الشرق القديم والتغيير التركي

حازم الفلاحي
كاتب وباحث


ان النظر لأحداث الشرق المتسارعة سيجد انها لا تخص الشرق بل تخص المعمورة كلها ولكن محور الاحداث يدور حول وجود فكرة التحرر العقدية فحيثما وجدت وجدت الاحداث الجسام من حولها، وقد بدأت دراماتيكية الاحداث تلك مع أولى ساعات الغزو الأمريكية للعراق حتى توالت الاحداث وكانها تحدث رغما عنا دون تخطيط من بشر ولا اقصد على المستوى العقائدي بل على مستوى العفوية.
 وبنظرة سريعة على تلك الاحداث نجد تسلسلها ليس مصادفة بل بأولوية الخيارات لضمان ذلك التسلسل :
بدءا بسقوط بغداد
ثم هروب زين تونس
وبعدها مقتل قذافي ليبيا
اسقاط حسني القاهرة...
والقضاء على مرسي لأنه دخل المخطط عرضاً
ثم علي صالح اليمن
وظهور الحوثيين فيها
ومحاولة اسقاط اردوغان تركيا
أهي سلسلة مترابطة ؟ ام هي استغلال احلام الشعوب في اسقاط  الدكتاتورية؟
تساؤلات علينا أن نقف وقفات جادة في معرض تحليليها من خلال استقراء الدوافع وتوقع النتائج
إن هناك تناقضا شديدا بين توجهات اسرائيل وتوجهات الغرب الدينية إذ أن إسرائيل تعتمد مبدأ الثيوقراط في ديمومة الدولة وهو ذات المنهج الذي تعتمده إيران، وما تعمله دول الغرب واوربا هو رفض اقامة اي نظام ثيوقراطي آخر في الشرق، فليست السعودية ولا غيرها يسمح لهم بهكذا نظام، وهو نظام حكم يستمد شرعيته وسلطاته مباشرة من الإله، وتتكلم الطبقه الحاكمة فيه باسم السماء، وهو اقرب ما يكون لبعض التصورات المرسومة عن نظام الخلافة الاسلامية حيث إن الحاكم هنا يحكم باسم الاله لكن من خلال تطبيق دستور قراني وتنصيب للخليفة، وفق نظام الترشيح والانتخاب، بينما حقيقة الانظمة الثيوقراط القائمة هي ان الحاكم يتكلم باسم الاله دون أي دستور إلهي بل من خلال أفكار وقرارات مقدسة مهما تخللتها من تناقضات وتفاهات ومهما ظهرت منها الاخطاء المهلكة للشعوب   لان الحاكم هنا او مجموعته يعمل بصلاحيات الآلهة....
هنا يظهر التساؤل: لماذا تمكنت تلك القوى الحاكمة للارض الان من احتلال بغداد وقتل معمر وازاحة زين العابدين ومبارك وتوقفت عند الاسد في الحفاظ عليه ...
وتملص البشير باقل الخسائر على بلده بقبوله بالتقسيم!
بينما لاحظنا ذهول تلك القوى امام فشل الانقلاب في تركيا....
 ان مبدأ الثيوقراط هذا لم يعد في الأزمنة الاخيرة محصورا على الافكار الدينية بل تطور ليصبح شاملا بصورة تقتنع بها الشعوب وتوالي من يتبناها ويؤسس لها وما الشيوعية الا صورة من صور الثيوقراط اللادينية.
لقد اصبح لينين في روسيا وماركس في اوربا الغربية وماو في الصين كهنة الثيوقراطيا المعاصرة وتعامل الغرب معها بالرفض المطلق فنجح في مكان وفشل في اخر لكن مع بقاء سياسة الرفض واحدة لان مثل هذه الأنظمة تكون غالبا مستقلة في توجهاتنا تحكم بما تراه مناسبا لشعوبها ولا تسمح باي تدخل في منظومتها الحاكمة وادارتها، وبذلك تبقى مواردها خالصة لشعوبها او لأفراد في داخل منظومتها الحاكمة اي تبقى بعيدة عن متناول تلك الشركات وواسواقها تبقى باتجاه نتاجها المحلي، هنا يجب ان نعيد النظر لماذا اسقطت انظمة وبقيت انظمة ....
إن بغداد وصلت الى حالة من التقدم في الستينات والسبعينات والثمانينات   وغلفها مبدأ الحاكمية الثيوقراطة اللادينية ... وهو تمحور الشعب حول تقديس فكرة ينتجها الحاكم او يتبناها فتضفي على افكار  افراد مجتمعات تلك الشعوب فتسقط امامها الفوارق الدينية والمذهبية والعرقية والأثنية.
وسار السودان بذلك المنهج وحورب اشد ما يكون ولولا دعم النخب العشائرية والدينية التي اعانته لم يبق هو ولا حكمه ...
وهو ذات السبب في اسقاط مرسي في مصر اذ بدأت هناك ثيوقراطية دينية إخوانية غير مخطط لتصدرها في المشهد السياسي المصري ولم تكن بالحسبان اذ كان الامر مناطا بالبرادعي وامثاله وبدا الشعب المصري ينظر الى الانجازات التي بدأت تسطر الى شخص مرسي بفرح وامل، لكن حكومة مرسي لم تعِ الامر جيدا فاطيح به وبحكومته وبحزبه وجماعته .... ومبدأ المرشد هو ما يمنع الغرب من ترك الاخوان على المدى البعيد ....
وهو ما أسقط معمر وكتابه الاخطر وهو ما يمنع بشار من السقوط كون الخارطة الثيوقراطية آنئذ هي عابرة الحدود بين السودان ومصر وغزة والشام وتركيا....
فاقامة خط افريقي اسيوي اوربي ثيوقراطي ديني يمثل خطرا اعظم من اقامة خط شيعي بين اسيا وافريقيا لكون هذا الضابط رابطا هشا كون الحكم الديني لا يستتب بالأقلية هنا وهناك فستبقى بحاجة الى دعم دولي خارجي يزداد  بمرور الزمن، ولانها ستكلف الشركات العالمية اموالا طائلة تفوق ما تتوقعه من استغلال ثرواتها وفتح اسواقها تجاه بضائعها.....
ان المراقب للنظام التركي في زمن حكم أوردگان وجماعته سيجد ان تركيا أبدت توجهات جادة نحو التكامل الاقتصادي في جانب الزراعة والصناعة واصبحت صادراتها تفوق وارداتها باضعاف بالاضافة الى ما توفر لدى الدولة التركية من موارد سياحية ...لكن هناك أمران:
الأول: ان نظامهم الاقتصادي يناقض توجهات الغرب العولمية وان تمحور المسلمين السنة بكافة توجهاتهم المذهبية حول حكومة أوردوگان أظهر نوعا من الثيوقراطية المزدوجة: الاولى هي ثيوقراطية قومية داخلية- العنصر التركي القومي- وهذا ما جعل الاحزاب العلمانية بعضها يقف بصراحة مع الحكومة وبعضها أخر توجهه تجاه مساندة الانقلاب وبقي على حياد مدروس.. الأمر الآخر هو ثيوقراطية (عالمية الحكومة التركية) فان الشعوب المسلمة وخصوصا الخليجية منها حتى في مصر والكويت والامارات المعادية للاخوان والتي تحسب أوردوگان على الأخوان بتنا نسمع التأييدات وبوادر الفرح والبهجة على ألسنة علماء الدين والساسة والاعلاميين الا من يمثل حكوماتهم ولا يشكل ضغطا على تلك الحكومات لاحد من أعدائها، فصارت تركيا حلما يكاد يتحقق في اعادة هيبة الاسلام بسبب ما اصاب المجتمعات العربية والاسلامية من مآسي على أيدي شركات العولمة العلمانية وحكوماتها وأذرعها في تلك البلاد.
الثاني: على الحكومة التركية ان تعي ان الانتخابات القادمة ستكون خطيرة  وخطيرة جدا على حزب العدالة والتنمية الحاكم وان جماعة گولن كانوا يدعمونه لاسباب ظهرت بعد محاولة الانقلاب... فقد بات واضحا لعامة شعوب المنطقة ان هناك عداء دينيا من قبل دول الغرب المسيحية تجاه الاسلام والمسلمين، وان الغرب ولا يريد سوى افساد المجتمعات الاسلامية وعدم السماح لها باقامة شعائرها الدينية في مجال الحاكمية واختيار حكوماتها المتدينة وقد دعموا نماذج فاسدة أو ضعيفة ومن ثم سلطوها على رقاب تلك الشعوب.  

المطلوب من الحكومة التركية الآن ان تخطو الخطوات المهمة على وجه من السرعة والحزم مع مراعاة عملية فرز دقيقة لمن يؤمن بقضية گولن إيمانا نابعا من تصور فطري بريء وغرر به على هذا الاساس، ومن اتى وهو يعي ان المقصود ازالة اي تجدد او تحول تمارسه السلطات التركية الايجابية، واعادة تركيا هينة لينة تجاه الاوامر الغربية كما كانت اتاتوركية بحتة لكن بغطاء صوفي كمرحلة اولى العودة....
وأيضا اعادة النظر في توجهات الحكومة في المسارعة بتعيين الموالين للقضية التركية التي نشات منذ عقدين وتسير بخطى ثابتة في كافة مفاصل الدولة مع عدم طرد من ندم وتاب عن فعله لانه في النهاية مواطن تركي يُنتظر منه ان يعيل عائلة فكسبهم افضل من دفعهم الى العدو، ويتم ذلك من خلال توعية فردية وضمان عائلي بتركه الاعمال المعادية للدولة التركية تحت اي مسمى ولا باس بتأسيس تجمع ثقافي لهم لتغيير قناعاتهم.
كذلك فان على حزب العدالة والتنمية انشاء كيانات موازية علمانية تكون بالتوازي مع الكيانات العلمانية التي وقفت بالضد او بالحياد من الانقلاب لان هؤلاء قد سطروا نجاحات ومقبولية في المجتمع التركي الاسلامي المعاصر.
فلا يستبعد ان يكون بعضها ضمن الخطة ( B ) فعلى النظام الحاكم ان ينتبه الى ذلك بانشاء كيانات مشابهة موازية تحمل ذات الشعارات مع دعم غير معلن لان البشر جبل بعضهم على المعارضة دون موقف مفهوم حتى لو كان الشيطان هو المعارضة!
وكذلك التراخي في طلب الانضمام الى الاتحاد الاوربي الذي باتت طلباتهم سكينا حادّا على رقاب الأداء في الحكومة التركية....
وفي الاقتصاد يجب اعتماد مبدا الشركات العالمية العابرة للحدود التركية في كافة دول العالم... واستمالة راس مال يهودي او أوربي وذلك لاجل تخفيف وطأة التجمعات المعادية واثارة الفرقة الخفية والمتأصلة بينهم، لانهم دائما يتجاوزونها بايجاد عدو مشترك دائم ....
أيضا إخراج تركيا من المواجهة الغربية الاسلامية لان ذلك سيرهق مفاصل الدولة التركية اقتصاديا وتنمويا، وتحويلها الى مواجهة غربية غربية من خلال خلق فرص تنافسية لدول كبرى كروسيا وبريطانيا وعدم التعويل على المانيا وفرنسا لعدم استقلالية هاتين الدولتين في سياساتهما الخارجية ....

كذلك على تركيا ان لا تتورط في طرد الناتو او الغاء قاعدة انجرلك الجوية لانها ورقة ضغط قوية ممكن ان تلعب بها الحكومة التركية في كافة ملفاتها السابقة مع الغرب فالآن زمن التلويح بالعصا لا استعمالها واستحصال التنازلات من خلالها، فقد {مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} ومن مكر الله بهم ان تكون حاجتهم الى وجود عسكري جوي وارضي في المنطقة شديدة الى حد سماعنا لصرخات العسكر الغربي بالتخوف من اجلاء تلك القواعد بسبب سياسات حكوماتهم الخاطئة في نظرهم وتهور الساسة  

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا