الجمعة المفرقة


حازم الفلاحي
كاتب عراقي


بين فترة وأخرى يخرج علينا "الشيخ فلان" او "فلان" بخطاب جميل يقوم فيه بتحليل الواقع المعاصر واستقراء أحداث العالم من حولنا ثم ياتينا في نهاية الدرس او الخطاب او اللقاءات التلفازية الوعظية بجملة نظريات حول اسباب انهيار العالم الاسلامي من حوله ودائما ما يكون الكلام جميلا منمقا مسلسلا ترى من خلاله نظرة ثاقبة لصاحبها.
ولكن تلاحظ ان صاحب ذلك الطرح موقفه واضح في انه في النهاية سيخبرنا ان لا منهج صحيح سوى منهج واحد، وذلك جميل طبعا، واي منهج هذا ايها الفطين؟ سيقول لنا: ما عليه انا وصحبي! والــ(أنا) هنا يدعي انها تعود لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في حديث الفرقة الناجية والذي استخدم خير استخدام في تفريق الامة واضعافها وجعلها أشتاتا متناحرة ولو دققنا لوحدنا ان الــــ(الأنا) تلك تعود له فقط ولجماعته فمثلا لو دققنا في اكثر المدعين في زماننا هذا واكثر من اوغل اذى في جسد الأمة الاسلامية لوجدناهم من يدعون منهجا في اتباع السلف -ولنا قفة اخرى مع هذا المصطلح- ان شاء الله -.
طيب يا "أخ" يا "شيخ" يا "أستاذ" ما هو الحل في رأيك؟ يقول لك: أنا وصحبي، من انت وما هو منهجك؟ ستجد انهم ربما أنكروا حتى من اتبعوه وتابعوه، واعتمدوا منهجا عاما مستخرجا من أقوال الرجال بطريقة أو أخرى والآخر تجده اختلط عليه الأمر فأخذ بالميسر من هنا وهناك وقال هذا باب النجاة ومفتاحه ما عليه انا وصحبي ....!
وهذا أو ذاك لم يكن وحده في الساحة فكل دولة كانت تتبنى منهجا لها ليس المقياس المعتبر في الاختيار هو قربه من الحق او بعده عنه, بل هو من يستطيع من رؤوس ذلك المنهج او هذا ان يخدم ذلك الحاكم وحكومته ودوام وجودها ...
والى ساعتنا هذه نلاحظ ان تناقض الفكرة البشرية-الدينية التي تصل الى حد الأصول والثوابت قد جمعتهم السياسة والاطماع المالية وفرقتهم الرغبة في التوحد والانقاذ, والا فما يبرر ان تكون حكومة شيعية متطرفة في بلد ما تقرب سلفية متطرفة اليها وتتعاهدها بالحفظ والدعم المالي والاعلامي والأمني من اي مليشيا او متابعات حكومية مفتعلة كعادة حكامنا في التعامل مع من يخالفهم او ممكن ان يضررهم ولو في توقعات مستقبلية....
وغيرها وغيرها من متناقضات الواقع القائم لا على أساس التعايش وحقوق وحرية الأفراد في التمنهج والتفكير بحرية من منطلقات انسانية تحت مظلة الديمقراطية.
وهذا جل ما نعانيه اليوم في حياتنا المعاصررة كمجتمعات اسلامية منذ زمن الترف الفكري حين فتحنا ابواب الصراع المذهبي فاسقطت مهابتنا من قلوب اعدائنا فاحتلوا بلادنا واوغلوا في جهالتنا...
ثم صورنا الصحوة الاسلامية في منهج واحد وكل ما خلا فهو بدع وتخلف. 
لم ننظر الى البدع على انها بدع بل على انها نتاج مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية واليوم ثلة من صغار الاحلام تتحكم بالاسلام في ادارة مرعبة, مهما قلنا عنها ان الغرب ودوائر الصليب والماسونية هم من صنعوه لن يكون مبررا لنا أمام الرب يوم نلقاه في كل ما قدمناه من افكار تمحورت في بغض الاخر وتسفيهه بل تكفيره...
واذكر كلمات كان يتداولها الشباب في مساجدنا حين كنا صغارا متحمسين لديننا حين لا يتفقون مع اخر فأول ما يقال عنه: (خل يولي تعبان) !!
ثم تطور المصطلح بعد ذلك الى ان وصل الى اخراج من كان "تعبان" من ملة الاسلام فُرادا ثم تطور الى تعميم الحكم المعاصر هذا الى من يصاحبه ويسير معه ثم وصل الى تعميمه على مساجد المسلمين ثم الفرق الاسلامية المعتبرة حتى صاروا يتلقون آراء الفقهاء بالإهمال ثم الاتهام بالبدع والظلالة في احكام فقهية صنفها اهل العلم في بوابة الاحكام الظنية ويتبنون خلافات العلماء العلمية ولا يتبنون اخلاقهم في التعامل مع تلك الاختلافات في التأويل والتفسير لما وصلوا اليه من ادلة كل حسب اجتهاده وثروته العلمية الهائلة ...
من جملة ما نذكره من مقدمات هذا المرض الفتاك في جسد الأمة ان الشباب كانوا يتواصلون مع ببعضهم قبل يوم الجمعة ليس لأجل تهيئة مسجد منطقتهم او الابكار في الحظور بل للذهاب الى مسجد بعيد غير القريب وعند الاستفسار عن غيابهم عن جمعة مسجد سكناهم: لماذا لم نركم اليوم؟ يؤلون ذلك في سببين الاول فيه حقيقة ربما ...
والاخر اصل الحقيقة بلا شك ....
فاما الاول كان لسان حالهم بل وتصريحاتهم تقول: أن هذا الشيخ عليه احد المؤشرات التي تمنعهم من الصلاة خلفه إما ... أمنية...أو بدعية... أو اخونچي ... أو صوفي ...أو وهابي ... أو ...أو... أو... يطول التعليل.
وأما العذر الآخر وهو غالبا الحقيقة الغير معلنة فهو: الرياء والسمع فيما تعصبوا له من فكرة او تمنهجوا له من منهج ما...
الان نحن نعاني من كل تلك التفرقة التي حقيقتها الثابتة هي انظروني انا وجماعتي نحن الفرقة الناجية ما عليه انا وصحبي...
صارت الجمعة مفرقة لا جامعة وصرنا في ديننا كلنا رؤوس كمزرعة دوار الشمس نتبع وهج الاشعة الساقطة فاذا غابت طأطأة الرؤوس ذليلة تنتظر الصباح.

بينما نحن لانتدبر الحق من وراءه... فتلك الزهرة عذرها الله فطرها على ذلك المنهج فنتاجها عظيم منظرا وثمرا ... ولكن زهرتنا ما عذرها في قبيح فعلها ونتن عطرها وسوء نتاجها، ليس لها عذر سوى تزوير مفهوم: "ما عليه أنا وصحبي"، ثم تاتي الجمعة تلو الجمعة ونزداد الأمة فرقة وضعفا..

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا