خداع الأمم


خداع الأمم
د. يوسف السامرائي
اكاديمي وباحث
يسعى الإسلام بفكره وشموليته , إلى إيجاد, وتكوين الإنسان الصالح, الذي لا يقترف الأخطاء الشخصية, ولا الاجتماعية, وإن غابت عنه أعين الرقباء,  أو غاب عنها. وهو مايسمى: بمرتبة الإحسان.
فإن وقع منه شيء من التقصير, والزلل, بادر فرجع وغيّر وأصلح.
وعليه أن يكتم ذلك ويستتر . وهذا الشرط لازم لقبول توبته ومحو سيئته.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا كذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
والمعافاة التي يحرم منها المجاهر تحتمل عدم ستر الله تعالى له، أو عدم ستر الناس، حيث إنه يباح ذكر المجاهر بالفسق بما فيه من الفسوق المعلن، وتحتمل عفو الله عنه، ومن المعافاة أيضا السلامة من الحد والتعزير إذا لم يعلم حاله، فقد نقل ابن حجر عن ابن بطال أنه قال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا.
ولكن كما روى أصحاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله حييٌ ستّير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارَ بشئ).
فإن الله سبحانه وتعالى - مع أنه حيي ستير- إلا أنه سبحانه سيفضح أناسا يوم القيامة أمام العالمين.
عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال (إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامه يقال هذه غدرة فلان ابن فلان) رواه البخارى.
 وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن (أي من ربه تعالى) حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
 وقد ذكر ابن حجر أن هذا الحديث يفيد ستر الله تعالى يوم القيامة لأهل الإيمان بدليل أنه استثنى الكفار من الستر وكذا المنافقين في رواية أخرى.
إذن هناك أصناف من الناس سيفضحون لأنهم لطالموا خدعوا الناس واستمرأوا التزييف واستلذذوه واتقنوه. فأضروا وأضلوا وآذوا وقتلوا وشردوا وغيّروا وبدّلوا حتى معالم الإنسان وشوهوا تاريخ البشرية بل نسب قسم منهم ذلك إلى الله - تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فلطالما قتل الحكامُ البشرَ باسم الدين . ودمروا الشعوب والدول كما في الحروب الصليبية ولطالما تشدق حكام الغرب باسم الحرية المزعومة والديموقراطية الزائفة فمزقوا اجساد الأطفال والنساء وافنوا الشباب والشيوخ واغتصبوا النساء وهجروا الشعوب من أوطانها ولم يسمحوا لهم بالعيش في بلدانهم  التي تعيش في رخاء وأمان.
وأسالوا الأرض دما . وملأوها دمارا وخرابا. ولم تسلم منأذاهم حتى الحيوانات.
في الوقت الذي يتحدثون فيه عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحرية ونشر السلام والمحبة .
ومن المضحك أنني رأيت بعينيّ في أيام احتلال العراق الأولى جنودا أمريكان يسيرون راجلة  في الشوارع وأحدهم يحمل من العتاد والذخائر والقنابل ما يكفيي لقتل عشيرة معلقا سلاحه على رقبته واضعا سبابته على الزناد ويحيي الناس بيده اليسرى ولو أنه سمع شيئا مخيفا - أوحتى إن تبادر إلى ذهنه وهْم الخطر-  لقتل في ثوانٍ من حيّاهم قبل قليل . وكذلك فعلوا وكذلك يفعلون.
وكذلك كثير , من حكام عرب  ومسلمين,  صدعوا رؤوس شعوبهم, بمعاني القوة, والوحدة, والانتصارات, والإنجازات , وباعوا الوهم, ومارسوا التخدير , ولم تصحُ شعوبهم إلا على الهزائم والاندحارات والتخلف والجهل وحيونة الشعوب ، واستحمارها.
خشب مسنّدة , أسود على شعوبهم وكلاب صيد لأعدائهم.
لكأني بأحدهم - ولطالما قد صفقت الجماهير لوجهه الصفيق ومازادهم إلا خبالا وفسادا وكان قد اشبعهم خطبا رنانة - لكأني به يوم القيامة عاريا أسود الوجه مغبرا تنصب عند ظهره راية غدره ﻷمته ووطنه .
ويقول الأشهاد له ولأمثاله :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا  أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ  أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) سورة هود 18 - 19
وقد أورد الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: عشر استراتيجيات لخداع الشعوب. – كلها مورست علينا-
وهذه الستراتيجيات ملخصة من كتابه "أسلحة صامتة لحروب هادئة"  الذى اهتم كثيرا بمسألة الإعلام وتأثيراته المرعبة على الشعوب وإدارتها وتحريك إرادتها والسيطرة عليها وابعادها عن قضاياها الجوهرية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
ويكشف نعوم تشومسكي من خلال هذا المقال استراتيجيات التحكم والسيطرة والتوجيه التي تعتمدها الطبقات المسيطرة عبر العالم للتلاعب بالشعوب وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. وكذا التحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على الخيرات والثروات الشعوب.
ملخص الاستراتيجيات العشر:
1/ إستراتيجية الإلهاء:
هي العنصر الأساسي الحاسم لتحقيق السيطرة على المجتمعات؛ وترتكز على تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية بواسطة وابل مستمر من أساليب اللهو والتسلية والأخبار والمعلومات التافهة. إستراتيجية صرف الاهتمام والإلهاء، التي لا غنى عنها لتحقيق أهداف المخطط، ضروريةٌ أيضا لأنها تمكن من إعاقة محاولة الشعوب التركيزَ والانكباب على المعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلوم البيولوجيا العصبية والسيبرانية/ علم القيادة والتحكم في الآلات والكائنات. “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية واجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية جوهرية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير والتمحيص؛ عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.” مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
2/ افتعال الأزمات وتقديم الحلول:
ويسمى هذا الأسلوب أيضا بـ “المشكلة- رد الفعل- الحل”. يقع خلق المشكل، في بداية الأمر، ثم يتم افتعال وضعية يقع التخطيط لها لإثارة رد فعل ما لدى الرأي العام، كي يطالب هذا الأخير، بنفسه، باتخاذ تدابير خُطِّط لها، مسبقا، كي يتقبلها. على سبيل المثال: يقع تهيئة المناخ الملائم لتنامي العنف في المناطق الحضرية أو تنظيم هجمات إرهابية دموية كي يصير المواطن هو الذي يدعو إلى سن قوانين أمنية عامة، ما هَمَّ إن كانت على حساب الحريات الفردية. كما يتم الالتجاء، أيضا، إلى افتعال أزمة اقتصادية لا يمكن تجاوزُها إلا في حالة تقبُّلِ تراجعِ الحقوق الاجتماعية وتفكيكِ الخدمات العامة باعتبارهما شرا لا بد منه.
3/ إستراتيجية التدرج:
لتحقيق تقبل ما لا يمكن القبول به من التدابير، يكفي تطبيقه تدريجيا على شكل “قطرة قطرة”، على مدى عدة سنوات متتالية… تلك هي الطريقة التي تم بواسطتها فرض الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة (النيوليبيرالية) المتغيرة بشكل راديكالي عن سابقتها، طوال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. ونجمت عنها أعداد هائلة من العاطلين عن العمل، عدم استقرار، خصخصة، مرونة، لامركزية، نقل الخدمات من إدارة إلى أخرى، مرتبات لا تضمن دخلا لائقا وغير ذلك من التغييرات العديدة التي كان من شأنها أن تتسبب في ثورة إذا ما تم تطبيقها بعنف ودفعة واحدة.
4/ إستراتيجية التأجيل:
ثمة طريقة أخرى لتمرير قرار لا يحظى بموافقة الشعب وذلك بتقديمه على أساس أنه “موجع ولكنه ضروري”؛ وهكذا يتم الحصول على موافقة الشعب في تلك الفترة من الزمن من أجل تطبيق القرار في وقت لاحق. من الأسهل دائما القبول بتنازلات مستقبلية وتفضيلها على تضحيات أخرى فورية. أولا لأن الجهد الذي سيبذل لن يكون قريبا جدا في الزمن، وثانيا لأن عامة الشعب لها دائما ذلك النزوع للأمل الساذج بأن “كل شيء سيكون أفضل، في الغد” وأنه، وفقا لذلك، بالإمكان تخطي تلك الأزمة وفي المقابل تجنب التضحية المطلوبة. وفي النهاية يتيح ذلك فرصة للشعب كي يعتاد على فكرة التغيير والقبول به باستكانة وخنوع عندما يحين وقته.
5/ مخاطبة أفراد الشعب كما لو أنهم أطفال قُصًّرُ:
تستعمل معظم الإعلانات الدعائية الموجَّهة لعامة الشعب خطابا وحججا وشخصياتٍ ونبرةً صبيانية ضحلة تكاد تكون دائما واهنة، كما لو أن المشاهدَ صبيٌّ صغير في بداية سنيِّ طفولته أو معاقٌ ذهنيا. كلما كان السعي نحو خداع المشاهد أكبرَ، تضاعف اعتمادُ اللهجةِ الطفولية أكثر فأكثر. لماذا؟ “إذا تمَّ التوجه إلى شخص ما كما لو أنه لم يتجاوز بعد الثانية عشرة من عمره، فإنه يتم الإيحاء له بأنه فعلا كذلك؛ وبسبب قابليته للتأثر، من المحتمل، إذن، أن تكون إجابته التلقائية أو ردُّ فعله البائس والفارغ من أيِّ حس نقدي كما لو أنه صادر فعلا عن طفل ذي اثني عشر سنة.” مقتطف من دليل “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
6/ استخدام الجانب العاطفي بدل الدعوة إلى التفكير والتأمل:
استخدام العاطفة هو أسلوب تقليدي لتجاوز التحليل العقلاني وبالتالي تدمير الحس النقدي وتعطيل ملكة التفكير لدى الأفراد. وعلاوة على ذلك، فإن استخدام السجل العاطفي يتيح فتح الباب لولوج اللاوعي أو العقل الباطني كي يُغرس فيه ما يُراد غرسُه من أفكار ورغبات ومخاوف وانفعالات أو سلوكيات…
7/ الحرص على إبقاء عامة الشعب متخبطة في الجهل والغباء:
لتحقيق ذلك، ينبغي العمل على جعل المجتمع غيرَ قادر على فهم التقنيات والأساليب المستخدمة للسيطرة عليه واستعباده. “يجب أن تكون نوعية التعليم المقدمةُ للطبقاتِ الدنيا الأفقرَ، قدر ما يمكن، من حيث جودتُها، بشكل يجعل فجوةَ الجهل فاصلة بين تلك الطبقات الفقيرة والأخرى الراقية التي تعتبر صفوة المجتمع ونسغه. كما أنه ينبغي أن يظل من المستحيل توصُّل الطبقة الفقيرة إلى معرفة أسرار تلك الفجوة. مقتطف من “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
8/ تحفيز المجتمعات على استحسان تخبُّطِها في الرداءة ملء رضائها عن نفسها:
تشجيع العامة على اعتبار الغباء والابتذال والجهل “موضة”.
9/ تحويل مشاعر الرغبة في التمرد إلى إحساس بالذنب:
ينبغي العمل على جعل الفرد يعتقد أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته وسوء حظه، وذلك بسبب قصور تفكيره وضعف قدراته أو جهوده المبذولة. وهكذا، بدلا من أن يتمرد على النظام الاقتصادي، يغمر الفردَ شعورٌ بتدنٍّ ذاتي فينغمس في إحساسه المُمضِّ بالذنب ومن ثَمَّ يصاب بحالة اكتئاب وإحباط من شأنها أن تُثبط الفعل لديه. ودون فعل، لا يمكن أبدا للثورة أن تتحقق!
10/ معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون، هم أنفسُهم، ذواتهم:
لقد حفر التقدم العلمي السريع، على مدى الخمسين سنة الماضية، فجوةً متنامية بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخبُ الحاكمة. بواسطة علم الأحياء وعلم الأعصاب وعلم النفس التطبيقي، تمكَّن “النظام” من معرفة متقدمة للكائن البشري، جسديا ونفسيا على حدٍّ سواء. توصل “النظام العالمي الجديد” إلى معرفة الشخص العادي بشكل أفضل مما يعرف، هو نفسُه، ذاتَه. وهذا يعني أن النظام، في أغلب الحالات، هو الذي يملك أكبرَ قدرٍ من السيطرة والسلطة على الأفراد أنفسهم.
وهكذا نعلم كيف مارس هذا الخداع قادة الغرب والشرق وساستهم مع أن دموعهم التماسيحية انطلت على كثير من المغفلين والحمقى والبسطاء بالتعاون مع ثلة من الاعلاميين والكتّاب والمستثقفين المنتفعين المأجورين الفجرة الذين زيفوا وهرجوا وكذبوا . ونسوا أن الرايات تنتظرهم يوم تبلى السرائر وينكشف المخفي في الضمائر . ولكم أن تتخيلوا الزعماء الكذبة ورايات الغدر ترفرف فوق رؤوسهم يوم القيامة .



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا