اشكالية تاخير البيان في ايام الفتن، واثره السلبي في البنية الفكرية للمجتمع



 اشكالية تاخير البيان في ايام الفتن، واثره السلبي  في البنية الفكرية للمجتمع
د. ادريس العيساوي
اكاديمي وباحث
 من القواعد الاصولية المقررة والمهمة : ( لايجوز تاخير البيان عن وقت الحاجة) . ولا اريد الخوض في هذه القاعدة ، وتفاصيلها فهي معروقة , ومشهورة بتطبيقاتها لدى طلبة العلم وغيرهم.

 ولكن اردت الوقوف من خلال هذه القاعدة على مسألة مهمة ، وأشكالية كبيرة ومعقدة بدأت تنسحب اثارها على البنية  الفكرية، والعقدية، والسلوكية  لشباب الامة ، الا وهي  تاخير البيان ، وعدم توضيح الامور الملتبسة ، من قبل اهل العلم ، والمجامع الفقهية ، والمؤسسات الشرعية في النوازل، والملمات ، والفتن ، والحروب التي تتعرض لها الامة الاسلامية.

حيث اربك هذا التاخير الكثير من المسلمبن ، فولد فوضوية غير مسبوقة في الرؤية تجاه الاحداث الجسام الجارية ، اضافة الى الاثار السلبية  المتمثلة في اصطفاف بعض الشباب مع الاقكار الضالة ، والمنحرفة التي تنخر في جسد الامة  ، واصطفاف البعض الاخر مع كل من يعادي هوية ، وتاريخ ، وحضارة امتنا كردة فعل ؛ بسبب غياب الرؤية الواضحة ،والضبابية في المواقف تجاه الصراعات الدائرة ،والمشاكل المركبة في عالمنا العربي  والاسلامي.

وهناك الكثير من الامثلة التي ادى فيها تاخير البيان الى جملة من الانقسامات الفكرية ،والمجتمعية ، فعلى سبيل المثال عندما دخلت داعش المناطق السنية في العراق بعد عام ونصف من الاعتصامات السلمية، وانكسار الجيش ، وجميع الاجهزة الامنية ، احجمت الكثير من المؤسسات الشرعية  وغيرها في بيان الموقف ازاء هذه الحالة الجديدة التي قوضت فيها داعش كل معاني المؤسساتية بما فيها الخدمية ، وخطفت الملف الامني على حين غرة من اهلها ، وضيعت مطالب الجماهير التي نادت بها بسلمية قل نظيرها في العالم، واستعدت عليهم الأمم شرقا وغربا، الامر الذي دفع اهالي هذه المناطق الى اتخاذ المواقف الفردية المتباينة تجاه هذه المرحلة بعد ان غابت قي داخلهم معاني المرجعية ، واهتزت الصورة المثالية التي رسموها لتلك  المؤسسات ، فاتسعت الهوة ، وزاد الشرخ المجتمعي ، وتفككت الاواصر العقدية ،وضعفت النزعة الايمانية بسبب عدم وجود اجابات شافية لاستفهاماتها المتكررة ،والملحة  ...

أين نحن من هذه الاحداث؟ وما هو الأخيار الأنسب؟ ومع أي الرايات ننحاز؟ ام نعتزل جميع  هذه الاصطفافات؟  هل من الأفضل البقاء في المناطق التي  يسيطر عليها داعش؟ أم الخروج؟   ...


ولو استنطقنا التاريخ لاخبرنا بأن القيام  بوظيفة البيان والإيضاح في مشكلات الأمور في جميع المدلهمات كانت ضابطة لبوصلة الجماهير من الانحراف العقدي والفكري ، واسهمت بشكل كبير في المحافظة على هوية الأمة من الضياع     ...


وهذه الاشكالية  اعني :( تاخير البيان) تاتي نتيجة حتمية ، لجملة اسباب منها:
حالة الهوان ، والخور ، والتبعية التي أصابت الامة على جميع المستويات،  وضعف المؤسسات الشرعية في الدراسات  المستقبلية ، والتخطيط الاستراتيجي ، و الارتجال في اتخاذ القرارات ، مع عدم دراسة مآلات الأمور، وتغليب الجانب العاطفي على  العقلي ، وعدم تمكن هذه المؤسسات من قراءة طبيعة المرحلة، وحجم الصراع الدائر، مما جعل اعداؤنا يوظفون هذا الإحجام ،والتلكؤ  لصالحهم ،واللعب على المتناقضات هنا وهناك. ...

هذا الإشكال اذا لم نتداركه في المستقبل سيكون شبابنا صيدا سهلا للأفكار الهدامة ، والفرق الضالة، والدعاوى الالحادية ، وسنفقد البنية الفكرية  الرابطة ...

ولا يليق بالعلماء التخلي عن دورهم  في التوجيه والتبيين تحت أي مبرر أو مسوغ ، خاصة عندما تتشابك الأحداث، وتختلط التصورات،  وتنعدم الرؤية ،وينشط دعاة، الباطل والضلال ،يكون الإيضاح  لزاما ، وواجبا على المؤسسات الشرعية ، والمجامع الفقهية  في تحديد المسار، وتجلية الحقائق، وضبط البوصلة، وفرز الرايات ليكون المجتمع على بينة من امره ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.

 



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا