان شرقا .
اما زها حديد فهي معمارية عراقية ولدت في بغداد عام 1950م حصلت على الليسانس في الرياضيات والدبلوم العالي في العمارة من الجمعية المعمارية في لندن .
درست في ارقى الجامعات والكليات واقامت مجموعة من المعارض الدولية لاعمالها الفنية التي تشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية ، انجزت زها حديد العديد من المشاريع العملاقة اهمها ؛ محطة اطفاء الحريق في المانيا ، متحف الفن الحديث في مدينة سينسيناتي بأمريكا ، مركز الفنون الحديثة في روما ، جسر الشيخ زايد في الامارات ، مبنى بي ام دبليو المركزي في المانيا وغيرها الكثير من الاعمال التي حازت لتصاميمها الفريدة على اعلى جائزتين في العالم جائزة ريبا (الميدالية الذهبية الملكية للعمارة ) واصبحت اول امرأة تحصل على هذه الجائزة ، وجائزة ( توماس جيفرسون للهندسة المعمارية ) ، واختيرت زها حديد كرابع اقوى امرأة في العالم عام 2010 .
لكل ذلك كان لنا هذه الوقفة ، اريد من قاريء هذه الكلمات ان ينظر معي الى حياة هذين العلمين وموتهما وما قدما وما اسهما وما تركا خلفهما من تراث وبناء مادي ومعنوي ، والنظر الى الامر من زوايا مختلفة  لعله يجد في كل زاوية منها موعظة وعبرة كما قال الله تعالى : (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد) .
الزاوية الاولى: ان الانسان مهما بلغ من العلم والشهرة والسمعة والف وكتب او عمر وبنا فأنه ميت وانه سائر وذاهب الى الله مهما عمر ومهما بقى وان ذلك لن يؤخر في اجله ولن يزيد في عمره وانه سيترك كل ذلك خلفه ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ) سبحان الله فرادى عرايا وكل ما بنيناه وشيدناه من مجد وسمعة وشرف ومناصب والقاب وجوائز واوسمة وشهادات تقدير كل ذلك تركناه وراء ظهورنا ، فلننظر ماذا قدمنا لحياتنا عندما سنترك في دنيانا كل شيء .
الزاوية الثانية:ان الانسان مهما قدم والف وكتب  وبنى وشيد وخطط ونفذ سيبقى مرهون بالنية والاخلاص فأن ماكان لله نفعك بعد موتك ورفع من درجاتك وكان اجره وفضله لك اما ان لم يكن الله والاخلاص رائداكا في كل ماتعمل وتكتب وتؤلف وتبني فأنما هو وبال عليك  اتعبت نفسك فيما لا مرد له من نفع ولا اجر ولا فضل وانما هي اثقال واوزار تحملها على ظهرك فأنظر ما انت فاعل فأن الناقد بصير .
الزاوية الثالثة: ان ميزان الله غير ميزان البشر وان حساب الاخرة ليس كحساب الدنيا فرب كاسيا في الدنيا عار يوم  القيامة ورب مشهور في الدنيا وبين الناس  ، مغمورممقوت مطموس عند الله وعند الملأ الاعلى فأنظر من اي الفريقين انت.
الزاوية الرابعة: العلواني عمر وبنى في علوم الدين  وكتب والف في نصرة الدين والقران  وحضر مئات المؤتمرات والندوات  في هذا السبيل ,وزها حديد عمرت في علوم الدنيا وبنت صروحا في هذه الحياة ونالت اعلى الاوسمة والدرجات وسيبقى الاثر للاثنين من الف وكتب ودافع ومن عمرت وبنت وخططت وهندست وكلا الاثنان تركا لنا اثرا وبصمة وهو يقول  من خلال ما قدم انا فعلت الذي احسنه فماذا فعلت انت  وماذا تركت وما هو اثرك .
الزاوية الخامسة: ان الاثنين من بلد واحد لكنهما عاشا اكثر سنوات عمرهما خارج البلد وقدما ماقدما خارج البلد ولم يجدا من بلدهم الا الصد والجحود وكانت شهرتهما واحتفاء الناس بهما في غير بلدهم ليقولا لنا بلسان الحال لا بلسان المقال ان العمل والجد والاجتهاد والفوز والنجاح والشهرة والتوفيق لا تنحصر في بلد او مكان وربما كان فوزك ونجاحك ورزقك في غير محلك فأخرج وسافر وسر في الارض (تجد مراغما) (ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغما كثيرا وسعة)
هذا ما اثاره سمعة وشهرة هذين العلمين وموتهما في خاطري فأردت ان اشارككم ما جال في خاطري وهي ذكرى لعلها تنفع .
واختم بأخر كلمات قالها الدكتور طه جابر العلواني في مقال بعنوان (أنا المسلم ) : " أهاب الموت ، لكنني أؤمن بأنه جسر لابد ان أمشيه ، لأصل  الى دار البقاء من دار الفناء ، وارجو حسن الخاتمة ، واستعيذ بالله من سوئها ، احب الجنة وابغض النار ،احب الأمن وابغض القلق ، واكره الكراهية ، ولست بفاحش ولا بسباب ولا بمهلك ..." .




الاحتياج التربوي.. تأصيله و ضبطُه



الاحتياج التربوي.. تأصيله و ضبطُه.
د. هشام الأنيس
اكاديمي وباحث
لا شيء يفرض وجوده على ساحة العمل الإسلامي مثل قضيتين، الأولى: تطوير الأداء و حيازة مواقع تأثير مجتمعي، يعزز التأثير الإيماني الذي يسعى لتحقيقه العامل في الحركة. و الثانية: ضمان هذا العمل و ديمومته وفق المسار الذي تخطط له الحركة و الذي يُعدُّ من بديهيات الشرع التي عبّر عنها النبي صلى الله عليه و سلم بقوله" أفضلُ الأعمال أدومها و إن قلّ" و كمال القضيتين عبر عنهما حديث آخر " إن الله يحب إذا عمل أحدُكُم عملا أن يتقنه".
الاحتياج التربوي مفهوم يحدد ضرورة تقتضيها حركة العمل و الداعية تتمثل بحاجته التي لابد من وجودها، و بما أنّ الاحتياجات كثيرة و متنوعة فإن الحديث هنا مقتصر على الاحتياج التربوي، و من هنا لابد من توضيح مفهوم التربية و حدودهاو مساحاتها، فالتربية مفهوم تجتمع اشتقاقاته على معنى النماء و الإصلاح و الزيادة، فهي عملية تنمية لما تشتمل عليه شخصية و كيان الشخص، عقلا و قلبا و سلوكاً، و التربية ضرورة لا غنى للعامل عنها فهي زاد له للتخفيف من وحشة الطريق و هي زاده في مواجهة عوائقه، و هي قبل ذلك المركب الآمن الذي يحمله الى جوار ربه، و قد تسلمته هذه التربية و التزكية ليكون ممن يحمل في جوفه قلباً و صفه الله تعالى " يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم" و سلامة هذا القلب هو المقصد و الهدف الأخير الذي يسعى له المؤمن قبل انتقاله الى الدار الآخرة.
و إن قِوام الشخصية التي ربّاها النبي صلى الله عليه و سلم، كانت محققة لهذه السلامة في جانبها السلوكي التي كانت مثالا متفرداً للبناء السليم بعيداً عن رهبانيات مبتدعة، و منزّهة عن الأشكال و الغايات  التربوية  التي تطوّرت لتتحوّل الى سببٍ في إنشاء شخصية تضخّمت عقدتُها من الواقع و من الضعف و الهزال الروحي، فاتخذت طريقا مبالَغا في تنمية النفس و ترويضها، و ووصل الأمر الى تحقيرِها و إهانتها و قتلِ الطاقة الكامنة فيها، بحجج الخوف من الوقوع في شَرَك العجب أو الرياء و الكبر، و الذي بدوره قد يتحوّل عند غياب البوصلة التربوية الصحيحة و المتوازنة إلى حالة الانقطاع عن ممارسة الطاعة لأنها مشكوك في صحة القصد فيها، و هو ما يحقق الهدف الأول الذي يسعى اليه الشيطان في إغوائه للنفس و التضييق عليها بعدم فعل الطاعة، حتى إذا لم يستطع اتَّخَذ وسيلة التشكيك بالعمل، و التربية السليمة تحققت بأفضل صورها في جيل الصحابة الذين جمعوا بين احتياجهم التربوي و ممارستهم الدعوية، و لم يكن هناك ما يستوجب فرضية الترتيب و التوالي التي تفرض على المرء أن لا ينتقل الى العمل العام الا بعد مخاضات تربوية و نفسية، فإذا استكمل ذلك فسيبدإ بالخطوة التي تليها، و الملاحظ أن الممارسة التي يفرضُها بعض المربين تتقاطع مع حوادث كثيرة تشير الى ممارسة الدعوة بالمصاحبة مع التربية و تزكية النفس حتى لو لم تستكمل احتياجها المثالي، الذي هو حالة تكاد تكون شبه مستحيلة، و لعل أنموذج ابي ذَر و الطفيل بن عمرو الدوسي مع قومهما و ثلة الصحابة في ارض الحبشة و سفراء الإسلام و على رأسهم مصعب بن عُمير، كلها أمثلة ترتكز على وعي صحيح بقضية ( الاحتياج) التي ينبغي أن تكون على قدر الحاجة حتى لا تتحول الى إفراط يعطّل النفس عن أجل أعمالها و هي الدعوة و التبليغ و النزول الى الميدان " و مَنْ أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحا وقال إنني من المسلمين"
و بالعودة الى ممارسة هذه التربية بهذا الشكل المتوازن في حياة النبيّ عليه الصلاة و السلام، نجد تحديدا كمّيا لهذه المرحلة ذكره أهل السير و هو أن النبي قبل البعثة كان يختلي الليالي ذوات العدد، فمرة اختلى عشرا و مرّة عشرين و كان آخرها ثلاثين يوما قبل البعثة، و في هذه النسب إشارة واضحة على اقتصار الخلوة على الحاجة، و عدم الإفراط فيها، و التربية هنا معنيّة بجانب واحدٍ هو الروح و النفس، من دون أن يعني ذلك ترك المساحات التربوية المرافقة للنفس و الروح، فقد كان النبيّ بكارية تربية فكرية و عقيدية على أتباعه مع تلك التربية الإيمانية.
و بالانتقال الى ضبط هذا الاحتياج لابد أن نوقن أن التوازن من سمات التشريع، فلا تجاوز لقضية على أخرى و استلابها لنسبتها الا في حالات محدودة يتضح من خلالها أن جانبا ما يحتاج إلى دعم و تكريس، و هذا ما يجعل مناهج التربية في العمل الإسلامي مرنة في تحديد الاحتياج و تحديد نسبته، و الأصل هو التوازن و المفاضلة بين جانب و آخر مقترنة بحالة و ظرف معين.
و هذا ما يسلمنا الى الحديث عن تركيز بعض المربين على مفاهيم تربوية و برامج تزكية قامت بسبب وجود خلل في منظومة في مناهج و برامج الحركة الإسلامية، فأصبحت تجتهد لمعالجة الخلل بعنف تربوي يتجاوز حدود الدعم و التكريس إلى حدود التهميش و إرجاء البرامج العامة بل يصل الأمر أحيانا إلى حدّ الإلغاء و إِنْ لم يصرَّح بذلك، و لكن الممارسة تفضحُ هذا التوجّه، و لعلّ ما تمرّ به الحركة من تراجع تربوي قد سُوِّغ لظهور اجتهادات فردية لبناء رؤية و مهام تربوية، منطلقة من أنّ كل هذا التراجع و خسارة المواقع هو بسبب الخلل الإيماني و الهزال الروحي، و هو تشخيص صحيح إلا أنّه ليس السبب الوحيد لهذا التراجع، و إنما  هناك أسباب أخرى لا تقلّ اهمية عن سبب الضعف الروحي و الإيماني، مثل غياب البرامج الملائمة لتطورات كل مرحلة تمر بها الحركة، أو الضعف في استكمال بناء الشخصية في مجال مواجهة التحديات التي تتعرض لها الحركة و الأفراد على حدٍ سواء، و هذا الاستكمال هو من أسس الصلاح الذي ذكره القرآن " و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" و الصلاح الذي يعمّر الأرض و يحقق الاستخلاف هو ذلك الذي جمع التربية في بُعدِها الإيماني بالتربية في بُعدِها التنموي، و بهذا الجمع تنبني شخصية الفرد الذي يؤسس عمله على تقوى من الله و رضوان من جهة و يستكمل مؤهلات القيادة و مستلزماتها، فهو المعنيّ قبل غيره أن يأخذ زمام المبادرة.
و تشتبه أحيانا عند البعض قضية فهم متطلبات التزكية بمتطلبات التنمية، و سبب هذا الخلط هو غياب البوصلة و اضطراب عملها، أو ردة الفعل غير الموزونة تجاه رؤية الخلل الذي يعتري مسيرة العمل، و الخطورة هي في تفسير كل عمل إيجابي يستلزم حضور الشخصية و المبادرة الفردية على أنه مركب لشهوة النفس و حب في الظهور الذي تناقل الكثيرون كيف أنه قاصم للظهور!! و هو صحيح أيضا، و لكن من الخطأ استخدام لغة التعميم، وكل ممارسة مهما كانت قابلة للتطبيق غير السليم، لذا فما زالت مناهج الحركة الاسلامية لا تختلف في هذه البديهية و هي : أننا بحاجة الى تربية الذات و استكمال مقوماتها لتصل الى منزلة القبول، و بحاجة في الوقت ذاته الى الحضور الإيجابي الذي يقارع الحجة بالحجة و يجادل بالتي هي أحسن، و كلّ عملٍ لا يراعي هذين المطلبين أو يهمل أحدهما و يعتني بالآخر هو عمل يتعارض مع هدي الشريعة ابتداء، و الله يقول " و ابتغِ فيما آتاكَ الله الدار الآخرةَ و لا تنسَ نصيبكَ من الدنيا" و هذه الآية تجمع بين خيري الدنيا و الآخرة و بين حاجة النفس التي فطرها الله من متاع الدنيا و الأخذ منه، و بين حاجة الروح و القلب الذي ينبغي أن يكون سليماً.
و خلاصة الامر أن كل ممارسة تربوية تستبعد واجب العمل تجاه المجتمع هي ممارسة ستؤدي بالحركة الى صفوف المتراجعين و ستسهم في تغييبها عن الواقع و الحياة ومن ثمة رسم معالم حركة روحية لن تقوى على الصمود و مواجهة التحديات حتى لو امتلكت رصيدا تربويا فرديا، و معادلة النصرة بالإيمان تتحقق بوجود مؤهلات الريادة في مجالات الحياة و قنواتها في السياسة و الإعلام و الاقتصاد و غيرها.
كما ينبغي الحذر من البرامج التربوية الارتجالية التي قد تصلح في مكان او زمان ما، و لكنها في غيرهما لا تصلح،و الصواب لمن يعمل في حركة لها تاريخ و خبرة في العمل الإسلامي أن ينزل الى البرامج التربوية الشاملة المتفق عليها، و لا تستهويه الاجتهادات الفردية، التي يمكن أن تُسهِم بالبناء و لكن إذا لم تتعارض مع الأهداف الجماعية المتفق عليها، و لم تكن بديلا عن البرنامج الجماعي و مناهجه المتنوعة التي هي خلاصة تفكير جمعي، و إذا كان كل أحد يرى خللا و يضع برنامجا، فإنه بذلك يستبدل العمل الإسلامي بفرديته التي لن تكون في أحسن حالاتها إلا اجتهادا و تصورا من فرد قد يحالفه الصواب و قد لا يحالفه.
إن العمل لا يمنع مبادرات فردية و لكن ينبغي أن تكون مؤطرة بهذا التصور و هو لا تقاطع بين تزكية النفس ومتطلبات العمل في المجتمع، و أن مشكلتنا يجب أن لا تنحصر في الخلل الذي قد يحصل في تعاملنا مع النفس او التامل مع المنهج الرباني المحدد ب( القرآن والسنة).