تكرار الحج والعمرة .. عبادة ام لهو ؟!

أحمد الساجر
مهندس وكاتب عراقي

إن المتتبع لأحوال جماهير الأمة، بين أجيال الصحوة الاسلامية، وخاصة بين العاملين في مجال مشاريع العمل النهضوي والانساني والدعوي، يلمس بوضوخ ظاهرة انتشار العمرة والحج المتكررين- خاصة في شهر رجب وشعبان ورمضان - انتشارا غير طبيعي.
انتشار هذه الظاهرة بمسميات وشعارات رنانة وبهذه الطريقة، يضع عليها أكثر من علامة استفهام وتعجب، خاصة حين نعلم أن هذه الظاهر ليست معبرة بأي شكل من الاشكال عن الصحوة الاسلامية كما يشاع، وحين نعلم أن كثيرا من رواد هذه الحملات هم من الساعين الى الصيت والسمعة أو صـياتة _ كما في اللهجة العراقية _..! وأراك تبتسم وأنت تقرأ هذه الكلمات.
من الإشكالات أنك قد ترى كثرا منهم لا يُتقن حتى الوضوء ناهيك عن الصلاة، قد بل يتعدى الأمر إلى أنك إذا (تقربت منه) أفصح لك عن سر رحلته وترحاله، وتبين لك أنه لا يفقه من سفره إلى تلك الديار المقدسة إلا اللهو والمرح المباح وغير المباح احياناً أخرى.
لا بل المصيبة أنك قد تلحظ وجود فئات عرفت بماضيها السيئ، وفئات قد اكلت الحرام حين تسابقت الى مشاريع البناء والإعمار، وفئات قد ذهبت إلى أبعد من ذلك حين تلطخت اياديها بدماء الابرياء والشهداء.. ثم يدعي الجميع احتكار العبودية والتدين.. ويصدرون أنفسهم بذلك ويصدقون أنفسهم في النهاية..!
إن ارقام المبالغ التي تصرف في مثل هذه الحملات فلكية وخرافية، حيث تصل أحياناً كحد أدنى إلى 2000 دولارا للشخص الواحد خلال عشرة ايام، في حين أن جل ما ينفقه أو يتصدق أو يتبرع به هذا الشخص خلال عامٍ كامل،ٍ لا بل خلال عمره كله قد لا يتجاوز المئة دولار..!
هل نسينا الفقراء؟ نعم
هل نسينا الايتام وعوائل الشهداء ؟ نعم
هل نسينا عوائل الاسرى والمفقودين والمعتقلين؟ نعم
هل نسينا النازحين والمهجرين في الخيام ؟ نعم
هل تعلم أن الدخل السنوي لـ بلال الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاما والذي يعمل من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثامنة مساءاً والذي يكفل عائلة من أربعة أفراد بسبب وفاة والده على يد المليشيات، هل تعلم أن دخله هو وعائلته خلال عامٍ كاملٍ لا يتجاوز 2000 دولارا، حيث يستلم راتبا شهريا قدره 150 دولارا، ينفق لمصاريف مولد الكهرباء 50 دولارا في الشهر،  لتبقى 100 دولار لمصاريف البيت والعائلة.
تخيل معي .. الدخل السنوي لـ بلال (1500 ) دولار في 360 يوماً.
وكلفة العمرة في شهر رمضان لشخص واحد ( 2000 ) دولارا في 10 أيام.
إننا عندما نسلط الضوء على هذه الظاهرة بهذه الطريقة، ليس انتقاصاً من أحد ولا تجريحاً لاحد، بل نريد أن نوجه عدساتنا المكبرة لهذا المشهد الهزلي والعبثي والفوضوي لأداء هذه العبادة.
الا تتفق معي أن هذه العبادة قد شوهت، وقد غاب عنها بالكلية، المعنى الحقيقي لهذه العبادة، بالمقابل لهذا المشهد، فالفقر وتفشي ظاهرة البطالة وانتشار اعمال النهب والسلب والسرقة، وانتشار ظواهر الفساد في المجتمع، ما هو الا دليل على تراجع العمل الانساني بكافة أشكاله.
ألا يدعو كل ذلك للقلق ..؟
إن تشخيص هذه الظاهرة والوقوف على إيجاد حل علمي وعملي من أهل الاختصاص، لهو غاية ومطلب ملح في هذه اللحظة التاريخية، التي يتصاعد فيها التحول في كيان المجتمع بصورة بعيدة عن الآمال والاحلام.




شارك الموضوع

إقرأ أيضًا