علمنة الأحزاب الإسلامية



د.احمد هاشم
لقد مرت الحركة الإسلامية بمنعطفات فكرية ومنهجية في تاريخها، سواء كانت تحمل تلك المنعطفات صورة تصادمية أم تراجعية، إلا أن الحدث الأبرز الذي يصدق عليه وصف المنعطف الأهم في تاريخها هو تحولها الفكري الشرعي، المنطلق من تراثها، الى المبادئ العلمانية التي كانت تغري جماهيرها بمحاربتها والعمل على استبدالها.
إن هذا المقال لا يبحث في نتائج القرار على مستوى النجاح أو الفشل، إنما يسلط الضوء على المرحلة الفكرية السابقة التي شكلت لدى قادة الأحزاب الإسلامية الاقتناع بتبني أفكار كانوا يعملون جاهدين على نقضها وبيان عورها.

إن بلورة الأفكار الإصلاحية عادة ما تتشكل بعد تشخيص المشاكل المجتمعية التي تولد فيها الأفكار، كاستجابة للتحديات التي تواجهها، وهي نظرية منطقية يفرضها المنهج الإصلاحي السليم، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية وتقسيم تركتها بين القوى الصاعدة، انبرى المفكرون والمصلحون الإسلاميون لصياغة فلسفة قابلة لمواجهة المشاكل التي وقعت فيها الشعوب الإسلامية؛ لتعيدهم الى ما كانت عليه، صياغة شمولية تشمل جميع مفاصل الحياة.
على هذا الأساس تشكلت أحزاب ومؤسسات اعتمدت في نظامها البنيوي هذه الفلسفة، سواء على الصعيد السياسي أو الدعوي أو التربوي، فخاضت الحركة الإسلامية بهذا المفهوم مسيرتها الإصلاحية بنظرة متكاملة غير مجزأة، معتبرة أن التفريق بين المشاريع الإصلاحية سيؤدي بالضرورة الى تصادم حتمي بين تلكم المشاريع.
إلا أن تلك المشاريع وعلى الرغم من التوافق على الصعيد الفكري وصلت الى مرحلة التصادم بل التقاذف وتبادل الاتهامات بالتقصير بينها على الصعيد العملي، فالسياسي يرى إن المشروع الدعوي بات يشكل عبء على المشروع السياسي، ويرى الدعوي أن السياسي قد وصل الى مرحلة التفريط بالمبادئ والقيم الفكرية التي تشكلت
لأجلها، وبين الفريقين غيبت الجماهير حتى غدت الاهداف عندهم تاخذ طابع الضبابية وفي بعض الأحيان طابع الاستفهامية.
فقررت بعض الأحزاب الإسلامية كحل للواقع الذي وصلت اليه أن تنفك عن الجانب الدعوي وتنفصل انفصالا كاملا عنه، معلنة بذلك تبني المسار العلماني سياسيا، وهذا الخيار يفرض تساؤلات من أبرزها:
-ما مدى صوابية النظرة الشمولية في العمل المؤسسي الذي كانت تنتهجه لعقود ؟
-هل كانت ممارسات تلك الأحزاب قبل الانفصال إسلامية؟ ام انها علمانية الممارسة، إسلامية اللافتة؟
-إتخاذ القرار والتحول جاء لأسباب خارجية ام داخلية؟
-ما مدى نسبة التقليد للغير في التحول من إسلامي الى علماني؟ ودرجة التشابه بين الواقع التركي والتونسي؟
-ما مفهوم العلمانية المتبناة؟ أهي جزئية أم شاملة لجميع مفاصل الحياة؟
-اذا كانت بيئة الصراع تتسم بطابع الصراع الديني فهل العلمانية من طرف واحد كفيلة بحل النزاع؟


في الختام إن الأجابة عن هذه التساؤلات في هذا الوقت الحرج الذي تمر به الحركة الإسلامية ووقوفها على مفترق الطرق، وما تواجهه من ضغوط خارجية واضطرابات داخلية أمر ضروري لا مفر منه، قبل الشروع عمليا بالتحول، لتفادي الردود العكسية من قبل الجماهير، أما الحكم على نجاح التجارب وفشلها فالأمر مرهون بالنتائج المرحلية التي ستجنيها تلك الأحزاب.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا