لم نكتب ولمن نكتب؟؟!!


د. أسامة التكريتي


وضعت العبارة في جهاز الحاسوب فجاءني جواب عاجل .. تكتبون لمن لا يقرأ!!
اليس هذا من العبث وضياع العمر؟
أن تجهد نفسك وتعمل فكرك وتحاول جهدك لكي يلد قلمك ماتسطره، ثم ان هذا الذي يولد بعد معاناة  لا يجد من يتبناه..!
لدي مجموعة من الكتب الثمينة املأ بها رفوف مكتبة مفتوحة، وتمر الايام والشهور والسنوات لا اجد من يقلب صفحات واحد منها، وكم كنت افرح لو وجدت ان اجزاء من كتاب فقدت او ان أوراق من كتاب ما قد تهرأت او تمزقت ذلك انها بشارة حركة قد تفضي لخير وانتفاع، الا انها لا زالت تثقل كاهل الرفوف التي صفت عليها كيوم ولدت !!
عشرات المجاميع التي التقي بها اسألهم ... مجلة رؤية الالكترونية هل سمعتم بها فضلا عن تصفحها او قراءة بعض مباحثها فلا اجد الا رؤوسا تشير الى انهم يسمعون بها للمرة الاولى
واتحسر على الوقت الضائع والجهد المبذول والامة التي لا تقرأ
ويطالعك البعض في ان الكتاب المطبوع ماعاد له قيمة بجوار ألكم الهائل المخزون الذي يأتيك بكبسة زر.
وأتسائل كم مرة في الشهر كبست زرا من اجل ان تقرأ فصلا او صفحة في كتاب، واكتشف اننا مشغولون بالوجبات الخفيفة بعيدا عن الكبسة التي قد تسبب لنا عسرا في الهضم !!
حتى الذين يرتادون المكتبات قل فيهم من يبحث عن كتاب وأغلبهم تشغله اليوميات وهو يرصد الأثارات والفبركاتً الإعلامية والصور والنكات واخبار الرياضة والمسابقات.
الوقت مزدحم بما لا دور له في صياغة عقل المسلم وبناء شخصيته وثقافته، والزاد الذي يأخذ من يومياتنا الكثير يخف معه العقل ويضعف الرأي ويشوش النظر في الأمور.

نحن امة لا تقرأ.. ولا فخر!!
والبيانات المحلية والدولية تشير الى عمق معاناتنا في هذا الجانب، كما ان مناهجنا المدرسية في تراجع خطير حتى ليكون خريج الجامعة ذو بضاعة في الثقافة والمعرفة مزجاة، والا فدلني في العراق على عشرة مفكرين لهم انتاج عالمي معتبر، بل وحتى شهادتنا الجامعية وفوق الجامعية ماعاد لها اعتبار ولا معيار.
ولا غرابة في الامر.. ساحتنا الداخلية مسكونة بالهموم اليومية في جو يفتقر الى الاستقرار والأمان، وقادة بلادنا منذ اواسط القرن الماضي وانقلاب تموز شغلتهم الولاءات والانتماءات
وصار أستاذ الجامعة يتأسف على ان ضيع عمره فيما لا يعود عليه بما يقيم اوده او يصلح حاله
وتأتي النكتة المضحكة المبكية على لسان السمكري ليلوم أستاذ الجامعة على ان ضيع عمره فيما لا طائل وراءه، ويصير المنافق والمداهن اهلا للارتقاء والكسب في مجتمع يحكمه جهلة فسدة مقامرون.
وفي مثل هذا الجو يضيع العالم ويتوارى المثقف ويبحث عن لقمة العيش وراء الحدود، وفي مثل هكذا مجتمع ينحط التعليم وتسوء التربية ويتسمم الجو بالجهلة والعابثين، ويجر ذلك الى انهيار عام في كل مفاصل المجتمع ويحاول كل مقتدر ان يغادر الى حيث يجد نفسه.. وهنا لا يعود للكتاب والقلم والقرطاس موقع.
واذا تورط احد في ان يكتب فمن يقرأ؟
لذا فالعاقل يوفر على نفسه الجهد فيكسر قلمه ويغلق  بابه وفمه، فنهاية الامر معروفة لا تحتاج الى تفسير او تأويل.
امة تقتل نفسها وشعب ينتحر ودولة تتشظى وهو ما نحن فيه اليوم ولن يكون الغد افضل، الامر لأولي الامر في ان يصحوا على وقع الكارثة التي هم وبلادهم  فيها فيصححوا المسار ويستدركوا قبل فوات الأوان.
بدء بالطفولة التي لم تتشكل فيها المفاهيم والقيم والعادات لتنمو وفق المتطلبات بعيدا عن روح الكسل والتواكل والاوهام التي تفضي الى التخلف والفساد.
وان ينظروا في محاضن التربية و مراكز  التعليم والتدريب والتطوير لتواكب آخر المستجدات لدى الدول ولتكون وفق أهداف تحدد المطلوب كما ونوعا و تشجع الكفاءات وتنمي روح الإبداع وان ترصد لذلك من الجهد والمال اوفى نصيب.
صناعة العقول النظيفة المبدعة والقلوب العامرة بالايمان وبالمستقبل  بداية الطريق، وغرس القيم والاخلاق وروح الالتزام وصدق التدين والرغبة العارمة في الإصلاح، بعيدا عما أثمرته عقود التخلف والفساد وضياع الانسان واهدار دمه وكرامته وحقوقه.
ولا يكون ذلك الا على أيد حانية حريصة مخلصة تريد للبلد ان يقوم من كبوته وللأمة ان تستيقظ من رقدتها وللناس ان ينخلعوا مما هم فيه من سلبيات وممارسات  اوصلت البلاد الى هاوية وجعلتها عالة على البشرية بعد  حضارة ومدنية وتصدر لقرون من الزمان.
العدل اساس الملك وكرامة الانسان وحقوقه واجب في اعناق الحاكمين وهذا يقتضي حكما رشيدا وقضاء منصفا ويقظة ضمير.
اذا ما تقرر ذلك على لسان ويد من يقود البلاد، صار لكل منا دور وعليه واجب وفي عنقه امانة وعليه التزامات.
حينذاك سنكتب ونكتب ونكتب وسنكتب بكل مشاعر الانتماء والمحبة والرغبة في ان نكون جزء من مسيرة العودة والنهضة والارتقاء لننال شرف الشعور بالمساهمة في بناء وطن ونهضة شعب يريد للبشرية ان ترتقي وللناس ان يعيشوا بسلام.
حينئذ سنرى اثر ما نكتب في سلوك الحاكم والمحكوم وسيكون لما نكتب دور في مشروع نهضة الامة وسننزل شرف المساهمة في الاستدراك
ويقولون متى هو ؟ وأقول لعل الله يجعل ذلك قريبا.
انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون
فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء
وهو على كل شيء قدير.


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا