روسيا السمراء


د. أحمد رشدي
أكاديمي وباحث
       يبدو ان قساوة الشتاء و البشرة الناصعة البياض أصبحت في خبر كان في حياة الروس فقد ضمنوا بلا ادنى شك شمسا جميلة وأسمرارا دائما على شواطئ اللاذقية و طرطوس في سوريا و طبعا هذا ثمن القضاء على ارهاب داعش و العصابات المتطرفة الاخرى حسب قول الروس لكن لنفتح ملف روسيا في سوريا و بشكل أدق و اعمق .
تدخلت روسيا عسكريا وبشكل مباشر مرات عديدة خلال القرنين الماضي و الحاضر والامثلة كثيرة لعل اشهرها افغانستان و جورجيا و الشيشان و اخيرا اوكرانيا و هي كلها تشترك بسمة واحدة – الجيرة -  ولكن وللمرة الاولى تطأ اقدام جندي روسي أرض بلاد بعيدة
 وهنا يتبادر الى اذهاننا : لماذا سوريا ؟  هل لأن نظام الاسد بات سقوطه وشيكا ام ان القوات و الدول و المنظمات العسكرية المساندة لنظام الاسد أصبحت غير قادرة على صد هجمات المعارضة السورية أم أن داعش أصبح خطرها يتعاظم وقد يصدر انتحاريين الى موسكو اذا تمكن اكثر ؟
مايعرف عن الروس انهم يمارسون سياسة Coercion  Hard Diplomacy and Soft أو ما يسمى سياسة "الدبلوماسية الصارمة و الاكراه اللين " في تعاملاتهم مع دول العالم الاول و خاصة أوربا و يبدو أن ما حدث في أوكرانيا  دلالة واضحة لما يمكن للروس ان يقولوا ويفعلوا مع الغرب و لنعد الى الملف السوري فليس هذا النوع من السياسة غائبا عن ما يحدث هناك ، فالروس نشروا صواريخ أرض – جو متطورة من نوع "S-300" و S-500" " وكذلك صواريخ أرض – بحر متطورة من نوع "Oniks800-P" بالاضافة الى قوات برية مكونة من 3000 عنصر و عدد من طائرات الهليكوبتر و المدرعات و حاملات الجنود و طرادين وهنا تبدأ الاسئلة : لماذا صواريخ مضادة للطائرات و السفن وداعش و المعارضة قوات برية لا تملك طيرانا ولا بحرا ؟ و لماذا هذا العدد البسيط من القوات البرية الروسية اذا كان الهدف القضاء على داعش وهي متواجدة بعيدا عن شواطئ البحر المتوسط ؟
لنرجع الى سياسة الدبلوماسية الصارمة و الاكراه اللين لنجد جزءا من الاجوبة الصريحة ، فالصواريخ المضادة للطائرات و السفن وضعت لإكراه الناتو وامريكا على التفاهم حول سوريا و اوكرانيا دفعة واحدة ذلك لأنها لن تسمح بطائرة مقاتلة واحدة و لا طراد او فرقاطة عسكرية بالتقرب من السواحل الشرقية للبحر المتوسط دون علمها و ذهبت فكرة تركيا حول"مناطق منع الطيران"   No Fly Zone ادراج الرياح بل أن روسيا الان استطاعت ان تعرقل مسالة استخراج الغاز من البحر المتوسط و فكرة مد انبوب الغاز الى اوربا من الخليج وحتى تصدير النفط السعودي الى البحر المتوسط  .
ولا ننسى أن بوتين يفكر بروسيا القيصرية أكثر منه بروسيا الاتحادية وخاصة مسألة الوصول الى أورشليم - القدس وحمايتها فبالاضافة الى أهمية القدس للكنيسة الارثودوكسية الشرقية فهي كانت و مازالت مثار أهتمام القادة الروس لأنهم يؤمنون بمقولة "من يسيطر على أورشليم يسيطر على العالم كله"  

من هذا كله نكتشف لماذا اللقاءات المتواصلة بين بوتين و أوباما و لماذا الرحلات المكوكية لوزير خارجية المملكة العربية السعودية و لولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولماذا الخلية الاستخبارية الرباعية في العراق و لماذا عنونت صحيفة هآرتس زيارة نتنياهو الى موسكو بأنها " بداية لعهد مابعد أمريكا في الشرق الاوسط" ، ويبقى سؤال واحد هل تستطيع روسيا الصمود في مستنقع الشرق الاوسط طويلا وهي تعاني من مشاكل اقتصادية جمة ؟ أم أن المسألة لا تعدو الجلوس تحت شمس البحر المتوسط لفترة و من ثم الرجوع الى ثلوج موسكو و شتائها القارص ؟

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا