من تطبيقات الراشدين في الفقه السياسي


د. عبد الكريم العاني
أكاديمي وباحث


قد يقال قد اشبعت المسائل الفقهية السياسية للخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم جميعاً) بحثاً، فلا حاجة لنا في بحثها مجدداً، وهو أمر غير صحيح، لأن في فعلهم رضي الله عنهم سننا علينا اتباعها حيث الكثير منها حكمها حكم المرفوع، لذلك النظر في سيرهم وافعالهم وكيفية استنباطهم الاحكام أمر مقصود شرعاً لقوله صلى الله عليه وسلم : "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِين تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ"ِ فدراسة ذلك مهم لنا لمعرفة واستنباط الضوابط الأصولية للاحكام السياسية كون احكامهم تنضوي تحت مسمى السياسة الشرعية لأنهم حكام وأولياء لأمور المسلمين آنذاك، فمن المعلوم أنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن لأحد أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بعدُ: كتاب الله والسنة والإجماع والآثار، وما وصفت من القياس عليها([1])، فالصحابة رضي الله عنهم قد خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيادة الأمة، وإكمال نشر الدين، ومواجهة الحوادث بأحكام الشريعة، وقد برزت أمامهم ثلاث مهام عظام هي الإمامة والقضاء والفتيا، وقد رتبوا النظر في مواجهة حوادث هذه المهام الثلاث في ثلاثة مسالك هي: الكتاب والسنة والاجتهاد، مسترشدين بحديث معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُرْضِي رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم "([2]). والذي يتتبع المسالك الاجتهادية للخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم في السياسة الشرعية يجد أنها لا تتعدى ثلاثة وجوه:
الأول: بيان النصوص وتفسيرها.
الثاني: القياس على الأشباه والنظائر، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره"([3]).
أما الثالث: اجتهاد بالرأي: وهو ما يستند فيه المجتهد على قواعد الشرع العامة وكلياته التي عليها مدار الأحكام مستجلباً بذلك مصلحة أو دفع مفسدة، بمعنى فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد([4]).




([1]) الشافعي : الرسالة، ص 508.
([2]) أخرجه احمد في مسنده برقم (22153)، 5/242 واللفظ له؛ وأبو داود في سننه، وأبي داود سليمان أبن الأشعث السجستاني الأزدي (202هـ _ 275هـ)، في سننه: سنن أبي داود، (3592)، 2/202؛ والترمذي في سننه، الجامع الصحيح سنن الترمذي، برقم (1327)، قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل. ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: راوي الحديث شعبة رحمه الله تعالى بل هو حامل لواء هذا الحديث , وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به. وهو رأي الخطيب البغدادي أيضا، بقوله: قد قيل إن عبادة بن نسى رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم. ابن القيم : إعلام الموقعين ، 1/202.
([3]) ابن القيم: إعلام الموقعين، 1/203.
([4]) ينظر: الدرعان عبد الله بن عبد العزيز، التشريع والاجتهاد في الإسلام التاريخ والمنهج، (ط1، مكتبة التوبة، د.ت)، ص123.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا