(ليس كل ما يعلم يقال) قاعدة فقهها عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وجهلناها اليوم



د. إدريس العيساوي
اخرج البخاري في صحيحة عن ابن عباس قال : كنت أُقرِئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في  آخر حجة حجّها ، إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال : لو رأيتَ رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا ! فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فَـلْتَة ، فتمّت ، فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشيّة في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم . 
قال عبد الرحمن : فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل ، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كل مُطيّر ، وأن لا يَعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكّنا ، فيَعِي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها ، فقال عمر : والله إن شاء الله لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
...
هذا الفهم الثاقب ، والدقيق من سيدنا عبدالرحمن بن عوف (رضي الله عنه) لطبيعة الجماهير، وضرورة التوقيت ، وفهم المكان مع انه على يقين بصدق ، وصواب ما يقوله امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لم نجده ونحن نراجع شريط الاحدات التي مرت بنا منذ 2003م، الى الان وعلى جميع المستويات السياسية والدعوية ، والفكرية ، وحتى على مستوى الفتوى وغيرها ، بل العكس اثبتت ان هناك مشكلة خفية لم يتفطن لها المتصدرون بشكل دقيق في وسط هذا الانفتاح الاعلامي الكبير ، واجواء التشويش والتربص من قبل الخصوم ، وبسبب سطحية عوام الناس  قد  ادت الى احداث هوة ، وشرخ. كبير بين الطبقة المتصدرة ، وجماهيرها بسبب بعض التصريحات او اثارة بعض المسائل او البوح ببعض الامور او طرح بعض المشاريع  التي قد تبدو مهمة ، وواقعية بالنسبة للقادة، والعلماء، والمخططين الاستراتيجيين ممن يهتمون في استشراف المستقبل، ودراسة التحالفات، وقراءة الاحداث؛ الا انها عصية الفهم على جماهيرنا في لحظتها ، لذا وأدت الكثير من المشاريع الحساسة ،والجوهرية ،والمفصلية بسبب العجلة في طرح المشاريع دون التمهيد لها في المجتمع او ايجاد ارضية جماهيرية تستوعب حركة المرحلة المتغيرة اقليميا ، ومحليا ، وكذلك رفضت الكثير من الفتاوى المهمة  المبنية على السياسة ا الشرعية لعدم ادارك الناس لابعادها ، ولانها صدرت في اجواء مشحونة ، وملوثة بعقد الماضي، وفقدان الثقة .
ولا اريد الاسترسال كثيرا ، او مناقشة قضايا جدلية اصبحت جزءا من الماضي ، ولكن الكثير من المشاريع ، والمسائل ، والفتاوى لو طرحت بتوقيتاتها المناسبة ، واجوائها الملائمة، ومهدت لها الارضية الخصبة لما خسرناه ،وخسرنا بسببها معنويا ، وماديا ، فقبل مناقشة اي قضية ، او محاولة اقناع جماهيرنا في اي مشروع او ذكر اي مقالة لابد ان نضع في حساباتنا ، الجمهور ، والزمان ، والمكان ، اضافة الى الاجواء العامة، هل هي اجواء طبيعية؟ تنزل فيها المقالات على حالها دون تأويل وتلاعب في المضامين. ام هي اجواء فتن؟ يطيرها كل مطير فعندها ينبغي الخشية لان الجماهير قد لاتعيها وتحملها على محملها الحقيقي حتى لا نكرر الاخطاء القاتلة التي انهكتنا طيلة الفترة السابقة. 

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا