العلماء وازمة الفكر



العلماء وازمة الفكر
          د.صباح السامرائي
اكاديمي وباحث
لعل مقالي هذا لا يروق للبعض من مستهل عنوانه - ورب عنوانات خدعت قارئها-
لو طالعنا العالم الاسلامي في مختلف بقاع ارضه المترامية الاطراف سيشد انتباهنا كثرة الجامعات والمعاهد التي خرّجت وتخرّج الفقهاء أو دارسي الفقه ولعل الكثرة  تتفاوت بين بقعة واخرى ولكن لو اخذنا لبنان مثالاً ،والتي لا يزيد فيها عدد أهل السنة على مليون ونصف المليون، فهناك ما يقارب عشرين معهداً وكلية ًوجامعة ًتدرّس الشريعة الإسلامية... والنتيجة بمجملها كرّست لدينا  مشايخ ومدرسين ولكن اذا ما استهوتنا ايجابيات العنوان، فلا يجب ان نغفل عن اشكالية النوع.
ان مدارس الفقه والازهر وغيرها التي تخرج العلماء الافذاذ ممن يحملون علما وفقها وحديثاً وغيرها من علوم الشريعة هي نفسها التي خرجت الحسون وشيخ الأزهر ومفتي مصر ومحمد نصر الذي قال بكل صراحة ان الراقصات اكرم واشرف من المنقبات والمخمرات  كل هؤلاء وغيرهم درسوا وتخرجوا من معاهد العلم الشرعي وجامعاته ولكنهم للأسف افتقروا الى الميزان الذي يدير دفة الحق في عقولهم.
اذن هل المشكلة قلّة المشايخ حتى يكون الحل في تكثيرهم ..
اظن ان المشكلة التي تفاقمت على مر عقود مضت تكمن في ازمة فكـر لا أزمة مشايخ ، وما يثير الغرابة أنك لا تجد مؤسسة، الا في النادر جداً، فيها فرع يدرس الفكر الاسلامي، وانما تجد الغالب على الكليات العناية بالفقه الإسلامي ...
انني ازعم ان الهجمة اليوم على الاسلام تستهدف كينونته حين بدأ الزخ الواضح بتجنيد معممين تؤهلهم شهاداتهم ان يظهروا بزي المتحدث بسم الدين، فظهر لنا هنا وهناك مشايخ علمانيون وفسقة يُحلّون ما حرّم الله بسم الفقه الذي يدّعون المعرفة به، وانتج حماة للظلم والظالمين وأبواقاً تنعقُ بالباطل مرتديةً زيَّ الفقه والحديث والقرآن بل والسيرة ويلوون عنق المعاني لتناسب انحرافاتهم العقدية.
لابد ان يتنبه العاملون في حقل الدعوة والقائمين على مؤسسات التعليم الشرعي اننا لو حوّلنا نصف المجتمع الى مشايخ لن نجد العلاج للمجتمع، بل ربما سنزيد الطين بلة
لأننا نريد فقهاء مفكرين يتلمسون الداء وينزلون الى الهموم المجتمعية وتفاصيلها ، مدركين لمتطلبات المراحل ويكونون مسلحين بالفكر الذي يُحسن متى يكون استعمال نصوص الشرع بنصه ومتى بروحه، ومتى تكون الشدة ومتى يكون اللين، عارفين مكامن الخطر في الانحدار الى تقزيم الدين بل وتدجينه وجعله سلاحاً بيد الطغاة ليُضرب الدين بسم الدين نفسه.
وبين هذا وذاك نحتاج ان نُعنى بعلم الاجتماع ،وقوانين سير المجتمعات، وأن نسبر أغوار علم النفس وأن نبحث عن المداخل المناسبة وحسن تخلص يحفظ هيبة الدين.
لن ادّعي ان هذه الدعوة سيراها الجميع بعين واحدة ولكننا اليوم نقف امام معادلة صعبة مؤلمة، بين مُتاجر بالدين سلب روحه وباعه في سوق الخردة، وبين مخلص عاجز يندب حظه، تتفطر روحه ألما على دينه، مكتفياً بدعاء البائس اليائس.
نحتاج الى فقهاء يحسنون السياسة ويدركون ألاعيبها وان لم يلعبوها...
نحتاج الى مشايخ تخللت افكارهم وتشربت بالدراية بعلم الواقع ...
نحتاج لقمم تنظر نظرة مستوعبة لمحيطها بوديانه وسهوله وآكامه..
وسنبقى نتغنى بالعز بن عبد السلام وامثاله، ولكن ستبقى أعيننا ترقب حفيداً لأفعالهم.



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا