لندع مائة زهرة تزهر

عصام العزاوي
كاتب وباحث


مشكلة هؤلاء الذين يفكرون بنمط وإتجاه واحد فقط. ويرفضون أي فكرة مناقضة أو مغايرة ويرفضون  الرأي الآخر، أي وصل مرحلة لا يدخل أي فكرة جديدة  لعقله (no input) ويكتفي بـ(الأحكام المسبقة).

بينما القران الكريم يأمرنا بالتفكر والتفكير ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون))، و(( علامة العقل المتعلم في قدرته على تداول فكرة دون أن يتقبلها)) كمل يقول أرسطو.
إحدى وسائل التحكم في الشعوب كما يشير نعوم تشومسكي هي (استخدام الجانب العاطفي بدلا من الجانب المنطقي) و استخدام الجانب العاطفي هو أسلوب كلاسيكي للقفز على التحليل المنطقي و(( الحس النقدي )) للأفراد بشكل عام، فاستخدام الجانب العاطفي يفتح المجال للعقل الباطني اللاواعي لغرس الأفكار والرغبات والمخاوف والقلق والحض على القيام بسلوكيات معينة.

من خلال  القرآن الكريم نلاحظ أن فرعون يمثل طرف التجييش ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾. بينما تمثل بلقيس ملكة سبأ الطرف الآخر وهو الدعوة للتفكير (قَالَتْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُاْ أَفْتُونِى فِىٓ أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ).

في عام ١٩٧٣ كان كل المحللين الاسترتيجيين الصهاينة يجمعون على عدم قدرة العرب على عبور (خط بارليف). ولكن تم العبور وتراجع الصهاينة.
لذلك بعد الحرب وضع الصهاينة قاعدة (١-٩). ومعناها إذا كنا عشرة أشخاص وأتفقنا جميعاً على فكرة أو موقف معين، فيجب أن يخرج (( أحد )) العشرة عن ((الإجماع )) ويقوم بجمع الأدلة والبراهين لرأي أو فكرة مغايرة ويحاول إقناع (التسعة) بصوابية رأيه، وذلك لتوفير السيناريوهات البديلة ووضع الحلول والبدائل تحت اليد .
 بإعتبار الظاهرة الإجتماعية والسياسية هي ظاهرة متغيرة ومتطورة ونسبية.

لا يجب التوقف عن التفكير والتأمل وتشجيع الحس النقدي وتشجيع الرأي والرأي الآخر . يقول الشاعر  هاني نديم :

ومتى تكفّ عن الكتابة؟
 وكيف تنتظر الصلاةَ
 وأنت على جنابة
 وهب أن النبوءة قد أتت..
ماذا ستفعل
 وقد علمتَ بأنه
 لا نبيّ.. بلا صحابة
 وأنك ما سألتَ ولو سؤال
 فكيف
 تأتيك
 الإجابة؟

حركة المائة زهرة تشير إلى فترة فاصلة في تاريخ جمهورية الصين الشعبية من عام 1956 – 1957 خلال الفترة التي شجع فيها الحزب الشيوعي الصيني تعدد الرؤى والحلول بخصوص سياسة التعامل مع القضايا الوطنية أطلقت تحت شعار "دع مائة زهرة لتزهر ومائة مدرسة فكرية للتنافس هو السياسة اللازمة لدعم الارتقاء بالفنون والعلوم وازدهار الثقافة الاشتراكية في الصين".

التفكير ضروري ضمن أفراد الجماعة الواحدة للوصول الى أفضل النتائج ، ويتقدم على الشجاعة والإقدام كما قال المتنبي :
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ
هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ
بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ

نسجل هنا عدة نقاط في دعوتنا  للتفكير والإبتعاد عن التجييش منها:
1- طرد الخوف و تشجيع العناصر على البوح بآرائهم و عدم التردد في انتقادِ كلِّ ما حولهم و تأكيدُ أن الهدف الأول للعمل هو تحقيق المصلحة التنظيمية و ليسَ إرضاء المدراء و لا إرضاء الزملاء إرضاءً شخصياً.
2- أن تجتنب القيادةُ طلبَ الآراء مع الإيحاءِ في الوقتِ ذاته بالرأي المفضَّلِ لديها سلفاً و تشجيعِ إعلانه و تبنِّيه.

3- تشكيلُ مجموعاتٍ مستقلة متعددة و تشجيع النقاشات المفتوحة.
4- مناقشةُ الأمور مع أفرادٍ من خارج المجموعات و إدخالُ عناصرَ متجددة إليها لإدخال أفكارٍ متجدِّدة.
5- حضور القائد الموضوعي النزيه الساعي إلى قبول مشاركة كل الأعضاء

هي دعوة مفتوحة للتفكير  والتأمل والإستماع للرأي والرأي الآخر ، كذلك الابتعاد عن مصادرة آراء الآخرين والحذر من المواقف المسبقة، وكما يقول المثل الصيني ( لندع مائة زهرة تزهر ).


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا