الأمة العراقية والمشترك الإنساني


عمار وجيه
كاتب وسياسي


يوم تضع الفتنة أوزارها وعسى أن لا يكون بعيداً، سيبقى المشترك الإنساني حاجة بل ضرورة يسعى لتحصيلها الحكام والمحكومون معاً. فأربعٌ من الضروريات الخمسة إنسانية ولا خلاف حولها بين الأمم، وهي حفظ النفس والعقل والنسل والمال. ويبقى حفظ الدين وهو أعلى مقصد، من خصائص أمة الإسلام.
نحن العراقيين بجميع شرائحنا وفي مدى قرن من الزمان لم ننعم مجتمعين بالسلام. فما من عقدٍ إلا وفيه تنغيصة وغصة تصيب شريحة أو مدينة أو مجموعة محافظات. فإن أمن العرب، خاف الكرد. ولو غنم الشيعة، غرم السنة، وحتى الإيزيدي الذي كانت تحيطه أعلى درجات الأمان وهو في الشمال الغربي متكئاً على المثلث التركي السوري، مجافياً لإيران، لم يسلم من معادلات الموت الزؤام.
في السنوات قبل الاحتلال كانت فئة حاكمة تعنى بإدارة شؤون البلد وتتعامل مع التهديدات برشد أو غيّ، وكان تسعة أعشار الشعب لا شأن له. ولكن بعد الاحتلال أمسى الكل معنياً ومهموماً ولم يسلم حتى الصبيان. والحقيقة أن الأغلب يدورون في فلك الأحداث التي تصنعهم ولا يصنعونها، ويلعب بعضنا مع بعض لعبة صفرية إلى حد ما. 
الخطر المتنامي اليوم يقتضي فيما يقتضيه تأسيس تيار فكري لا يدور في غسّالة  اليوميات السياسية كي يسلم من تأثير القاصر ومساحيق غسيل الدماغ. هذا التيار يجب أن يتمتع بجدية للاهتمام بالمشتركات الإنسانية التي تؤسس لثقافة سلم أهلي طويل الأمد، وربما ينجح مستقبلاً في أن يكون خيمة لحوار ثقافي حقيقي أسوةً بالغرب. 
المجاميع الشبابية التي تدعو للتطبيع والموادعة والتعايش لن تكون الأمل الوحيد للأمة فهي أقرب إلى مؤشرات خير وبوادر نقاء منها إلى أن تكون مشروعاً واعداً. كما إن امتدادات تلك المجاميع الشبابية إما أن تكون أوروبية أو أمريكية أو إسلاموية محورة، ولا ضمانة من عودة انحيازها واصطفافها تحت لافتتها الطائفية أو القومية لو اتّقد الجمر الخابت تحت الرماد من جديد لا قدر الله. 
المعول عليه أن تنبري فئات من ذوي الخبرات متعاونةً مع منظري الأحزاب والتيارات للاتفاق على المشتركات الإنسانية والترويج لها على هيئة برامج تزرع الوعي في الجيل الناشيء وتستهدف المنتمين للأحزاب والجماعات قبل غيرهم لأن صلاحهم صلاح المجتمع فهم الأكثر إقداماً والأقوى شكيمةً والأرسخ اصطفافاً.
 وأي حلم في أن تتبنى الأحزاب والتيارات ثقافة إنسانية مشتركة، ثم تختلف في البرامج السياسية؟ وفي الأخير فإن مآل مظاهر العنف أن تتقلص لأنها إن استمرت ستدمر مشروع من صنعها. ومن سوء طالع قادة المليشيات أن أغلبهم مصيره القتل، ثم يحصد  السياسيون المكاسب ويتنعم بها أولادهم.
الخطاب القرآني الموجه للناس دليل إرشادي واضح على أهمية المشتركات الإنسانية فهي مقدمة للانتقال إلى واحة الإيمان، لكنها قبل ذلك تجمع الناس في ظل دوحة الإنسانية الواقية من حرّ الوحشية وشريعة الغاب.
ومن نماذج الخطاب القرآني للناس ما يدعو للتعارف والاعتراف بالآخر، وللاهتمام بالنسل والأرحام باعتبارها لبنات المجتمع، وللتواضع للخالق وهو مقدمة للاتفاق على القيم والثوابت، ولعدم التهافت نحو زينة الحياة الزائلة وهو مقدمة للتضحية لأجل المجتمع:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، 
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ...وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام)،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ)
  


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا