خمسة احلام تخلى عنها النازحون في العراق



محمد عبد الرحمن
كاتب ومحرر

من كان يتخيل يوماً ان العراق سيحل في المرتبة الثالثة عالميا من حيث موجات النزوح،
في عدد من النازحين داخلياً بـ 4.4 ملايين، وفق أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وان كل دقيقة تمر في هذا العالم العصيب تشهد لجوء 24 مواطناً، فقد اصبح هناك ما اسميه "شعب النزوح" في كل زقاق وفي كل مدينة ومحافظة عراقية، في بلد انعدمت فيه ابسط مقومات الحياة ومبادىء المواطنة مع ارتفاع وتيرة الاحلام الوردية التي باتت تضيف املا على عبىء الحياة اليومية.
فقد جلس المواطن النازح في منزله، واعتزل الاعتراك السياسي وضوضاء الاخبار المتلفزة، التي طالما ما انتقدت في جلسات ذلك المنزل، بانها مؤدلجة وغير واقعية، .. واصبح يفكر ويوسع مخياله الى ابعد صورة من حيث المعيشة وحيث الراحة النفسية والبدنية والضحات التي تتعالى هنا وهناك في رسم صورة السعادة الازلية... واليكم ابرز عشرة احلام اصبحت من المستحيل التفكير بواقعيتها وتحقيقها في بلد مثل العراق:

الحلم الاول : العيش في أمن وسلام!
لو يراجع القارىء .. الدلائل والمحطات التاريخية للعراق عبر خمسين سنة مضت، فضلا عن مابعد 2003 الى غاية اليوم، لاستوقفته العديد من المحطات الهامة من الحروب والمآسي والدمار الذي حل على مرور الاجيال، فالقاسم المشترك الاول، هو انعدام الامن والامان ولاوجود لسلام داخلي في الاطلاق، حيث الصراعات العسكرية تنطلق هنا وهناك .. حتى اعتاد عليها جميع المواطنين واصبحت واقعا يوميا.
فكل يوم تتصدر الاخبار المحلية بعبارة "مقتل واصابة" في انفجار او قصف او اغتيال او غيرها .. حتى صار السلام والامن والامان من ضروب الخيال الساخر، كانها نكتة مضحكة يتداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مستقبل العراق المظلم والمليء بالمزيد والمزيد من الدمار والتدمير.

الحلم الثاني : العيش في منزل مستقر !
خلال السنوات العشر الماضية (2006-2016) ازدادت حدة الصراعات العسكرية والطائفية في عدة صور واشكال، والمتضرر الاول هو المواطن البسيط في منزله المتهالك الذي جمع ماله ووسعه بحجر على حجر طيلة سنين عمره، ليجده اخيرا مفجرا تحت دواعي واسباب تافهة، او حتى يسرق ثم يحرق ثم يقصف، ليتحول من مكان الى اخر سعيا منه الى الاستقرار مع عائلته وحفاظا على حياتهم.
ان النازحين في العراق اليوم يوقنون انهم خلال العشر سنوات مضت، نزحو من مساكنهم الاصلية مالايقل عن ثلاث مرات، ولعل الاحداث خلال عامين مضت، ومنذ دخول داعش للبلاد وانطلاق العمليات العسكرية، ادت الى نزوح العوائل وانتقالاهم كحد ادنى الى محافظتين، ومالايقل عن ثلاث مرات داخل المحافظة الواحدة، فمن منزل الى اخر ومن ايجار غالي الى ارخص ومن منطقة غير مستقرة الى اخرى افضل، واصبح الاب يقلب كفيه على ما انفق وهي خاوية، وصار الحديث عن العيش في منزل الاجداد وتوارثه الى الاحفاد وابنائهم .. امرا من تاريخ العائلة الذي لن يرجع بعد اليوم.

الحلم الثالث : كهرباء لاتنطفيء وماء متدفق!
المشترك الوحيد والمشكلة الكبرى التي يتوافق بالوقوع فيها جميع الاطياف والاعراق والمكونات في العراق، هي مشكلة الكهرباء والماء، فعبر السنين الطوال لم يتم حسم المشكلة وعبر مرور الاعوام تفاقمت المسالة اكثر مع تزايد الطلب عليها وبناء المزيد من الوحدات السكنية، واصبح من ضروب الخيال ان تتحدث عن منزل عراقي لاتنطفأ فيه الكهرباء، ولاوجود لخزان مياه واحد على الاقل لتخزين كميات مناسبة للحاجة خلال اليوم الواحد.
فلجأ المواطن الى المولدات الاهلية التي تزود الكهرباء باسعار متفاوتة .. وزادت ثقلا ماديا وصارت كاهلا شهريا متعبا، ثم انها لم تعد تجدي نفعا مع انقطاع الكهرباء الوطنية لاكثر من 10 ساعات يومية في عدة مناطق ومحافظات، وبدا بشراء مولدات صغيرة شخصية، علها تكفي لسد حاجته في ظل حرارة الصيف التي وصلت لاكثر من 50 درجة.
اما المياه، فقصته اصبحت مأساوية اكثر، وهنا اتكلم عن مخيمات النازحين، التي تفتقر للمياه وبصورة يومية وكبيرة، فمخيم العامرية قرب الفلوجة، يوزع فيه يوميا 1500 قالب ثلج، الا انها تبدو غير كافية مع حرارة الجو واستمرار توافد النازحين، .. اما الحديث عن "الاسالة" ومياه الانانبيب التي تزودها الحكومة فتبدو القصة ليس لها خاتمة ولانهاية، فمن هنا برادات المياه ومن هنا خزانات اخرى فوق السطوح واخرى احتياطية في حديقة المنزل، نحو توفير اكبر قدر ممكن ان قطعت المياه.

الحلم الرابع : مستقبل زاهر!
ومع توالي الازمات الامنية والسياسية التي تعصف في البلاد، يتذاكر النازحون عند موائد الافطار .. كيف كانوا والى اين اصبحوا، ..حتى ظن الكثير منهن ان مستقبلي ينتهي اليوم عند وسادتي بنومي، فلامستقبل بعيد المنال ، ولااهداف مرجوة للعمل وليس هناك شيء يدعو للامل .. غير حياة كريمة وعيش متوسط يامن فيه على حاله وحياة اسرته، فالطموحات باتت محطمة في نيل النتائج وهي بمثابة محطة بعيدة الوصول لتحقيقها .. فكل سنة هي اسوا من سابقتها ..

الحلم الخامس : وظيفة مستقرة وحياة بلا ديون !
في ظل ارتفاع مستويات البطالة في العراق والتي تصل لنحو 30% من مجموع الطاقات العاملة الشابة العراقية، تستمر زحمة فرص العمل وندرة الحصول عليها، مع تواصل ازمة التقشف التي تعصف في العديد من الشركات والدوائر الحكومية، ونظام المحاصصة المتبع في اروقة مجلس النواب وفي اركان غرف الوزارات .. حيث الرشاوى والتعيين بالملايين.
هكذا اصبح الشاب العراقي النازح، اليوم مع تخرجه في أسوأ ضروف البلاد وأشدها قسوة .. مع شهادة جامعية طبية او هندسية او اخرى مرموقة، ليجد نفسه بائع متجول او عامل تنظيف في فندق وسط اربيل، لقد ترك اماله وطموحاته في ان ينال نصيبه من "العراق العظيم" الذي انحصر في نيله لفرصة عمل مناسبة تدير له عجلة الحياة وتترقب لحياة كريمة، الا انها اصبحت خيالا جميلا ورديا .. يعاني منه الجميع .. ويبحث عن تحقيقه الالاف ..

وختاماً ..

فان هناك الاف الاحلام الشخصية والعامة والكبيرة والصغيرة التي يفكر بها شعب "جمجمة العرب" وبالاخص "شعب النزوح"، الا ان الاعداء الذين يكيدون بهم من هنا وهناك .. ترفض استقرار هذا البلد الذي فيه من الطاقات والامكانات والخيرات مالاتجده في اي عالم وبلد اخر، .. وتبقى حدود الوطن ومفهوم المواطنة والعيش الكريم .. كخارطة وموضوع يدرس في مرحلة الثانوية .. وفكرة الدولة المثالية ونحو المزيد من الاحلام والمزيد من الخيالات بعيدا عن الواقع الاليم ..   

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا