درس من خلق الكون على مراحل


 حسام الحلبوسي 

لابد وأن تتم كل عملية نمو وتقدم حقيقي في نسق تدريجي , خطوة بخطوة ؛ حيث تتبع تسلسلآ تطوريا طبيعيآ
فعلى سبيل المثال ؛ تذكرنا الكتب السماوية أن السماوات والأرض  خلقتا في ستة أيام . كل يوم كان له أهمية , وكل شيء كان له الموعد الذي تم فيه خلقه ؛ فالضياء كان له موعده الذي خلق فيه , وكذا الأرض , وكذا النبات , وكذا الحيوان , حتى انتهى بالإنسان .
على أن عملية التطور المتسلسل تلك تشيع في كل ميدان من ميادين الحياة .
  ففي طفولتنا , نتعلم كيف نتقلب في مهدنا , ثم كيف نجلس , ثم كيف نحبوا , ثم كيف نمشي , ثم كيف نجري , وتتميز كل مرحلة من تلك المراحل بأهميتها الخاصة بها , ولا يمكن إغفال مرحلة معها أو تخطيها .
وفي المدرسة , ندرس أولآ الحساب قبل أن ندرس الجبر , والجبر قبل حساب التفاضل والتكامل , لاننا لايمكن أن نفهم حساب التفاضل والتكامل قبل أن نعي جيدآ الجبر , وكذا الجبر لايمكن أن ندرسة قبل الحساب .
وفي مجال الإنشاءات , نحن نبني أولآ الأسس القوية قبل أن نقوم بإضافة أي أطر جديدة أو وضع اللمسات الأخيرة .
نحن نعي تلك العملية التدريجية ونتقبلها في ميادين الحياة المادية والفكرية لوجود مشاهدات تؤكد ذلك.
غير أننا في ميادين التطور الإنساني والتعاون الاجتماعي عادةً ما نعمد إلى الطرق المختصرة كبديل لعمليات التطور التدريجي، مثل العمد إلى المصلحة قبل الأولويات , والمحاكاة دون الابتكار , والجمال الظاهر المصطنع بدلآ من الجمال الأخلاقي ومكارم الأخلاق , والشكل دون الجوهر , والتظاهر دون الكفاءة والجدارة والقدرة الحقيقية , بل إننا قد نتجاوز خطوات ضرورية في محاولة منا لاختصار الوقت والجهد , وبعد ذلك نرجو لو نجني الثمار المرغوبة .
غير أن هذا الرجاء غالبا مايذهب سدى ؛ لأنه لا سبيل إلى الأساليب المختصرة  , طالما أنك تصبو إلى تنمية مهاراتك ومواهبك في الهوايات أو الخطابة وغيرها , وكذا الأمر بالنسبة لتنمية العقول والشخصيات , لا سبيل الى الطرق المختصرة . إن إنجاز أي أمر من أمور الدنيا , لا بد وأن يتم على مراحل ؛ لا بد وأن يكون هناك عمليات نمو وتنمية متعاقبة , وعلى كل مرحلة من مراحل وخطى النمو يمكننا تطبيق مفهوم خلق الكون في ستة أيام .
أعتقد أن الإجابة على تلك الأسئلة تبدو في غاية الوضح , فمن المستحيل بأية حال أن ترتقي إلى المستوى الذي تريده بينما أنت تتجاهل أو تتخطى أو تختصر عملية التطور تلك . إن هذا الأمر يخالف قوانين الطبيعة نفسها , وكل محاولة منك لا ختصار تلك العملية سيكون مصيرها الفشل والإحباط والتخبط , فأنا لو كان مستواي ضعيفآ في عمل ما , وأردت الارتقاء بمستواي لأصبح فية جيد جدآ , فلابد وأن أمر بكل مستوى أكون فية مقبولآ أولآ , ثم جيدآ , ثم جيد جدآ وهكذا , فلن تجدي الطرق الجانبية والمختصرة نفعآ , وكذا لن تجدي المظاهر مما ندعي به عن المهارة والحنكة .
وكي تتقدم في مستواك , لا بد وأن تقر بحقيقة تواضع مستواك , وأن ترفض أية لتجميله , مستواك بما يخالف الحقيقة.
إذا لم يمنح الطلاب معلمهم الفرصة للوقوف على حقيقة مستوياتهم من خلال طرح أسئلة عليهم , فلن يتعلموا أبدآ ولن يتطوروا , كما أن التظاهر لا يمكن أن يستمر طويلآ , ففي النهاية لا بد وأن ينكشف الأمر . إن الإقرار بالجهل عادة مايكون أول خطوات التعلم .


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا