دعوة لمراجعة حساباتنا المعرفية!


صلاح العبيدي

تبادر إلى تفكيري التساؤل الآتي
: لماذا لم يستطع الوسط الفكري والتربوي للحركة الاسلامية في العراق، أن يدفع للمجتمع العراقي مفكرين يشكلون  "ظاهرة " ثقافية وفكرية على المستوى الوطني، كظاهرة ملا عبود الكرخي أو الجواهري أو الدكتور علي الوردي على سبيل المثال لا الحصر؟!!...

فهؤلاء بالمجمل لم تخرجهم محاضن إسلامية، وهم إلى التيارات القومية أقرب، أو هم على أقل تقدير نسيج وحدهم...

وهم بالمجمل كذلك قد عارضوا أنظمة الحكم في زمانهم حتى لا يقول قائل انهم كانوا مسنودين من قبل النظام...

نعم إن صفنا الاسلامي قد تخرجت منه نماذج فكرية رائدة لست في معرض ذكرهم هنا، كان لهم الدور البارز في التأصيل والتنظير لزوايا العمل المختلفة، لكنني هنا أتكلم عن " الظاهرة الفكرية "، وليس عن أحاد المفكرين الذين اقتصر تأثيرهم على صعيد مؤسساتهم أو بيئاتهم المحلية...

اعتقد أننا بحاجة الى إعادة النظر في نمط التفكير، والمراجعة للأدوات المعنية بصناعة الرجال داخل مؤسساتنا... اذ المطلوب هو التأثير الفكري المجتمعي الواسع، لا المحدود...

وأعتقد كذلك أن المفكر نفسه الذي نصنعه إن لم يفحص ثقافته ومخزونه الفكري والمعرفي من خلال عرضهما على المثابات المعرفية التي يتواجد فيها النخب المثقفة العراقية كملتقيات المتنبي أو ندوات اتحاد الأدباء ونقاشات مؤسسة المدى وما شاكلها، فلن يكتب لرمزنا هذا التأثير على الصعيد الوطني فضلا عن أن يشكل ظاهرة معرفية عابرة للحدود.. هذا من جهة..
ومن جهة أخرى، فإن ركود ثقافتنا الاسلامية على لون معرفي واحد يتمثل في الطرح الاسلامي البحت سواء على الصعيد الفقهي أو الفكري، قد عزز من حالة الانغلاق الثقافي هذه...

فلم تتعرض مفردات ثقافتنا على محك النقاش مع من نختلف معهم في الثقافة ولم نختبر موروثنا المعرفي من خلال النزول به إلى ارض الواقع.. وكي أقرب الصورة أضرب المثال التالي:

فقد قال لنا الناصحون الاسلاميون ونحن في مقتبل عمرنا المعرفي بشأن الموقف من الحضارة الغربية: " خذوا من الغرب محاسنه واتركوا مساوئه"؟!... كي تلوذوا بخير هذه الحضارة، وتجنبوا مجتمعاتكم الاسلامية شرور الحضارة الغربية..

بينما علم الاجتماع الحديث وعلى لسان الدكتور علي الوردي يقول: إن " الحضارة " هي جهاز مترابط لا يمكن تجزئته، وأنها إن ترد على الشعوب فإنها تأتي بحسناتها وسيئاتها، وليس بالإمكان وضع رقيب على الحدود يختار لنا منها الحسن ويطرد السيء، فهي تيار جارف لا يمكن الوقوف في وجهه..

وهذه الحقيقة الاجتماعية هي مصدر الصراع بين الخير والشر، وبين الحسن والقبيح، فلولا هذه الثنائية المتناقضة لما استمرت الحضارات، ولما تطورت الدول، فهي من سنن الله تعالى في شعوب الارض..

لست هنا في معرض الفحص لصحة متبنيات كلا التيارين حول طبيعة المجتمعات وتأثرها بالغزو الثقافي، لكني على يقين من أننا بحاجة ملحة لعملية الفحص هذه في اطار حملة مراجعة شاملة للموروث الثقافي في بعده الاسلامي..


وأختم لأقول هي دعوة للمراجعة قابلة للحوار بطبيعة الحال من أجل مزيد من الإنضاج لأصل الفكرة....

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا